لماذا تقرع طبول الحرب؟!
24 مايو 2019
د. حسن عبدالله جوهر
تشهد منطقة الخليج تصعيداً سياسياً وإعلامياً غير مسبوق منذ سنوات الحرب العراقية الإيرانية، وقد يتخلل هذا التصعيد موجات من التهديد أو مؤشرات ذات طابع أمني وعسكري، وهذا أمر طبيعي في ظل الخلافات الأمريكية-الإيرانية تاريخياً، والتي تعاظمت في عهد الرئيس دونالد ترامب.
لكن الوضع في منطقة الخليج، رغم حساسيته المفرطة، لا يزال تحت السيطرة وضبط النفس، ليس لانفراجات سياسية، وإنما لإدراك الجانب الأمريكي بأن اشتعال نار الحرب في هذا الإقليم غير قابل للاحتواء وستكون نتائجه كارثية وفق كل المقاييس على دول المنطقة والولايات المتحدة ذاتها، كما أن الطرف الإيراني يدرك القوة التدميرية لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة، ومقتضيات المنطق ومعادلات القوة تقضي ألا يكون الحرب هو خيارها الأول.
إلا أن الملفت أن دق طبول الحرب تأتي من الداخل الخليجي، والتغطية الإعلامية توحي بأن المواجهة العسكرية قد دنت ساحة قرارها، كما لا تخفي بعض وسائل الإعلام فرحتها وترحيبها لمثل هذه الحرب، وقد يكون منطلق ذلك أن الحرب لن تتعدى المحيط الإيراني وأن العدو الجديد سيلقن درساً مهماً ورادعاً من جانب واحد، وأن الولايات المتحدة ستكون الظهر والسند والأمن والأمان وحامي الحمى وكل ما يحتويه مصباح علاء الدين.
في كل حال، يبقى هذا رأي يعكس وجهات نظر الأطراف المعينة، وخاصة بحسب طبيعة العلاقة مع إيران، ولكن ما هو تفسير التطبيل والتهليل للحرب من بعض وسائل الإعلام الكويتية، وخاصة من قبل بعض الصحف التي بننت مجدها وتاريخها على مبادئ القومية ومناهضة الإمبريالية بالإضافة إلى المهنية الصحفية، إلى جانب التباكي دائماً على المال العام وفرض الرسوم والضرائب وإلغاء الدعومات عن ذوي الدخل المحدود وخصخصة الدولة بحجة الحفاظ على خزينة الدولة، علما بأن ترامب قد شفط إلى الآن أكثر من نصف تريليون دولار منا كخليجيين دون أن يرسلوا لنا جندياً واحداً أو حاملة طائرات استعداداً لهذه الحرب المزعومة.
كما أن الموقف الرسمي كما الرأي العام الشعبي في الكويت من التصعيد الأمريكي، ورغم الضغوط الهائلة، ما زال يتسم بالحكمة والتوازن والنأي بالنفس عن المشاكل بل وعرض الوساطة الحميدة، وهذا ما صرّح به وزير الخارجية بشكل واضح ولكن يبدو أن كلامه لم يحلو للبعض فتم التراجع عنه في سقطة دبلوماسية لا تتعدى دقائق معدودات.
إضافة إلى ذلك، فأن المعيين بالأمر، بدءً بالرئيس الأمريكي ووزير خارجته ووزير دفاعه والكونغرس الأمريكي يستبعدون خيار المواجهة العسكرية في الوقت الحالي، وبالمثل أعلن الإيرانيون أنهم لن يبدؤوا بأي عمل عسكري.
الأدهى من ذلك، الولايات المتحدة اعتمدت سياسة الاقتصاد لتمرير ما يسمى بصفقة القرن عبر البوابة الخليجية، وسوف تستضيف مؤتمراً عالمياً في البحرين خلال أسابيع، فكيف يستقيم ذلك مع خيار الحرب، وهذا ما نتمنى أن يجيب عليه طبالة الحرب، باختصار لم يبق طفل صغير ولا عجوز ولا محلل استراتيجي ولا مسؤول سياسي ولا كاتب صحفي ينطلي عليه حركات ترامب البهلوانية واستنزافه للمال الخليجي وكذبه في كل ما يدعي ليل نهار، ولكن مع الأسف بقينا في الخليج الوحيدين الذين نعلم أن الرجل كاذب ومخادع ولص ومع هذا ندفع له، فمن هو أفضل حالاً منا على هذا الكوكب!