ذر الرماد في العيون!

26 يونيو 2018

د. حسن عبدالله جوهر

أصبحنا من نوادر الدول والمجتمعات التي تحولت قضايا الرأي فيها إلى مواضيع ضيقة ولا تتجاوز مسائل محدودة إما طائفية أو فئوية أو قبلية، ومن الغريب أن يكون التفاعل مع هكذا عناوين بشكل مكثف سواءً على مواقع التواصل الاجتماعي أو الميداني، مع انعدام هذا الشكل من الاهتمام بالنسبة لأمهات القضايا الوطنية التي قد يقع المجتمع برمته وبكل مكوناته ضحية لنتائجها وآثارها المدمرة.

هذا النوع من التعاطي الشعبي مع الأحداث بات يدركه أصغر وأغبى عقل يضمر الشر لأهل الديرة ويتلذذ عندما يدق إسفين الفرقة والتناحر بين أبنائه، ولذا نجد بين يوم وآخر فتنة مصطنعة تصاحبها حالة من الهيجان، وبمجرد أن تبرد تفتعل مشكلة جديدة وهكذا دواليك.

وحتى تكتمل الصورة تماماً ويكون هذا الهيجان حتى النخاع فأن المطلوب من الجميع بدءً بالمواطن العادي مروراً بالنخبة من أهل الاختصاص والأكاديميين وأصحاب الوجاهة الاجتماعية وانتهاءً بالنواب من مختلف الجماعات الفزعة وإقحام أنفسهم في هذه المعارك وإلا تحوّل إلى جبان لا يشد به الظهر، وربما هذا ما يتمناه البعض وخاصة السياسيين ومن لديهم طموحات سياسية وخاصة على مقاعد البرلمان، فهي فرصة لاستعراض البطولة والشهامة وفي نفس الوقت طوق النجاة ليتناسى القضايا الأساسية والمهمة التي قد يزعّل بسببها المعازيب وخاصة ما يتعلق بالفساد والحرمنة والواسطة وتحويل البلد إلى كيكة قد يكون له منها نصيب!

لقد أصبحت هذه اللعبة مكشوفة، ولكن الأدهى من ذلك أنها تنطلي بسهولة على الكثير من الناس وعلى نطاق واسع وعلى امتداد كل المكونات المجتمعية، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك عندما تثار قضايا في غاية الخطورة مثل السرقات الكبرى أو بروز فضيحة سياسية أو اهتمام المجتمع بقضية شعبية مهمة نجد فجأة تنفجر مشكلة طائفية أو تحرش قبلي يقلب كل الموازين ويغير مسار الرأي العام بتمامه وكماله.

بالتأكيد لا يعني هذا النقد الموضوعي للتعصب من أجل التعصب مبرراً لتشجيع مثيري الفتن للتلاعب على تناقضات واختلافات المجتمع والسماح لهم بالتلذذ على وتر تمزيق البلد، فأمثال هؤلاء يجب الضرب على أفواههم بقوة مشتركة وموحدة وتتحمل الحكومة المسؤولية الرئيسية في ذلك، ولكن في نفس الوقت لو وجدنا هذه الفزعة الكبيرة لقضايا الوطن الكبرى فأجزم أننا لن نكون في هذه الحالة التي يرثى لها بسبب ذر رماد الفتن في عيون الوطن!