11 نوفمبر 1993

شقشقة

الحلقة المفقودة

مرة أخرى تتفاعل الساحة السياسية بسخونة لتعكس تصعيداً سياسياً خطيراً بسبب تحرش السلطة التنفيذية بالمجلس، ومرة أخرى ينبثق هذا السم من حلق الصحافة الكويتية التي لا ترغب في ترجمة معنى الحرية الصحفية وحرية التعبير عن الرأي إلا من خلال بث الخزعبلات وترويج الإشاعات والتضخيم الإعلامي لقضايا جوفاء من الداخل.

والأدهى من هذا كله، هو أن مجلس الأمة قد وقع مرة أخرى فريسة لهذه الألعوبة الصغيرة حيث أصيبت أجهزته وجدول أعماله بالشلل التام بسبب انجرافه الكلي في مستنقع التهمة (الوهمية) لأحد السادة النواب، وقد يستمر تعطيل المجلس هكذا عن ممارسة مهامه في الجلسات القادمة أو حتى مستقبلاً في حالة تكرار مثل هذه الحيلة الناجحة.

وصحيح أن المجلس مطالب أساساً بتثبيت دعائم الديمقراطية ومواجهة من يمس كرامة وأمانة حملة المسؤولية الديمقراطية، ولكن يجب أن يتم ذلك وفق القنوات الدستورية المحددة، وما شاهدناه في جلسة الثلاثاء لا يعكس مستوى الوعي المرجو في فهم قواعد اللعبة السياسية أو إستراتيجية الـ TIT FOR TAT وهي إستراتيجية قائمة على الخطوات المتأنية والتحرك وفقاً لمقتضيات الحدث، فقد هب المجلس لتبرئة النائب الشريعان وهو في غنى عن هذه التبرئة، لأن الاتهام يجب أن يقوم على البينة من قبل المدعي وليس العكس، والتبرئة عندئذ تتحقق عندما يفشل المدعي في إقرار البينة وعندئذ يستطيع المجلس أن يتخذ الإجراءات الكفيلة بحق المسببين بإثارة الزوابع الجوفاء بالأساليب المتاحة من تحقيق واستجواب وطرح الثقة وعدم التعاون مع السلطة التنفيذية.

ومن جانبها أخطأت السلطة التنفيذية خطأ فادحاً عندما تجاوزت القنوات الدستورية الخاصة بمثل هذه الظروف حيث كان من الواجب إطلاع رئيس المجلس بموضوع التهمة حيث يقوم الرئيس بممارسة دوره المطلوب وفق القانون والدستور.

أن الحقيقة الواحدة التي يمكن انتزاعها من قضية النائب المتهم هي أن السلطتين قابلتين للتصادم العنيف، وقد تخلق أي منهما مبررات هذا التصادم، أو أن ينجح طرف ثالث مهما كان ضعيفاً وهزيلاً أن يلقي هذا “العزيزو” بينهما متى شاء وكيف شاء، وهنيئاً لصاحب هذه النكتة البايخة على الإيقاع بأكبر مؤسستين سياسيتين في البلد وللكشف عن نفسها بهذا الشكل!

“وتلك كانت شقشقة هدرت ثم قرت”!