قواة عين سياسية!
01 مايو 2018
د. حسن عبدالله جوهر
الطريقة التي يتعامل معها الرئيس الأمريكي مع العالم العربي، وتحديداً دول الخليج، مثيرة للاشمئزاز، والاستسلام لهذا النوع من الخطاب السوقي والوقح بالتأكيد يشجع الرجل للمزيد من التمادي والبلطجة السياسية وتوجيه الإهانات دونما الاكتراث لأي آداب دبلوماسية أو أخلاق سياسية تعكس حتى صورة وهيبة الولايات المتحدة كقوة عظمى في العالم.
قد يكون أسلوب دونالد تراكب مقززاً بشكل عام حتى مع خصومه الأمريكان، وهذا ما عكسه في حملته الانتخابية ليس ضد مرشحي الحزب الديمقراطي بل حتى مع منافسيه من الحزب الجمهوري، ولكن طريقته في بذاءة اللسان كان يرد عليه بذات الأسلوب ونفس المستوى وبغض النظر عن نتائج ذلك التلاسن اللفظي.
فقد استهل ترامب حملته الانتخابية بالسباب لدول الخليج وتعهد أمام ناخبيه بابتزاز هذه الدول مالياً والتعامل معها كبقرة حلوب يتم ذبحها بعد نهب كل خيرها، وها هو ينفذ تهديداته بشكل منتظم وتصاعدي، ويصل به الحال أن يصدر الأوامر بتحصيل فاتورة كل سياساته في المنطقة من دول الخليج، لكن أن يصل مستوى تعاطيه مع حكومات المنطقة بأنها لن تصمد لمدة أسبوع لولا حماية الولايات المتحدة لها، فهذا سلوك سياسي مشين ولا يليق مع الخصوم فكيف بالحلفاء والأصدقاء.
قد تكون منطقتنا في دوائر الخطر والتوتر، وقد يكون التحالف مع القوى الكبرى ومنها الولايات المتحدة من استراتيجيات الأمن الإقليمي، ولكن يجب أن لا نغفل التوازنات الدولية والأهم من ذلك بحث الأمن الإقليمي من منظور مصالح الدول المعنية في المنطقة وتنشيط دبلوماسية الحوار بكل درجات الشفافية، كما يجب أن نستذكر المواقف الأمريكية عبر التاريخ في خيانة حلفائها والتخلي عنهم في أصعب الظروف، ففي ذروة الحرب الباردة أدارت الولايات المتحدة ظهرها لأقرب أصدقائها وتركت الشيوعية السوفيتية تبلتعهم الواحد تلو الآخر في شرق العالم وغربه بل وفي العمق الأوربي وعلى تخوم أمريكا في القارة اللاتينية.
ومن حقنا أن نتساءل لماذا يتراجع ترامب عن تهديداته ضد الاتحاد الأوربي واليابان وروسيا والصين وكوريا الشمالية وكندا والمكسيك، بينما يستأسد مع دول الخليج بعد كل وجبة من المليارات، بل ويتخذ بعد ذلك مباشرة قرارات لمصلحة إسرائيل متحدياً بذلك مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين وضارباً كل القوانين الدولية عرض الحائط؟
لا نريد أن نستدعي الولايات المتحدة كقطب عالمي واقتصاد أممي وقوة عظمى أو شعبها المسالم بسبب عنتريات رئيس تدور حول فوزه في الانتخابات عشرات الشبهات، ولكن عليه أن يتعلم دروساً في الأخلاق والأدب السياسي، فبقدر ما قد تحتاجه حكوماتنا عسكرياً وأمنياً هو شخصياً يحتاج أموالنا الطائلة التي باتت الحسنة الوحيدة في إدارته الحالية وتحمّل الشعب الأمريكي لجنونه، وإلا سوف يفلس مالياً إلى جانب افلاسه السياسي الصريح!