الرهان الأمريكي.. الخاسر!

11 أكتوبر 2019

د. حسن عبدالله جوهر

قد تندلع العمليات العسكرية شمال سوريا في أية لحظة لتدخل المنطقة مجدداً بمرحلة أخرى من دوامة العنف بشقيه الأمني والسياسي في إطار محاولات فرض معادلات توازن القوة على تخوم الشرق الأوسط، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من مواقعها  العسكرية بطريقة مفاجئة كالعادة واعتبار الحرب السورية برمتها مسألة سخيفة وإلقاء الكرة في الملعب السداسي الذي يضم روسيا وتركيا وإيران والعراق وسوريا بالإضافة إلى الأكراد، علماً بأن هذه الأطراف تشكل تحالفات متداخلة وتشترك رغم اختلافاتها البينية في المسار السياسي للخروج من الأزمة السورية.

الموقف الأمريكي الجديد في شمال سوريا لم يكن مستغرباً على الإطلاق وفق أبسط التحليلات السياسية حيث يتطابق مع غيره من القرارات الأمريكية في العالم منذ تولي دونالد ترامب رئاسة البيت الأبيض، وتتمثل هذه السياسة سواءً في منطقة الخليج أو شبه الجزيرة الكورية أو مع الاتحاد الأوربي أو حتى فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي في إيصال الأمور إلى حافة الهاوية ودفع أطراف الخلاف فيها إلى التصعيد مع إعطاء ضمانات مزعومة لحلفائها ثم التنصل من ذلك كله بطريقة غريبة ودعوة هذه الأطراف إلى إخراج أنفسهم من المستنقع الذي أوصلتهم إليه الحكومة الأمريكية، ويبدو أن العنصر المشترك بين كل هذه الملفات هو خلط الأوراق والإبقاء على الملفات عالقة دون حل مع شفط الأموال من الحلفاء الأغنياء إما عبر صفقات السلاح أو المشاريع الاقتصادية والتجارية، ولا تكتفي الإدارة الأمريكية بعد ذلك بتعليق أصدقائها بل توبيخهم وإهانتهم وتحميلهم المسؤولية والتهكم عليهم بالقول لنرى “ماذا ستفعلون بدوننا”!

هذا السيناريو تكرر في السنوات الثلاثة الماضية عندما ربط ترامب العصائص بين كوريا الشمالية والجنوبية واليابان وشفط أموال الكوريين واليابانيين، ثم حرض بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوربي مقابل الوعد بالدخول معها في أكبر تحالف تجاري وبمجرد أن غرقت بريطانيا في الوحل أدار لها ظهره، كما حرّض دول الخليج على إيران متوعداً طهران بأكبر التهديدات إلا أنه مع ساعة الصفر أعلن عن مبدأ “أنا مالي شغل في أمن الخليج” وحتى حليفه الصهيوني نتانياهو لم يسلم من هذا الغدر السياسي، حيث بدأ بنفخه عبر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومباركة ضم الجلوان والوعد بتمرير صفقة القرن، إلا أنه تركه وحيداً لمواجهة مصيره في الفشل السياسي وبانتظار قضبان السجن.

الحالة التركية السورية هي آخر صيحات ترامب، فبعد أشهر من التنسيق السياسي والعسكرية لإقامة المنطقة الآمنة شمال سوريا ومع اقتراب بدء العمليات الميدانية تركت القوات الأمريكية مواقعها وبدأت بتوعد تركيا إذا ما عبرت حدود سوريا بمعية ما يسمى بقوات الجيش الحر التي دربتها الولايات المتحدة في معسكراتها وبتمويل تركي وعربي على مدى سنوات، ومع وضوح الرؤية بأن كل من يراهن على ترامب يخسر إلا أنه لا عبرة لمن يعتبر!