27 أغسطس 1996

تشويه صورة مجلس الأمة!
مع دنو الموسم الانتخابي في أكتوبر المقبل تتصاعد نغمة الهجوم على المجلس، وقد لا يتورع الرقاصون على نغمات هذا الإيقاع الشرس النيل من المجلس كمؤسسة سلطة تستمد شرعيتها من الدستور وتعكس إرادة أمة كاملة، كل ذلك في سبيل تحقيق بعض المكاسب الشخصية أو الفئوية أو حتى محاولة ذبح هذه التجربة وفق نهج منظم ومعد سلفاً في بعض الأحيان، وسواءً كان الهجوم على مجلس الأمة مقصوداً أو موجهاً في إطار حملة متكاملة لتقويض دعائمه أو كان هذا الهجوم مجرد ردة فعل تجاه بعض الهفوات أو حتى السلبيات التي وقع فيها أعضاء المجلس فهذا من شأنه إضعاف هيبة هذه المؤسسة التي يحتل بما قدر لها من إمكانيات دستورية موقعاً مهماً وخطيراً في فرض رقابة شعبية على ممارسات الحكومة وتنفيذها لسياسة الدولة العامة إضافة إلى دورها الرائد في مجال التشريع.

ولذلك يجب التحذير من مغبة الانجراف في هذا الاتجاه العقيم وسد جميع الثغرات التي من شأنها إضعاف مكانة المجلس متمثلة في السلطة التنفيذية يلقي عليها العبء الأول والأساسي في عدم حمل شرط التجريح بالمؤسسة وإثارة شعار “ماذا عمل المجلس؟” ويجب أن تنأى الحكومة بنفسها عن التورط في هذا المنحدر فهي وإن ملكت بعض وسائل الإعلام وبادرت بالهجوم فستفتح على نفسها جبهات لا حصر لها من الخيام الانتخابية الموزعة في جميع المناطق وذات الحضور الجماهيري المكثف، ومن المؤكد أن تصبح الحكومة في موقف حرج إذا ما حاول المرشحون بدورهم أو “النواب المرشحين على الأقل” رد الصاع صاعين من خلال التعرض للسلطة التنفيذية كمؤسسة وليس كأفراد، وتدل التجارب السياسية في الكويت على أن الجمهور يتعطش دوما لحضور حلبات المصارعة الحرة السياسية.

ويبقى الطرف الآخر المتمثل بالمرشحين الجدد ودورهم في التهجم على المجلس المؤسسة، ولهؤلاء أيضاً نقول يجب الحذر من عدم الانزلاق في هاويات وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، نعم للمرشح الحق في عرض أفكار جديدة وبرامج مستحدثة وتوجيه الانتقاد البناء لأعضاء المجلس وتشكيلته وطرح البديل من القول والاقتراحات والمبادئ والمتبنيات على مائدة المنافسة الشريفة، وهذا السلوك بالتأكيد سيعزز مكانة المؤسسة التشريعية بحد ذاتها ويعطي الجميع الحق الكامل في تمثيلها بما يرتأون بعدما يطرحون فكرهم ونهجم وبضاعتهم على الملأ، لكن قيام بعض المرشحين بالهجوم السافر على مجلس الأمة كجهاز ومؤسسة واعتباره مرفقاً فاشلاً وديكورياً وقناة للتمصلح الشخصي إنما يوقعهم في مطب موحل لا يمكن الخروج منه، فإذا كان هذا هو التصور المسبق للمجلس في نظر هؤلاء فالسؤال يكون جديراً في السبب الذي يقودهم للترشيح إلى عضوية هذا البرلمان، أليس ذلك دليلاً قاطعاً على أمثال هؤلاء الطعانين إنما يبيتون النية على استغلال مقاعد المجلس تبعاً للمواصفات التي ينعتونه بها.

وقد لا يكون معظم المرشحين بهذه الدرجة من الوضاعة السياسية خصوصا في ظل الوعي السياسي المتقدم والحرية المكفولة للجميع، وقد يجدر أيضاً حمل الكل على محامل الظن الحسن واعتبار معظم المتصدين للعمل العام خصوصاً العمل السياسي مواطنين مخلصين، عندئذ يجب تنويه هؤلاء إلى عدم التعرض دون قصد إلى مؤسسة مجلس الأمة التي قد يكون أحد عناصرها المحتملة في المستقبل القريب.

هذا الطرح بالتأكيد لا يعني قفل باب النقاش حول تقييم أداء المجلس بتشكيلته وكتله البرلمانية أو مخرجاته التشريعية، أو طريقة فرض الرقابة السياسية على أداء الحكومة، فهذه الموضوعات ومعالجة سلبياتها وإيجابياتها هي المحك الذي تتجدد على ضوئه سنة الانتخابات الدورية وضرورة تطوير التجربة الديمقراطية على أساسها وليس العكس، وهذا كله لا يتم من خلال رفع شعار تشويه سمعة المجلس ولكن بتعزيز مصداقية المجلس والدفاع عن بقائه وهيبته وتطعيمه بالمخلصين من الأفراد والأفكار والإبداعات!