بريطانيا العظمى وعيال بطنها!

23 يوليو 2019

د. حسن عبدالله جوهر

بين فترة وأخرى تخرج علينا بعض الأصوات عبارة “عيال بطنها” بنبرة استعلائية مثيرة للشفقة، لا من حيث أن دلالات هذا التصنيف لم تعد تقدم أية قيمة مضافة في الحياة المدنية المعاصرة وتحدياتها وهمومها، أو أن التباهي بهذا المصطلح يعكس حالة من العقدة النفسية ويثبت الموقع الهامشي القائم لقائلها، بل بسبب أن أدعياء هذا الانتساب وخاصة ممن ظهروا فجأة عبر التسلق على هذا التعريف يتحولون إلى أضحوكة تنهشهم التعليقات الساخرة والتندر الذي يصل بهم إلى حالة يرثى لها.

وعلى الرغم من دعوتي دائماً إلى التسامي فوق هذا المستوى من الطرح العقيم وضرورة احترام الإنسان لذاته وخلقه وأدائه، وحق الجميع بالافتخار بأصله وحسبه وانتمائه، وذلك في إطار الخصوصية الشخصية، إلا أن الزج بمثل هذا النقاش المثير للجدل لا يعصم أحداً من النقد والتطاول والاستهزاء مما يفقد التنوع المجتمعي قيمته وأصالته، ولهذا يفترض علينا جميعاً التصدي لهذا الشكل من الطرح المريض لأنه ببساطة لا يوجد هذا الاصطلاح لا من الناحية التاريخية ولا على أرض الواقع وإنما هو مجرد تصور واهم من نسج الخيال.

فالكويت ككيان تاريخي تأسس وتشكل وتطور من انتماءات متنوعة جاءت جميعها بلا استثناء من وجهات جغرافية مختلفة تحمل معها جذورها العرقية والثقافية والاجتماعية، فلا يوجد إذا ما يزعم بعيال بطنها، وعلى الجميع أن يدين بالشكر والامتنان لأجداده الأوائل الذين وطأت أقدامهم هذه الأرض واستقروا فيها، ومن هنا لا يتعلق الحسب والنسب بأقدمية القدوم إلى الكويت تاريخياً بقدر ما يمثله رصيد كل فئة أو عائلة أو مكون مجتمعي بما قدموه في بناء هذا الكيان، خاصة تحت الظروف المعيشية الصعبة وأمام التحديات والتهديدات الي واجهتها حتى اكتشاف النفط الذي أغني به الله الجميع عنوة الاستمرار في تلك الحياة التي قامت على أكتاف العمل الجاد والحقيقي، وبات أبناء أولئك الآباء يتقاسمون نعمة الثروة والاستقرار دون جهد يذكر.

وفي مفارقة معبرة، يتزامن الاستمرار المؤسف لهذه الأسطوانة المشروخة مع ما يراه الجميع في بريطانيا التي كانت حتى الماضي القريب الإمبراطورية التي لا تغيب عن سمائها الشمس حيث استباحت قيادتها السياسية حق احتلال واستعمار شرق الدنيا وغربها، ادعاءً بأنهم الأفضل أو بحسب تعبير هذه الأيام “عيال بطنها” على المستوى العالمي.

بالأمس تم اختيار بوريس جونسون، المنحدر من أصول تركية، كرئيس للوزراء في بريطانيا الملقبة بالعظمى، كما تم انتخاب صادق خان الباكستاني الجذور عمدة للعاصمة لندن، ويبدو أن المناخ السياسي المحتدم بين حزبي المحافظين والعمال  لرسم هوية بريطانيا المستقبل ستكون بين الرجلين التركي والباكستاني، والملفت أن من سيمكنهم من ذلك هم “عيال بطنها” من البريطانيين الذين يعتبرهم الكثير منا النموذج والقدوة في المدنية والديمقراطية ويتمنون أن نكون مثلهم!