الدم العربي.. غالي جداً!

15 يوليو 2016

د. حسن عبدالله جوهر

إذا أردت أن تعرف كم الدم العربي والمسلم هو رخيص، فيكفيك أن تلقي بنظرة عامة على الخارطة العالمية وطريقة التعاطي مع الأحداث الدموية في مختلف المناطق الجغرافية، فمنذ ما يعرف بعهد النظام العالمي الجديد الذي بدأ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، أصبح العرب والمسلمون هم العامل المشترك في مختلف مواقع العنف والصدام في العالم بشرقه وغربه، بدءً من الشرق الأدنى وانتهاءً بأمريكا الجنوبية.

إذا استثنينا عصر الحرب الباردة كساحة للحرب والقتل والتشريد وتجاهلنا حجم الدمار والخسائر البشرية، باعتباره حقبة زمنية طويت من فترة طويلة، نجد أيضاً حروباً ونزاعات في مختلف المناطق مثل كوريا وفيتنام وأمريكا الوسطى، لكن العرب  والمسلمون شاطروا تلك الدول ويلات العنف بمعناه الكارثي حيث الانتكاسات في الحرب الهندية الباكستانية ثم تصفية الفلسطينيين في الأردن ولبنان مروراً بالحروب العربية – الإسرائيلية وانتهاءً بالحرب العراقية الإيرانية والغزو العراقي للكويت.

بمعنى أن العرب والمسلمين هم وقود الحروب الطاحنة في العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى الآن وربما في تجاه تصاعدي في المستقبل، أما حجم الخسائر البشرية والمادية فلا يمكن تقديرها ولكنها بالتأكيد الأكثر فلاحة في التاريخ المعاصر.

أما قيمة الدم المسلم فيحددها ردود الفعل العالمية التي لا تنبس ببنت شفة على نصف مليون قتيل في سوريا ومثلهم في العراق بينما تقوم القيامة الإعلامية عند خطف ونحر صحفي أمريكي أو ياباني أو عندما يفجر نادي ليلي في باريس، رغم البعد الإنساني الحزين والمؤلم في هذه الحوادث أيضاً، لكن لا تجد نفس الاستنفار السياسي واجتماعات القمة ودور الأمم المتحدة وبالمستوى المطلوب والعادل في قضايا العرب، ناهيك عن التدخلات الخارجية لوأد أية مساعي لتطويق الأزمات العربية كما حدث في حوار جنيف بين السوريين وفي المباحثات اليمنية في الكويت.

على من تقع اللائمة؟ هذا السؤال المحيّر هو الذي يزيد القضية تعقيداً، فإذا كنا دائماً نلقي بالمسؤولية عل الدول الأجنبية أو وفق اصطلاحنا الاستكبار العالمي كسبب وراء معظم بلاوينا، فاليوم من يتحمل هذا الوزر الآثم؟ يبدو واضحاً أن المشكلة فينا وبيننا، فالعرب يقتلون بعضهم وبإشراف حكومي مباشر، أو أنهم قبلوا بأن يتحولوا إلى أدوات بأيدي الغير، والأموال التي تنفق اليوم على حروب المنطقة هي أموال هذه الشعوب العربية ولم تأت من بنوك أوربا أو أمريكا، والعقيدة الحربية التي تدير هذا العنف المنظم والذي تحول إلى إرهاب متسلسل هي أيديولوجية يزعم أدعيائها بأنها مستمدة من ديننا وثقافتنا ظلماً وزوراً!

البعض يرفض أن الدم العربي رخيص بهذا الشكل، فما أنفقه العرب على التسلح منذ عام 1991 تجاوز 2,5 تريليون دولار، ولكن لم تطلق أية رصاصة من هذه الترسانة الرهيبة لمقاتلة العدو، وإنما لقتل العرب أنفسهم وبأيدي بعضهم البعض، فإذا كان عدد القتلى من الشعوب العربية قد وصل إلى مليون قتيل خلال العقود الثلاثة الماضية فأن كلفة القتيل الواحد وفقاً للإنفاق العسكري العربي خلال نفس الفترة تساوي 250 مليون دولار!