شباب.. فقدناهم!
22 نوفمبر 2016
د. حسن عبدالله جوهر
عندما تشتّت جمع الحراك، وبكل ما حمل معه من مواقف وأطروحات وممارسات، فأيدها البعض ورفضها البعض الآخر، تبعثرت جموع الشباب وضاعت البوصلة السياسية القادرة على المضي في اتجاه موّحد يحمل معه جملة من القضايا الوطنية التي لا يمكن أن يختلف عليها حتى من خصوم وأعداء الحراك نفسه، ولهذا ظهرت العديد من المجاميع التي تدعي أنها استمرار لتلك الظاهرة السياسية التي نتجت بشكل عفوي لمواجهة الفساد عندما نخر في جسد السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية معاً.
تقييم الحراك السياسي ودوافعه ونتائجه مسألة متشعبة وقد تحتاج إلى الكثير من التحليل والتشخيص في مقام آخر، ولكن ما استوقفني من بقايا الحراك ونحن أمام انتخابات عامة جديدة مجموعة من الشباب الذين توقدوا بطاقة وطنية ووعي ورصين وشجاعة في الطرح وجرأة غير مسبوقة في التصدي للفساد ورموزه، وفي نفس الوقت لم تحركهم الدوافع المذهبية أو الفئوية أو القبلية، ولعلهم اصطدموا بسبب ذلك بأقرب الناس من حولهم ودفعوا ثمن التسامح الوطني ونظرة الأمل نحو مستقبل أفضل، وهذه ضريبة مستحقة وجديرة بالاحترام في حد ذاتها.
لكن تبعات الأحداث والقرارات السياسية، وخاصة تعديل النظام الانتخابي، قسّمت هذه المجاميع الشبابية إلى أقسام تبعاً لقناعاتهم تجاه هذه التطورات، والبعض منهم آثر الاستمرار في النشاط السياسي رغم الفراغ الكبير الذي شهدته الساحة، وتبنوا مشروع “الإصلاح بما هو متاح”، أو السعي مع بعض الرموز السياسية بما فيهم نواب المجلسين السابقين المبطل والمنحل، لعل وعسى تنفع مثل هذه المحاولات القليلة أمام زخم سياسي وإعلامي ونيابي هيمنت عليه الحكومة وحلفائها وفرضت واقعاً جديداً.
بعض الشباب ممن تربطني بهم علاقة الود والاحترام والإعجاب اجتهدوا ورأوا أن وجود المجلس ونوابه والإعلام ووسائله قد يفتح باب الأمل مجدداً، لكنهم بقصد أو بدون قصد، ولعل بحسن نية، سُحبوا إلى المعسكر الآخر الذي يختلف أو اختلف لاحقاً مع تلك المبادئ والمواقف التي آمنوا بها ودافعوا عنها، وكان عليهم دفع ضريبة أخرى وهو محاولة التبرير أو الترقيع للأخطاء التي تبين أنها جسيمة بحق الوطن ومستقبله السياسي، ولعل ردة الفعل على مواقف المعارضة أو ممارساتها شجعت هؤلاء المضي في طريق مضاد كانوا هم يخطئونه ويستنكرونه.
نصيحتي إلى هؤلاء الأخوة والأخوات الأعزاء وهم في مقتبل العمر وأمامهم مشوار سياسي طويل، قد يكون حافلاً بصور مأساوية من الفساد المنظم ونهب ثروات بلدهم، على حساب مستقبل إخوانهم وأولادهم، أن يعيدوا تقييم بعض الحسابات.
الانتخابات قادمة خلال أيام، وهناك ظاهرة تدعو للتفاؤل متمثلة بجيل من المرشحين الشباب ممن أثبتوا جدارة في أطروحاتهم السياسية وجرأة وشجاعة في إعلان الكثير من مواقفهم القادمة، ويتحلون بالروح الوطنية التي باتت عملة نادرة، فليساهم شباب الحراك المخلصين في دعمهم بكل قوة ويعززوا مواقعهم الشعبية لأنهم ذات المبادئ الجميلة التي نادوا بها قبل سنوات قليلة، مع تميزهم بخصلة لا تتوفر عند الكثير من السياسيين الحاليين وهي أنهم صفحة بيضاء نقية تستحق أن نستثمر بها لمستقبلنا، فهم أبرك وأفضل وأشرف من الكثير ممن عرفناهم عندما بان معدنهم الحقيقي على المحك!