المقاطعة أو المجلس “القبّسه!
31 مايو 2016
د. حسن عبدالله جوهر
بدأت بعض القوى السياسية استعداداتها لخوض انتخابات 2017 بعد مقاطعة دامت جولتين سابقتين على خلفية إصدار مرسوم الصوت الواحد، وبمجرد إعلان الشخصيات البرلمانية أو التيارات السياسية موقفها الجديد فقد انهالت عليها الاتهامات والتعليقات الساخرة بما في ذلك إعادة نشر التصريحات القديمة الرافضة للمشاركة، وكل ذلك في إطار خلق أجواء الإحراج السياسي، وإظهار المعارضين لمرسوم الصوت الواحد بأنهم تنكروا لمواقفهم ومبادئهم.
الموقف العام من مرسوم الصوت الواحد تفاوت وفقاً لقناعات وتفسيرات دستورية وسياسية متعددة، فالبعض أنكر حالة الضرورة لتعديل النظام الانتخابي وتوقيته وأبعاده السياسية المتمثلة في تفتيت المعارضة ووضع نهاية للأغلبية البرلمانية التي تحققت في مجلس 2012 المبطل الأول، والبعض أعلن موقفاً قد يكون متسرعاً في حينه بالمقاطعة الأبدية أو لحين استبدال النظام الانتخابي من قبل مجلس الأمة باعتباره السلطة المخلولة بالتشريع دستورياً، والبعض الآخر انتظر قرار المحكمة الدستورية لوضع حد للجدل والخروج من تلك الأزمة تبعاً لمرجعية قانونية عليا بغض النظر عن الموقف السياسي من نظام الصوت الواحد.
موقفنا الشخصي كان يميل منذ بداية صدور المرسوم إلى الرأي الثالث القائل بضرورة احترام حكم المحكمة الدستورية، ورغم الملاحظات الكبيرة على عيوب ومساوئ الصوت الواحد التي عكستها انتخابات 2012 المبطلة الثانية وانتخابات 2013 سواءً من حيث المبدأ أو من الناحية الموضوعية، فالنظام الجديد لم يقض كما روّج له على الاصطفافات الفئوية والطائفية والقبلية بل عمقها في الطول والعرض، كما أن الصوت الواحد لم يهذّب الخطاب السياسي داخل وخارج المجلس بل زاده سوءً ودنواً في المستوى حتى بلغ القاع، وهذا النظام لم يساهم في وقف أو الحد من الفساد بل أنه زاد الطين بله، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر فيه بشكل جذري، وتركيبة مجلسنا الحالي أو أي برلمان قادم في ظل استمرار المقاطعة لا يملك القابلية ولا حتى الإرادة في تغيير نظام الصوت الواحد، ولعل المشاركة الأوسع في أية انتخابات قادمة وبتشكيلة أفضل يعيد الأمل في تغيير هذا النظام السيئ.
إذا كانت بعض المواقف المتشددة في المقاطعة قد انقلبت رأساً على عقب فاتهمت بالتناقض، فأن ردود الفعل عليها من أصحاب الرأي الآخر لا تقل تناقضاً وسخافة، فهذه الأصوات كانت تعتبر المقاطعة خيانة وطنية، وكانت تناشد وتتحدى أحياناً خصومها من المقاطعين لخوض الانتخابات لمعرفة حجمهم الحقيقي والعمل داخل المؤسسة التشريعية، فكيف اليوم تنقلب هذه الأصوات ذاتها وتنادي باستمرار المقاطعة لمقاطعتهم والدعوة إلى الخيانة الوطنية؟
أصحاب الموقف الجديد من المقاطعين تقع عليهم مسؤولية تبرير موقفهم أمام الرأي العام الكويتي، وخاصة إذا ما نجحوا في بلورة خطاب وطني وسياسي جديد يتحاشى الأخطاء الجسيمة السابقة، والحكم على أطروحاتهم القادمة يكون من قبل الهيئة الناخبة، ولكن يبقى الأهم هو أن أية انتخابات قادمة يكون الهدف الأول منها التخلص من مجلس 2013 سيء الذكر في مواقفه الكثيرة الخانقة للحريات وإفراغ القوانين الحيوية من محتواها وإضاعة هيبة أهم سلطة دستورية وضرب الديمقراطية من الداخل، وأنه باختصار “مجلس قبّسه” زاد في عهده الفساد وأفلست الديرة مالياً وسياسياً، وسوف تكشف الانتخابات القادمة هذه الحقيقة بكل وضوح!