الثلاثاء 18 سبتمبر 2007

سياسة حافة الهاوية!

د. حسن عبدالله جوهر

سياسة حافة الهاوية هي أحد التكتيكات السياسية التي تلجأ إلى أسلوب المغامرة والعناد حتى اللحظة الأخيرة في اتخاذ القرار، خصوصاً إذا كان هذا القرار محاطاً بإرادة وقناعة تختلف كلياً عن رغبة صاحب القرار نفسه، وعادة ما يركن أصحاب الرأي المنفرد إلى هذا الأسلوب إما حباً في المغامرة السياسية أو نتيجة للعناد السياسي والمكابرة والتحريض من قبل دوائر ضيقة مؤثرة في عقلية صاحب القرار، ويراهن محبو سياسة حافة الهاوية أيضاً على عامل الوقت أو تخلخل الجبهة المواجهة لهم للتهرب من القرارات التي لا تعجبهم حيث أنهم يعتبرون المثول لها بمثابة هزيمة سياسية يلحق بهم الحرج الشديد.

وقد دأبت الحكومات المتعاقبة في نظامنا السياسي على انتهاج هذا الأسلوب في الكثير من المواقف المفصلية والحساسية ولعل آخرها قضية الدوائر الانتخابية، إضافة إلى إلغاء بعض المشاريع والقرارات الحكومية مثل شركة أمانة للتخزين، مع أنه يحسب للحكومة الحالية أن تجاوبها مع الرأي الآخر يعد أسرع وأكثر إيجابية من السابق حيث كان الفأس يقع في الرأس حتى تستشعر الحكومة فداحة خطر قراراتها وإتباع سياسة العناد حتى النهاية مثلما حدث في الحل غير الدستوري عام 1986 وما تلا ذلك من خطوب جسيمة انتهت بالعدوان الصدامي عندها انتبهت الحكومة لصدق نوايا الشعب!

وفي رأيي أن السبب الرئيسي وراء إتباع سياسة حافة الهاوية هي عدم قناعة الحكومة وإيمانها الراسخ بالديمقراطية الدستورية بأنها لا تمثل سوى حلقة، رغم أهميتها الكبيرة وصلاحياتها الواسعة كسلطة تنفيذية، من مجموعة حلقات تكون في مجموعها شراكة حقيقية في اتخاذ القرار، وهذه الشراكة عرضة للتأثر بمنطق الحياة المتجددة والتطور السياسي وعوامل التغيير المتواصلة التي قد تكون سريعة في بعض الأحيان كما هو الواقع الحالي حيث الحراك السياسي ورياح العولمة في أوج قوتها.

فيجب أن تحرر الحكومة من عقدة الشعور بالهزيمة أو الحرج السياسي أو الإحساس بالضعف في بناء شراكة حقيقية مع مجلس الأمة ومع نبض الشارع الكويتي ومؤسسات المجتمع المدني التي تمثل عصب المجتمع، ويجب ألا تلتفت إلى الأصوات النشاز من المحرضين الذين باتت مصالحهم ونفوذهم في مهب الريح ممن يوهمون القيادة السيادة دائماً بأن التجاوب مع مؤشرات الرأي العام يفقد هيبة الحكم والأسرة الحاكمة.

وقد لا يكون مجلس الأمة من خلال أعضائه صورة مثالية للسلطة التشريعية ولكنه يظل خيار الشعب وهو شريك رئيسي في الحكم واتخاذ القرار والعين الرقابية على أداء الحكومة، وعلى الرغم من الأخطاء الكثيرة والممارسات السلبية في عمل المجلس إلا أنه نجح في الكثير من المناسبات أن يقر قوانين بإجماع أعضائه على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية، وهي قرارات لا شك أنها تحدد مسار الإصلاح وفرض سيادة القانون وهيبته، فلو بدأت الحكومة جدياً بالتعامل المطلوب مع ما أجمع عليه المجلس من توجهات عامة فسوف يعزز ذلك من قوتها وهيبتها واحترامها عند الجميع ويطلق لها العنان في تبني خطة تنمية متكاملة ذات توجهات إصلاحية حقيقية.