يجب أن يحتل موضوع الارتقاء بالأداء الشعبي قمة الأولويات في الحملة الانتخابية الجارية ليس فقط على صعيد الحكومة ومؤسساتها الإعلامية والخدمية أو صعيد الناخبين أنفسهم، بل من قبل المرشحين أنفسهم وبلا استثناء، ونعني بالأداء الشعبي هنا قيام الناخب والمرشح ومن ثم النائب في مجلس الأمة بممارسة دوره وفق فهم كامل لمسؤولياته، وإدراك تام لما سوف تؤول إليه اتجاهات التشريع والرقابة، ونؤكد أن الارتقاء بالأداء يبدأ بالمواطن الناخب حيث أنه الآلية التي يمكن لأحد المرشحين الوصول من خلالها إلى المجلس، ومن هنا فأن الناخبين ومن خلال انتخابهم الصائب سوف يزيدون من فرص واحتمالات قيام ممثليهم بالدور الدستوري المطلوب منهم بدقة، وكلما نضج الوعي الشعبي انكمشت مناورات المرشح أو النائب فيما بعد للتهرب من أداء دوره المطلوب.
وقد لا يكون المواطن الناخب قد بلغ ذلك المستوى المعقد من القدرة على مناظرة المرشحين أو تقييم برنامجهم الانتخابي، بل قد لا يكون هناك برنامج انتخابي للمرشحين أصلاً وذلك لغياب نظام المؤسسات الحزبية ذات البرامج السياسية أو بسبب عدم انبثاق الحكومة من داخل مجلس الأمة، ولكننا على أقل التقديرات مطالبون بتصنيف المرشحين على أساس فهمهم لواجبات وحقوق ومسؤوليات العمل النيابي، ويتداخل هنا الدور الحكومي ومن خلال وسائل الإعلام الموجهة إلى توضيح معاني العمل الديمقراطي وتأصلها في ذهنية المواطن الكويتي، وبهذا الحد الأدنى من الفهم الدستوري السياسي يمكن غربلة المرشحين وتقسيمهم إلى فريق يدرك ما يقوم به كنائب في مجال التشريع والرقابة، وفريق جاء ليسترزق مالياً أو اجتماعياً أو شخصياً من كرسي البرلمان وإن تطلب ذلك عدم تجشم عناء إطلاق كلمة واحدة أو رأي أو اقتراح طوال وجوده تحت قبة البرلمان.
وأن بلوغ الناخب هذا الحد من الوعي الوطني لمؤشر مهم على السير في الاتجاه الصحيح ليس فقط من خلال قفل أكشاك بعض المرشحين “أو نواب المستقبل” وإنما دفع هذه الفئة إلى الاستبصار والدخول بدورهم في منافسة ديمقراطية يعرفون حقيقتها ويقدمون فيها اقتراحات وتصورات تختلف عن حمل الملفات تحت البشوت وتقبيل الجباه والأنوف والتقليد الإمعي في رفع الأيدي أثناء المداولات والتصويت، ومن جانبهم، يجب أن يتحلى المرشحون بالحد الأدنى من الخلق والآداب الديمقراطية، فلا يعقل أن يتباهى البعض ممن لا يؤمن بالديمقراطية أو يفقه أبجديات العمل بقوانينها أو أعرافها أن يتسلل من هذه القناة لمخالفة القانون أو استغلال المقعد البرلماني المحدد من أجل تحقيق العدالة والمساواة لمصالح فردية وتجسيد التمايز وتعميق التفرقة بين المواطنين.
فالمرشح المقتنع تماماً أو حتى من يصل به الحال إلى الإفصاح من دون خجل بأنه لن يعمل من أجل تحقيق مبادئ الدستور وتفعيل بنوده أو إيصاله الهموم العامة للمواطنين ومشكلاتهم وصهرها في إطار التشريع وفرض الرقابة على الأداء الحكومي بشكل يضمن سلامة سير القانون، مثل هذا المرشح لا يجب أن يقاطع انتخابياً فحسب، بل يجب أن تشمله الحكومة في عداد أولئك الفاقدين لشهادة حسن السيرة والسلوك، وذلك لأن الأمانة والإخلاص للبلد وثرواته وأهله وناسه لا تقف عند حد جدران البيوت الخاصة بل يشمل تراب الوطن كله، ولا يمكن لبقية خطوات الارتقاء بالعمل الشعبي أن يتحقق أو تنجح من دون الانطلاق من هذه القاعدة الصلبة والصريحة.