الرأي العام 24 أغسطس 1996 |
أفضل خيارات العرب مع إسرائيل: التطنيش أولاً |
عكست الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة اهتمام دول العالم الصناعي ومن يسير في ركابها بضرورة استمرار ما يسمى بمسيرة التسوية السلمية في الشرق الأوسط وأبدت الكثير من هذه العواصم ولو من الناحية الصورية تأييدها الضمني للجناح اليساري في اسرائيل بقيادة شمعون بيريس ولم تتحفظ الكثير من الحكومات عن إظهار قلقها على “السلام” في حالة فوز المتطرف اليهودي بنيامين نتنياهو بمنصب رئاسة الوزراء، وهو ما تحقق بالفعل. ولم يتردد نتنياهو بدوره في ترجمة برنامجه السياسي فيما يخص التسوية مع العرب خصوصاً ما يتعلق “بالتنازلات الإسرائيلية” في إطار الأرض في مقابل السلام، بل عمل رئيس الحكومة الصهيوني الجديد ومنذ أول يوم من استلامه السلطة على إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء في شان “الالتزامات” السابقة التي قبلتها الحكومة السابقة اثر معاهدات السلام المبرمة مع الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما أغلق نتنياهو ملف القدس والمستوطنات والجولان تماماً ومن المؤكد ألا يتعرض الرجل إلى أي لون من الضغوط السياسية من قبل عواصم الأحداث لاسيما في واشنطن والدائرة الشرق أوسطية نفسها، وهذا ما يوحي بان الاستهتار الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة سيستمر بشكل سافر على مدى السنوات الأربع المقبلة وستنجر الحكومات العربية بكل سذاجة إلى أصول اللعب التي يحددها نتنياهو خلال المرحلة المقبلة. وقد ظهرت مؤشرات انجراف العرب مع الطريقة اليهودية بالفعل على الرغم من الضجيج واللقاءات الشكلية التي أخرجت الدول العربية من “المولد بلا حمص” مثل كل مرة. فحالة الاستنفار السياسي التي شهدها العالم العربي والتي وصلت إلى حد عقد قمة هي الأولى من نوعها منذ ست سنوات كردة فعل إزاء الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها وإعادة سياسة “الصراخ” الأجوف إلى الأذهان تعتبر دلالات على قدرت إسرائيل في التحكم بأرضية الملعب السياسي وفرض قواعد اللعبة الخاصة بها. وقد تحولت هذه القدرة بالفعل إلى إحدى المسلمات والعقد التي ابتلى بها بعض القيادات السياسية العربية في أوقات الحرب والسلم على الرغم من عراقة هذه القيادات العربية في مقابل التنوع السياسي والإيديولوجي وحتى الشخصي لرجالات الحكم في إسرائيل وقد أشار نتنياهو شخصياً إلى حالة العقدة العربية هذه خطابه أمام الكونغرس الأمريكي عندما دافع بقوة عن مواقفه الرافضة للسلام حتى على أسس القرارات الدولية ومؤتمر مدريد بل والتزامات سلفه السياسي، وفرض شروطه الخاصة بتجزئة المسار السوري اللبناني وإعطاء الفلسطينيين “بومبة” حيث قال بأن العرب سيعترضون على هذه الاقتراحات بقوة في البداية ولكن يبدأون بالتراجع تدريجياً حتى يقبلوا في النهاية. وهذه سنة عربية نجح الصهيوني نتنياهو في استنتاجها بسهولة ودقة. وحتى يجس النبض ويجر العرب في هذه الدوامة من جديد ويلبس العرب معه “طاقية” رفض التسوية طرح نتنياهو ما يسمى ب”خيار لبنان أولاً” ولسنا بصدد تحليل الأبعاد السياسية والإستراتيجية للبنان في الملف الإسرائيلي أو المصالح المرحلية التي سيجنيها اليهود في رفض هذه الأطروحة أو انعكاسات حرق الورقة اللبنانية وإزالتها من طاولة التفاوض مع سورية التي بقيت وحيدة في الخندق المواجه لإسرائيل، فقضية لبنان بمظلوميتها وارتفاعها عن المعادلة الأساسية للصراع والتسوية لها شأن خاص، وفي رأينا فإن لبنان أولاً كان يجب أن ينفذ منذ زمن بعيد ودون أي شروط أو ربط بالقضايا الأخرى في الملف العربي- الصهيوني. ولكن ما أريد الإشارة إليه في هذه الصدد هو أن إسرائيل نجحت في إلهام العرب من جديد وتشتيت أفكارهم ومواقفهم من خلال إثارة خيار لبنان أولاً. وعلى الرغم من الموقف العربي لحد الآن يعكس وحدة سياسية وانسجاماً كاملاً تجاه هذه الأطروحة اليهودية ولكن القضية أخذت حيزاً مهماً خلال الأسابيع الماضية من الإعلام والدبلوماسية العربية بلا أدنى مبرر. وتحت غطاء لبنان أولاً بدأت الحكومة الإسرائيلية فعلياً بتجريد المنظمة وسلطتها المحلية حتى من أنشطتها الشكلية مضافاَ إلى ذلك تعزيز مبادئها الاستيطانية والتلمودية. إن ما يجب أن تتخذه الحكومات العربية منذ وقت طويل هو سياسة التطنيش أولاً وأخيراً ليس فقط تجاه أطروحة إسرائيل في شأن لبنان بل كان ما يتعلق بالشأن العربي في ملف الكيان الصهيوني. لقد كان التفاعل المستمر وعلى شكل ردود الأفعال لواقف وسياسة الصهاينة هو السبب الذي أوصل العرب إلى الاعتراف بهذا الكيان المزروع على خير تربة والتطبيع الكامل معه وفتح القنوات الكفيلة ببث الإفساد في مجتمعاتنا، وما خفي كان أعظم. فأولى خطوات إجهاض هذا المشروع الصهيوني المسمى لبنان أولاً تكمن في تجاهل الأمر تماماً وحتى عدم ذكره في وسائل الإعلام والإشارة إليه ناهيك عن إصدار أي ردود فعل حوله انطلاقاً من تبني خيار التطنيش أولاً.
|