الوطن 07 ديسمبر 1992 |
تحقيق المساواة السياسية..(2) عجز في الأمة أم في مجلس الأمة؟ |
توقفنا معكم في الجزء الأول من هذا المقال عند نقطة “فرضيتان من واقع المجتمع”، وكانت فرضيتنا الأولى حول تفضيل الكويتيين بصفة أصلية تميزهم عن الكويتيين المتجنسين بالحقوق السياسية والمشاركة النيابية، ودللنا على ذلك بالبرلمان وتركيبته وطبيعة الناخبين، واليوم نستكمل المقال بعرض الفرضية الثانية.
الفرضية الثانية: وقوف النخبة السياسية في البلد ضد توسيع القاعدة الشعبية، وثمة تبريرات تلقي الضوء على احتمال هذه الفرضية، فالملاحظة أنه منذ صدور قانون الانتخاب والدستور والدعوة لانتخاب أول مجلس تشريعي وحتى منتصف عقد الثمانينيات لم يكن هناك أي ذكر على الإطلاق عن مسائل تتعلق بالمساواة السياسية وخاصة بالنسبة لفئة المتجنسين، إذ شهدت معظم فترات هذه الحقبة احتكار النفوذ السياسي من قبل فئات اجتماعية واقتصادية متميزة في البلد، وكانت القنوات الديمقراطية وشعارات المبادئ والحريات مستغلة لصالح الامتيازات المصلحية لهذه النخبة السياسية التي دخلت في منافسة شديدة وضيقة مع السلطة في الكويت، فكان من الطبيعي إهمال موضوع حملة الجنسية الثانية وعوالقها الاجتماعية والسياسية وخاصة في عهد كان الوعي السياسي ما يزال في طور الرضاعة.
ولكن الأحوال أخذت في التغيير في الثمانينيات عندما بدأت القضية تنضج وتشق طريقها إلى البرلمان، ولا سيما بعد حلول الأجل المحدد لممارسة المواطنين المتجنسين لحقوقهم السياسية وفقاً للقانون، إلا أن الصدمة جاءت عنيفة عندما أقر مجلس 1981 “العائد من عهد الديمقراطية المسلوبة منذ 1975” دفع حق المتجنس في التصويت عشر سنوات أخرى إلى الوراء لتصبح ثلاثين سنة بدلاً من العشرين، وفي هذا دلالة صريحة على سلب المجلس لهذا الحق المقنن لهذه الفئة عندما حان له الأوان بشكل قانوني، وتجدد الأمل بعد ذلك في المجلس التالي (1985) الذي وقف هو الآخر موقفاً غريباً ومتناقضاً عكر صفو التباشير البادية في الأفق من جديد، أجل فقد أحبطت الآمال عندما وقف مجلس الأمة (1985) الذي يعد من أكثر المجالس النيابية وطنية وتمسكاً بالدستور ومع توسيع دائرة الحريات ضد اقتراح تقليص المدة المقررة لإعطاء المتجنسين الكويتيين حق الاقتراع ناهيك عن عدم التفكير أصلاً بمسألة توحيد الجنسية والمساواة في الحقوق السياسية الأمر الذي لم يدر في خلد ذلك المجلس.
ومن المدهش حقاً أن من أبرز المتصدين لعملية إجهاض تلك المحاولة نخبة متميزة عرفت بالدستوريين حتى النخاع واشتهرت بالتفاني لحمل لواء الحرية والمساواة، والأغرب من ذلك كله، عندما استجوب البعض من تلك الجماعة عن سبب موقفهم المذكور كانت الأعذار الواهية أقبح من ذنب قتل حريات الآلاف من إخوانهم المواطنين، وحتى المجلس الحالي (1992) ما زال متردداً من دعم مسألة حقوق المتجنسين ويحاول التهرب منها من خلال بوادر مبكرة كما سبق استعراضه في مقدمة الحديث.
مما سبق نلاحظ وجود عنصر مشترك بين طبيعة المجالس المتعاقبة والقوى السياسية المهيمنة عليها من جهة وتجاهل قضية حساسة مثل التمييز العنصري في الحقوق السياسية، فبغض النظر عن النخب السياسية التي احتكرت تدوير المجلس التشريعي وتبني استراتيجيات عمله خلال عمر الديمقراطية في الكويت أهملت مسألة التجنس، وقد لا يختلف الحال عن مجلسنا الحالي والذي يتجاذب أطرافه أحزاب سياسية تحتم عليها طبيعتها الحزبية الاهتمام بمصالحها الخاصة، ومن هنا يبقى التفسير الوحيد لرفع شعارات الديمقراطية أثناء الحملات الانتخابية وإعلاء الأصوات بالمطالبة بتوسيع قاعدة المشاركة ظاهرة تجميلية لإظهار صورة المرشح في إطار من المبادئ والحريات السياسية والدفاع من أجلها كواجهة انتخابية لا غير.
وفي إطار الفرضية الثانية أيضاً يمكن تفسير ظاهرة تمهل بعض النواب بطرح مقترحات جديدة بعدما تكتمل الصورة عندهم عن الثقل السياسي المحتمل لفئة المتجنسين وما يتعلق جراء منحهم حق التصويت في تغيير معادلات القوة السياسية مستقبلاً، وليس ثمة دليل أوضح في هذا الصدد غير الكم الهائل من الأسئلة الموجهة من بعض النواب عن أعداد هؤلاء الكويتيين وأسمائهم، بل ولعل الصورة تكتمل عند تعديل الدوائر الانتخابية وهذا احتمال وارد جداً، وما يشكله المتجنسون من ثقل في كل دائرة انتخابية جديدة، وفي كل الأحوال تبقى مسألة الحقوق السياسية ومساواتها جزءً من معادلات سياسية خاضعة لحسابات الربح والخسارة وبعيدة عن منطلقات المبدأ والحق والإنصاف.
وأخيراً يلزم تنبيه السادة النواب بأن قضية الحقوق السياسية وعلى رأسها مسألة المتجنسين سوف تحظى بأبعاد مهمة على الصعيدين المحلي والعالمي، وهناك جهود حثيثة وبوادر شجاعة على تبني هذا الموضوع، ولعل أصداء هذا التنامي في تأييد قضية المتجنسين تستقطب اهتمام فصائل متنوعة في هذا المجتمع من مفكرين وسياسيين وحقوقيين وأصحاب الأعمال ويضيق الخناق على مجلس الأمة الذي قد يجد نفسه مرغماً على الاستجابة لمثل هذه المطالب وعندئذ لا يحسب هذا الإنجاز لصالح المجلس بل بقعة سوداء في كيانه، ولعل المبادرة الرائدة لاتحاد طلبة جامعة الكويت في جمع التواقيع للمطالبة بالحقوق السياسية للمواطنين خير دليل على عدم الرضا من أداء المجلس رغم حداثة تكوينه، وقد يمتد مثل هذا النوع من ممارسة الضغط السياسي إلى شرائح شعبية أخرى وعندئذ يكون المجلس أمام إحراج شديد. |