من صفات الغزو العراقي!

03 أغسطس 2018

د. حسن عبدالله جوهر

الكوارث والملمات في حياة الشعوب غالباً ما تتحول إلى حلم جميل تخلق الحافز إلى التحدي والإصرار على تحقيق الأفضل، حيث تتغير النفوس وتستبدل العقول والرؤى نحو مستقبل مختلف تماماً شعاره الأوحد النجاح، لكننا مع الأسف الشديد مضينا عكس التيار وحولنا حادثة الغزو إلى مجرد شماعة نركن عليها ليس فقط الإخفاق والفشل بل ذريعة لما هو أخطر وأكبر جرماً.

الغزو العراقي لدولتنا في 2/8/1990 حمل بلا شك كل صفات الغدر والخيانة وانتهاك القانون والحرمات، وكلفنا الكثير من الخسائر المادية التي تم جبرها وتعويضها، وكلفنا خيرة شباب وشابات الديرة ممن لا يرقى لدمائهم ووفائهم أي ثمن، ولكن احتلال بلادنا ومحاولات صدام حسين لإلغاء الهوية الكويتية، وبالمقارنة مع الأحداث الدامية في العالم منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية حتى الآن، يعتبر رحمة بكل المقاييس السياسية والاستراتيجية، فجريمة صدام لم تصمد كثيراً وقد نال عقابه المستحق بالتمام والكمال، وعادت الكويت بسلطتها السياسية وجميع شعبها وكامل أراضيها معززة مكرمة، ولولا عناية الله والظروف الدولية في وقت العدوان لكنا مثالاً آخر لنتائج الحروب التي عصفت بكوريا وفيتنام أو احتلال فلسطين أو النزاع الهندي الباكستاني أو الصراع في البلقان والصومال وأثيوبيا والسودان أو ما يجري حالياً في سوريا واليمن وليبيا، حيث شردت الشعوب وتغيرت الخرائط وسقطت حكومات وأنظمة، وما زالت تبعاتها إلى اليوم، فلله الحمد والمنة لطفه وعنايته.

لكن واقعنا وكلما تتجدد هذه الذكرى المؤلمة أكثر وجعاً بل بخطر أكبر، فكم غزو شهدناه بعد الغزو العراقي ولكن بأيدينا، وكم من الصور الجميلة تحت الاحتلال شوهناها بأفعالنا وممارساتنا، فصدام الساعي إلى خلق فتنة طائفية وحّدنا على حب الكويت، ولكننا وبمحض إرادتنا صرنا نبغض بعضنا البعض، وصدام الذي سرق أموالنا تم استرجاعها بقوة القانون الدولي، لكننا أهدرنا أضعاف ما سرقه النظام البعثي، فقائمة الشبهات والاتهامات باتت تلاحق كبار المسؤولين والنواب والمتنفذين دون أن نسترجع منها فلساً واحداً بقوة قوانيننا الوطنية!

صدام حسين نهب موروثنا الثقافي فسرق كتبنا ووثائقنا ولكننا استرجعنا هذا الأرشيف العلمي، بينما في المقابل تفشت أكبر سرقة تاريخية في العلم والثقافة حيث عشرات الآلاف من الشهادات الوهمية والمزورة والمضروبة، ولم نتمكن حتى الآن من حصرنا ناهيك عن الجدية في حل هذه المشكلة على مدى ربع قرن من الزمن.

الغزو العراقي هدّد استقرارنا السياسي ولكننا اجتمعنا قيادة وشعباً ومؤسسات بما فيها مجلس الأمة المنحل في المنفى وتحولنا إلى يد واحدة هدفها الأسمى استرجاع الكويت، فهل حافظنا على الكويت هذه منذ 26 فبراير 1991؟!

الجواب على هذا السؤال يعكسه التناحر السياسي والأرقام القياسية لعدد الانتخابات البرلمانية التي جرت (11) مرة وتشكيل أكثر من (20) حكومة، وما تخلل ذلك من مصادمات وخنق للحريات وارتفاع مؤشرات الفساد بكل أنواعه، وعوداً إلى صفات الغزو الصدامي نقول أليس تجارة اللحم الفاسد جريمة؟ أليست الشهادات المزورة خيانة؟ أليست الإيداعات المليونية غدراً؟ أليس ضرب الرياضة مؤامرة؟ أليست خسائر الاستثمار وهبوط قيمة صناديقنا السيادية خيانة؟ أليس الإحباط الشديد والقلق من المستقبل تشريد لشبابنا؟ بالله عليكم أليست هذه كلها من صفات الغزو الذي نعيش ذكراه الغاشم؟!