مسرحية الضربة العسكرية!
17 أبريل 2018
د. حسن عبدالله جوهر
كيف يمكن تفسير الضربة الأمريكية لسوريا في ظل المقدمات المرعبة التي سبقت هذا الحدث والتوقعات الكبيرة التي كانت مبنية على ذلك القرار؟ ولعلنا تطرقنا إلى جوانب من السيناريو الذي كان أكثر ترجيحاً وتتمثل بضربة محدودة جداً كانت أضعف من قصف مطار الشعيرات قبل سنة تقريباً، ولكن كلتا الضربتان تعكسان طبيعة النظام الدولي القائم ورجوع عصر توازن القوة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.
بالتأكيد فأن الجوانب النفسية والإعلامية وحتى السياسية كانت أكبر بكثير من إطلاق مجموعة صواريخ على أهداف لم تتجاوز ثلاثة مواقع في دمشق وحمص، ونالت عبارات السخرية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما لم ينله أي رئيس سبقه في حقبة ما بعد الحرب الباردة السابقة، فقد قيل أنه جمل تمخض فولد فأراً وقيل أنه أنزل من الشجرة بمساعدة الروس كطفل صغير، وقيل أن مؤسسات الدولة العميقة وخبرة وزير الدفاع العسكرية قد احتوته من ارتكاب حماقة كارثية.
وفي مقابل لم يكن الرئيس الروسي بوتين بعيداً عن التهكم السياسي، ففي النهاية لم تكترث واشنطن بتهديداته ولم تطلق القوات الروسية أية طلقة على مصدر الهجوم كما وعد المسؤولون الروس العسكريون والسياسيون.
البعض شبه الضربة العسكرية الأخيرة لسوريا بالمسرحية التي كسب كل طرف فيها ما يريد، فتمسك أمريكا بقرارها بقصف مواقع سورية أكد للرأي العام المحلي في الدول الغربية بأن تهمة استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيماوية صحيحة، وأن واشنطن ما زالت القوة الأولى في العالم التي تفعل ما تشاء متى ما تشاء وكيف ما تشاء.
الروس بدورهم نجحوا في أنهم قوة ردع لا تسمح لأمريكا أن تتحرك بكامل حريتها على المسرح الدولي، بل أنهم فرضوا على الرئيس ترامب قيوداً لا يمكنه تجاوزها وكسروا مقولة أنه القائد الذي لا يمكن أن تتنبأ بقراراته، بل نجحوا في التسويق لعدم مصداقية مزاعم الكيماوي بدليل أن الضربة سبقت التحقيق الميداني لفريق التفتيش الدولي التابع للأمم المتحدة، كما أن ضرب مستودعات الكيماوي كان يفترض أن يفجر المواد السامة في أجواء سوريا ويقضى على الآلاف من البشر، إلا أن أي شيء من هذا القبيل لم يحدث.
التنسيق المسبق بين فرنسا وبريطانيا مع الولايات المتحدة لم يتجاوز بدوره رسالة مفادها استعادة العالم الغربي لتماسكها بزعامة أمريكية في مواجهة روسيا الجديدة، فكانت مشاركتها رمزية حيث لم تصل أية صواريخ فرنسية على أهداف سورية وفشلت الصواريخ البريطانية في إصابة أية مواقع واضحة، والأهم من ذلك هو إبلاغ الجانب الروسي بالعملية العسكرية قبل وقوعها عبر الطرف الفرنسي على الرغم من نفي واشنطن الأمر الذي يعزز فصول هذه المسرحية.
هذه هي طبيعة النظام الدولي وتعقيداته وحساباته الاستراتيجية، حيث استعراض العضلات شيء وحقيقة القوة الجبارة الكامنة في المنظومة العسكرية العالمية شيء آخر، ولهذا فأن ما حدث في سوريا يبقى محاولات جس نبض بين الشرق والغرب لمعرفة جوانب القوة والضعف عند كل طرف، لكن نبقى في كل الأحوال فأر التجارب في هذا الصراع العالمي تماماً كما كنا على مدى العقود الطويلة السابقة!