قلعتكم!

08 أكتوبر 2019

د. حسن عبدالله جوهر

حملة الاستنكار والغضب التي تقودها بعض وسائل الإعلام وما تسببت به من هيجان شعبي على خلفية دخول بعض النواب في مزايدة لشراء مجموعة من العقارات في وسط العاصمة أمر يثير الدهشة والتساؤل حول هذه الفزعة المفاجئة والتباكي على القيم والقانون.

مع نفس الإحساس بمرارة ألم الحالة الكسيفة التي وصلنا إليها من الفوضى والفساد يجب أن نتصارح لتكون النقاط واضحة على الحروف، فقصة مناقصة هنا أوهناك، ورواية عن صفقة مالية مشبوهة تظهر إلى السطح دون مقدمات، أو مزايدة طارئة كالتي سمعنا بها مؤخراً، أو الفوز بمشروع كبير مفصّل على قياس أشخاص معينين، ليس سوى نتيجة طبيعية أو إفراز لما هو أخطر أو أكبر.

نعم يحق للناس أن تغضب وهي ترى نواباً منتخبين تركوا التشريع والرقابة وتحولوا إلى تجار ومزايدين ومناقصين في الأسواق، ومن حق الناس أن تسأل عن مصادر الأموال المليونية التي تهب على البعض من أعضاء مجلس الأمة ممن يفترض أنهم من عامة الشعب وعلى طرق المعاش خلال وجودهم في البرلمان، ولكن التساؤل الأكبر الذي يتهرب منه الكثير وخاصة المحرضين والمتباكين على المال العام وعلى القانون المنتهك هو من يقف وراء هذه النوعية من النواب وغيرهم من الشخصيات الإعلامية والسياسية والاجتماعية وحتى الرياضية؟

 السؤال المستحق والأهم كيف يمكن أن تطرح عقارات تم استهلاكها من قبل الدولة وتحولت إلى أملاك حكومية قبل عشرات السنين ثم يتم بيعها بمزاد علني لصالح المالك السابق بغض النظر عن قام بشراها؟ وكيف تسمح الأجهزة المعينة بالتفكير حتى بالسماح بمثل هذه الإجراءات الباطلة؟ والأخطر من ذلك كله هو تمرير مثل هذه القصة بعد زوبعة إعلامية وشعبية لا تتعدى الفنجان ثم ننتقل إلى قصة أخرى لمجرد أن تلهوا بها الناس ويزيد غضبهم وتصلهم الرسالة بأن هذا هو الواقع ومن لا يعجبه يشرب من باب البحر.

عندما انتفض مجلس الأمة عام 2010 ومعه الشعب الكويتي لفضح أسرار الإيداعات المليونية لعدد كبير من النواب تم اتهام المجلس بمحاولة بث الفوضى، وعندما حل ذلك المجلس وخرج الناس للاحتجاج على كيفية نهب المال العام وتوزيعه على بعض النواب والمتنفذين تم اتهامهم بزعزعة الأمن والاستقرار السياسي، وعندما أصر بعض الشرفاء على متابعة هذا الملف والتحذير من تباعته التي نرى البعض من قصصها اليوم كان مصيرهم السجن والملاحقة والنفي خارج البلاد، وتم تهديد الآخرين بسحب جناسيهم ومعاقبتهم وأبنائهم تحت غطاء القيد الأمني ليحرموا حتى من الوظيفة والمناصب الوسطى في الدولة.

مع الأسف فأن من طبّل للإجراءات الحكومية آنذاك ورقص فرحاً لدهس المعارضة وبارك مهللاً لمشروع الصوت الواحد الذي يسهل معه شراء الذمم وخلق النواب السماسرة وإفراغ المجلس من محتواه ودوره الرقابي هم من يحاولون أن يوهموننا بأنهم يذرفون دموع الحزن على البلد، فلا تبكون ولا تتباكون فهذه “قلعتكم”!