22 أبريل 1993 |
شقشقة الاستقرار النفسي في التوقع الشعبي |
الاستقرار النفسي هو القلب النابض في جسم المجتمع ونبضاته هي المحفزات الشرطية التي تثير الأركان الحسية في ذلك الجسم وتترجم حركاتها إلى عمل وإنتاج وعطاء.. ومن البديهي أنه كلما داوم هذا القلب على ضخ الكميات المناسبة من الدم في شرايين الأعضاء كلما تجددت الحياة فيها وبقيت لعمر أطول، ولا داعي لإثبات المسلمة القائلة بأن الإنجازات المادية ونتائج العمل ليست سوى انعكاسات خارجية تقيس درجات الطمأنينة النفسية الجماعية في الأمة. وعلى الرغم من ضبابية مفهوم الاستقرار النفسي للمجموع والتفسيرات الشخصية المتعددة له، وكذلك درجات هذا الاستقرار في نفسيات الشرائح المختلفة داخل منظومة المجتمع الواحد، إلا أن ما يقصد بالاستقرار هنا هو القناعة الجماعية لأفراد المجتمع بالكيفية التي تمضي عليها شؤون حياتهم، والتوقعات التي يتوخاها الجميع لقاء ما يقدمونه للمجتمع تبعاً للخطوط العامة التي صادق عليها الكل وتحولت إلى أعراف تعيش في صميمهم جميعاً، فالصفة العمومية للرضا والقناعة هي معيار الاستقرار والطمأنينة، ومن هنا تكون رضاية طرف معين عن طريق سير الأمور في المجتمع أو تفرد فئة محدودة بالثناء على نمط الحياة العامة بمثابة مؤشر يدل على الخلل النفسي في صدر الأمة. ومن خلال هذا المدخل يمكن القول بأن الكثير من العوائق السلبية في مجتمعنا الكويتي بما في ذلك المخرجات المتواضعة والسير المتباطئ للأمور والعراقيل التي تحول دون تحقيق إنجازات مبهرة ووفق منهج مستقر وثابت ما هي إلا مؤشرات حقيقية تقيس درجة الاضطراب النفسي داخل الشخصية الكويتية العادية، بل أن أصوات التذمر الصريحة والتعبير عن الاستياء قد بدت تعلو دائرة الهمس وتتجاوز جدران الديوانية لتستفهم عن مسار طريق المستقبل في هذا المجتمع. وقد أضافت تجربة الغزو الغادر عنصراً رئيسياً في تغذية عامل القلق ولكنه ليس العنصر الوحيد، فالتشكي وروح الإحباط قد تفاقمت بعد التحرير وتعززت حتى بعد انتخاب مجلس الأمة الجديد، وذات الهموم كانت سائدة في مرحلة ما قبل الغزو، وفي ذلك دليل على أن ما ينشده الإنسان الكويتي هو الاستقرار النفسي المسرد آنفاً وهو التوقع اللائق بمستوى عطائه للبلد وليس فقط الشعور بالأمن، فقد سجل الشعب الكويتي وتحت الاحتلال الإرهابي صوراً تدعو للمفخرة في الإبداع والعمل الكويتي المشترك والنتائج المثمرة، ولقد كان الحافز الأساسي للعمل آنذاك هو توقعاته بمستوى المحصلة النهائية لتلك الجهود ويقينه بأن مردود جهده وعطائه سوف ينعكس بإيجاب على الجميع دون استثناء، وجاءت النتيجة كبيرة في حجمها، وهي استرجاع الوطن، وواسعة في مداها وهي عودة الكويت للجميع، ولا اعتقد بأن معالجة هذه الأزمة النفسية بحاجة إلى عصا موسى أو كف السيد المسيح، ولا من خلال التناحر في تقديم المشاريع التنموية والاقتراحات والتوصيات المقدمة من مجلس الأمة، ولا من خلال وضع القوانين الصارمة لمواجهة المتلاعبين في المال العام. لا شك بأن هذه البرامج حيوية ولازمة لتحقيق الازدهار ورفع مستوى الأمة حضارياً ومدنياً، ولكن يجب قبل كل ذاك وذاك زرع الاستقرار النفسي في القلوب، ما الفائدة في إحداث تضخم في ملفات القانون أو غلاء في المشاريع والاقتراحات طالما لا يتوقع الكثير بأن نتائجها سوف تنعكس على الجميع بالتساوي، وتكون الحصص فيها موزعة بحسب العطاء من أجل إنجاحها والالتزام بها قولاً وعملاً؟! وتكمن بداية الحل في يد مجلس الأمة باعتباره القيم السياسي على الأمة وعلى الحكومة، ومن أساسيات صلاحياته الرقابة، فالمجلس هو المؤشر لقياس مستوى الاستقرار النفسي للشعب، وفي الوقت نفسه يتحمل مسؤولية تطبيب الطمأنينة في نفوس الأفراد، وأولى مراحل هذا العلاج تبدأ في التحقيق من أن الرجل المناسب قد وضع في المكان المناسب، وتتمثل المرحلة الأخرى من العلاج في كون نتائج الجهود المبذولة بكثافة وإخلاص في سن التشريعات ورقابة البرامج التنفيذية سوف تلتقي مع ما يتوقعه المواطنون، وأن هاتين الوصفتين هما العنصر المشترك في كل تحركات المجلس ونشاطاته وصلاحياته “والتوقعات” المرجوة منه. “وتلك كانت شقشقة هدرت ثم قرت”! |