إنقاذ الخليج من حرب اليمن!
03 سبتمبر 2019
د. حسن عبدالله جوهر
من كان يتوقع عكس ما يجري حالياً في اليمن، منذ الأيام الأولى لعملية عاصفة الحزم، لا يملك من الدراية السياسية أو الفكر الاستراتيجي أو حتى أدنى مستويات فهم نظريات الحروب الحديثة شيئاً، فها هي كرة الثلج تتدحرج على المنحدر الخليجي وليس اليمني، ومع حركة دوران هذه الكرة تنكشف أكثر وأكثر هشاشة الموقف الخليجي الموحد وتظهر إلى السطح حقيقة الخلافات البينية برواسبها التاريخية لتترجم بشكل خطير على الأرض كما يحدث حالياً في الشطر الجنوبي من اليمن.
أسباب فشل حرب اليمن كثيرة ومتنوعة، فبالإضافة إلى الموزاييك السياسي-القبلي-الاثني-الديني المعقد في هذا البلد، والجيوبولتيك الوعر المحيط بجباله ووديانه وشراسة المقاتل اليمني واستبساله، وقف التحالف الخليجي مع أضعف مكون سياسي وأرخصه ثمناً تحت مبرر الشرعية، كما راهن على الحليف الأمريكي الأكثر خباثة في العالم، وخاصة في عهد إدارة دونالد ترامب التي يشهد أصدقائها قبل خصومها بأن آلة الحرب العسكرية لا تمثل لها سوى ذريعة للابتزاز المالي وعقد الصفقات التجارية ولو مع الشيطان، لذلك يجب ألا نستغرب سياسة “قص الحبل” بالحلفاء، والذي قد يتمثل في إجبار أطراف الحرب وخاصة المملكة العربية السعودية في الجلوس على طاولة المفاوضات مع حكومة أنصار الله في صنعاء قريباً جداً.
فبعد خمسة سنوات من الحرب العقيمة التي دمر فيها اليمن كبلد وشعب وبنية تحتية متواضعة أصلاً، يبدو أن الحوثيين هم من حققوا الانتصار العسكري والسياسي، ليس لأنهم صمدوا حتى الآن بل نجحوا في نقل العمليات العسكرية إلى العمق الخليجي نفسه كما باتوا قادرين على استهداف القطع الحربية الأمريكية أيضاً، في حين بدأ الجنوب “المحرر” يغرق في وحل الانفراط والتمزق ويعود كحاضنة للجماعات الإرهابية مجدداً، والأخطر من ذلك كله أوصلت أهم طرفين باقيين في التحالف العربي إلى حالة الصدام المباشر.
لذلك، إذا تركنا جانباً تكاليف حرب اليمن الكارثية على موازنات دول الخليج التي تعاني أسوأ فترات العجز المالي وتراجع أهمية النفط في سوق الطاقة، وقد بلغت نحو نصف تريليون دولار يضاف لها نصف تريليون آخر ذهب إلى جيب الرئيس الأمريكي، فأن الأمن الخليجي نفسه بات على المحك، وما تبقى من قشر خارجي لمنظومة مجلس التعاون بعد أزمة قطر ومواقف سلطنة عمان ودولة الكويت شبة المستقلة، سوف يتلاشى نهائياً لتجد الشقيقة الكبرى نفسها وحيدة سياسياً وميدانياً لتفرد بها القوى الإقليمية والدول الكبرى.
لهذا فأن قرار وقف الحرب في اليمن بات يمثل مصلحة خليجية قصوى أكثر منها يمنية، وكلما تسارعت عقارب الزمن في الإعلان عنه كلما كان ذلك أجدى في وقف النزيف المالي المهدر بلا معنى وكلما كانت الرهان أفضل على تقليل الضريبة الأمنية، وإن كان ذلك يعني أن دول الخليج هي أكثر الخاسرين سياسياً حيث يكون الحوثيون هم الطرف الأقوى الذي يحدد مسار اليمن في المستقبل، وهذا ما ناشدنا به في الأسبوع الثالث مع اندلاع حرب اليمن في مارس 2015، وذكرنا أن الكويت هي حبل الإنقاذ للجميع للخروج من المأزق الكبير الذي أورط الخليجيون أنفسهم فيه بلا عنوان حقيقي!