الثلاثاء 30 يوليو 1996

الإرهاب في أمريكا ونظرية المؤامرة
تتهم شعوب العالم الثالث ومنها العرب والمسلمون بأنها أمم متخلفة وعاجزة عن مواجهة واقعها المر، وأنها لا تتورع عن إلقاء حبائل فشلها واحباطاتها على شماعة المؤامرات الخارجية، فعادة ما تكون نظريات المؤامرة بمثابة الحديقة الخلفية التي ترمى بها الاتهامات والمخططات الأجنبية من أجل تبرئة ساحة القصور الذاتي أو صرف أنظار وعقول الرأي العام عن المشاكل المحلية وإخفاقات صناع القرار وعقليات النخب المثقفة عن الوصول إلى مخارج مناسبة للمعضلات الجمة التي تعاني منها تلك المجتمعات، ودائماً ما تتهم الحكومات والمؤسسات الرسمية بأنها المشرفة مباشرة على حبك هذه “المؤامرات” وإخراجها مسرحياً للتنصل من مسؤولياتها المباشرة وغير المباشرة أيضاً عن تلك المشكلات.

ولكن يبدو أن صفة التخلف هذه تشمل حتى أرقى دول العالم الصناعي والشعوب التي يتوجها نضجها الديمقراطي ووعيها السياسي، وتؤكد الأحداث الدامية التي هزت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بأن الرأي العام الأمريكي لا يتختلف عن أي شعب آخر في بنغلادش أو أثيوبيا أو كوبا أو بلاد العرب في كونه شعباً مغلوب على أمره وأنه مسيّر على أنغام الإعلام الموجه، فعلى الرغم من تنوع وسائل الإعلام وكثرتها في الولايات المتحدة ووقوعها تحت رحمة “الخصخصة” إلا أن الاتجاه العام في هذا المرفق لا يخرج عن دائرة الاحتكار والتوجيه الخاصة بجماعات مصلحية قليلة لا تقل في هيمنتها وديكتاتوريتها عن أية سلطوية واستبدادية في العالم الثالث.

وقد لعب هذا الإعلام الذي تقوده الأصابع الصهيونية والمافيوية دوراً رئيسياً في تأصيل فكرة المؤامرة في عقلية المواطن الأمريكي تجاه أي حدث يشتمل على العنف والإرهاب والتخريب في الداخل ولذلك لا نستغرب أن تتوجه إشارات التهمة بل حتى العقل الباطن نحو الشرق العربي والإسلامي وبشكل عفوي وتلقائي بمجرد وقوع أي عمل تخريبي في داخل الولايات المتحدة، والمساعي المكثفة التي تبذلها وسائل الإعلام الأمريكية كفيلة بالتالي بامتصاص ردة الفعل الفورية إزاء أي عمل إرهابي وتفريغها بمزيد من الكراهية والعداء في نظرة المواطن الأمريكي للعرب والمسلمين حتى وأن أظهرت التحقيقات عكس ذلك لاحقاً.

وإذا أردنا تطبيق نظرية “المؤامرة” على الحالة الأمريكية نجدها لا تختلف بأي حال من الأحوال عن مثيلاتها في العالم “المتخلف” سواء من ناحية التعامل “الساذج” مع الشعب الأمريكي أو الآثار المترتبة على استمرار استخدام هذه النظرية، فعلى صعيد التعامل مع الشعب الأمريكي يكون هناك ما يشغل الرأي العام المحلي وإلهاؤه بعدو مصطنع وتحويله إلى أداة تمتص قوة التهديدات المحيطة به، أما على صعيد الآثار المترتبة على استخدام نظرية المؤامرة فهي خطيرة للغاية، فهذه النظرية من شأنها تحفيز الإرهابيين المحليين اقتراف المزيد من الجرائم التخريبية ما داموا بعيدين عن دوائر الاتهام أو ردة الفعل المتأخرة، بعد انكشافهم، تكون ضعيفة وغير رادعة اجتماعياً وإعلامياً، كما أن تعليق المشاكل الداخلية على شماعة التآمر الخارجي قد يخدم الحكومة الأمريكية ويخفف عنها ضغوط النقد والتجريح المحلي في ما يخص معالجة القضايا المحلية الآخذة في التنامي والتعقيد والتنوع مع مرور الوقت، ومن المؤكد أن الإدارات الأمريكية من مصلحتها إلقاء كرة الإرهاب والعنف خارج الملعب الأمريكي لأغراض انتخابية حيث أن مثل هذه الأعمال التخريبية قد يزيدها تعاطفاً وتأييداً شعبياً في حالة تعليقها على شماعة الإرهاب الأصولي الخارجي.

أما الضحية الأولى والأخيرة في جميع الأحوال فهو المواطن الأمريكي نفسه الذي تحرص جماعات المصالح السياسية المحدودة على إبقائه جاهلاً ليس فقط بعدد دول العالم وموقع بريطانيا وفرنسا أو عدد سكان الصين أو حتى موقع هيئة الأمم المتحدة، وإنما جاهل بالتقسيمات الاثنية والمذهبية والاقتصادية والانقسامات الاجتماعات الخطيرة وأيديولوجية رفض المجتمع المدني الأمريكي في الداخل والنتيجة الطبيعية أن يكون أي مواطن أمريكي عرضة لأحد أنواع 15 مليون جريمة سنوية منها مليونا جريمة عنف أو 25 ألف حالة قتل أو ربع مليون حالة اغتصاب أو 12 مليون حالة سرقة، وهذه أرواح يفترض أنها تستحق الاهتمام وحتى التطبيل والوعيد الموجه لأعمال الإرهاب “التآمرية”.