طائفية التومان والليرة!

17 أغسطس 2018

د. حسن عبدالله جوهر

في تناقض صريح وجديد انقسمت الآراء والمواقف تجاه الحرب الاقتصادية الأمريكية على كل من إيران وتركيا، والذي أدى إلى تراجع قيمة التومان الإيراني والليرة التركية بقوة أمام الدولار الأمريكي، ومع كل الأسف وفي توجه طائفي واضح تشكلت المواقف والتصريحات والتغريدات وفق الهوى المذهبي تجاه البلدين المسلمين، وفي تدحرج هذا الحس الطائفي بدءً بالأحداث العسكرية في المنطقة وردود الفعل السياسية تجاه أنظمة الحكم في دولها وأخيراً حتى في البعد الاقتصادي، يستغرب أن يركب هذه الموجه أيضاً النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي ورجال الاقتصاد ومشايخ الدين.

الفريق الذي هلّل بسقوط التومان الايراني ورآه مستحقاً ومؤشراً لاهتزاز النظام استنفر بالدعاء وطرح حلول عملية وفزعة شعبية لمواجهة انهيار الليرة التركية، وفي المقابل فأن الفريق المتعاطف مع التومان بدأ بطرح البدائل لمواجهة المؤامرة الأمريكية وفي نفس الوقت رأى بأن إضعاف النظام التركي اقتصادياً مسألة مستحقة سياسياً.

هذه المفارقة تذكرني بسلسلة المقالات والدراسات التي أعدها ونشرها برنالد لويس منذ الألفية الحالية، وبرنالد لويس استاذ جامعي في علم السياسية ومن المقربين لدوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وذو ميول صهيونية متطرفة، وقد أعد مشروع تقسيم منطقة الشرق الأوسط وتفتيت أهم دولها وفي مقدمتها السودان وسوريا والسعودية ولبنان والعراق بالإضافة إلى ايران بناءً على معايير اثنية وطائفية، تمهيداً لما سماه بقيام اسرائيل الكبرى، وهو المشروع الذي تبناه الكونغرس الأمريكي.

وفقاً لنظرية لويس فأن أهم متطلبات نجاح هذا المخطط هو ما سماه “تفجير الألغام الطائفية بين السنة والشيعة”، حيث لا يمكن للمنطقة العربية أن تضعف وتتهاوى دون خلق حالة من العداء الشديد بين الشيعة والسنة وترجمته إلى صدامات مسلحة وسياسات منهجية قائمة على التهجير والإلغاء وإعادة التخندق في كانتونات مذهبية وعرقية ذات حدود جغرافية مرسومة.

شخصياً لا أؤمن بنظريات المؤامرة، ولكن هذا لا يعني بتاتاً غياب الدراسات والسياسات الناقمة على منطقتنا ومحاولات تفتيتها والتحكم فيها، ولكن أن نتحول إلى أدوات، بجهل أم بدراية، لتسهيل مثل هذه المشاريع الخبيثة، فهنا تكمن الطامة الكبرى.

أحداث المنطقة العربية الدامية منذ عقد من الزمن لم تنجح، رغم الدمار الكبير والدماء الغزيرة النازفة في تغيير خريطة العالم الإسلامي، ولكنها طبقّت أمر واحد، وهو مشروع برنالد لويس في نشر العداء الطائفي.

عوداً إلى التومان والليرة، فان العجب العجاب أن تركيا وإيران اتفقتا على مواجهة خصم واحد، وتعهدتا بالتعاون الاقتصادي اللا محدود انطلاقاً من مصير مشترك، ولكننا نستمر نيابة عن الطرفين بالتقاذف والتناحر والشماتة وكأننا نملك ثروة قارون من التومان أو الليرة!