وبعدين مع ترامب؟!

30 يوليو 2019

د. حسن عبدالله جوهر

وقاحة الرئيس الأمريكي، خاصة مع دول الخليج التي يفترض أن تكون من أكبر الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة خارج منظومة الناتو، سوف تتمادى أكثر وأكثر مع مرور الأيام طالما تواجه بابتسامات خجولة وطأطأة الرأس بينما بعض وسائل إعلامنا تبالغ في التملق والتسويق لهذه الإدارة بأنها حامي الحمى ورأس الحربة في الدفاع عن أمن المنطقة ومصالحها.

آخر عنتريات دونالد ترامب تمثّل في الطلب الرسمي لمؤسسات النقد والاقتصاد العالمي بتغيير تصنيف الكويت وقطر والإمارات كدول نامية وإخراجها من دائرة المزايا التي تقدم لهذه الفئة من الدول فيما يخص التعاملات التجارية التفضيلية والفوائد المخفضة بحجة أن هذه الدول الخليجية فاحشة الثراء على حد قول الرئيس الذي صدق نفسه ليكون الآمر الناهي في العالم.

كالعادة حاول البعض تبرير هذه السياسة الجديدة باعتبارها موجهة للصين وكوريا فشملت ضمناً دول الخليج الثلاثة وبنفس سياق التملق والمجاملة التي وصلت حد النفاق المكشوف، وكأن عبارات التهكم والتطاول والاستهزاء ولغة التهديد والأمر المباشر بدفع مئات المليارات لم تأت من ترامب ضد دول الخليج ورموزها!

بالطبع ليس المطلوب من دول الخليج مناكفة الولايات المتحدة كدولة صديقة تربطها معها مختلف أشكال التعاون والمصالح المشتركة الممتدة تاريخياً، إلا أن هذه العلاقات تقتضي أن ترسمها سلطات صناعة القرار وفق مبدأ الشراكة والاحترام، وليس بحسب الأهواء الشخصية لترامب وعائلته ومشاريعهم التجارية والسعي إلى كسب الأصوات الانتخابية، خصوصاً بأنه الرئيس شبه الوحيد في الولايات المتحدة الذي اشمأزت منه مؤسسات الدولة العميقة ووسائل الإعلام وأكثر من نصف الشعب الأمريكي نفسه.

وإذا لم يفطن المسؤولون في الخليج إلى الآن بأن ترامب مجرد بالونة سمينة خاوية من الداخل ويتراجع أمام أصغر تحدي فتلك مشكلة وعقدة سوف تفتح أبواب مواصلة الاستنزاف المالي لثروات الخليج بمزيد من قلة الذوق والاحترام الدبلوماسي، ولن نتفاجأ إذا سمعنا بأن ترامب يصادر الأصول المالية والاستثمارات المليارية لدول الخليج في الولايات المتحدة بتغريدة واحدة.

عوداً إلى التصنيف العالمي لدول الخليج في قائمة الدول النامية، يجب أن يعرف الجميع وفي مقدمتهم شعوب المنطقة بأن الإمارات وقطر والكويت لم تستفد مطلقاً من التسهيلات النقدية الدولية رغم استحقاقها لذلك، وفي المقابل كانت صاحبة الريادة في إلغاء فوائد ديون الفقيرة من قروضها في أكثر من مناسبة، ومن أكثر دول العالم سخاءً في تقديم المساعدات المالية، والأهم من ذلك فهي عصب الطاقة التي تدار بفضلها العجلة الصناعية الغربية بما فيها الاقتصاد الأمريكي.

أمام غطرسة ترامب يفترض أن تبادر دول الخليج في طلب الامتيازات النقدية العالمية للاستفادة منها في تطوير البنى التحتية وتحديث صناعاتها النفطية بما يتناسب مع متطلبات حماية البيئة والعودة إلى استرجاع الفوائد التي تدين لنا بها الدول الغربية وفق ما يعرف بنظام الأوفست ليس رداً على قرار الرئيس الأمريكي ولكن كحقوق مستحقة ومعطلة لشعوب الخليج في زمن الضائقة المالية التي تعيشها!