أين صندوق الشباب!
12 أكتوبر 2018
د. حسن عبدالله جوهر
وزارة التربية هي المؤشر الأهم على الإطلاق لقياس اتجاهات الدولة ومعرفة مسارها المستقبلي في ظل رصد حقيقي لمعايير التنمية الشاملة التي تعتمد على المورد البشري وكيفية إعداده وتنشئته وتهيئته لدوره المجتمعي، فإذا صلحت وزارة التربية فمن المرجح جداً أن تصلح قطاعات واسعة في الدولة وبقية مؤسساتها والمسؤولين القائمين عليها، وهذا الدور المصيري يتمثل في ربط مخرجات التعليم بسوق العمل وفق رؤية واضحة الأهداف ومتاحة الوسائل والموارد.
لذلك فأن منصب وزير التربية بقدر ما هو صعب وعبء ثقيل من المسؤولية التاريخية، إلا أنه قد يتحول بسهولة إلى أيقونة تخلد في العقول والوجدان، فوزير التربية من الشخصيات القليلة من بين كبار المسؤولين القادر على ترك بصمة واضحة وذات تأثير مباشر في حياة الناس حاضرهم ومستقبلهم.
وقد لا يعرف الكثير حتى من أهل الاختصاص طبيعة الوزارة وحجمها وتعقيداتها وتنوع أنشطتها مع الترابط المصيري بينها، وهي تشبه الغول الكبير الذي يكاد لا يرى جميع أجزاء بدنه لضخامته، ولذلك فأن إدارة هذا المرفق بحاجة إلى عقل صغير ولكنه يعمل باستمرار بوعي وإدراك وذكاء.
الوضع في وزارة التربية بلغ حداً لا يطاق من الترهل والإخفاق لدرجة العجز، وبدأت القيادات العليا تدفع الثمن وترحل تباعاً مما يفتح المجال أمام السيد الوزير لتدشين عهد جديد يجب أن يتحلى بعقلية واعية ومدركة لما يستوجب فعله، وهذه العقلية بدورها تستدعي خاصة تجمع بين الإخلاص والإبداع والنظافة المادية والمعنوية.
هناك العديد من الاستراتيجيات التربوية التي سجلت معجزة علمية مثل النظام الكندي والأمريكي والفنلندي والنرويجي، بل تنافسها الإنجازات المبهرة في العديد من الدول الصغيرة مثل سنغافورة وماليزيا وتشيلي، سواءً على صعيد المناهج أو التنشئة التربوية أو توفير بيئة الحوافز والإبداع، ومثل هذه الرؤى متوفرة ولا تحتاج الكثير من العناء.
ما نحتاجه فعلاً هو المورد البشري المتمثل في القيادة التربوية المؤتمنة، والقطاع التعليمي حافل بالكفاءات الوطنية التي تخاف الله في عملها ولا تخشى مثلث الإرهاب الفكري الذي يتشكل من الواسطة والمحسوبية، والطائفية والفئوية، والجشع وخيانة الأمانة.
فرصة وزير التربية متاحة وبشكل غير مسبوق لينفض وزارته ويغربلها ويسندها إلى أهل الثقة ممن يعرفون معنى التربية وقيمة الوطن وحجم المسؤولية، وأن يحصّن نفسه في هذه الفترة من حجم الضغوطات الكبيرة والتدخلات المباشرة والتطفل الأرعن على اقتسام كعكة الوزارة، وعندها نقول لا طبنا ولا غدا الشر!