الفساد يصل سوق السمك!

09 أغسطس 2019

د. حسن عبدالله جوهر

من أخطر صور تهديد الأمن والاستقرار حالة الاستقطاب بين مكوناته والشرائح التي يتألف منها، ومن ثم تحول هذا الاستقطاب إلى خطاب تحريضي منظم ومتواصل مثلما نراه اليوم في الكويت تجاه الوافدين بشكل عام والجالية المصرية على وجه التحديد، وما قد يتسبب به ذلك من ردود فعل متقابلة في الجانب الآخر، وتأثير ذلك على مجمل الحالة السياسية وتصعيدها، ولعل ما يغذي هذا التوجه بعض التصريحات النيابية المصاحبة للعديد من أوجه الاختلال في الخدمات والتزاحم عليها وما يتعلق بالوضع الاستهلاكي للمواطن والذي تجلى مؤخراً في الارتفاع الجنوني لأسعار السمك.

ولعل الاستياء الواسع في قضية السمك له ما يبرره، فلا يعقل أن نعيش في بيئة بحرية غنية ونشتري كيلو الزبيدي بحوالي 15 دينار والهامور بسبعة دنانير وسلة سمك الميد بثمانين دينار وهو ما يضاعف سعر الخروف المستورد من أستراليا ويستغرق وصوله ستة أسابيع ليكفي عائلة كاملة لمدة شهر من الزمن.

لكن لا يلام المواطن عندما يقفز إلى هذا الاستنتاج الغاضب الذي يعكّر حياته بشكل يومي، بل لا يمكن للمعالجات الترقيعية التي تبشرنا بها الحكومة وآخرها منع غير الكويتيين من المضاربة في حراج السمك أو الدعوة إلى مقاطعة الشراء أو حتى التسفير لأنها حلول وإن نجحت مؤقتاً إلا أنه يتم الالتفاف عليها سريعاً لسبب بسيط هو الاحتكار والخبرة في مجال الصنعة.

هذه المشاكل في رأيي نتيجة طبيعية لمكامن الخلل الكبيرة في سياسة الدولة وفي مقدمتها تحوّل الكويتيين إلى أقلية تمثل 30% فقط من السكان في بلدهم، ولا يمثلون سوى 4% من قوة العمل في القطاع الخاص، ثم يأتي تدهور مستوى الخدمات والازدحام المروري وتفشي الواسطة لتزيد جرعة التذمر والإحباط حتى تنفجر أمام قضايا يفترض أن تكون ثانوية مثل أسعار السمك.

هذه الاختلالات أيضاً من شأنها إلهاء فكر واهتمام المواطن بمسائل الحياة اليومية وبالتالي تغييبه عن صور الفساد والنهب الذي تتعرض لها الدولة في المناقصات الكبرى والهبات المجانية، فليس من المستغرب أن يتزامن ذلك انشغال الناس إما بالشهادات المزورة أو المواعيد المارثونية لأشعة تشخيصية أو الانتظار سنتين للحصول على فرصة عمل، حيث بلغ إجمالي نسبة الكويتيين في مؤشر البطالة إلى 84% وفق آخر احصائيات الهيئة العامة للمعلومات المدنية، أو مع ارتفاع الأشعار سوق السمك!

بما أن الفساد يجر بعضه بعضاً، فقد يكون أحد أسباب التحكم في زيادة أسعار السمك تحديداً هو نظام الكفيل، وهذه دعوة لوزارة الشؤون ووزارة التجارة للتحقيق في المبالغ التي يتقاضاها كفلاء صيادي السمك وقيمة إيجارات طراريد الصيد حتى نفهم سر ارتفاع الأسعار، أيضاً علينا أن نتساءل أين تذهب حصيلة الصيد من كبريات الشركات الكويتية بمعداتها الجبارة وكرافاتها العملاقة التي تواصل الليل والنهار في بحر الديرة؟

المشكلة منا وفينا، فنحن من نجلب هذه العمالة ونحن من نتحكم بأسعارهم ثم ندفع الثمن أولاً من جيوبنا وعلى حساب مستقبل أطفالنا وثانياً عندما يصورنا الآخرون بالنظرة العنصرية وكره الوافدين ونحملهم مسؤولية ازعاجنا، وحكومتنا بالتأكيد هي أكبر مستفيد لهذه الفوضى طالما لا نتفرغ لمحاسبتها!