الأربعاء 28 أغسطس 1996 |
القوى السياسية ومشروع ما يمكن إنقاذه |
من أبرز معالم الانتخابات القادمة في أكتوبر، مقارنة مع المواسم الانتخابية السابقة، غياب القوى السياسية أو انحسارها بشكل واضح، ومن المؤكد أن يكون لاختفاء هذه القوى السياسية التي أعادت الأمل في إرساء الديمقراطية وتمثيلها على مختلف الأصعدة الشعبية، أثر سلبي مهم ليس فقط على مستوى اتجاهات الانتخابات المرتقبة ونتائجها المحتملة وإنما على صعيد التطور الديمقراطي وديمومته في هذا البلد، ولعل ما يثير هواجس الحذر والحيطة في هذا الشأن محاولات التهافت على الديمقراطية ومساعي تفريغها من محتواها إما بجهود منظمة تغذيها بعض الاتجاهات الرسمية أو من خلال محاولات فردية تغلب المنافع الخاصة على حساب الصالح العام، وعلى الرغم من أن الجناح المناهض للديمقراطية أو الدافع نحو تبني ديمقراطية عوراء لا يشكل اتساعاً جماهيرياً عاماً على مستوى الساحة الشعبية في الكويت، إلا أن مقومات عمل هذا الجناح والإمكانات الرسمية والإعلامية والمادية المسخرة لها تحرز لها صدى واسعاً وتحدياً سافراً. ولعل المؤشرات الملموسة في هذا المضمار أجلى من أن تسرد كونها أصبحت من الحقائق التي يستطيع أي مواطن أن يتلمسها مباشرة، فبدءً بالانتخابات الفرعية المباركة من السلطة التنفيذية ومروراً بالشراء العلني للأصوات وانتهاء بتحويل مقار السلطة التنفيذية من إدارات ومراكز عمل إلى كانتينات معطلة أمام تنفيذ الحد الأدنى من الخدمات القانونية للمواطن إلا عبر قنوات خاصة لفئة محددة من المرشحين الموالين للحكومة على حساب المصلحة العامة، يحاول الجناح المناهض للديمقراطية وأد مبادئ هذا النهج السياسية أو على الأقل تفريغها من محتواها خصوصاً ما يتعلق بجوانب التشريع والرقابة والتمثيل الشعبي لفئات الأمة ككل وذلك من خلال توجيه الجهود والطاقات، وباسم الديمقراطية، في مثل هذه المسالك الرخيصة. ومما يعظم البلاء في هذا الخصوص انحسار القوى السياسية وانشغالها إما بعضها ببعض أو عدم الالتزام بتعهداتها السابقة أو عجزها عن احتواء النشء الجديد لمرحلة ما بعد الغزو، وقد مكن هذا الفراغ الناشئ عن غياب هذا الدور التوعوي والسياسي البارز الأجنحة المشبوهة في إيمانها بالديمقراطية من نشر شعارات هدامة لا تتورع حتى عن المساس بالمؤسسة التشريعية ذاتها وذلك عبر أقاويل “ماذا فعل المجلس” أو “وجود المجلس من عدمه سيان” أو “ما تريده الحكومة يتحقق بجميع الأحوال”، ومن الجازم أن هذه الأطروحات تهدف إلى إفشاء روح اليأس والإحباط من المجلس وخلق حواجز نافرة بين المواطن وحقوقه السياسية ومؤسساته الدستورية. ومن هنا فأن القوى السياسية أو حتى بقاياها مطالبة بالتدخل الفوري والمباشر لوقف هذه المؤامرة التي لا تقف عند حد معين وبالتحديد استئصال جذور هذه القوى وترك القواعد الجماهيرية في ظلامات الجهل السياسي والعتمة المعلوماتية وأخيراً تعريضها لبرنامج منظم من غسيل المخ ضد الديمقراطية. ولسنا بصدد تقييم القوى السياسية أو قياس مؤشرات امتدادها في الشارع الكويتي ولا نقول أن الشعب الكويتي في غالبه الأعم منقسم على خمسة توجهات فكرية وسياسية أو أكثر أو أقل، ولكن المهم هنا أن تعي هذه القوى مجتمعة وكلاً على حدة أنها تملك رصيداً أو تياراً مهماً في الشارع الكويتي، وبالتالي لا تزال هذه القوى مالكة لأوراق التأثير والتوجيه السياسي أكثر من أي جهد فردي أو حتى أكثر من قدرة السلطة التنفيذية نفسها. ومما يعزز قوة هذه المجاميع التقاؤها جميعاً، وعلى الرغم من اختلافاتها الجوهرية فكرياً وسياسياً، على ثوابت ومرتكزات وطنية ودستورية رصينة تشكل أهم قاعدة ومظلة في الوقت نفسه للدفاع عن المصلحة العامة، وانطلاقاً من هذا المهني فأن أي التقاء بين مجاميع هذه القوى حتى على الصعيد المجاملاتي من شأنه أن يقذف الرعب في قلوب من يتربصون بالديمقراطية ودعاتها الدوائر. وقد نكون على درجة عالية من القناعة للقول إن القوى السياسية برموزها وقواعدها ورغم تباعدها اليوم تلتقي ليس فقط على جملة من الثوابت الديمقراطية ومبادئها الدستورية، التي حملتها كشعار موحد عام 1992، ونجحت في ترجمة ذلك نجاهاً باهراً، بل تلتقي هذه التوجهات على ما هو أوسع نطاقاً من تلك القواعد الرئيسية، فمن اليقين وبعد تجربة حية شهدها الجميع وشاركوا في خضمها عن قرب، أن تكون معظم القوى السياسية قد شخصت مواقع الخلل الحقيقية في عمليتي التشريع والرقابة وكذلك فيما يخص السياسة العامة للدولة وأن تكون متقاربة في هذا التشخيص ثم يدفعها تحليلها العقلاني بضرورة التنسيق والعمل المشترك لإصلاح هذه العيوب والمثالب. وبعبارة أخرى، فأن العقليات التي تمكنت من الالتقاء حول ثوابت وشعارات وطنية عامة وتبنتها كجزء من أولوياتها قبل 4 سنوات سوف تكون قادرة بالتأكيد على تبني برامج مشتركة للعمل في أروقة البرلمان، وأن تخلق لنفسها شعارات لا تقل وطنية وعمومية عن المطالبة بعودة الحياة الديمقراطية وتفعيل الدستور وتتبناها بالفعل خلال السنوات الأربع القادمة. ولعل الجميع يتفق على الانحدارات التي تجرف بمعظم مرافق البلد من تنظيم إداري وخدمات وإدارة مالية ورعاية للحقوق وسيادة القانون والنهب المنظم وتفشي الفساد بكل صوره، ومن هنا فقد يكون شعار ما يمكن إنقاذه من الأولويات المقبولة والقابلة للعمل بين مختلف القوى الشعبية وبتوافر الدعم الجماهيري اللائق لمثل هذا المشروع الملح. |