ولادة أزمة خليجية جديدة!
02 يونيو 2017
د. حسن عبدالله جوهر
أقل ما يمكن قوله لما يحدث بين الأشقاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي أنه محزن، وقد يصل الأمر إلى حدود تماس مخيفة وغير مسبوقة في حال استمرار هذا التصعيد المتنامي إعلامياً وسياسياً نحو المجهول، وفي ظل الأحداث المتسارعة والتطورات السريعة التي تمر بها المنطقة جيوسياسياً وميدانياً.
قد يكون التفاوت في وجهات النظر حول القضايا السياسية والتباين في الرؤى الوطنية وفقاً لمصالح كل دولة عاملاً إيجابياً في بناء استراتيجية متوازنة قائمة على الحوار والتركيز على القواسم المشتركة، ولكن الخلافات الحادة وحالات الشد والجذب والاتهامات والتشكيك المتقابل فلا شك أنها مدعاة لفشل أية جهود جماعية قادرة على رسم أهداف عامة وتوفير أدوات وسبل تحقيقها.
التراشق الإعلامي المعنّف بين دول صغيرة ومتشابهة في أنظمتها السياسية وبناها الاقتصادية وتركيبتها الاجتماعية كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر مهما كانت أهدافها ومراميها وأيا كانت الأخطاء وسوء التقدير وأينما كانت الأطراف المخطئة إلا أن نتيجتها واحدة وهي مزيد من الهشاشة في الجسد الخليجي الواحد، ولربما انفراط عقد المنظومة الإقليمية التي يفترض أنها أنشأت من أجل خير ورفاهية وازدهار الشعوب.
مجلس التعاون الخليجي يعد من أغنى مناطق العالم على الإطلاق، وقد أخذ البعد الأمني السبق دائماً في أولويات دوله، وصرفت على هذا البند الآلاف من المليارات على مدى نصف قرن من الزمن، وآخرها الأموال الهائلة التي تم رصدها لبناء تحالف استراتيجي جديد مع الولايات المتحدة والتي بلغت نصف ثروة دول مثل السعودية والكويت والإمارات من الودائع والاستشارات وإيرادات النفط خلال عشرات السنين، وكان الهدف الطموح لهذه السياسة الجديدة هو بناء تحالف إقليمي، عربي – اسلامي – أمريكي، لقيادة العالم في المرحلة القادمة وبخيارات قد تكون صعبة بما في ذلك احتمالات خوض الحروب والمواجهات العسكرية داخل وخارج الإقليم الخليجي.
لكن أن يختزل كل هذا المنظور في خلاف متجدد وخطير هذه المرة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي نفسه فأنه مدعاة لقلق بالغ على جميع دول الخليج وشعوبها، فالأزمة الخليجية القطرية – الإماراتية – السعودية تكشف عن خلافات جذرية حول أهم القضايا في الاستراتيجية الجديدة ومحاورها المفصلية وفي مقدمتها تعريف وتشخيص الإرهاب ورموزه وأدواته ومناطق عمله، ثم العلاقات مع إيران ومستويات الخلاف معها وطرق التعامل معها إن كانت بالسياسة الناعمة أو الخشنة، يضاف إلى ذلك الموقف من اسرائيل ومستقبل القضية الفلسطينية ومشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني، مروراً بتداعيات الحالة الميدانية في اليمن وسوريا والعراق التي لا تصب إلى الآن في مصلحة المعادلات السياسية الخليجية، وانتهاءً بالعلاقة مع الدول العظمى التي تشهد دورة جديدة من الحرب الباردة خصوصاً بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وحتى الاتحاد الأوربي.
هذا السيناريو المرعب يستدعي المزيد من الحوار الخليجي وليس التصعيد الخليجي، وفتح الأبواب سريعاً أمام دول مثل الكويت وسلطنة عمان لاحتواء هذه الأزمة الحقيقية لما تملك من مقومات الوسطية والاعتدال قبل الندم وفوات الأوان!