الأربعاء 07 أغسطس 1996 |
علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل |
بغض النظر عن صبغتها الرياضية البعيدة عن أجواء السياسة، أصبح للدورات الأولمبية بعد عالمي مهم لا شك أنه يساهم في ترجمة مفهوم النظام العالمي الجديد عملياً، وأول تطبيقات هذا المفهوم يتجسد في تحول العالم إلى قرية “أولمبية” صغيرة تشتمل على عناصر من جميع الجنسيات والثقافات تتنافس في مهرجانات وتحديات رياضية تستقطب عيون ومتابعة عشرات الملايين من البشر في كل مكان في آن واحد، ولا تخلوا مثل هذه المنافسات الرياضية من اتجاهات سياسية وحضارية واقتصادية، فملية اختيار المدن الأولمبية كل أربع سنوات تخضع لمعايير سياسية وأمنية واقتصادية تقيس إمكانات الدولة ومؤهلات الدولة المضيفة التي تكون بؤرة للاهتمام الإعلامي والنجاح الاقتصادي والمكانة السياسية لمدة من الوقت. ثم تبدأ المنافسات الرياضية، وهي لقاءات لا تبتعد عنها هواجس التحدي السياسي والتنافس الحضاري، فأي إنجاز في هذه البطولات ينعكس على اسم ومصداقية الدولة القومية وما آلت إليه مستويات التقدم والرقي الحضاري، وحتى إذا لم يكن معيار التقدم والمدنية دقيقاً لحساب معدلات النجاح الرياضي إلا أن النجاح الرياضي بحد ذاته يعكس قدراً من الإرادة الشعبية أو تقدم مستوى الرعاية والخدمات الخاصة بالشباب والرياضيين أو وجود طموحات شخصية فردية أو حتى قد يعكس إلهاء مجاميع الناس ببهرجة وحماسة الألعاب الرياضية وإبعادهم عن السياسة وغمارها. وإذا أردنا أن نقيس مؤشرات النجاح العربي من قبل هذه البطولات نجد أن الرقم العالمي الوحيد الذي حققه العرب هو في الفشل والفشل الذريع الذي لا يتناسب مع أي من المعايير التي يتحلى بها هذا الجنس من البشر سواء على مستوى العراقة والحضارة أو الإمكانات أو الاستعدادات الفردية، فبعد مرور قرن من الزمان على بدء مسيرة الألعاب الأولمبية ما زلنا نتطلع إلى أن ترفع غادة شعاع أو حسيبة بالمرقة رقاب العرب على منصات الفوز العالمي، ولا يعتبر مثل هذا الإنجاز قدحاً بحق المرأة العربية ولكنه بالتأكيد يعكس العقم الرجولي في عالم العرب. ومثل هذا العقم البطولي بين الرجال وإلى هذا الحد المؤسف ليعبر عن حالة عامة في الوطن العربي وهي حالة تمثل الإحباط واليأس والتخلف على مختلف الأصعدة، فنظرة عامة إلى نتائج الألعاب الأولمبية تبين أن النجاحات الرياضية قد تتحقق من خلال إرادة فردية وجهود شخصية أو نتيجة لاستعدادات وإمكانات تهيئها سياسات عامة وقرارات حكومية بغض النظر عن نوعية أنظمة الحكم أو مستوى التقدم الاقتصادي والصناعي. فالاتحاد السوفيتي يملك أكبر رصيد من الإنجازات الأولمبية رغم كونه إناء لحكم سلطوي وقهري كما أن بعض الدول تترجم جوانب من حضارتها وثرواتها في بعض الميادين الرياضية، فالكوبيون مثلاً اشتهروا بالملاكمة والبيسبول والكينيون معروفون بالجري، ولهذا فأن أقل ما كان يتوقع من العرب تحقيق بعض النتائج في مسابقات ورياضات تأصلت في تراثهم وحضارتهم وقد أكدها أيضاً الدين الإسلامي كالفروسية والسباحة والرماية، وقد تجسدت مثل هذه الرياضات في حضارة العرب وكانت رمزاً لنجاحهم على مدى التاريخ البشري خصوصاً في الفتوحات والابتكارات، ولكن نجد اليوم أن العرب يحتلون المراتب المخزية ليس على صعيد الألعاب عموماً وإنما في هذه الرياضات بالتحديد، وفي ذلك مؤشر خطر جداً حيث لا نعاني فقط من جمود وتخلف عن ركب الإنجازات العالمية وإنما فقدان حتى “التاريخ” المشرق ومع ذلك كله فأن مشاركة العرب كالعادة كانت من خلال المسؤولين وحواشيهم الذين نزلوا في أفخم الفنادق وأغلاها على حساب الأمة طبعاً. |