قانون أبوي ما يقدر إلا على أمي!
21 ديسمبر 2018
د. حسن عبدالله جوهر
عوداً على قانون التقاعد المبكر، خاصة بعد ردود أفعال بعض النواب الهستيرية التي حاولوا من خلالها التستر على فضيحة مواقفهم وانكشاف ضحالة فهمهم أو درايتهم بمحتوى التعديلات التي أقروها بسرعة البرق وحاولوا تضليل الرأي العام بأنها بشارة سارة للمواطنين، سوف نورد بعض الملاحظات التي تؤكد الحالة البائسة التي يعيشها البعض منهم.
أولى هذه الملاحظات تتمثل في القوة التصويتية التي حققها القانون المقترح، فقد أقام مجموعة من النواب الموافقين على التعديلات في المداولة الأولى الدنيا بالصراخ والانفعال وزعموا أنهم عباقرة زمانهم وروجوا أن قانونهم حافل بالكثير من المزايا للمتقاعدين، وإذا أخذنا الحسبة العددية نجد أن هؤلاء الفطاحل لا يتعدى رقمهم عشرة أعضاء بعد أن أعلن خمسة من زملائهم أنهم صوتوا لصالح المقترح على مضض أو كأنهم تجرعوا السم، لكن من عارض القانون فقد بلغ عددهم 16 نائباً، الأمر الذي يبين أن من مرّر المداولة الأولى هي الحكومة وهؤلاء القلة كانوا مجرد تبع لها.
ثانياً، ردة فعل الشعبية أتت ثمارها في الضغط على النواب المؤيدين، فرغم مهاجمتهم العلنية وبشكل يفتقر إلى الفروسية وأخلاقيات الرأي والرأي الآخر، تم تقديم العديد من التعديلات وفي حالة إقرارها، وهذا ما سوف يتم بالفعل في المداولة الثانية، فهذا يعني أنهم سوف يلحسون كلامهم وتمجيدهم للمقترح “السوبر” بشكله الحالي، ولا أدري بأي وجه سوف يواجهون الناس بعدها، ولكن إذا شخصنا نفسيات هؤلاء النواب فيكون من الطبيعي جداً أن يركبوا موجة ما أتهموا به المعارضين لهم من تضليل ومغالطات لا تستند إلى أسس سليمة!
ثالثاً، أي تضليل مارسه منتقدي الاقتراح العقيم؟ فهل ما تم بيانه بأن مقترح أصوات الصوت العالي “المتوهق” لا يفيد سوى 6-7 آلاف متقاعد فقط يعتبر تضليلاً؟ وهل أن خصم 2% من معاش المتقاعد المبكر، وإن أكمل المدة القانونية، لآخر عمره مغالطة؟ وهل استقطاع 25% من الراتب لمن لم يكمل مدة الخدمة في حدها الأقصى وهي خمس سنوات وبمعدل 5% سنوياً يعتبر افتراء على الاقتراح “اللي جاب العيد”؟
رابعاً، أليس التضليل الحقيقي هو ما يحاول بعض النواب التكسب المجاني منه على ظهر البسطاء من الناس، فنظام التوظيف الحالي بشكل عام لا يفيد 90% من الموظفين الحاليين في التقاعد المبكر، فالموظف في ظل القوانين الحالة يدخل سوق العمل بعد 24-25 سنة في حالة الجامعي، وإذا أخذنا سنوات الخدمة في قانون التأمينات يكون المتقاعد قد بلغ من العمر 54-55 سنة بعد إكمال 30 سنة خدمة، وبالتالي فأن الغالبية العظمى خاصة من الرجال يتقاعدون براتب كامل وبدون فضل ولا منة من أبواق النواب إياهم.
خامساً، ورغم كل ما قيل، فأن المحك الأساسي لمصداقية النواب تكون على محك التقاعد القسري الذي تملك الحكومة عصمته، فهل يتجرأ النواب “السباع” أن يواجهوا بذلك الحكومة كما يفعلوا مع الناس أم سيتحولون إلى “نعامة” كالعادة عندما يكون “جبيلهم” الحكومة!
نتمنى أن لا يستمر بعض النواب في جعل أنفسهم أضحوكة، وأن يستوعبوا الدرس بأن كلما زاد صراخهم على الشعب كلما انكشفوا أكثر بأنهم مجرد أدوات للحكومة وسوف تقل قيمتهم يوماً بعد يوم، فقد ولى زمن “أبوي ما يقدر إلا على أمي”!