الرأي العام 17 أغسطس 1996 |
هل أنتم أفضل حالاً بعد التطبيع؟! |
التسوية السلمية في الشرق الأوسط بين إسرائيل والعرب تمر في ثلاثة مسارات أو اتجاهات رئيسية لا رابع لها، ولا تعكس أي منها منافع ايجابية على أوضاع الأمن والاستقرار والانتعاش الاقتصادي في بلاد العرب فجميع خيارات السلام وأطروحاتها وآليات تفعيلها تصب في نهاية الأمر في تعزيز المصالح الصهيونية استراتيجياً وعلى المدى الطويل وتأكيد دور إسرائيل في المنطقة مقابل تهميش القوى العربية وتفريغ مكامن القوة الاقتصادية والسياسية والحضارية لهذه الدول. فقد قسَم العالم العربي إلى ثلاث طوائف للتعامل مع كل منها على انفراد وبشكل يسهل التحكم فيها وحتى ضمن هذه الطوائف الثلاث يحرص المفاوض اليهودي وتحت الغطاء الأمريكي على الاستفراد بالدول المنطوية تحت هذه المجموعة من أجل أحكام السيطرة على اتجاهات التسوية. وتبدأ أولى هذه المارات بنموذج التطبيع الكامل الذي تحقق بالفعل وطوى ردحاً من الزمن، ومن هذه النماذج وأخيراً الاتفاقات بين إسرائيل وكل من مصر والأردن ومنطقة التحرير الفلسطينية على التوالي. وهذا النموذج بحد ذاته وبعد أن دقت له طبول الإعلام والتمجيد في الغرب وأعربت الدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة عن رضاها للأطراف العربية المشاركة فيها، لم يقدم أي جديد في مضمار تخفيف الأعباء الاقتصادية المزمنة في الدول العربية الموقعة للاتفاقات مع إسرائيل والتي لم تشهد أي تحسن في أوضاعها المعيشية أو تراجع خطأ التسلح والإنفاقات العسكرية على حساب برامج التنمية على الرغم من إنهاء حالة الحرب بصورة رسمية. وعلى الصعيد السياسي، فقد شهدت هذه الدول اضطرابات سياسية وتسَير الرأي الواحد حتى أن السلطة الفلسطينية لوحدها حققت رقماً قياسياً في السجن والتعذيب والاضطهاد في حق الفلسطينيين خلال أشهر قليلة مقارنة مع سنوات الاحتلال الإسرائيلي على مدى نصف قرن من الزمان. بل لم يغير ما يسمى السلام أو التطبيع من حقائق الاحتلال شيئاً فقد تم إعادة احتلال الأراضي الأردنية بالتأجير الطويل الأمد بينما تحولت غزة وأريحا إلى معتقلات لإخماد الانتفاضة الفلسطينية على أيدي سلطة ياسر عرفات وعلى صعيد القوت اليومي نجد أن الآلاف من الفلسطينيين قد حرموا من وظائف كانوا يمارسونها في ظل الاحتلال بينما يشهد المواطن الأردني حرباً من الحكومة على خبره اليومي الذي تضاعف سعره في مؤشر واضح على الاختناق الاقتصادي الذي تعاني منه الأردن أما عملاق العالم العربي، مصر، فلم يسلم من مؤامرات ما بعد التطبيع سواء على صعيد إتلاف التربة الزراعية بالسموم الكيماوية الإسرائيلية أو نشر حبوب الهلوسة والمخدرات والإثارة الجنسية وباقي صور الرذيلة وأمراض الإيدز وغيرها في شكل منظم ومدروس. أما النموذج الثاني للتسوية السلمية فيتمثل في الضغط على الدول التي أخذت العبرة والتجربة من النموذج السابق فلم تهرول باتجاه الاستسلام، وصور الضغط هنا لا تخلو من التهديد والوعيد وفرض المحاصرة الاقتصادية وتأجيج الإعلام المضاد ومحاولة إخراج هذه الدول وخصوصاً سورية ولبنان على أنها قاعدة للإرهاب، وتتصاعد حدة الضغط لتشمل ضرب المدنيين بالقنابل الحارقة وهدم البيوت الآمنة على رؤوس الأطفال والنساء وعدم رحمة من يلجأ حتى إلى قواعد قوات الأمم المتحدة الآمنة ناهيك عن التجويع وبث حالة الرعب واللا أمن في هذه الدول والغريب أن هذا يهدف إلى سحب سورية ولبنان إلى نفس المضمار السابق مع التبجح المسبق بأن مسار التسوية في هذه الحالة سوف لا يخلو من تحقيق المصلحة اليهودية على حساب اقتصاد وهيبة وأراضي هذه الدول. أما النموذج الثالث فهو ما يتم التعامل به مع دول الخليج، فقد وجدت دول الخليج نفسها مضطرة إلى تمويل صندوق السلطة العرفاتية في غزة وأريحا رغم مواقف عرفات المشينة أبان الغزو العراقي الغادر، وأمام الضغط الأمريكي المتواصل رفعت معظم صور المقاطعة عن إسرائيل وأنشئت مكاتب رعاية المصالح في بعض عواصم مجلس التعاون ولا يزال الضغط مستمراً ولا يستبعد أن تكون النتائج الوليدة من هذا النموذج مطابقة للنتائج التي خلفتها النماذج السابقة ولنا أن نتساءل حينئذ: هل سنكون أفضل حالاً بعد القبول بالتطبيع مع اليهود؟! |