موعد مع الشيطان!
02 أغسطس 2019
د. حسن عبدالله جوهر
يتجدد يوم الثاني من أغسطس ليعيد أذهاننا وعقولنا وقلوبنا إلى ذلك الماضي الأسود حيث زارنا الشيطان بلا موعد ولا دعوة، بل يحمل معه كل معاني الغدر والخيانة واستباحة أرضنا وشعبنا تحت ذرائع لا يليق بها ولا تليق به، كالوحدة العربية وتحرير فلسطين ومواجهة الغرب المستكبر، ولم يسترجل على ذلك كله فانتقم من جار صغير وشعب مسالم، ولكن انقلب السحر على الساحر، فخرج صاغراً ذليلاً ليعيد الانتقام من شعبه الأعزل الذي لا يزال يدفع ثمن غطرسته وغروره.
ذكرى الغزو العراقي في الثاني من أغسطس لا تزال ساخنة كحالة الطقس في هذا الوقت من العام، وتبقى مثيرة للقلق كما الوضع الإقليمي المستمر في توتراته ومناوشاته السياسية والأمنية، وهي ذكرى تجدد الألم مثلما نكثت جراحنا بعد اكتشاف رفات كوكبة أخرى من شهدائنا كدليل آخر على دناءة الأخلاق والقيم في التعامل مع الموتى بلا غسل أو تكفين.
هذه الصور الحزينة تقابلها مشاهد جميلة قوامها حب الكويتيين لبلدهم وأرضهم وما سطروه من تلاحم وطني وترفعوا على الخلافات والانتماءات إحساساً بمصير واحد مشترك والإيمان بأن الهوية الكويتية وحياة الكويتيين هي نسخة معيارية لا يستطيع أن يعيش أي مواطن مهما تباينت آرائه واختلفت خلفياته الفكرية وأولوياته السياسية وجذوره العرقية إلا في ظلها.
لكن نتساءل أين هي مثل هذه المشاعر الآن وبعد ثلاثة عقود من الزمان وقد شهدت تعاقب أجيال جديدة؟ وأين تبخرت تلك الصور الرائعة من صفاء النفوس ورقة القلوب والإحساس بكويتية كل كويتي وقيمة كل مواطن؟ وأين راحت الغيرة على البلد بثرواته واسمه ومكانته ورصيده من كل أنواع الإنجاز؟ فلا يعقل أن تكون تجربة الغزو والاحتلال رغم ما حملته من صور الرعب والدمار، ولكنها قصيرة جداً في البانوراما البشرية، أن تظل شماعة نعلق عليها الفشل تلو الفشل والإخفاق بعد الإخفاق وضياع البوصلة والرؤية والأهداف المستقبلية.
مؤشرات بلدنا على مختلف الأصعدة تدعو للقلق بدءً بالخدمات العامة كالتعليم والصحة مروراً بقصص الفساد والهدر المالي وانتهاء بغياب الخطط والبرامج المستقبلية، وهذا ما يتطلب تعليق جرس الإنذار، وهذا هو المطلوب من تجدّد ذكريات تاريخية مهمة كالغزو في عام 1990 لتكون منعطفاً جديداً للمسيرة القادمة.
أن إهمالنا بحق ديرتنا والاستمرار في هذا النهج العقيم وخواء الكثير من مؤسساتنا وفي مقدمتها السلطات الدستورية سوف تضرب لنا مرة أخرى موعداً مع الشيطان ولكن من نوع آخر وفصيل مختلف وهو شيطان الذات الذي إن هزمك فلن تقوم لك قائمة!