كامب ديفيد وخُفي حُنين!

19 مايو 2015

د. حسن عبدالله جوهر

إذا كان ما أعلن في المؤتمر الصحفي للرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد لقاء كامب ديفيد الذي جمعه بقادة مجلس التعاون الخليجي يمثل خيبة أمل وصدمة لدول الخليج، فكيف يكون الحال لما يفترض أن قيل في الغرف المغلقة؟!

المؤتمرات الصحفية عادة يغلب عليها طابع المجاملة والدبلوماسية، ولكن تصريحات الرئيس أوباما رغم ذلك كانت واضحة في الاتجاه الذي لا يعجب الخليجيين، وهذا لم يكن مفاجئاً لمن يتابع السياسة الأمريكية الراهنة في المنطقة وردود فعل واشنطن تجاهها، فالولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمل أعباء قيادة العالم والاستمرار بدور راعي البقر “الكابوي” خاصة بعد تراجع الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج تحديداً.

في قراءة سريعة لنتائج قمة كامب ديفيد يمكن تحديد الملامح الرئيسية للرؤية الأمريكية عبر النقاط التالية: أولاً، العمل على إغلاق الملف النووي الإيراني بعد ضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي في مقابل دور إقليمي أكثر توازناً أو حتى أبعد من ذلك عبر تفاهمات لحلحلة بعض الملفات المفتوحة في المنطقة، وثانياً اعتبار دول الخليج أنها ما زالت تحت المظلة الأمريكية وأنها لا تستطيع أن تحمي نفسها بنفسها إلا بشرط واحد وهو الاستمرار بشراء الأسلحة من الولايات المتحدة بالكميات التي تحددها الاستخبارات الأمريكية والبيت الأبيض والبنتاغون، وللعلم فقد بلغت المصروفات الخليجية على التسلح منذ الغزو العراقي للكويت ما يفوق 2 تريليون دولار وقد يتضاعف هذا الرقم خلال العقد القادم ومع ذلك تقول واشنطن لدول الخليج إننا من ندافع عنكم!

ثالثاً، لم تخف الإدارة الأمريكية امتضاعها من عاصفة الحزم على اليمن بدليل منع ذكر اسم العاصفة في البيان الختامي مع عبارات متشددة على بدء العملية السلمية فوراً في اليمن وبرعاية الأمم المتحدة وليس مجلس التعاون، وفي نفس الإطار حذر أوباما من جبهة النصرة وذكرها بالاسم رغم علمه بموقف بعض دول الخليج الداعم بقوة لهذه الجماعة المسلحة في سوريا.

خلاصة كامب ديفيد أن الأمريكان قالوا للخليجيين نحن ماضون في سياستنا الجديدة في منطقتكم وليس لكم سوى خيار واحد وهو شراء المزيد من السلاح وحتى هذا السلاح لا يمكنكم استخدامه إلا عندما نقرر نحن على مستوى الزمان والمكان!

أن مشكلة دول الخليج تكمن في عقدة العم سام، وهذا واضح ليس فقط على المستوى الرسمي بل حتى على صعيد الجوقة الإعلامية ومجموعة الفطاحل الجدد ممن أطلقوا على أنفسهم فجأة المحللين السياسيين ومدراء المراكز الإستراتيجية وغزوا الفضائيات مؤخراً بتحليلات تحريضية وتصعيد غير مبرر ومحاولة إخبار العالم بأن الولايات المتحدة أصبحت في جيبنا، وفي مفارقة غريبة ننتقد السياسة الأمريكية ونتهمها بأنها طعنتنا من الخلف وفي نفس الوقت نستمر في الاستجداء من الأمريكان في كل شيء!

أن خروج الخليجيين من قمة كامب ديفيد بخُفي حُنين يتطلب إعادة ترتيب منطقة الخليجية برؤية أكثر واقعية وتفكير استراتيجي بالخروج من العباءة الأمريكية ولو بالتدريج ودراسة مفاهيم ونماذجه لأمن المنطقة قائمة على مبادئ التعايش المشترك والبناء التنموي الداخلي والتكامل الإقليمي بدلاً من اللهث خلف السراب الأمريكي إلى ما لا نهاية!