الرأي العام 21 أغسطس 1996

ثورة الخبز تطيح مشروع الإمبراطورية الهاشمية
الأحداث السياسية التي تشهدها الأردن تتجاوز بكثير حدود التغطية الإعلامية الرسمية لحكومة الملك حسين ولا تنحصر تحديداً في ردود الفعل الغاضبة تجاه زيادة أسعار الخبز والدقيق. فقد بدأت حالة السخط الشعبي تمتد بتعاظم لتشمل العاصمة عمان ذاتها. كما أن عملية المعارضة السياسية العارمة لا تعكس عفوية تلقائية لقانون زيادة الأسعار بقدر ما توحي إلى تبني أحزاب المعارضة التي تمثل أغلبية برلمانية وقاعد شعبية لبرامج متكامل يهدف إلى إسقاط الحكومة ولربما النظام الملكي برمته. وهذا واضح من خلال ردة فعل الملك حسين نفسه حيث بادر فوراً إلى تحميل مسؤولية الانتفاضة الشعبية والرفض المنظم للقوى والتجمعات السياسية على جهات يسارية في الخارج تؤمن بإسقاط الأنظمة الملكية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب البعث الاشتراكي. كما أسرع الملك الأردني إلى حل الدورة الصينية الاستثنائية للبرلمان كجس نبض لاحتمال حل البرلمان أو ملاحقة رموز المعارضة السياسية حتى داخل المجلس النيابي.

وقد يكون قانون زيادة أسعار الخبز هو الشرار الذي فجر الموقف سياسياً وجند الجهود السياسية المنظمة للتحرك على مستوى شعبي بعد انهيار الوضع السياسي والاقتصادي خصوصاً في عهد حكومة عبدالكريم الكبريتي وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي تلاعبت السلطة في تغيير دوائر الاقتراع بغية تحجيم المعارضة السياسية، خصوصاً الهيمنة الإسلامية التي سادت مع أول انتخابات برلمانية تشهدها الأردن. فقد أدى قرار رفع الدعم الحكومي عن الخبز والدقيق إلى تضاعف أسعار القوت اليومي لجميع فئات الشعب ثلاث مرات. وبحسب بعض المقاييس الاقتصادية فإن السعر الجديد لمشتقات الطحين سوف تستنزف حوالي 75 في المئة من متوسط الدخل الفردي الذي يتراوح ما بين 120- 150 ديناراً.. وتزداد المخاوف من أن يجر القرار الأخير هذا إلى رفع الدعم الحكومي عن تصنيفات أخرى من المواد الغذائية تبعاً لتوصيات الصندوق الدولي والبنك الدولي كضريبة لتبني نظام ديمقراطي يجب أن يواكبه نظام للسوق الحرة بحسب الوصفة الأمريكية.

ومهما كانت التحليلات الخاصة بهذا الموضوع إلا أن الملك حسين يحاول بمراوغته السياسية المعتادة أن ينأى بنفسه في خضم هذه المشكلة الخانقة وذلك من خلال قذف الكرة بين المجلس النيابي والحكومة برئاسة الكبريتي بحيث يستطيع إذا لزم الأمر أن يحل الاثنين معاً ويبدأ الحكم بقبضة حديدية بعد “فشل مشروع الديمقراطية”.

ولكن يبدو أن اتجاهات الرياح تسير ضد ملك الأردن وهذا ما وضعه تحت تأثير كابوس مزعج.. فقد كان يحلم الملك الهاشمي “المستورد” أن يعيد أمجاد أجداده في إعادة خلق إمبراطورية هاشمية تحكم العراق وشمال الجزيرة العربية ويصل شرطياً على الخليج بعدما وضع يده في يد اليهود للاستحواذ على نفط المنطقة وإعادة نشر الفلسطينيين سواء داخل الأراضي المحتلة أو في الخارج في هذه المنطقة، ولكن تشاء الأقدار أن تتضح قزميه هذا الإمبراطور المصطنع في عدم قدرته على إشباع حتى شعبه بل ومحاربتهم في لقمة العيش.

وأمام هذه التطورات يمكن خلق نسيج تحليلي جديد يربط عالم ما قبل الغزو بعالم المستقبل في هذه المنطقة. فقد دفع الملك حسين صدام العراق إلى غزو الكويت ووقف معه “قلباً وقالباً” حتى خروج آخر جندي من أرض الكويت المحررة، وبعد التحرير بادر إلى إبرام صفقة استسلامية مفاجئة مع إسرائيل منفرداً وعاد إلى أحضان الولايات المتحدة من جديد ودون مقدمات أو حتى اعتذارات ولو من باب المجاملة، ثم ثبتت الحكومة الأمريكية مشروع الضغط على الكويت وبقية شقيقاتها في مجلس التعاون للتطبيع ليس فقط مع الأردن، بل حتى مع إسرائيل، وفجأة انقلب الملك حسين على صدام وبدأ يحرض عليه حتى أقرباءه وصار يطرح مشروع الملك الهاشمي على العراق. فالتقارب الأردني الخليجي بالتأكيد يرمي إلى التخلص من صدام وتنصيب الملك حسين حاكماً على بغداد وبدعم أمريكي يمكن إعادة أو نشر ملايين الفلسطينيين إلى العراق والخليج حيث يشتري الملك الإمبراطور ولاءهم ليبدأ هو من حيث انتهى صدام.

وسواء نجحت ثورة الخبز الحالية في الأردن أو التف عليها الملك حسين كعادته يجب أن تنتبه دول الخليج إلى مشروعي التطبيع المتوازيين مع إسرائيل من جهة ومع الأردن من جهة أخرى وخصوصاً بعدما انكشفت وشائج هذه المؤامرة الجديدة.. فهل نعتبر؟!