مطلوب حوار نووي جديد!

24 يوليو 2015

د. حسن عبدالله جوهر

أصداء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الكبرى ما زالت تتفاعل عالمياً وإقليمياً، ومن شأن هذا الحدث المهم أن يعيد رسم الخارطة السياسية والاقتصادية والإستراتيجية ليس على مستوى منطقة الخليج والشرق الأوسط، بل على الصعيد الدولي، ويشمل ذلك بالطبع شبكات المصالح والتحالفات وإعادة قراءة الملفات الشائكة والمعقدة التي تراكمت نتائجها على مدى العقدين الماضيين على وجه التحديد.

تأتي زيارة وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر إلى منطقة الخليج في إطار “طمأنة” واشنطن حلفائها التقليديين في دول مجلس التعاون حول نتائج الاتفاق النووي مع إيران والتأكيد على عدم تأثير الشراكة الخليجية – الأمريكية بالمصالحة مع عزيمتها على الضفة الشرقية للخليج، مع ملاحظة أن الحكومة الأمريكية تردّد عبارة الحلفاء التقليديين على السعودية وشقيقاتها بينما تعلن إسرائيل حليفها الاستراتيجي.

البعد الأمني في الشراكة الأمريكية – الخليجية هو الأهم بالطبع لدول المنطقة، على الرغم من العقدة التاريخية لمفهوم الأمن والاعتماد فيها على الخارج بعد قرابة نحو قرن من الزمان على استقلال السعودية وأكثر من نصف قرن بالنسبة لبقية دول مجلس التعاون، وطالما كان الهاجس الإيراني هو مدعاة القلق الخليجي الذي استغل أمريكياً حتى آخر رمق، حيث تشير إحصائيات الكتاب السنوي للإنفاق العسكري وتجارة السلاح في العالم والذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية أن مجموع ما أنفقته دول الخليج العربية الستة على العسكرة خلال العقد الحالي فقط بلغ 564 مليار دولار، ومعظم هذا المبلغ كان على شكل عقود لتزويد هذه الدول بالسلاح خاصة من الولايات المتحدة.

في مقابل الإنفاق العسكري الخليجي للفترة من 2001 وحتى 2011، انفقت إيران والعراق مجتمعتين 153 مليار دولار على التسلّح والعسكرة أي أقل من ثلث الميزانية الخليجية، ومع ذلك لا تشعر دول مجلس التعاون الخليجي بالأمن الإقليمي! فما هو الحل إذا؟ فهل نستمر في سباق التسلح لعقد آخر من الزمن ونخصص ما يقارب تريليون دولار إضافي للسلاح والجهوزية الحربية في ظل تراجع أسعار النفط وانحسار الأهمية الاستراتيجية للخليج في المنظور الأمريكي الجديد وانفتاح إيران على العالم الخارجي وتنامي نفوذها السياسي وقوتها الاقتصادية؟!

على دول الخليج إعادة قراءة منظورها الأمني وعدم اعتبار الشق العسكري البعد الوحيد في استراتيجتها الشاملة المستقبلية، وعلى إيران في المقابل إعادة رسم خارطتها السياسية والجيوبوليتكية مع المنظومة الخليجية بما في ذلك ترميم جسور الثقة والمشاريع الإقليمية المشتركة، وما الذي يمنع قيام حوار جدي وحقيقي وإن كان ماراثونياً بين دول الخليج وإيران على غرار محادثات فينا التي استمرت 22 شهراً متواصلاً وانتهت بحلحلة أخطر ملف يواجه العالم منذ سقوط نظام الحرب الباردة، ولو فكّر الجانبين الإيراني والخليجي بأن 700 مليار دولار الذي تم صرفه على السلاح منذ بداية القرن الحالي لو تم انفاقه على المشاريع الحيوية والبنى التحتية وفتح الأسواق بما فيها التكنولوجيا المتقدمة لما كنا نعاني ما نعاينه اليوم من حالة الاحتباس الحراري الضيقة التي لا تتجاوز عقدة العرب والعجم والشيعة والسنة!