الديرة سايبة!

19 يونيو 2018

د. حسن عبدالله جوهر

“الديرة سايبة” تعبير مختصر ومفيد يعكس تشخيص ورؤية ربما الغالبية العظمى من الناس بما فيهم كبار المسؤولين في الدولة، وقد يطلق شخص واحد هذه الجملة بشكل تلقائي عندما يواجه مشكلة خاصة أو ينزعج حين لا يحصل على خدمة يعتقد أنه يستحقها أو يضيع له حق ولا يجد من ينصفه.

ولكن عندما يعبّر معظم المواطنين، وبكل أطياف المجتمع وفي الكثير من المواقع وعلى صعيد مختلف مؤسسات الدولة وجميع أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية، عن هذا المفهوم فعندئذ يتيقن بوجود مشكلة حقيقية تنذر بكارثة لا يعلم سوى الله طبيعتها وحجمها.

فقط خلال الأسابيع الماضية تفجرت مجموعة من القضايا التي من شأن أي منها أن تطيح حكومة بكاملها، فكيف بها مجتمعة؟! فمن جهة اندلعت حرب التصريحات حول عطايا الحكومة المالية للنواب، ووصل الأمر ليس إلى حد المواجهة بين المدافعين عن سياسة المال الحكومي والمعترضين على ذلك، وإنما حول توزيع هذه الأموال وطريقة تقسيمها والمستفيد منها وقيمتها، وجاءت الحكومة وفي بيان لمجلس الوزراء لتؤكد هذه الممارسة وتعتذر عن اللبس الذي حصل ووعدت بكل جرأة بأنها بصدر إعادة تقنين آلية دفع المال السياسي بشكل أكثر دقة وتنظيماً وسط ترحيب من السادة النواب، ودون أن يحرك ذلك أدنى شعور بالخجل أو الخطأ من جميع أعضاء السلطة التنفيذية.

بعدها تفجرت فضيحة إحدى الشركات العقارية المتهمة بالنصب العقاري وغسيل الأموال التي التهمت حقوق الناس بمبالغ أكثر من 100 مليون، لكن النتيجة أن تم تغريم اثنان من المسؤولين في الشركة بمبلغ 150 ألف دينار لا غير، بل الأدهى من ذلك اكتشف أن وثائق وبيانات الشركة وحساباتها اختفت بالكامل في أروقة القضاء! وفي مقابل هذا السيناريو كانت فضيحة “الضيافة” في وزارة الداخلية والتي لم يتم القبض حتى على أي من أبطالها، وفي خضم مثل هذه القضايا وغيرها الكثير تستمر السياسة الحكومية في الفوضى الخلاقة وإطلاق يد بعض الوزراء في العبث المنظم والتنفيع المقنن لأقرابهم وتياراتهم السياسية في المزايا والتعيينات وإغلاق ملفات الفساد، وتتوالي المسرحيات الهزلية المسماة بالاستجوابات التي لم تصل معظمها حتى إلى مستوى طلب طرح الثقة، ومن وصل منها إلى هذه المرحلة لم يتجاوز عدد مؤيدي طرح الثقة 11 نائباَ في إشارة واضحة من المجلس بأن أداء الحكومة “بسم الله وما شاء الله”، لكن الغيرة والشهامة اشتعلت على طلاب المدارس لمطالبتهم بالسماح لهم بالغش، أو ليس “الحب يطلع على بذره”؟!