حيرة ميناء الفجيرة!
17 مايو 2019
د. حسن عبدالله جوهر
استهداف ميناء الفجيرة وضرب عدد مختار من السفن الخليجية فيه قد تكون عملية نوعية دقيقة ومدبرة بعناية فائقة، ولكنها في الوقت نفسه مسرحية فاشلة من حيث التوقيت والإخراج، الأمر الذي يرجح أن تكون الجهة المنفذة لها هي المستفيد الأول والأخير في إشغال نار الحرب بين ضفتي الخليج.
فمن جهة جاءت العملية محكمة وغامضة ولم تترك بصمات فاعلها، وفي بعدها التقني ثم تخريب مجموعة من الناقلات، ومنها الإماراتية والسعودية، دون أية إصابات بشرية أو أضرار مادية كبيرة، كما لم يتم تسريب نقطة من النفط ولم يصاب خط تمديد الطاقة بأي خلل كما لم يرتفع سعر البترول الخام دولاراً واحداً.
ومن جهة أخرى، كانت ردود الفعل سياسياً وأمنياً خافتة ولم تساهم في أي تصعيد أو توجيه أصابع الاتهام المباشرة لأي طرف، بل كانت بمثابة موس صغير ابتلعه الجميع بإرادة مسبقة.
بطبيعة الحال، لا يعني أن منطقة الخليج قد تجاوزت مرحلة الخطر والتهديد فما زالت غيوم التوتر تتكشف حول الإقليم، وما تزال احتمالات العمليات العسكرية قائمة ولو لأسباب عرضية أو حوادث جانبية متعمدة أو غير مقصودة، وما زالت إدارة الرئيس الأمريكي تستمرأ سحب أموال الخليج تحت مبرر الخطر الإيراني وبشكل تصاعدي ومنظم.
التحليلات التي واكبت ضربة الفجيرة المحدودة تناولت جوانب كثيرة من الحالة السياسية والأمنية في المنطقة وبمختلف السيناريوهات، لكن الجميع أخفق في تشخيص المعتدي، الأمر الذي يدعو للحيرة خاصة أمام الصمت الأمريكي بكل إمكانياتها الاستخبارية والمعلوماتية بل وفي وجودها المباشر في الميدان.
ما قد يكون الأهم بعد هذه الحادثة، وفي الرسائل التي قد يستفاد منها من هذه الضربة المحدودة، هو البحث عن مخارج حقيقية لإبعاد شبح الحرب عن الخليج، فالمنطقة لا تتحمل إطلاقاً أي تصعيد، وأياً كانت نتائج أية مواجهات عسكرية سواءً على إيران أو دول مجلس التعاون، فأن المنطقة سوف تعود للوراء نحو نصف قرن من الزمن كتكلفة اقتصادية وبشرية ولوجستية، في وقت تخطط دول الخليج الستة لمرحلة نصف قرن إلى الأمام.
الأموال التي تنهبها إدارة ترامب الشعوب الخليجية وأجيالها القادمة أولى بها، وهي ثمرة عقود من الاستثمار في النفط الذي بدأ يفقد بريقه وأهميته للولايات المتحدة تحديداً، والتي أصبحت في طليعة المنتجين والمصدرين للنفط الخام حتى عام 2050، ولن تكون الشريك الشريف في أية صفقات لا في الحرب ولا السلام في هذه المنطقة.
قد تكون الورقة الروسية-الصينية-الأوربية هي الأرجح في هذه الفترة، فهم الشركاء الاستراتيجيين الحقيقيين لمنطقة الخليج بضفتيه الفارسية والعربية، وهذه الأطراف الثلاثة تربطها بدول الخليج وإيران علاقات أكثر توازناً وقائمة على منافع مشتركة وواعدة، ولذلك فأن مشروع بناء الثقة وجسور الحوار وطرح مفاهيم الأمن الإقليمي والدولي للخليج قد يكون أكثر عقلانية ومصداقية من التفرد الأمريكي الذي لم يعد مهتماً سوى بإنجاح حملة ترامب الانتخابية الجديدة وتمرير صفقة القرن المرفوضة من الجميع باستثناء واشنطن وتل أبيب!