كذب المزورون ولو صدقوا!

26 أبريل 2019

د. حسن عبدالله جوهر

قبل سنتين بالتمام والكمال وتحديداً في أبريل 2017 فجّر رئيس مجلس الأمة قنبلة وجود 400 ألف مزور للجنسية الكويتية، وبعد ضجة إعلامية كبيرة وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لمتابعة هذا الموضوع ساد الصمت المريب على قضية يفترض أن تكون بمثابة زلزال سياسي يهز أركان الحكومة وأسرة الحكم ودولة الكويت برمتها، وتزامن ذلك مع تقديم اقتراح بقانون التجنيس المستحقين من البدون ممن استوفوا شروط الجنسية، ولكن بمجرد فشل الاقتراح مات ملف التزوير فجأة!

وفي أبريل 2019 وبعد تقديم اقتراح بقانون بشأن الحقوق المدنية والإنسانية للبدون عادت عاصفة المزورين من جديد، خصوصاً بعد نجاح النائب د. بدر الملا في الانتخابات التكميلية وإعلانه عن تبني هذا الملف عبر تشكيل لجنة برلمانية مستقلة بدلاً من لجنة الشؤون الداخلية التي قبرت الموضوع لمدة عامين، ولما فشل المجلس في الموافقة على مقترح الملا اشتغلت الماكينة الصوتية لبعض النواب وزاد صراخها عندما بدأت الخطوات العملية في تحريك رؤية 2035 وعودة الشيخ ناصر صباح الأحمد إلى الواجهة السياسية.

قضية الفساد لم تترك باباً في الكويت إلا اقتلعته، وباب الجنسية ليس استثناءً، وبالتأكيد هناك حالات تزوير في منح الجنسية وفي تعديل درجاتها إلى صفة التأسيس، وتظل الحكومة هي المسؤولة وهي من يجب محاسبتها في حال ثبوت هذا الاتهام، وإن كان على حساب ترضية للنواب أو الرشاوى الفردية، والأمر هنا يستحق المساءلة السياسية بأقصى درجاتها أولاً بسبب مستوى التهمة وخرق خطوط السيادة وثانياً لكشف حقيقة بعض النواب الذين يتاجرون بهذا الملف ولكن بفضلهم بقيت الحكومة محصنة من الاستجوابات على مدى ثلاثة سنوات، فهم من حموا رئيس الوزراء والوزراء من خلال وأد الاستجوابات في اللجنة التشريعية أو التصويت لصالح الحكومة في جلسات طرح الثقة طوال عمر المجلس الحالي.

أما كذبة تزوير 400 ألف جنسية فلا تخرج عن نطاق ضرب المكونات الكويتية والعودة إلى تأجيج الفئوية البغيضة، حيث دارت العجلة من جديد لإشغال الحضر بالبدو بعد أن انتهت آخر دورة من مسرحية ضرب الشيعة بالسنة، ويضاف إلى ذلك أن تهمة تزوير هذا العدد الكبير تبقى سيفاً مسلطاً للقمع والابتزاز السياسي وفرض السكوت على ما نراه من استباحة ثروات البلد والفساد الذي أكل الأخضر واليابس، فنصف مليون جنسية مزورة تهمة قد تلبّس بغالبية الكويتيين، كما إن إثارة مثل هذه الضجة الكبيرة وبلغة الأرقام خطة شيطانية من الطراز الأول، حيث تم التلاعب ببعض الأرقام والاحصائيات لتمريرها وسط أجواء مشحونة قد تنطلي على شريحة واسعة من المواطنين بمن فيهم المثقفين وشخصيات اجتماعية كبيرة ركبت الموج ومع الخيل يا شقره.

لتوضيح الحقيقة وكشف المزورين الحقيقيين لنرجع إلى المواقع الرسمية للجهات الحكومية ومن أهمها الموقع الالكتروني للإدارة المركزية للإحصاء وموقع هيئة المعلومات المدنية، فمن يروّج لتهمة التزوير يزعم أن عدد الكويتيين قد ارتفع بمقدار 400 ألف شخص ما بين عام 2005 و2015، وقد ينطلي هذا الخداع على الكثيرين لأن الجهتين الحكوميتين لهما حساباتهما الخاصة وبينها تفاوت كبير وهذا بالتأكيد خلل جسيم.

لكن إذا أخذنا إحصائيات كل جهة على حدة نجد أن نسب الزيادة في السكان طبيعية بل ومتطابقة، وإليك الدليل القاطع، فالإدارة المركزية للإحصاء سجلت عدد الكويتيين منذ عام 1995 وحتى 2015 كالتالي: 653616-860324-1238679، وبذلك تكون نسبة الزيادة من 1995-2005 حوالي 32% ونسبة الزيادة السكانية للكويتيين بين 2005-2015 قرابة 38%.

أما هيئة المعلومات المدنية فقد سجلت عدد الكويتيين عام 1995 بنحو 708115 وعام 2005 حوالي 992217 وعام 2015 بإجمالي 1307605، أي أن نسبة الزيادة ما بين عامي 1995 – 2005 وصلت 40% أما ما بين عام 2005 وعام 2015 فكانت النسبة 32%، ولا توجد مزاعم زيادة مفاجئة ما بين 2005 إلى 2015 إلا عند جمع عدد المواطنين وفقاً للإدارة الإحصاء في السنة السابقة وعدد الكويتيين تبعاً لأرقام المعلومات المدنية في السنة اللاحقة حيث تصل نسبة الزيادة إلى 52% وهي الملفتة ولكنها نسبة وهمية لاختلاف التقديرين بين الجهتين.

ويمكنك متابعة هذه الأرقام من البيانات الرسمية من موقعها، ولكننا ذكرناها من باب “إلحق الجذاب لي باب بيته”، وحتى تعرف من هم المزورين الحقيقيين وما هي مآربهم!