إخوة يوسف!
04 مايو 2019
د. حسن عبدالله جوهر
تعامل العرب مع القضية الفلسطينية في عهد ترامب ونتانياهو يذكرنا بقصة بني الله يوسف عليه السلام مع إخوته وفكرة التخلص منه من خلال إلقائه في البئر حياً حتى يخلوا لهم وجه أبيهم، وصفقة القرن التي يهندسها صهر الرئيس الأمريكي كوشنر الصهيوني هي الجب الذي يراد أن ترمى فيه فلسطين بأرضها وقدسها وشعبها وأجيال اللاجئين ممن هجرتهم الصهيونية بمباركة بريطانيا والولايات المتحدة منذ عام 1948.
ومع الأسف الشديد، فأن دول الخليج التي طالما كانت أحدى حصون القضية الفلسطينية خصوصاً فيما يخص الدعم المالي واستخدام الثروة النفطية فيه كسلاح مكمل للبندقية العربية قد تم اختيارها مقبرة للفلسطينيين، وذلك من خلال المؤتمر الاقتصادي المزمع إقامته في البحرين بعد عيد الفطر.
وما يرثى له الحال أن يكون الخليج بموروثه العربي والإسلامي هو أداة خنق القضية الفلسطينية بأبعادها القومية والدينية والإنسانية في وقت تعيش فيه الحكومة الصهيونية وراعيتها الإدارة الأمريكية الحالية أضعف حالاتها، بل يشهد الطرفان ترنحاً سياسياً غير مسبوق في تاريخهما، فالرئيس الأمريكي بات أبرز شخصية منبوذة بالعالم وحتى في الداخل الأمريكي، فلم يبق لديه من أصدقاء ولا مستشارين ولا مؤسسات الدولة العميقة إلا انتقدته بقوة، في حين يستعد الكونغرس للبدء بإجراءات عزله، أما نتنياهو الذي وفر له ترامب كل ما يملك من نفوذ ودعم وراح يوهم العالم بأن العرب باتوا أصدقائه فقد فشل في تشكيل حكومة رفضها حتى اليمين الاسرائيلي المتطرف، كما تحاصره تهم الملاحقة القضائية في قضايا الفساد، ومع ذلك يراهن العرب على هذين الحصانيين الخاسرين اللذين فقدوا حتى هيبتهما العسكرية، فإسرائيل وقبتها الحديدية تهاوت أمام بضعة صواريخ قادمة من غزة وترامب سحب أسطوله الحربي من مياه الخليج بعدما شفط مئات المليارات من الدول الخليجية، وبدأ بلحس تهديداته لإيران والتلميح للحوار شروط مسبقة.
أما منتدى البحرين فقد قاطعه الفلسطينيون بكل انتماءاتهم بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي وقعت مع إسرائيل اتفاقية السلام منذ ثلاثين سنة بل وألمحت إلى الخروج من كل تلك الالتزامات، ولا توجد أية مؤشرات لمشاركة إقليمية أو عالمية فعالة لإنجاح هذا المشروع الأمريكي على حساب أموال الخليجيين.
صفقة القرن في الحقيقة ولدت ميتة وأعلنت معظم الدول العربية وفي مقدمتها مصر والأردن والمغرب والعراق والجزائر وتونس ولبنان وكذلك تركيا وماليزيا والباكستان وإندونيسيا وغيرها رفضها للمشروع، فحري أن لا تكون دول الخليج في فوهة المدفع دون أن تحقق لها هذه الصفقة أية مصالح سياسية أو أمنية في وقت تعاني ميزانياتها عجوزات مالية غير مسبوقة وتنتظرها مشاريع كبرى لضمان تنويع مصادر الدخل.
لكن إذا كانت القضية الفلسطينية ما تزال ضمن أولويات دول الخليج أو جزء من استراتيجية أمنها الإقليمي مع الاستعداد لتقديم مليارات الدولارات لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني وفك الحصار عنه فمن الأولى أن يحوّل مؤتمر البحرين بوصلته باتجاه دعم الفلسطينيين مباشرة وضخ الأموال المعلن عنها باسم القضية الفلسطينية مباشرة دون وصاية الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني، تطبيقاً للجانب الإيجابي من قصة يوسف وأخوته “هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا”.