استجداء ناتنياهو!
02 أكتوبر 2018
د. حسن عبدالله جوهر
طريقة نتينياهو في الاستجداء السياسي على منبر الأمم المتحدة لا تعكس سوى حالة الهلع والهيستيريا النفسية التي يعاني منه هو وكيانه الغاصب، الأمر الذي يدفعه إلى خلق فتنة جديدة في المنطقة.
فمن الناحية السياسية عندما يعلن هذا الأضحوكة بأن بعض الدول العربية؟ ويقصد بها الخليج بالتأكيد، باتت قريبه من إسرائيل، فالهدف من ذلك هو احراج بعض القيادات العربية أو محاولة يائسة للتعبير عن أمر واقع تمهيداً لتمرير ما يسمى بصفقة القرن، بالإضافة إلى سكب الزيت على الخلافات الايرانية الخليجية والتسويق لفكرة التقاء المصالح بين اسرائيل والخليج في هذا الشأن.
نتينياهو بات كالبائع المتجول يحمل مجموعة من اللوحات والخرائط حول المواقع النووية الايرانية، المعتمدة أصلاً لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم يعد الرجل يخجل من ما يتعرض له من استهزاء ومسخرة حتى من قبل حلفائه الامريكان!
صهاينة اسرائيل بالتأكيد لا يرف قلبهم لأمن الخليج أو شعوبه، وما تعانيه حكومة اليمن المتطرف من عزله دولية وانتفاضه فلسطينية وخسارة أطراف دولية واقليمية كانت تعوّل عليهم بالأتراك والأكراد العراق وأخيراً الروس الذين وجهوا لها صفقة لم تكن على الخاطر، تحاول الاستنجاد بالآخرين، وبالتأكيد فأن سيناريو العدو الايراني المشترك قد تكون الورقة الاخيرة التي يقول عليها أملاً في توفر الضغط الأمريكي أيضاً.
الخلاف الإيراني- الخليجي مؤسف حقاً ويتراوح ما بين المد والجزر منذ أربعة عقود وحالياً في ذروته السلبية، ومن الجدير التعاطي معه وفق مصالح دول المنطقة، ورغم ذلك فأن طبيعة التصعيد والضمانات الدولية وتوفر المظلة الحامية هي سقف لا يمكن أن يتم تجاوزه إلى حالة الصدام المباشر، كما أن الردع المتبادل يشكل صمام أمان آخر لاحتواء الأزمة من الوقوع في أتون الصدام العسكري، ورغم هذا السيناريو الخطير فأن معاهدات الامنية والشراكات الاستراتيجية هي الكفيلة في الدفاع عن الدول الخليج وليس اسرائيل.
لعل البعد الآخر في استجداء نتينياهو يكمن في محاولة اليائسة في تحييد دول الخليج عن القضية الفلسطينية التي باتت على أبواب الانفجار مجدداً بعد تنامي مسيرات العودة، وتحلم اسرائيل بأنها عبر التطبيع تلغي محورية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، فها هي مصر وبعد نصف قرن من التطبيع لا تزال من أكثر الشعوب الرافضة لهذا التطبيع، ويسري الحال على الشعب الاردني والشعب التركي وحتى الفلسطينيين انفسهم ما زالوا في حالة حرب ويقدمون الشهداء والزنزانات الاسرائيلية مليئة بالأسرى، ولا يمكن ينكر أحد أن اسرائيل هي الدولة الوحيدة على وجه الأرض المدانة بأنها كيان احتلال وجرائمها موثقة في المرجعيات الأممية وهي المنتهك الأول لكافة القوانين والمواثيق الدولية والارهاب الدولي. والجواب الوحيد على هذه المسرحيات الممتدة من عمق التاريخ يجب أن يكون فقط الشلوّت!
.
لذا فأن الصحافة مسؤولية كبيرة وخطيرة لأنها تخاطب العقول وتبني الهوية الوطنية وترسخ قيم التسامح وتنسج خيوط الالتقاء في المجتمع خاصة إذا ما بني على التعددية والتنوع الاثني والديني والسياسي تماماً مثل ما هو الحال في الكويت.
وبناءً عليه، ولما تمتلكه الصحافة من قدرة فائقة على الانتشار والتوغل في كل بيت وعلى أكثر من صعيد فأنها قد تكون أداة للبناء والارتقاء الفكري والنضج المجتمعي وبوصلة نحو التنمية والتطور، كما أنها قد تتحول إلى معول للهدم والتفرقة وبث سموم الانشقاق والتمزق المجتمعي.
ومن هنا كان حرياً بالقائمين على الصناعة الصحفية توخي أقصى درجات الأمانة والإخلاص والمهنية الوطنية سواءً في نقل الخبر أو بيان الرأي وإثارة ما هو مفيد على نطاق واسع، وإلا تحولت هذه الآلة الجبارة إلى مرتع للمصالح الشخصية أو الفئوية أو حتى غطاء مزيّف لمآرب قبيحة قد يحسبها الجاهل نفعاً مؤقتاً وانتصاراً وهمياً، إلا أنها سوف تنعكس سلباً على الجميع بما في ذلك القائمين عليها.
أعجبتني كلمة ساقها أحد رؤساء تحرير صحفنا المحلية في إحدى الندوات اختصرت الصحيفة بعبارة في غاية الدقة والخطورة، حيث قال بأن من يملك صحافة في مجتمع فأنه كما يملك سلاحاً فتاكاً أمام جمهور من الناس العزل، وبإمكانه أن يفتح النار على الجميع ملحقاً بهم خسارة فادحة دون أن يكون لهم القدرة على الرد، واستدرك بأن العقل والمنطق وحسن الأخلاق ومخافة الله في عباده هو الرادع الوحيد الذي يحول دون القيام بمثل هذه الجريمة.
إن مجتمعنا بات ينزف دماً منذ عدة سنوات على وتر التعصب بأنواعه الطائفي والفئوي، ومع هذه النزيف وعلى أنغامه استغل ضعاف النفوس وعديمو الغيرة انشغال الناس ببعضهم البعض ليعيثوا في مقدرات بلدنا وثرواتها فساداً منظماً ونهباً ممنهجاً دونما حسيب أو رقيب، وقد تحولت الكثير من وسائل الإعلام، إلا ما رحم ربي، بوقاً لتمجيد وتلميع أدوات الفساد، تاركين أخطر قضايانا خلف صمت مريب، كما تحول البعض إلى أدوات للنفخ في مستنقع الفتن والتحريض والتشويه، بعدما كممت الأفواه ومنعت حرية الكلمة، وصودرت الأقلام الوطنية النزيهة.
نقولها بأسف وحيف كبيرين، الصحافة الكويتية التي طالما كانت تنافس على المركز الأول عربياً وإقليمياً وفق مؤشرات وتقييم العديد من مؤسسات رصد الحريات، هوت إلى القاع في السنوات الأخيرة حتى بالمقارنة مع مجتمعات كانت تعرف بالانغلاق، فلنرحم أنفسننا بقليل من الحياء في المهنية الإعلامية والصحافية!