الأصابع الأمريكية في الأزمة الخليجية!

16 يونيو 2017

د. حسن عبدالله جوهر

الأصابع الأمريكية في الأزمة الخليجية واضحة بالعين المجردة، وبصماتها جلية ليس فقط في الجانب التحليلي بل من خلال التصريحات الأمريكية المعلنة والمباشرة، فما أن غادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرياض حتى تفجرت الأزمة الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهة ودولة قطر من جهة أخرى، ورغم تراكم الخلافات وتباين المواقف بين الجانبين إلا أن مؤشرات التصعيد الجديد المتمثل بقطع كافة أشكال العلاقات السياسية والتجارية وحتى الشعبية تعتبر قرارات غير مسبوقة وكادت أن تعصف بمنظومة مجلس التعاون الخليجي برمتها لولا الوساطة الكويتية بقيادة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، التي حققت على الأقل احتواء المشكلة وأرجأت أية خطوات تصعيدية إضافية، وهذا بحد ذاته إنجاز مهم ونقطة تحوّل من شأنها العودة إلى الحوار بين الأشقاء الخليجيين من جديد خاصة بعد أن كسبت دعماً دولياً واسعاً.

لكن من يتابع التصريحات الأمريكية، خاصة الثالوث الذي يمثل الرئيس ترامب ووزير خارجيته تيلرسون ووزير الدفاع ماتيس، يجدها متناقضة وذات رسائل متعددة ومتباينة في نفس الوقت، فمن المستغرب أن يدلي وزير الخارجية الأمريكي ببيان مكتوب يدعو إلى إلغاء الحصار عن قطر مع الإشادة بدور القيادة القطرية في محاربة الإرهاب، ثم يدخل الرئيس ترامب على الخط محذراً الحكومة القطرية بسيل من الاتهامات المباشرة ويحمل في طيات خطابه التشاور مع “جنرالاته العسكريين” في متابعة هذه الأزمة، وأخيراً يختم وزير الدفاع ماتيس هذه التصريحات في جلسة استماع أمام الكونغرس معلناً أن الأزمة شديدة التعقيد، الأمر الذي يلوّح لاستمرارها في الوقت الراهن.

الموقف الأمريكي هو الوحيد من بين دول العالم الذي يتغلف بالضبابية والمؤشرات المتناقضة ومحاولة بعث رسائل مؤيدة تارة للموقف القطري وبعدها مباشرة رسائل اطمئنان للجانب السعودي والإماراتي، لكن المستقر في بيانات المسؤولين الأمريكان وبشكل صريح وثابت هو مصالح الولايات المتحدة التجارية في المنطقة وعملياتها العسكرية في الخليج، وبمعنى آخر تعلن واشنطن بأنها مصالحها هي الأهم ويجب ألا تمس أو تهدد أينما اتجهت الخلافات الخليجية.

العديد من الحكومات عربياً واقليمياً ودولياً اتخذت مواقف واضحة إما مع الجانب القطري أو في مناصرة السياسية السعودية وفقاً لمواقفها أو أولوية مصالحها، وتحاول دول أخرى عرض وساطتها لرأب الصدع وتفعيل الحوار والتفاوض، خاصة أن القنوات الدبلوماسية قد حققت انفراجات وتسويات بين الدول الخليج على مدى العقود الماضية وتحديداً في السنوات الخمسة الأخيرة، إلا أن الموقف الأمريكي هو النشاز والوحيد الذي يصب الزيت على النار ويغذي الخلافات الخليجية سراً وفي العلن وإن تغيرت أشكال هذه الأصابع بين الفريق الديمقراطي أيام حكم الرئيس أوباما أو في ظل الإدارة الجمهورية الحالية.

تاريخياً الحكومة الأمريكية لا يعوّل عليها في حماية حلفائها بل أنها لا تتردد في التخلي عن أصدقائها متى ما اقتضت مصلحتها القومية رغم المنافع التي يجنوها لفترات طويلة، لهذا فأن من مصلحة دول الخليج أن تراهن على نفسها في حل خلافاتها وعدم الركون إلى أمريكا التي لا أمان لها على الإطلاق!