تم النشر في:

مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، المجلد 45، العدد 174، يوليو 2019 (ص. 21-64)

* تم تمويل هذا العمل من قبل جامعة الكويت، مشروع بحث رقم (OL05/15)

الباحثون:

د. حسن عبدالله جوهر – قسم العلوم السياسية – جامعة الكويت

د. حامد حافظ العبدالله – قسم العلوم السياسية – جامعة الكويت

ملخص البحث

تشهد منطقة الشرق الأوسط موجة متصاعدة من التهديدات المركبة والمرتبطة بانتشار الصراعات البينية والأهلية في مرحلة ما بعد الانتفاضات العربية وأفضت إلى تمدد تنظيمات العنف الجهادي في الإقليم، على المستويات الفعلية (على الأرض) والفكرية (داخل العقول)، حيث وظفت أدوات التواصل ووسائل الاتصال المبتكرة لتخترق ما يمكن تسميته بـ”الحاجز النفسي”، وتتوسع في عمليات التجنيد متعدد المخاطر، مما أفرز جملة من التحديات على مستوى النظام والدولة من جهة، ومسارات التفاعل المجتمعية والفكرية من جهة أخرى.

تعني هذه الدراسة بالبحث في الاستراتيجيات الخليجية الكفيلة بمواجهة “الإرهاب الفكري” كأحد وسائل تعزيز الأمن القومي لتشمل السياسات والخطط والآليات الضامنة لتحقيق استقرار الدولة وصيانة وحدتها وضمان معتقداتها وتعزيز ثقافتها، بما يرسخ قيم التواصل الاجتماعي الإيجابي ويضمن وحدة مختلف فئات المجتمع وقيم الحوار والتفاعل المشترك فيه، وهو ما يستدعي إعادة صياغة الأفكار البناءة وتفعيلها لمواجهة تحديات انتشار الانحراف الفكري عبر استراتيجيات بناءة لتحقيق الأمن الفكري، سواءً من خلال الوحدات الاجتماعية الصغرى ممثلة في الفرد وصولاً إلى الوحدة الجامعة الكبرى ممثلة في الدولة.

——————————————-

المصطلحات الأساسية: الأمن الفكري، التطرف الديني، دول الخليج العربية.

Intellectual Security and Religious Extremism in the Arabian Gulf Countries: Problems and Promoting Strategies

Hasan A. Johar

Hamed H. Al-Abdullah

Abstract

Since the Arab uprisings, several countries in the region witnessed waves of violence, carried on by radical Islamic organizations, which caused major threats to the political regimes, as well as social integrity. Social media and communication tools were widely used to penetrate into what might be called “psychological barrier” that lead to multi risk recruitment.

The study will focus on strategies to confront “terrorism” as a means of enhancing national security in the Arab Gulf countries. Such strategies include policies and mechanisms that guarantee the stability of the state and the maintenance of its integrity, as well as ensuring its beliefs and culture by establishing positive social communication among various segments of its society. Intellectual Security also requires promoting dialogue values and mutual interaction to meet the challenges of the proliferation of intellectual deviation both at individual and state levels.

——————————————-

Key Words: Intellectual Security, Religious Extremism, Gulf States.

الأمن الفكري والتطرف الديني في دول الخليج العربي:

إشكالياته واستراتيجيات تعزيزه

مقدمة

تشهد منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج العربي تنامي موجات العنف السياسي المتمثلة في الجماعات المسلحة مخلفة الدمار والإرهاب تحت ستار من الأفكار والفتاوى التي تسيّرها بما يخدم أهدافها وخططها، وقد لا يكون الخلل في هذه الأفكار تحديداً بل في فهمها وتفسيرها وإسقاطها في غير محلها من الزمان والمكان.

وتمددت تنظيمات العنف الجهادي في المنطقة عبر أساليب مختلفة ومتنامية القوة على المستوى التسليحي والعددي والتكنولوجي، فوظفت أدوات التواصل الاجتماعي والاتصال المبتكر لتخترق ما يسمى بـ “الحاجز النفسي” وتتوسع في عمليات التجنيد متعدد المخاطر لتخلق تحديات مزدوجة بالنسبة لدول الخليج العربي، مرتبطة من ناحية بخطورة هذه الجماعات على “الأمن الصلب” للدولة من حيث سلامة أراضيها واستقرارها السياسي، وعلى “الأمن الناعم” المرتبط بمسارات التفاعلات المجتمعية وطبيعة الأفكار السائدة فيها من ناحية أخرى.

ويضاعف من هذه التحديات تطور آليات صناعة التطرف وترويجه في مواجهة استراتيجيات تحقيق الأمن الثقافي والفكري، وبالنتيجة تنامي الأفكار المتطرفة الخارجة عن قيم الوسطية والاعتدال وجعلها عابرة للحدود فيما يشبه “الفيروس المتجول” الذي يتبنى تكتيكات غير تقليدية من أجل غزو الروح الوطنية والنسيج المجتمعي وإضعاف الهوية الجامعة وقواعد الأمن الوطني التي تعتبر “المناعة الطبيعية” في مواجهة خطابها المتطرف وإصابتها بالهشاشة الأمنية تمهيداً لتشكيل حاضنات شعبية لها في مختلف المناطق، ومما يزيد الأمور خطورة انخراط بعض الشباب الخليجي في الصراعات المسلحة والقيام بأعمال عنف تعكس الأفكار التي تروجها الجماعات المتطرفة بغية هدم العقول قبل إلغاء الحدود.

ولما كانت الدول تسعى إلى الحفاظ على أمنها القومي، كاستراتيجية أساسية لحماية حدودها ومواطنيها ومصالحها كما يشـير جي بيتر بورغيس (2009) J. Peter Burgess، فإن الحفاظ على الأمن الثقافي يدخل في صميم هذه الاستراتيجية عبر مسارين مهمين هما حماية العقول وبناء العقول، فحماية العقول تعني تعزيز المناعة الثقافية بوجه الأفكار المتطرفة المنحرفة عن وسطية الدين وتعاليمه وثقافة المجتمع، ووضع الخطط والبرامج لحماية المجتمع من شرورها، أما بناء العقول فيكون عن طريق ترسيخ ثقافة الوسطية والاعتدال والحوار.

تعني هذه الدراسة ببحث مفهوم الأمن الثقافي أو الفكري وأهميته وأبعاده والمخاطر التي تهدده على مستوى الفرد والجماعة والدولة، ووضع استراتيجيات خليجية كفيلة لمواجهة “الإرهاب الفكري” كأحد أهم وسائل تعزيز الأمن القومي الذي اتسع نطاقه وتعددت مجالاته ليشمل السياسات العامة والآليات الضامنة لتحقيق استقرار الدولة وصيانة وحدتها وضمان معتقداتها وتعزيز ثقافتها بما يرسخ قيم التواصل الاجتماعي الإيجابي ويضمن وحدة أطياف المجتمع دون النظر إلى الألوان الطائفية أو النوازع العرقية فيها.

منهجية الدراسة

(1) أهمية الدراسة:

تنطوي الدراسة على نوعين من الأهمية، أحداها نظرية مرتبطة بالقضية موضع النقاش، وثانيها عملية، تعالج الواقع من حيث ظروف الزمان والمكان والمجالات العملية للظاهرة موقع البحث.

أ. الأهمية النظرية:

ترتبط الأهمية النظرية للدراسة من توضيح مفهوم الأمن الفكري وارتباطه بالأمن القومي للدولة، وأبعاد الأمن الثقافي وخطورته على الاستقرار الداخلي في ظل ما يكتنف الإقليم من حروب أهلية وجماعات متطرفة عابرة للحدود ترعى عمليات إرهابية بغطاء ديني، فقد أضحت دول الخليج مسرحاً لاستهداف مؤسساتها الحكومية والمدنية، كما شارك بعض الخليجيين القتال مع جماعات إرهابية في دول مجاورة، مما يعزز أهمية بيان الاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق الأمن الثقافي كتوطئة لضمان الأمن بمفهومه الشامل.

ب. الأهمية العملية:

تكمن الأهمية العملية لدراسة الأمن الفكري في تحصين المناعة الداخلية للمجتمع في بعدين مهمين: أولاً، المساهمة في وضع الخطط والاستراتيجيات لحماية العقول من أجل محاربة الأفكار المنحرفة وبيان فسادها وتناقضها مع قيم الشريعة المعتدلة؛ ثانياً، “تنمية العقول” من خلال نشر ثقافة التسامح والحوار وفق سياسيات مدروسة تقوم بتنفيذها مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني.

(2) أهداف الدراسة:

انطلاقاً مما سبق، يمكن تحديد أهداف الدراسة في المحاور الآتية:

(1) توضيح مفهوم الأمن الفكري وأبعاده وأهميته.

(2) شرح أنماط الانحرافات الفكرية التي تستهدف المجتمع الخليجي ووحدته الوطنية.

(3) بيان مخاطر الظواهر الفكرية المنحرفة على مفهوم الأمن والاستقرار في دول الخليج العربي.

(4) مناقشة وتقييم السياسات والبرامج الوطنية التي اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة ظاهرة الانحراف الفكري.

(5) تحديد الاستراتيجيات المطلوبة لتعزيز الأمن الفكري والثقافي في دول الخليج العربي.

(3) المشكلة البحثية:

تواجه دول الخليج العربي تحديات مركبة ترتبط بعضها بتعاظم العوامل المساعدة على انتشار الشوائب الفكرية خصوصاً في جوارها الإقليمي بينما يتعلق بعضها الآخر بتنامي ظواهر الانحراف الفكري وتصاعد تهديدات الأفكار الجانحة عن سياق الثقافة السائدة والقيم المجتمعية الموروثة، مما يخلق توترات مجتمعية ومشكلات سياسية واضطرابات أمنية باتت في مجموعها متداخلة ومعقدة، وما قد ينتج عنها من بروز جماعات ذات أفكار متشددة لها امتدادات محلية وإقليمية وضلوعها بالعديد من العمليات الإرهابية ضد المنشآت الحيوية والمراكز الأمنية واستهداف المدنيين كما حصل في المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ومملكة البحرين مؤخراً.

يستدعي ذلك دراسة وسائل “تأمين العقول” وفق استراتيجيات وبرامج عمل طارئة تتفاعل وتستجيب للتحدي الأمني-الفكري بأدوات وإجراءات تعنى بتنمية الوعي والثقافة العامة عبر مستويات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وأمنية متعددة بغرض إعادة توجيه السلوك وغرس القيم والفهم الصحيح للمعتقدات والتراث الديني والثقافي، بما يجعل المشكلة البحثية لهذه الدراسة تتعلق بالإجابة على تساؤل رئيسي يتمثل في ماهية الآليات الضامنة للانتقال من حالة الفوضى الفكرية إلى وضعية الأمن الفكري كخيار وطني في مواجهة الجماعات التي تستهدف الاختراق الفكري في دول المنطقة.

(4) الأسئلة البحثية:

تسعى الدراسة إلى الإجابة عن الأسئلة التالية:

( أ ) ما هو نمط العلاقة بين الأمن بشكل عام والأمن الفكري بشكل خاص؟

(ب) ما أثر انتشار ظاهرة التطرف الفكري على الأمن الفكري في المجتمعات الخليجية؟

( ج ) ما هي السياسات المطلوبة لحماية أمن المجتمع الفكري والثقافي؟

( د ) ما هي الاستراتيجيات المطلوبة لتنمية وتعزيز ثقافة الاعتدال والوسطية في المجتمعات الخليجية كدعامة لتعزيز الأمن الثقافي؟

(5) المنهجية العلمية:

اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، القائم على أسلوب التحليل المركز لمعلومات كافية ودقيقة عن ظاهرة محددة خلال فترات زمنية معلومة للتوصل إلى نتائج علمية يتم تفسيرها بطريقة موضوعية تنسجم مع المعطيات الفعلية للظاهرة، كما استخدم المنهج الاستنباطي لاستنتاج الأفكار والمعلومات من دراسات وتحقيقات وفق قواعد متعارف عليها في الأوساط الأكاديمية.

(6) الدراسات السابقة:

الأمن الثقافي من المفاهيم المستجدة في الفكر السياسي العربي التي لم تنل حظوة كبيرة من النقاش والتحليل وإن كان لتصاعد الإرهاب وبروز الجماعات المتطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والقاعدة وغيرهما دور في توجيه الأنظار نحو هذه الظاهرة، كما ساهم بروز مفهوم العولمة بعد انتهاء الحرب الباردة والترويج لنظرية صراع الحضارات وهيمنة الحضارة الغربية الليبرالية في تسليط الضوء على مفهوم الأمن الثقافي والفكري لتحصين الهوية الثقافية العربية والإسلامية من آثار الغزو الثقافي الجديد، ولذا تجدر الإشارة إلى بيان مجموعة من الدراسات التي مهّدت لبناء الأدبيات العربية في شرح وتحليل الأمن الفكري كأساس علمي لمواصلة البحث في المنطلقات النظرية والتطبيقات العملية لهذا المفهوم المعاصر، ويمكن تقسيم هذه الدراسات إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية هي: الأمن الفكري في الإطار الإسلامي، وتحديات الأمن الفكري، ودور التربية ومناهج التعليم في تعزيزه وصياغة مفاهيمه النظرية.

في البعد الإسلامي للأمن الفكري، ركّز وليام ايجنشين (, p.5-72011) William Eggintion في أطروحته حول الدفاع عن الاعتدال الديني (In Defense of Religious Moderation) على مفاهيم الأصولية والتطرف الديني، معتبراً الأصوليين الدينيين هم المسؤولون عن الأعمال الإرهابية التي يرتكبونها وليس الإسلام كدين، فما يدفع بعض الجماعات الإسلامية للقيام بأعمال عنف وتبني وجهات نظر متطرفة لا يعكس الدين الإسلامي وإنما الأفكار والبواعث “الأصولية”، كما ناقش الباحث الجدل حول أن الدين بغض النظر عن أنه الإسلام أو غيره ليس فقط بريئاً من تلك الجرائم التي ترتكب باسمه بل كذلك من الأخطار التي تمثلها الأصولية الدينية، وانتهى إلى نتيجة مهمة مفادها أن كون الأنسان أصولياً لا يتطلب انتماؤه لدين معين، ولذا فأن الاعتدال والوسطية خير وسيلة للحماية من “الهجوم الأصولي”.

وفي محور تحديات الأمن الفكري، تناولت دراسة “الرؤية العالمية لمواجهة تحديات الأمن الثقافي والفكري في العالمين العربي والإسلامي” للباحث وليد فارس (2013) تهديدات العولمة والمؤسسات الإعلامية العابرة للقارات للهوية الثقافية لدول العالم الثالث وربط بين مفهومي “الغزو الفكري” و”الأمن الفكري”، حيث أن الغزو الثقافي يستهدف العالمين العربي والإسلامي في مركز هويته المرتبط بالإسلام باعتباره ديناً وأسلوب حياة، وقدّم في المقابل خمس استراتيجيات لمواجهة هذه التحديات تتمثل في (أ) خلق حوار مجتمعي يتركز حول الفكر الوسطي الإسلامي (ب) إظهار الحقائق فيما يتعلق بتراث الإسلام الفكري والسياسي والاجتماعي (ج) وضع إطار منبثق من المفاهيم الإسلامية الأصيلة حول العدالة والمشروعية لحل الخلافات داخل العالم الإسلامي (د) تنشيط التجمعات الإقليمية الإسلامية لبناء مجتمع إسلامي متوازن من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية (هـ) طرح الإسلام كمشروع حضاري للعالم لخلق بيئة أكثر رحمة وشفقة، ووفقاً للدراسة فإن إدارة هذه الاستراتيجيات بشكل متواز ستقوم بالتأمين الكافي للنواحي الثقافية والفكرية للحفاظ على هوية الأمة وخصوصيتها وطرح مشروعها الحضاري للعالم.

كما خصّت دراسة عبدالله الشهري (2013) الموسومة “أثر الإنترنت على الأمن الفكري” الدور الذي تقوم به تقنية النظام المعلوماتي في تهديد الأمن الفكري وصعوبة التحكم فيه مع سهولة إمكانية التخفي وعدم تحديد المصدر الإلكتروني، فرغم أهمية الانترنت في حياتنا اليومية وسهولة توفير المعلومات ونقل الرسائل الاتصالية وتنوع تطبيقاته لتشمل التعليم الإلكتروني والتجارة الإلكترونية، يجب الالتفات إلى الآثار السلبية على مستخدمي شبكة الانترنت وزعزعة العقائد وترويج العقائد الباطلة، والآثار النفسية المتمثلة في إضعاف القدرات العقلية والإدمان وهدر الوقت وإضاعة طاقات الشباب، والتأثير على مستوى انتاجيتهم وذكائهم انتهاءً بإمكانية تجنيدهم لدى الجماعات الإرهابية، كما يمكن للإنترنت أن يروج لمواقع الفاحشة والتدمير الممنهج لمنظومة القيم الأخلاقية والعائلية، وختم الباحث بتوصيات لتلافي سلبيات الانترنت منها تقوية الوازع الديني وحماية المواقع الإسلامية والفكرية والتنسيق بين مراكز البحوث لتبني مشروع إعلامي تقني ووضع ميثاق شرف مهني أخلاقي بين الدول الإسلامية يقوم على قواعد الإسلام ومقاصده الكلية.

وحول دور التربية ومناهج التعليم في تعزيز الأمن الفكري وصياغة مفاهيمه النظرية، تناولت دراسة عبدالله السراني (2013) خطورة “الانحراف الفكري” وتداعياته السلبية على الأمن الجنائي والعقائدي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي من خلال سعي الجماعات المنحرفة فكرياً لاستقطاب أفراد المجتمع واستغلالهم لتنفيذ مخططات إرهابية تسعى لتقويض الأمن والنظام والاستقرار، مما يحتم استخدام وسائل متنوعة لمواجهة هذه الآثار، وذهب الباحث إلى سبل التصدي للانحراف الفكري عبر جملة من الوسائل الأمنية والعقائدية والاعلامية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية التي تغطي مختلف نواحي الحياة الفكرية في المجتمع وتوجيه الأنماط السلوكية لأفراده، وخلص إلى ضرورة تفعيل دور المسجد والمدرسة والمؤسسات التعليمية وإعادة النظر في المناهج التربوية ومساعدة المنظمات الدينية على تغيير الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين وفرض الرقابة على البرامج الإعلامية التي تروج للجريمة والإرهاب.

وطرح حسن الدعجة (2013) الموضوع في إطار تحليلي وفق نظريات الأمن في العلاقات الدولية لبناء نظرية للأمن الفكري تتضمن الأسئلة والفرضيات والمفاهيم والقضايا الرئيسية والتعليمات والتنبؤات الخاصة بها، واستعرض الباحث في دراسته “نظرية الأمن الفكري” أهم النظريات المفسرة للانحراف السلوكي والفكري من خلال تحليل وفهم نظريات العلاقات والمتغيرات الاجتماعية بين أفراد المجتمع التي تؤدي إلى تغيير الاتجاهات الفكرية فتحدث انحرافاً فكرياً، مستنتجاً أن الانحراف الفكري متضاد مع الأمن الفكري وسوف يستمر بدرجات متفاوتة لأسباب مختلفة منها الازدواجية في المعايير الدولية في قضايا العرب والمسلمين واتساع الفجوة بين الحضارات واختلاف المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن الأمن الفكري سيواجه تحديات عديدة من قبل جماعات وأفراد ودول تسعى لإثارة الفتنة داخل الدولة الواحدة مستفيدة من وسائل وتقنيات تكنولوجية متقدمة.

وركّزت دراسة سعود البقمي (2009) بعنوان “نحو بناء مشروع تعزيز الأمن الفكري بوزارة التربية والتعليم” على دور المؤسسات التربوية في وقاية المجتمع وتحصينه من الغزو الفكري من خلال تثقيف الطلبة وزيادة الوعي الأمني والثقافي لإبعادهم عن الخروج على الأنظمة والقيم والعادات والتعاليم الإسلامية السليمة والوقوع في الجريمة، وطرحت الدراسة محددات ومعوقات الأمن الفكري متمثلة بالمعوقات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية إضافة إلى المهددات السياسية والثقافية، وتوصّلت من خلال الدراسة التطبيقية على المؤسسة التعليمية في المملكة العربية السعودية إلى ضعف دور المدرسة في تعزيز الأمن الفكري ومساهمتها في التربية بالحوار وعدم وجود آلية ومعايير يقاس بها تعزيز الأمن الفكري في المدارس وضعف متابعة وتقويم البرامج المعنية بالأمن الفكري.

يتبين من العرض السابق تركيز معظم الدراسات على خطورة الأفكار المتطرفة على مفهوم الأمن الفكري، واتفاقها على أن التطرف فكراً ومنهجاً يمثل انحرافاً عن تعاليم الدين السمحاء، وعلى ضرورة قيام مؤسسات الدولة بدورها في حماية وتعزيز الأمن الفكري، كما يلاحظ الجرأة في دعوة بعض الأوراق العلمية إلى تنقيح ومراجعة التراث والفتاوى الدينية، إلا أن العديد من هذه المشاركات العلمية يغلب عليها الطرح الإنشائي دون وجود خطط أو استراتيجيات واضحة لمواجهة الأفكار المتطرفة من ناحية، والبرامج الخاصة لتعزيز ثقافة الوسطية والاعتدال والحوار وبناء العقول “النقدية” المنفتحة من ناحية أخرى، فعلى سبيل المثال ألقت بعض الدراسات باللوم الكبير على وسائل التكنولوجيا كالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي دونما بيان كيفية الاستفادة القصوى منها في حماية الأمن الفكري كضرورة حياتية لا يمكن تجاهلها في عصرنا الحاضر خصوصا ً بين فئة الشباب، لكن تبقى بعض هذه المساهمات ومنها دراسة حسن الدعجة (2013) حول “نظرية الأمن الفكري” ودراسة وليد فارس (2013) عن “الرؤية العالمية لمواجهة تحديات الأمن الثقافي والفكري في العالمين العربي والإسلامي” متميزة من حيث محاولاتها لتأصيل نظرية متكاملة حول الأمن الفكري، وأساساً علمياً يمكن البناء عليه لمزيد التراكم المعرفي حوله.

لذا يسعى موضوع البحث إلى إيضاح مفهوم الأمن الفكري والثقافي في إطار نظري أشمل بالإضافة إلى تطبيقه على دول الخليج العربي كدراسة حالة، من حيث تأثيرات الانحراف الفكري على مجتمعاتها والإجراءات والبرامج التي قامت بها الحكومات لتعزيز متطلبات الأمن الفكري، وأخيراً اقتراح بعض الاستراتيجيات لتفعيل الأمن الفكري في هذا الإقليم الذي يتمتع بخصوصيته الحيوية عالمياً من جانب، وارتباطه بالجذور التاريخية والمنبع الفكري للعقيدة الإسلامية من جانب آخر، في محاولة لفتح آفاق البحث العلمي بشكل أوسع من تأطيرها ضمن نطاق دولة معينة أو مجال فكري محدود، مما يمثل جوهر الإضافة العلمية في مجال دراسات الأمن الفكري.

مفاهيم ومصطلحات البحث

الأمن الفكري:

يبحث الأمن الفكري المعني في هذه الدراسة في جزئية واحدة من الأبعاد الثقافية تتعلق بحماية الفكر من التطرف والغلو والتكفير التي تمارسها جماعات العنف السياسي المتسترة برداء الدين، فقد ربط إيريك نميث (2007, p.2) Erik Nemeth وعبدالاله بلقزيز (2009) ظهور مفهوم الأمن الثقافي بميلاد ظاهرة العولمة في عقد التسعينات من القرن الماضي، فسعت إلى نشر ثقافتها العابرة للحدود، فأمن الثقافة هو قدرة الأمة على توفير حاجاتها من الإنتاج والتراكم المعرفي ورفع خطر الخوف من العجز وفقدان القيم الثقافية والرمزية التي تجيب عن مطالب المجتمع وفكره ووجدانه، وبمعنى آخر فأن الأمن الثقافي هو ما يحمي الأمة من التبعية والارتهان للآخر والعيش على ما ينتجه.

بالمقابل، عرّف محمد محفوظ (2006) الأمن الثقافي بأنه توفير الثقافة الصالحة للناس كي يتمكنوا من عيش حياتهم المعاصرة بشكل سليم وإيجابي، قوامه الاعتزاز بالذات الثقافية الحضارية والانفتاح والحوار مع الثقافات المعاصرة، وينطوي هذا المفهوم على جانبين أحدهما سلبي يتجه إلى خلق حالة الممانعة والرفض الثقافي لكل عمليات الاختراق الإعلامي والثقافي، وجانب إيجابي يتجه إلى صنع الحياة الثقافية الذاتية وتعزيز الوعي والإدراك لإفشال عمليات الاختراق في حقلي الثقافة والإعلام.

وهناك من عرّف الأمن الفكري، مثل صالح العقيل (2011، ص49-50) على أنه تأمين عقول الأفراد من كل الأفكار الخاطئة، التي قد تشكل تهديداً لأمن المجتمع واستقراره ونظام الدولة وسلامتها، بما يجعله يتأسس على مجموعة متكاملة من البرامج والإجراءات الخاصة بتنمية الوعي والثقافة العامة سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.

وثمة من رأى في الأمن الفكري تعبيراً عن سلامة فكر الإنسان وعقله وفهمه وعدم وقوعه في الخروج عن الوسطية والاعتدال في استيعاب الأمور الدينية والسياسية، وهذا يتفق مع بعض الاتجاهات التي ترى بأن الأمن الفكري يمثل الاطمئنان إلى سلامة الفكر من الانحراف الذي يشكل تهديداً لأمن الوطن ومعوقاته الفكرية والعقدية والثقافية والأخلاقية والأمنية (الصديقي، 2015، ص9).

يعني ذلك، أن تعزيز الأمن الفكري يرتبط بالقدرة على مواجهة الاغتراب الثقافي والنفسي الناتج عن الانفصال عن المجتمع، بما يجعل الفرد فريسة للمجموعات التي تبتغي نشر الأفكار المتطرفة الضالة مستهدفة تماسك ووحدة المجتمع، وذلك أن ثمة علاقة مباشرة بين الأمن الفكري والأمن القومي، من حيث أن مجابهة الانحرافات الفكرية والعقدية ومواجهة الغزو الثقافي بكافة أشكاله وأنماطه ضرورة لتحقيق أمن الدولة القومي بمفهومه الشامل (الحربي، 2008، ص12) وبحسب مفهوم عبدالرحمن السديس (2005)، فإن الأمن الفكري يشكل “درع حماية” أو “مصفاة تنقية” للأفكار من “الفيروسات العقلية” و”الشوائب الفكرية” الضالة التي تستهدف هدم المجتمعات المستقرة والموحدة والمتماسكة.

الانحراف الفكري:

الانحراف الفكري، في رأي عبدالله السراني (2013)، هو الفكر المختل الذي يسعى معتنقوه إلى فرض سيطرتهم وتحقيق أهدافهم باستخدام القوة من خلال التعصب لرأي أو حكم دون دليل عقلي، وسوء الظن بالآخرين وإلزامهم بأمور لا مرجعية لها في الشرع أو القانون، والحكم على من يخالفها بالكفر وإهدار الدم دون مستند شرعي.

الأمـــن:

الأمن لغة، بحسب ابن منظور (2003) في لسان العرب، هو الطمأنينة في مقابل الخوف، وعدم توقّع المكروه في الزمن الآتي أو الحاضر، وأصل الأمن طمأنينة النفس وزوال القلق والاضطراب، والأمن اصطلاحاً هو الحفاظ على مصالح كل الناس التي يخافون عليها، ويحرصون على حفظها ورعايتها، بجلب النفع وتحقيقه، ودفع الضرر وإزالته، كما يعبّر الأمن عن حالة شعور الفرد بالاطمئنان على حياته وممتلكاته داخل مجتمعه (البقمي، 2009).

وزاد روبرت ماكنمارا (1970، ص127) Robert McNamara أن الأمن يعني التطور والتنمية في البعد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي في ظل حماية مضمونة، مضيفاً أن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في كافة المجالات سواءً في الحاضر أو المستقبل.

الفكـــر:

الفكر في المعنى اللغوي هو إعمال الخاطر في شيء (ابن منظور، 2003، ص11)، أما  اصطلاحاً فهو جملة ما يتعلق بمخزون الذاكرة الإنسانية من الثقافات والقيم والمبادئ الأخلاقية التي يتغذى بها الإنسان من المجتمع الذي يعيش في كنفه وبين أفراده (الشهري، 2013).

الثقافـــة:

الثقافة تعني النشاط الفكري والفني للأعمال المنتجة من جهة والمعتقدات والفنون والعادات والآثار والأعمال التي ينتجها مجموعة من الناس عبر التاريخ من جهة أخرى (جبر، 2015، ص135).

يتضح من استعراض التعريفات السابقة أن الأمن الثقافي والفكري ظاهرة مركبة ومترابطة بثلاثة محركات أساسية هي:

  1. الممارسة السياسية المتمثلة بحرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية وإطلاق الفكر المبدع والبنّاء.
  2. الثقافة الدينية الحريصة على تكريس الحوار بين كل الثقافات والحضارات والأديان وتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر بين كافة فئات المجتمع.
  3. تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاهية للمواطنين.

وفي هذا الصدد ثمة إشكاليتين منهجيتين يجب توضيحهما، أولاها تتعلق بطبيعة الفكر المقصود في هذه الدراسة، هل هو الفكر القومي أو الليبرالي أو الاشتراكي أو الإسلامي؟ والإجابة على هذه الإشكالية تتمثل في أن المقصود بالفكر هو تلك الآراء التي يحاول البعض أن ينسبها إلى الدين دون مستند شرعي ومن خلالها يسوغ لنفسه التطرف والغلو والإرهاب.

الإشكالية الأخرى، كما شرحها علي الزميع (2015)، تتعلق بما قد يفهم من الأمن الفكري بأنه محاولة من النظام السياسي لتقييد حرية الفكر والتعبير بهذه الحجة والمبرر، ولكن هذه الإشكالية ترتفع حين نوسع نطاق مسؤولية حماية الأمن الفكري لتشمل منظمات المجتمع المدني ومؤسسات التنشئة الاجتماعية إضافة إلى الجامعات ومراكز الأبحاث وفق ما تقترحه هذه الدراسة.

إشكاليات تحقيق الأمن الفكري في دول الخليج العربي

ثمة العديد من الإشكاليات التي تحول دون القدرة على مواجهة الإرهاب الفكري والتطرف، يتعلق بعضها بعدم فاعلية الاجراءات الوقائية أو ضعف التدابير الاحترازية بمستوياتها وأدواتها المختلفة (Mazhari, 2015)، كما يرتبط ذلك بتنامي قدرات الجماعات المتطرفة على استغلال “الثغرات” أو الاختلالات النفسية أو الفكرية والثقافية لاختراق عقول الشباب والمواطنين والسيطرة عليهم، بما يجعل بعض حاملي الأفكار المتطرفة أقرب إلى “القنابل الموقوتة” التي تشكل تهديداً محتملاً لكافة وحدات المجتمع ابتداءً من الفرد مروراً بالأسرة والمجتمع ونهاية بالدولة ومؤسساتها، وثمة تحديات أخرى تتعلق بمؤسسات التنشئة الاجتماعية وضرورة إطلاق دورها خصوصاً في ظل تنامي فاعلية الجماعات المتطرفة وقدرتها على استثمار مختلف الأدوات الإعلامية وبناء التواصل الاجتماعي، ويمكن في هذا السياق تحديد أبرز الإشكاليات التي تواجه ترسيخ مفهوم الأمن الفكري في المجتمعات الخليجية على النحو التالي:

أولاً: الصراعات والحروب الإقليمية:

شهدت العديد من دول الإقليم، كالعراق وسوريا وليبيا واليمن، صراعات وحروب سياسية وأهلية منذ عام 2010، تداخلت فيها أدوار لأطراف إقليمية وأخرى دولية وحروب بالوكالة، مما أدى إلى إيجاد بيئة أمنية غير مستقرة أفضت إلى تصاعد حضور التنظيمات الجهادية، كالقاعدة وداعش، وتهديداتها العابرة للحدود بوسائل وأدوات متعددة تتبنى خلق الشبكات والخلايا الموالية في كافة دول الإقليم، وتمخض عن هذا الوضع بروز تحديات مستجدة من غير المرجح معرفة مصيرها ومآلها مع ما تعانيه دول المنطقة من مشكلات عدم الاستقرار السياسي والأمني، وعلى نحو يجعل من دول الخليج حاضنات شعبية لجماعات العنف السياسي والتطرف الديني، فلا تقف قدرة هذه الجماعات على اجتياح الأراضي بل واجتياح “العقول” أيضاً.

فخلال الفترة بين مايو ويونيو من عام 2015 تمدد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) جغرافياً في الشرق الأوسط بين العراق وسوريا، كما أعلن عن نفسه في الباكستان وأفغانستان، ناهيك عن دول المغرب العربي وآسيا الوسطى، وعلى هذه الخلفية تصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية في المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت، فضلاً عن اكتشاف شبكات التجنيد والخلايا النائمة التابعة لهذه التنظيمات المتطرفة، على مستوى الفكر أو الانتماء الحركي، ويرتبط بهذه التهديدات انخراط مواطنين خليجيين في هذه الجماعات وقيامهم بعمليات إرهابية، فضلاً عن مشكلة عودتهم إلى بلدانهم في حال انتهاء الصراعات بما يحملونه من أفكار وآراء متطرفة.

فقد أشارت بعض التقارير إلى أن عدداً مهماً من مواطني دول الخليج المنضمين لتنظيم الدولة الإسلامية ليسوا من المقاتلين العاديين، وإنما من المنظرين الفقهيين الذين يتبنون الفكر المتشدد، وقد قدّر المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي (LCSR) عدد هؤلاء المقاتلين بنحو 2600 (Neumann, 2015)، بينما أشارت تقديرات مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (INEGMA) أن هذا الرقم قد يتجاوز 5500 مقاتلاً (Gulf Daily News, May, 18, 2015)، كما تم اعتقال جماعات محلية تخطط للقيام بعمليات إرهابية تباعاً وفق تكتيكات تنظيم داعش بالإضافة إلى اكتشاف خلايا نسوية تسعى لتنفيذ أعمال تخريبية بطرق غير تنظيمية مثلما حصل في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت (صحيفة الأيام البحرينية، 4 يوليو 2015).

ثانياً: توظيف وسائل الإعلام:

تعتبر وسائل الإعلام من أهم المؤثرات على التوجهات والسلوكيات لقدرتها على الوصول بشكل مباشر للعقول ومخاطبة الأفكار، وبالرغم من بعض السياسات التي تتبعها دول مجلس التعاون الخليجي في الرقابة والمتابعة لنمط الخطاب الإعلامي إلا أن حالة الانفجار الإعلامي الناتج عن تطور البرامج والوسائل التقنية قد فرض الكثير من التحديات أمام تحقيق الأمن الفكري وتحصين المجتمعات الخليجية من الانحراف والإرهاب الفكري وتعزيز الهوية الوطنية.

وأضحت بعض وسائل الإعلام التي تتعرض للقضايا الدينية والفكرية والسياسية خارجة عن إطار السيطرة بالمنع أو التوجيه في ظل قدرة هذه القنوات على البث بوسائل مختلفة وأحياناً من خارج دول الإقليم والترويج لأفكار الشحن الطائفي وتصاعد التمييز لاعتبارات دينية متطرفة وترسيخ ثقافة الغلو والإقصاء الفكري، وكشفت دراسة صبرة القاسمي (2015) أن تنظيم داعش يمتلك سبعة أذرع إعلامية يبث من خلالها العنف والإرهاب حول العالم وهي: أجناد، الفرقان، الاعتصام، الحياة، مكاتب الولايات، إذاعة البيان، مجلة وموقع دابق، إضافة إلى 90 ألف صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما استحدث التنظيم وزارة للإعلام (الخزاعي، 2015، ص123)، إضافة إلى الكثير من القنوات التي تبث من دول أجنبية وتدعو إلى الانقسام بدلاً من الحوار والتعايش السلمي، حيث وصل عددها إلى (66) قناة عام 2014 (موقع رأي اليوم، 2016).

ثالثاً: تراجع أدوار رجال الدين والعلماء:

أدى المسجد في منطقة الخليج دوراً تاريخياً في ترسيخ وحدة المجتمع والتعريف بطبيعة الدين السمحاء وقيمه المعتدلة، إلا أن هذا الدور بات يواجه الكثير من التهديدات، إما بسبب ضعف التكوين الديني والعلمي لبعض الخطباء أو بسبب تبنيهم لأيديولوجيات متطرفة، مع ضعف الرقابة على بعض العناصر التي تبتغي تحويل المساجد إلى وسيلة لاصطياد وتجنيد الشباب وتغذيتهم بالفكر المنحرف، ونتج عن ذلك استغلال المحسوبين على التيارات المتشددة لترويج الأفكار والأعمال الضالة وتخريج بعض الدعاة المتطرفين والإرهابيين (خوجة، 2004)، واقترن ذلك بموجة إصدار الفتاوى الشاذة وغير المنضبطة بحسب قواعد الشرع والعلم بواسطة غير المتخصصين المنتمين لجماعات العنف الديني، لتكون تلك الفتاوى مصدراً للاحتقان الطائفي والتعصب الديني (الشدي، 2004؛ الويحق، 2016، ص75-76).

ويرتبط بذلك حقيقة مرة يستلزم مواجهتها بجرأة لتعلقها بالتراث الإسلامي، ورغم الاهتمام الواسع بهذا الموروث الديني بجوانبه الفكرية والاجتماعية والسياسية فلا مناص من إعادة تحقيقه ونشره لإعادة التوازن في المجتمع المسلم انطلاقاً من البعد الحضاري للدين، بحسب رأي محمد المنشاوي (2005)، كما أن بعض الأطروحات والنظريات، كحاكمية الإسلام وجاهلية العصر والتكفير والهجرة والفريضة الغائبة والعدو القريب والعدو البعيد، لم تكن لترى النور في حال تصدي المتخصصون في علوم الدين والفقه والشريعة لإعادة النظر في الموروث الثقافي الديني بشجاعة، وتنقيته مما لحق به من شوائب خلال عصور التراجع والاندحار ورد الاعتبار للخطاب الديني المستنير الذي يبرز جوانب السماحة واليسر والاعتدال.

رابعاً: تراجع دور مؤسسات التعليم:

لا تقتصر مهام المؤسسات التعليمية على تدريس المناهج العلمية والأكاديمية، بل على تحصين العقول في مواجهة “عمليات القرصنة” التي تستهدفها، ذلك أن مسؤولية تحقيق الأمن الفكري مرتبط بكافة المؤسسات الاجتماعية والثقافية التي يفترض أن تؤدي أدواراً تكاملية لتحقيق ذلك في المجتمعات الخليجية.

وتشير بعض الدراسات إلى أن الإشكاليات التي تواجه قدرة هذه المؤسسات على تحقيق الأمن الفكري المنشود ترتبط بدور المعلمين على توجيه الطلبة حيال بعض الأفكار التي لا تتسق مع الأطروحات والقيم المجتمعية السائدة (أبو خطوة والباز، 2014، ص218-220) كما يزيد من خطورة هذه القضية كونها مرتبطة بحقيقة أن المدارس والجامعات تضم كافة فئات المجتمع بفئات عمرية مختلفة بما تتيح للمعلمين التأثير على هذه العقول وفق دراسة عادل الشدي (2004).

يترتب على ذلك، بحسب دراسة عبدالمقصود خوجه (2004)، تفريخ عقول محملة بأفكار منحرفة وتنتهج سلوكيات متطرفة حيال المجتمع، وهذه الإشكاليات قد تتصاعد في ظل عدم فاعلية سياسات التقييم الدوري والرقابة على المدرسين والمناهج ناهيك عن غياب خطط التطوير والتطوير للهيئة التعليمية والإشرافية، مما يترتب عليه قيام بعض المدرسين بالاجتهاد خارج إطار المنهج المقرر (موقع حملة السكينة، 2010)، ويضاف إلى ذلك ضعف متابعة وتقويم برامج تعزيز الأمن الفكري، حيث أكد كمال تربان (2012) وهشام الزهراني (2014) عدم وجود آلية أو معايير واضحة تقاس من خلالها مخرجات التعليم في دول المنطقة ونتائج التغذية الفكرية السليمة فيها، ورصد مدى نجاح قيم المبادئ الفكرية التي تم غرسها في نفوس النشء.

خامساً: الأدوار غير المقصودة للأسرة:

تضطلع الأسرة بأدوار رئيسية في تنشئة الأبناء والمساهمة في تقدم المجتمعات ودعم وحدتها وتماسكها، ومع ذلك فثمة تطورات مجتمعية وثقافية وعلمية شهدتها المجتمعات الخليجية وساهمت في الحد من قدرة الأسرة على القيام بهذا الدور، وتصاعد دور الفاعلين الآخرين في صوغ هذه الأفكار داخل عقول الأبناء، فقد أضحت الفئات الشبابية تقضي وقتاً طويلاً بعيداً عن الأسرة في ظل عالم افتراضي تنتشر فيه أفكار التطرف والعنف، مما يؤدي إلى مردودات سلبية قد تتسبب في انحراف فكري لدى بعض الشباب المتلقين دون الحذر من المعلومات المغلوطة عن الدين والسياسة والمجتمع، ويشكل بدوره تهديداً للأمن الفكري والوطني (الشهري، 2013).

كما أدى غياب دور الأسرة إلى انتشار ظاهرة رفقاء السوء، حيث أشارت دراسة نشرتها صحيفة الاتحاد الإماراتية (26 يناير 2013) إلى أن (17.5%) من جرائم العنف والقتل في العالم العربي تتم بتأثير من هذه الفئة، وأخيراً فإن لتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية تأثيرها في زيادة الإحباط المجتمعي ودفع الفرد إلى حواضن التطرف ضد النظام السياسي ومؤسساته.

تأثيرات الانحراف الفكري والتطرف الديني على مجتمعات دول الخليج

يؤدي الانحراف الفكري إلى نتائج وخيمة على استقرار وأمن المجتمعات، إذ يعبر عن حالة صراع بين أفكار الاعتدال والوسطية من جهة، وأفكار الغلو والتطرف التي تشيعها جماعات العنف السياسي لتجنيد الشباب مستغلة الظروف المعيشية والحياتية أو المشكلات الاجتماعية والأوضاع السياسية من جهة أخرى، ويساهم هذا الصراع بلا شك في إضعاف “المناعة المجتمعية” فيجعلها فريسة سهلة حيث أن الاختراق يأتي من داخل المجتمع وليس من خارجه، ليهاجم حصونها الفكرية والأمنية، وهو الأمر الذي يلقي بتبعات سلبية عديدة على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ويمكن رصد صور منها على النحو الآتي:

  1. العمليات الإرهابية:

لا تنفصل دول الخليج العربي عما يشهده الإقليم من تطورات وتداعيات سلبية ألقت بظلالها على استقرار وأمن مجتمعاتها، إذ سعت الجماعات الإرهابية إلى الامتداد لها جغرافياً وعملياتياً بأساليب مختلفة تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي وخلق اصطفافات وتوترات طائفية ودينية، والعمل على الجذب الفكري للأفراد بهدف تحويلهم إلى “قوة معبئة” وحاضنة للأفكار المتطرفة في المجتمع.

وقد شهدت العديد من بلدان الخليج بعض العمليات الإرهابية المستمدة من الفكر التكفيري على مدار السنوات الماضية، بدأت بحادثة تفجير مبنى الحرس الوطني في المملكة العربية السعودية عام 1996 بواسطة تنظيم القاعدة، الذي يتبنى تكفير الفرد والمجتمع والدولة ومؤسساتها، في مؤشر على الغلو الديني والتطرف في تفسير النصوص الشرعية والخروج عن مقاصد الشريعة (الزهراني، 2014)، وفي 22 مايو 2015 أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تفجير أحد المساجد في القديح بمحافظة القطيف عبر عملية انتحارية أدى إلى مقتل وجرح 21 شخصاً (صحيفة البيان الإماراتي، 22 مايو 2015)، كما فجّر انتحاري نفسه قرب بوابة مسجد العنود بالمنطقة الشرقية السعودية حيث قتل أربعة أشخاص في 25 مايو 2015، وفي 26 يونيو 2015 قام تنظيم داعش بعملية انتحارية في مسجد الصادق بمدينة الكويت أثناء أداء صلاة الجمعة في شهر رمضان مما أسفر عن مقتل 27 شخصاً وجرح 225 آخرين (صحيفة الراي الكويتية، 27 يونيو 2015)، الأمر الذي اعتبره نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي بمثابة إعلان حرب على الدولة والمجتمع من تيار التطرف والإرهاب (عيد، 2015).

  1. الخلايا الإرهابية:

أفضى انتشار أفكار التطرف إلى تصاعد التهديدات الموجهة إلى أمن واستقرار دول الخليج، حيث تزايدت معدلات القبض على خلايا نائمة في مؤشر على نشاط عمليات تجنيد الشباب للقيام بنشر الفكر التكفيري والتجهيز والبحث عن السلاح وجمع المعلومات عن المواقع المستهدفة وتسهيل سفر “المجاهدين” إلى المناطق المضطربة وجمع الأموال لدعم التنظيمات الإرهابية وتنفيذ مخططات إجرامية تستهدف نشر الفوضى والإخلال بالأمن (موقع حملة السكينة، 2014).

وبعيد التفجيرات الدامية في المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ومملكة البحرين في مايو 2015، كشفت الأجهزة الأمنية العديد من الخلايا المتطرفة كانت تحضّر لتنفيذ المزيد من الأعمال الإرهابية، كما أعلن المتحدث الأمني بوزارة الداخلية السعودية في سبتمبر 2014 أن الأجهزة الأمنية قبضت على 88 خلية منها 10 خلايا تتبنى الفكر الضال وتؤيده وغالبيتهم على تواصل مع التنظيمات الإرهابية خارج المملكة (موقع وزارة الخارجية السعودية، 04 سبتمبر 2014)، كما كشفت السلطات الكويتية في يوليو 2016 عن تفكيك ثلاث خلايا تابعة لتنظيم داعش خططت لهجمات ضد عدد من المساجد وهدف تابع لوزارة الداخلية (موقع الحرة، 20 سبتمبر 2017).

  1. الجرائم الإلكترونية:

من صور الانحراف الفكري أيضاً شيوع ظاهرة الجرائم الإلكترونية المرتبطة باستغلال وتوظيف الثغرات الأمنية لشن هجمات الكترونية عبر الانترنت بطرق غير تقليدية وتتنوع أهدافها بين أفراد ومؤسسات ودول، مما يصعب على الأجهزة الأمنية تعقبها بشكل كامل، وتمثلت هذه الجرائم باختراق المواقع الشخصية للمؤسسات العامة والخاصة والبريد الالكتروني للأفراد وتغذيتها بالأفكار والأيديولوجيات المتطرفة، حيث شرح عبدالرحمن السند (2010) بالتفصيل كيف قامت الجماعات الإرهابية بتصميم عشرات المواقع الالكترونية على شبكة المعلومات العالمية لنشر أفكارها والدعوة إلى قيمها مع عرض طرق إعداد المتفجرات والتكتيكات الخاصة باستهداف المنشآت الأمنية والقيام بعمليات انتحارية، وعلى الرغم من إدراك الأجهزة الأمنية لهذه المخاطر، إلا أن ما هو موجود من قرارات ولوائح لا يزال دون المطلوب، كما لا توجد في بعض الحالات أقسام أمنية متعلقة بمواجهة الإرهاب الالكتروني ومحاكم مختصة بهذه الجرائم.

  1. النزعات الطائفية:

يعد تكريس الانتماء الطائفي وإقصاء فئات معنية أحد أخطر التحديات لمشروع الأمن الفكري، فتمزيق اللحمة الوطنية عبر إثارة النزعات الطائفية قد يفضي بشكل أو بآخر إلى خلق ردود أفعال عكسية وصعود الهويات الفرعية، وحين تشعر بعض المكونات المجتمعية بعدم قدرة الدولة على حمايتها فكرياً وأمنياً فإنها تسعى بجهود ذاتية للدفاع عن هويتها ومؤسساتها الدينية، مما يمثل أحد مؤشرات تراجع هيبة الدولة وضعف قدرتها على ممارسة سلطة الردع.

وكما أشارت راغدة درغام (صحيفة الحياة اللندنية، 19 سبتمبر 2015)، فقد مهدّت التوترات السياسية والطائفية في سوريا والعراق لسلوكيات اللعب على وتر الطائفية من قبل جماعات التطرف بكل تداعياتها السلبية على النسيج الاجتماعي، وكان استهداف بعض المؤسسات الدينية الشيعية في الكويت والسعودية محاولة لخلق صراعات طائفية داخل المجتمعات الخليجية، ولذا جاء تأكيد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح بعد حادثة مسجد الإمام الصادق على تفعيل الاستراتيجيات الخاصة بمكافحة انتشار الآراء المتطرفة التي تستهدف عقول الشباب، والعمل على “تحصينهم من الأفكار الضالة والسلوك المنحرف والعمل على تمسكهم بالدين الإسلامي الحنيف الداعي إلى الوسطية والاعتدال” (وكالة الأنباء الكويتية “كونا”، 9 يوليو 2015)، كما أن لتصاعد النزعة الطائفية لدى بعض رجال الدين سواءً على مستوى السلوك أو التصريحات، التأثير السلبي المركب في المجتمعات الخليجية التي تشهد محاولات متعددة لتذكية هذا النوع من الصراع في بعده الديني.

  1. التهديد الاقتصادي:

يتأثر البعد الاقتصادي بالتداعيات السلبية الناتجة عن الانحراف الفكري وانتشار التيارات المتطرفة في الخليج بسبب التكلفة الاقتصادية الضخمة الخاصة بتوجيه الإمكانيات والقدرات المالية والعسكرية لمواجهة ظواهر التطرف كأحد الأولويات الوطنية، وعندما يتهدد الاستقرار الاقتصادي في الدولة جراء تفشي الإرهاب والجريمة والتخريب، ومن شأن ذلك التأثير على معدلات الإنتاج وبروز ظاهرة التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض قيمة عملة الدولة، كما ترتبط مخاطر التهديد باستهداف المنشآت النفطية والاقتصادية بضرورة توفير الإجراءات الأمنية المكلفة مالياً لحمايتها (صحيفة العربي الجديد اللندنية، 27 يونيو 2015)، وقد ألمحت بعض الدراسات إلى أن الخسائر المباشرة وغير المباشرة للدول العربية من الإرهاب وتداعياته بلغت عشرات المليارات من الدولارات، منها (30) مليار ريال خسائر الاقتصاد السعودي في الفترة من 2003 وحتى 2008 (الخزاعي، 2015، ص 148).

إجراءات تعزيز الأمن الفكري في المجتمعات الخليجية

نظراً لتنوع التهديدات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة الراهنة، تتعاظم الحاجة إلى استجابة متعددة المستويات لرفع حالة الاستنفار السياسي والأمني والاقتصادي لمقاومة “موجة التطرف” التي تجتاح الإقليم لكونها ذات طبيعة مركبة ومتداخلة وتتطلب في مواجهتها استراتيجية “النفس الطويل”، وانطلاقاً من أهمية الأمن الفكري، فقد اتخذت دول مجلس التعاون عدداً من المبادرات المشتركة إضافة لجهود كل دولة على حدة.

أولاً: العمل الخليجي المشترك:

تبرز أهمية العمل الخليجي المشترك في تشابه الظروف الديمغرافية والاجتماعية والفكرية لدول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى استهداف الإرهاب لكافة أعضائه دونما استثناء، مما يستوجب تكاملاً للخطط والاستراتيجيات فيما بينها، وقد اتخذت دول الخليج العديد من الإجراءات القانونية والسياسية والاقتصادية والأمنية الجماعية لمواجهة كافة أشكال التطرف، ففي عام 2008، وبعد مداولات امتدت لأربع سنوات، تم التصديق على اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب والتي تضمنت عدداً كبيراً من التشريعات الوطنية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف (أبو زيد، 2014، ص11-12)، كما ساهمت مساعي دول الخليج إلى الدفع باتجاه توصل الأمانة العامة لوزراء الداخلية العرب إلى استحداث مكتب للأمن الفكري بمستوى الدول العربية كإضافة للمكاتب المتخصصة القائمة كالمكتب العربي للإعلام الأمني (صحيفة الشرق الأوسط السعودية، 6 نوفمبر 2013)، وفي أبريل 2015، أقر وزراء داخلية دول المجلس آلية عمل اللجنة الخليجية للقائمة الإرهابية الموحدة تعزيزاً للعمل الجماعي في مواجهة تصاعد تهديدات الجماعات المتطرفة، وضرورة تكثيف الجهود الأمنية لمحاربة الفكر الضال وتجفيف مصادر تمويله (صحيفة الخليج الإماراتية، 30 أبريل 2015)، ومما يلاحظ على هذه الجهود والخطط التي سيتم استعراضها أنها تركز على البعد الأمني فقط، مما يستوجب اقتراح استراتيجيات بديلة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الفكرية والثقافية والسياسية للمشكلة موضع البحث.

ثانياً: الجهود الفردية لدول مجلس التعاون الخليجي:

على المستوى الفردي، تبنّت دول مجلس التعاون الخليجي مجموعة من التدابير لمكافحة التطرف والإرهاب ونبذ خطاب الكراهية بعد تزايد وتيرة العمليات الإرهابية وتفجر الأوضاع في دول الجوار، وتمثلت هذه الجهود بمجموعة من الإجراءات نستعرض منها ما يلي:

أ. سياسات الردع (تشديد الإجراءات القانونية):

تقتضي سياسات الردع تشديد الإجراءات القانونية لكبح جماح المجموعات التي تستهدف الإضرار بالأمن وتمزيق النسيج الوطني، ففي دولة الكويت تم إقرار قانون مكافحة التطرف والإرهاب، قامت الأجهزة الأمنية بموجبه باتخاذ تدابير قانونية رادعة ضد بعض رجال الدين المتهمون بتبني الخطاب الطائفي والتحريضي ضد الديانات والمذاهب الأخرى (أبو زيد، 2014، ص12) كما أصدرت الحكومة المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2012 بشأن حماية الوحدة الوطنية لتعزيز التماسك الداخلي في وجه الأفكار والممارسات الساعية لبث روح الفرقة بين مكونات المجتمع الواحد (صحيفة الوطن الكويتية، 21 أكتوبر 2012).

وبالمثل، قامت المملكة العربية السعودية بتغليظ العقوبات المفروضة على كافة أشكال الجرائم ذات الصلة بالإرهاب والتطرف وأصدرت الحكومة لائحة شملت بعض الجماعات المتطرفة في مارس 2014، وفي أغسطس من نفس السنة أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة القانون رقم 7 لسنة 2014 باسم “قانون مكافحة الإرهاب” تضمنت مواده تشديد العقوبات على مرتكبي الأعمال الإرهابية (صحيفة البيان الإماراتية، 21 أغسطس 2014)، كما أصدرت “لائحة التنظيمات الإرهابية” في نوفمبر 2011 شملت 83 تنظيماً، إضافة إلى إقرار قانون “مكافحة التمييز والكراهية” في يوليو 2015 لتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كل أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.

من جانبها، أعلنت دولة قطر إقرار استراتيجية متكاملة في مجال مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف تشمل الأبعاد القانونية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، مع تحديث الأنظمة والتشريعات التي تجرم الإرهاب بكافة صوره وأشكاله (صحيفة الشرق القطرية، 14 مارس 2014)، كما اتخذت سلطة عمان إجراءات صارمة حيال الأشخاص الذين يتهمون بالتطرف والإرهاب، حصلت بموجبها على المركز الأول عربياً وخليجياً في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بحسب التقرير السنوي الذي أصدرته مؤسسة بازل لعام 2014 (عبدالغني، 2014).

وأخيراً، أصدرت مملكة البحرين سلسلة من القوانين لحماية المجتمع البحريني من الأعمال الإرهابية، منها ثلاثة مراسيم بعنوان “حفظ أمن المجتمع” وذلك في عام 2014 (موقع دوت مصر، 03 ديسمبر 2014)، كما قامت بتأسيس لجنة حكومية تضم الوزارات والهيئات المختصة لوضع السياسات الخاصة بحظر ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وإدراج عدد من المنظمات على لائحة الإرهاب (صحيفة الحياة اللندنية، 2 أكتوبر 2014).

ب. السياسات اللينة (برامج المناصحة):

تقوم برامج المناصحة على فكرة تحصين العقول ضد “فيروسات” الغلو والتشدد الديني، ودحر الفكر بالفكر، انطلاقاً من فكرة “تحويل المسار” للأفكار المتطرفة، وجاء برنامج المناصحة بالمملكة العربية السعودية في إطار الجهود لتعزيز مفهوم الأمن الفكري، عبر توجيه النصح والإرشاد لأصحاب التوجهات المتشددة وإعادة دمجهم في المجتمع، من خلال مراكز عديدة منها مشروع “المناصحة والرعاية” حيث التركيز على إعداد البرامج والدورات الإنسانية والدينية والاجتماعية من قبل الخبراء والمستشارين النفسيين والاجتماعيين وعلماء الدين والشريعة، وقد أشارت تقديرات عديدة إلى فاعلية هذه البرامج، على الرغم من أن ما نسبته من 10-12% ممن يخضعون للتأهيل قد يستأنفون السلوك المتطرف كما يشير خالد الزهراني (2015).

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وافق المجلس الوطني الاتحادي في ديسمبر 2015 على إنشاء مركز “هداية” العالمي للحوار والتدريب والتعاون البحثي لمكافحة التطرف (أبو زيد، 2014، ص11) كما اتخذت السلطات مجموعة من التدابير منها تأسيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلحة ومجلس حكماء المسلمين ومركز “صواب” لتصحيح الأفكار الخاطئة وتفنيد الادعاءات والتفسيرات الدينية الكاذبة وإتاحة المجال للأصوات المعتدلة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي (صحيفة الاتحاد الإماراتية، 9 يوليو 2015).

وتتمثل جهود دولة الكويت على هذا الصعيد في عقد الكثير من المؤتمرات للتوعية بمخاطر التطرف، فضلاً عن الحلقات النقاشية داخل سجن أمن الدولة وتدشين خط ساخن لمناقشة أصحاب الفكر المتطرف ونصح الآباء وإنشاء مراكز تأهيل التائبين، ويبرز في هذا السياق الدور الذي يقوم به المركز العالمي للوسطية كمشروع فكري وبحثي يهدف لتعزيز الوسطية ونشرها مفهوماً وسلوكاً لمعالجة الغلو الفكري، وأخيراً أطلقت الدولة دعوة لإعادة تأهيل العائدين من داعش بإشراف وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (صحيفة القبس الكويتية، 01 نوفمبر 2017).

ج. السياسات المجتمعية (التحرك المؤسسي النشط):

تعتمد هذه السياسة على مبادرات العمل التطوعي ومؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في جهود نبذ الإرهاب والبعد عن المغالاة والتطرف بكافة صوره، حيث أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة “إحنا بخير” كتعبير عن هذا الجهد الجماعي الوطني تحت مظلة جمعية العمل التطوعي، كما عملت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن في مدينة الرياض بالتعاون مع وزارة الداخلية على وضع برامج خاصة لتعزيز الأمن الفكري (صحيفة الأيام السعودية، 06 مارس 2015).

وأدّت مبادرة “حملة سكينة” منذ عام 2003 أدواراً مهمة لتعزيز الأمن الفكري في المجتمع السعودي عبر حملة الكترونية ضخمة لنشر القيم والأفكار الدينية الوسطية تضمنت الكثير من الأنشطة التطوعية تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد لمكافحة التطرف العنيف عبر تقنين عملية إصدار الفتاوى والتواصل المباشر مع الجمهور والفئات المتمسكة بتعاليم دينها (أبو زيد، 2014).

وفي دولة قطر، تم تأسيس مركز الدوحة لحوار الأديان عام 2007 بهدف تعزيز ثقافة التعايش السلمي وقبول الآخر، كما أعلن عن إنشاء اللجنة القطرية لتحالف الحضارات لإبراز مساهمة الثقافات في التقدم الإنساني (صحيفة الراية القطرية، 15 يونيو 2015).

كما عقدت دولة الكويت العديد من الندوات والبرامج الإذاعية لمكافحة التطرف الفكري، وشاركت إذاعة القرآن الكريم في تقديم حلقات خاصة من البرامج الموجهة لنبذ أفكار التطرف والغلو التي تبنتها أيضاً القنوات الفضائيات الكويتية، كما تشرف الدولة على مشاريع عديدة لإعلاء ثقافة الوسطية والاعتدال من خلال الندوات والحوار الذي يجمع مختلف الطوائف مع قادة الرأي (الشمري، 2011)، وأثمر الجهد التطوعي المجتمعي بدوره في تأسيس مجموعة من جمعيات النفع العام الساعية إلى تعزيز مفاهيم الإخاء والحوار والمواطنة والتسامح والابتعاد عن الغلو، ومن أمثلتها جمعية الإخاء الوطني والجمعية الكويتية للعمل الوطني ومركز التواصل الحضاري وجمعية المواطنة والتنمية.

ورغم هذه الجهود، إلا أن هناك أوجه قصور متعددة تحتاج إلى دعم حكومي ومجتمعي منها دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية مما يؤكد الحاجة لاستحداث آليات واستراتيجيات ذات رؤية شاملة لجميع أبعاد المشكلة.

استراتيجيات تفعيل الأمن الفكري في دول الخليج العربي

على الرغم من اتخاذ دول مجلس التعاون الخليجي مجموعة مهمة من الإجراءات والتدابير الاستباقية في مواجهة التطرف والإرهاب، إلا أن التحديات المحيطة وتصاعد قدرات الجماعات الإرهابية، تتطلب تفعيل استراتيجيات عامة كفيلة ليس فقط بهزيمة الإرهاب الفكري وآثاره المدمرة فحسب، بل لضمان الأمن الفكري المستدام كموروث ثقافي أصيل يشكل قاعدة أساسية لمجتمع مستقر ومتفرغ لجهود التنمية اعتماداً على الاستثمار الأمثل للمورد البشري وتأمين العقول كأحد أهم متطلبات نجاحه، ويجب أن تقوم هذه الاستراتيجيات على أهداف واضحة وإجراءات مرتبطة بشكل وثيق مع السياسة العامة للدولة ومختلف برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وموجهة في إطار مشاريع تكاملية بين دول الخليج العربي لمواجهة الإرهاب الفكري وتأمين سلامة الفكر والاعتقاد والسلوك لشعوبها.

وبناءً على ما سبق، نقترح ثلاثة استراتيجيات عامة لعلها تضيف إلى الجهود التراكمية لتأمين المجتمعات الخليجية فكرياً وثقافياً وفي برامج التنشئة الاجتماعية كصمام أمان للاستقرار وتلبية متطلبات التنمية البشرية الآمنة في ظل تحديات العصر الصعبة والمتنامية.

الاستراتيجية الأولى (الأمن الاستباقي):

تعتمد استراتيجية الأمن الاستباقي على تجنّب الآثار الفكرية الهدامة للجماعات الإرهابية من خلال تأمين الحصانة الثقافية لغالبية أفراد المجتمع بالتوازي مع بذل الجهد المطلوب لتشخيص مكامن بروز الفكر المتطرف، ووضع البرامج والحلول الكفيلة بعلاج المصابين بهذا الداء العقلي، وتشتمل هذه الاستراتيجية على عدد من التدابير التالية:

أ. العزل الإيجابي:

ويعني التفرقة بين من يعاني من مظاهر الانحراف الفكري ولكن لا يسعى إلى “تصديره” وبين التيارات المتطرفة منعاً لتجنيدهم من أجل الإضرار بالمجتمع والدولة، وتتحقق هذه الوقاية بالعزل الاستباقي لاندماج الجانبين للحد من أمكانية انتشار “فيروس” التطرف، ومن ضمن الخطوات العملية في هذا الصدد إطلاق “مبادرة الإنذار المبكر” عبر مختلف المؤسسات الرسمية والمجتمعية ورصد “تنبيهات التحذير” للتدخل السريع لانتشال الأفراد والمواطنين من الأفكار المتطرفة، ولا بد أن تكون هذه المبادرة للحدود بين دول مجلس التعاون الخليجي بسبب الامتداد الجغرافي للعديد من صور وممارسات التطرف الفكري عبر مجتمعاتها نتيجة لتشابه ظروف نشأتها التاريخية وتطابق مرجعيتها الدينية.

ب. إعادة التوجيه:

وهي الحاجة لمعالجة “البذور الكامنة” للتطرف في العقول من خلال تكثيف الحملات الموجهة إعلامياً وتعليمياً، وعبر سياسات منهجية تتوزع أدوارها على مؤسسات التنشئة الوطنية لتفنيد الأفكار الضالة واستبدالها بالثقافة المعتدلة والعابرة للمكونات المجتمعية وتلبية متطلبات التعايش السلمي بروح التسامح والمسؤولية المشتركة بينها، ويتم ذلك من خلال “التربية الأمنية” التي تصون الفكر عبر تعليم المفاهيم الأمنية والخبرات اللازمة للمواطنين وحماية الموارد الوطنية تمهيداً لتحقيق الأمن الشامل والتكاملي، بحيث لا تنفرد الأجهزة الأمنية بمسؤولة الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع بل بمشاركة جميع مؤسسات المجتمع والمواطنين حسب ما يؤكد محمد المنشاوي (2005)، كما يضمن تطبيق التربية الأمنية عدداً من المميزات أهمها تنمية قيم الانتماء والمواطنة بين الطلاب وترجمة معاني الترابط بين النظرية والواقع الاجتماعي (السلطان، 2008).

ج. ترسيخ المواطنة:

المواطنة هي علاقة تجمع الفرد والمجتمع، يكون طرفيها الولاء من جانب الفرد للوطن في مقابل توفير المجتمع السياسي الحماية لحقوقه القانونية والمدنية على مسطرة العدالة والمساواة مع جميع بني جنسه (الكندري، الضويحي والقشعان، 2011، ص26)، والمواطنة لا شأن لها بدين أو طائفة أو أي انتماء عرقي، وإنما بحقوق وواجبات الجميع في إطار دولتهم الجامعة في مواجهة التحديات القائمة والقادمة بسبب طغيان التعصب الفئوي أو الديني وضمان استدامة وشرعية النظام السياسي المؤتمن على تجسيد هذا الفهم (السيد، 2015)، وتتأتى هذه الشرعية باستمرار المشاركة والإرادة الجماعية مع المحافظة على خصوصيات مختلف مكونات الجماعة في دينهم وعاداتهم وثقافاتهم (محمود، 2011، ص38)، إذ يتجسد ترسيخ المواطنة في إعطاء المواطنين الحق في أن يكونوا فاعلين سياسيين وأن يشاركوا في كل مؤسسات المجتمع السياسية دونما تمييز (الوهيب، 2011، ص 360).

الاستراتيجية الثانية (الاعتدال):

الاعتدال يعني الوسطية كأفضل الأمور وأجملها للناس، كما تعكس الاستقامة في منهج الحياة والتصورات التي تحيط بها، وتتعاظم أهمية الوسطية في الفكر والمعتقد الديني باعتبارهما المحفّز الأول للتحكم في الأخلاق والأنماط السلوكية تجاه الآخرين (El-Sergany, 2017)، ولذلك تتطلب الاستراتيجية الوسطية ترسيخ نموذج وطني شامل لثقافة متوازنة بين الانحلال والتشديد وسلوك لا اعوجاج فيه، والرفق في التعامل مع الآخرين، وهي بذلك البديل المنطقي للتطرف والغلو الذي تسعى جماعات العنف والإرهاب إلى نشره في المجتمع، وعلى الرغم من وجود بعض الخطوات الملموسة في هذا الصدد في دول الخليج، ألا أن تصاعد الأحداث يدفع إلى ضرورة إعادة تفعيل هذه الخطط والبرامج وبلورتها في إطار أوسع وذلك على النحو الآتي:

أ. الخطاب الديني:

من الأهمية بمكان إعادة النظر في الخطاب الديني ومتابعة ما ينشر في وسائل الاعلام ووسائل التواصل المختلفة لتشكيل “خلايا المناعة” التي تواجه أي انحراف فكري أو ديني أو سلوكي، استناداً إلى أصول الدين المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وسائر المعارف الإسلامية، سواءً كان منتج الخطاب منظمة رسمية أو غير رسمية أو أفراد، وبلورة مرجعية دينية موحدة لإدارة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية الثقافية للتعاطي مع دوائر الهويات الوطنية أو الأممية التي يرتبط بها أبناء المجتمع الواحد (الصديقي، 2015)، ويمكن تحقيق ذلك بمقتضى مشروع واعد يقوم على تقديم جيل يافع يتبني الخطاب المعتدل وجعلهم يعبرون عن تيار رئيسي يطرح سماحة القيم الدينية ورسالتها السامية بطرق يفهمها الشباب بمختلف أطيافه وفئاته وطوائفه، إضافة إلى إرساء قواعد ومتطلبات العدالة وضمان حقوق المرأة وتيسير النواحي المالية للأفراد والاهتمام بشؤون البيئة والتعاطي الإيجابي مع قضايا العولمة (Kamali, 2015, p.192).

ب. ضبط الفتاوى:

تعاني الكثير من المجتمعات الإسلامية من مشكلة “فوضى الإفتاء” بعيداً عن أعين أجهزة الدولة بسبب تراجع دور المؤسسات الدينية الرسمية، بما قد يحرّف مسار الفتوى كصمام أمان لحماية الأمن الفكري إلى أداة لنشر التطرف والغلو، الأمر الذي يستوجب تجريم الفتوى بغير علم شرعي وحصره بالمؤسسات الدينية المتخصصة لاستعادة ثقتها المرجعية لدى المواطنين، وتقنين طرق نشر الفتاوى الصحيحة عبر وسائل الإعلام والتواصل العامة بأسلوب واقعي ومعاصر باللغة التي يقنع بها المتلقي، مع ترجمة الفتاوى بلغات المقيمين في دول الخليج من مختلف الجاليات ممن قد يتعرضون للتجنيد من قبل التيارات المتطرفة، وتعزيز تواصل العلماء مع المبتعثين من الشباب الخليجي في الخارج لتحصين عقولهم كقيمة مضافة على الدولة والمجتمع (الصديقي، 2015).

ونظراً لأهمية الاستراتيجية الوسطية في ظل استمرار سخونة الأحداث في الإقليم، يجب أن يتحلى الخطاب الديني الرسمي في بعض الدول الخليجية بالاتزان والموضوعية بحث يسترشد برموزه من العلماء كقدوة في الطرح المعتدل، حيث يلاحظ جنوح البعض من الخطباء بين فترة وأخرى نحو أسلوب الإقصاء والتكفير بحق بعض المكونات المجتمعية الوطنية.

ج. استنهاض المؤسسات:

من الروافد المهمة في إنجاح استراتيجية الوسطية إعادة تنشيط دور المؤسسات الدينية باتجاه الإرشاد، والتنبيه في الخطب والمحاضرات خاصة في المساجد وحلقات حفظ وتفسير القرآن على خطورة الفكر الضال، والتأكيد على التماسك الداخلي في ظل رؤى وبرامج مستدامة تعتمد على منهج إعداد الأئمة والخطباء لمواصلة التوعية بأهمية مواجهة مظاهر الانحراف الفكري على المدى الطويل.

ولا مندوحة هنا من تعزيز دور المؤسسات التعليمية وعصبها الحيوي الأول المتمثل بالمعلم المتصف بالمعرفة والاخلاق والاعتدال كونه أحد المدخلات المسؤولة عن مخرجات عقول وسلوكيات التلاميذ في المراحل المدرسية المبكرة، وأخيراً يجب أن يتأتى مجمل ما سبق بيانه في إطار ما أطلق عليه عبدالمقصود خوجة (2004) بالضبط الاجتماعي (Social Control)، وهي خاصية تجمع بين أدوار المنزل ومهام المدرسة لضبط العلاقة بين الطالب والمجتمع وفق لوائح مكتوبة تضمن الحقوق والواجبات، وتراعي تشجيع الطلبة على استخدام عقولهم واستنباط الحلول للمشكلات التي تعترضهم بعيداً عن العنف الإرهاب.

د. نشر ثقافة التطوع:

ثمة ضرورة أخرى لتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني لمواجهة الانحراف الفكري من خلال التنسيق مع الهيئات والمرجعيات الحكومية كالسجون والمؤسسات الإصلاحية الخاصة بالأحداث المنحرفين والمؤسسات الثقافية مثل المساجد والأندية الأدبية، كما تقع المسؤولية الوجدانية على كتاب الرأي والإعلاميين والمثقفين للقيام بواجبهم في التوعية بمخاطر الانحراف الفكري من خلال الكتابة والتحركات الميدانية للدفع باتجاه تنمية الوعي ودعم جهود مواجهة الانحراف الفكري ومحاربة الإشاعات وتنوير المجتمع بمصادر معلوماتية صادقة ومؤكدة (العقيل، 2011، ص76).

هـ. تعزيز أدوار الشباب:

تتميز دول الخليج بقاعدة شبابية واسعة إذ تمثل الشريحة العمرية اليافعة قرابة نصف المجتمع، لذا لا بد من تحفيز الأدوار المجتمعية للشباب من مختلف الطبقات في اتخاذ القرارات وبناء الدولة، ويأتي ذلك عبر تعظيم فرص الشباب من أسفل إلى أعلى، تتدرج على مستوى الأسرة والمدرسة والجامعة والحي والمدينة من خلال العضوية النشطة في التنظيمات الشعبية والرسمية، وتعد مثل هذه الإجراءات ضرورية لتنمية قدراتهم على الحوار حول المسائل العامة التي تجعل المواطن يعتاد على تقبل الرأي الآخر بعد تحليله ونقده.

أن العجز عن الحوار مع جيل الشباب وحرمانه من حق إبداء الرأي بما يخدم بلده قد يجعل منهم ضحايا للعنف المؤسسي الذي يشتد مع تعثر الأنظمة في تحقيق أهدافها المعلنة في التنمية الاقتصادية والتعددية السياسية، ومن الضروري في هذا السياق علاج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الشباب جذرياً، وذلك ببناء وحدات إنتاجية وإقامة المشروعات الكفيلة باستيعابهم لتقليل نسب البطالة، والعمل على مواجهة أي خلل في النظم الاجتماعية الخاصة بهم.

و. تعظيم “المنافذ الفكرية”:

تكمن أهمية تكثيف المنافذ الفكرية في التعبئة المجتمعية الشاملة لحسم “صراع الأفكار” واستئصال “أورام” التطرف الديني، مما يستوجب تفعيل دور الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية لكسر حاجز السلبية عند البعض وتوسيع قدراتهم الفكرية كدروع وقائية قادرة على فرز الغث من الثمين في القضايا الحيوية التي تمس هوية المجتمع، ويتطلب تحقيق هذا تربية أجيال واعية ومتمكنة من مواجهة الفكر بالفكر بحرية ومتسمة بالانضباط وملتزمة بقيم المجتمع وقوانين الدولة (الهواري، 2004)، على أن يتوافق ذلك مع إعادة توجيه التراث العربي والإسلامي بما يضمن ترسيخ قيم الحرية والتعددية الفكرية بشتى صورها، وإبراز دور الشباب والمرأة ومبادئ الشورى تأكيداً على خيار التعايش والتآزر بين موزاييك المكونات المجتمعية.

الاستراتيجية الثالثة (الإجراءات التنفيذية):

يقصد باستراتيجية الإجراءات التنفيذية تأمين حزمة المتطلبات العملية للتعاطي الميداني مع التهديدات والآثار المادية الناتجة عن أنشطة التطرف والإرهاب، حيث تتعاظم الحاجة لتعبئة القدرات الأمنية المؤسسية لوضع الخطط اللازمة للتعاطي مع تنامي الجماعات الإرهابية وإمكانياتها التسليحية والقتالية والإعلامية، وانعكاساتها على شكل زرع التوترات الطائفية وإضعاف الروح المعنوية وإشاعة الاضطراب المجتمعي وضرب التماسك الاجتماعي، وانتهاءً بالعمليات الإجرامية التي تستهدف أمن واستقرار المجتمع، ولا بد من مواجهة هذه التحديات غير المسبوقة في دول الخليج عبر مجموعة من التدابير التالية:

1- التنسيق بين المؤسسات:

تلتقي دول مجلس التعاون الخليجي في طبيعة التحديات الناجمة عن التطرف الفكري وأدبياته ومرجعياته، وشهدت معظم هذه الدول جرائم إرهابية حملت نفس البصمات في دوافعها وطرق تنفيذها كالعمليات الانتحارية، وانخرط العديد من مواطني الخليج في مهام “الجهاد الإسلامي” حول العالم، وقد رجع الكثير منهم إلى الديار حاملين تلك تجربتهم الملغومة بالفكر المتطرف.

ففي يونيو 2015، أعلنت الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين عن إحباط مخطط لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة والمواد شديدة الانفجار عبر أراضيها لتنفيذ أعمال إرهابية في السعودية، وكشفت التحقيقات في تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت أن منفذ التفجير وصل إلى مطار الكويت صباح يوم العملية قادماً من البحرين كمحطة ترانزيت قادماً من الأراضي السعودية إمعاناً في التمويه لتضليل أجهزة الأمن، وأشارت التحقيقات أنه تم نقل المواد المتفجرة إلى الكويت قبل أيام من تنفيذ العملية عبر دولة مجاورة (صحيفة الأنباء الكويتية، 28 يونيو 2015).

أن جهود تحقيق الأمن الخليجي لا بد أن ترتبط بتوثيق التنسيق الأمني داخل المنظومة الخليجية وفق آليات عمل تكاملية يشرف عليها المتخصصون في المؤسسات المعنية، كما يتطلب العمل الخليجي المشترك انسجاماً كبيراً في الخطط الخاصة بالتصدي للعصابات العابرة للحدود والتيارات التي تمثل امتداداً لها على المستوى الفكري وفي مقدمتها فتح قنوات الحوار بين علماء الدين في دول المنطقة لتشكيل جبهة فكرية موحدة أمام مخاطر هذه الظاهرة الدخيلة.

2- مجابهة الإرهاب الإعلامي:

تؤكد التطورات الجارية على مسرح عمليات الإقليم أن الإعلام بات قضية أمنية، مما يستوجب ربط السياسات الإعلامية بالمحركات الأمنية على نحو يتطلب إعادة برمجة المنظومة الإعلامية حتى تتواكب مع ديناميكية المتغيرات الأمنية والإقليمية، ومن ثمّ التعاطي مع تداعيات المد المعرفي ومخرجات عولمة الثقافة والإعلام الرقمي وقدرة التنظيمات المتطرفة على توظيفها سلباً على الأوضاع السائدة في المنطقة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية.

ومن دواعي اليقظة الإعلامية والأمنية متابعة التطورات الإعلامية والعمل على حجب المواقع التي تدعو إلى الانحراف الفكري ونشر الشرور والغلو، وتلك التي تحث على القيام بعمليات إرهابية أو صناعة المتفجرات والاعتداء على الآخرين، ومن الضروري في هذا السياق إبراز خطورة ما تقوم بها الجماعات الإرهابية من عمليات وحشية، تستهدف إثارة الرأي العام وجذب انتباه الجماهير، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية ومجردة من القيم الدينية وتشويهاً منظماً للإسلام وتعاليمه السمحاء (فارس، 2013؛ المالكي، 2009).

3- مجابهة الجرائم الإلكترونية:

تشير تحركات الجماعات الإرهابية إلى تنامي قدرتها على اختراق الخطط الأمنية للقيام بعمليات إجرامية، ونجاحها في الحشد والتعبئة وتوظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة أهدافها، ويستلزم ذلك بالمقابل تطوير إمكانيات الأجهزة الأمنية للتعامل مع الجرائم الالكترونية وتأهيل الموارد البشرية المدربة على المراقبة والرصد والمنع الاستباقي لأية محاولات تستهدف الأمن الداخلي لدول المنطقة، على أن يتحقق ذلك بالتوازي مع تحديث الأنظمة والإجراءات الجنائية بما يضمن اتخاذ التدابير العاجلة والنافذة من قبل الأجهزة الأمنية لتحقيق أهدافها المنشودة في احتواء الإرهاب الإلكتروني، وثمة حاجة ماسة إلى اتخاذ التدابير الكفيلة للتعاطي مع مشكلات الاختصاص القضائي ذات العلاقة بطبيعة الجرائم الالكترونية، وربما يتطلب ذلك أيضاً إنشاء مراكز متخصصة بمواجهة إرهاب الانترنت وفق معايير عالمية.

4- “الأمن” كأولوية في البحث العلمي:

يعد البحث العلمي من أهم أركان استراتيجية التأمين ضد التوجهات والآراء المتطرفة في بعده التنظيري، الأمر الذي يحتم ربط وسائل مكافحة الإرهاب الفكري بمنهجية البحث العلمي وغاياته لتشخيص ظواهره السلبية وفق دراسات موضوعية وطرح الحلول الكفيلة بالقضاء عليها، ويتطلب ذلك رصد الإنتاج الأكاديمي العربي والعالمي بشأن تطور أساليب مكافحة الإرهاب، ومتابعة المخرجات البحثية للمؤتمرات والندوات التخصصية وورش العمل والمجلات العلمية ورفع نتائجها وتوصياتها إلى أصحاب القرار في أجهزة الدولة الاستشارية والتنفيذية والأمنية.

يرتبط بذلك أيضاً دراسة تأثير التهديدات المعاصرة الصادرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الأمن الفكري، وما يستلزمه ذلك من إنشاء مراكز بحثية مستقلة وأكاديمية وتابعة للجهات والمؤسسات الأمنية للتصدي لها بنفس الأدوات والمادة العلمية البديلة، كما ينبغي تقوية القدرات الذاتية لتلبية احتياجات الأمن الوطني بصفة عامة والأمن الفكري بصفة خاصة، مع تبني آليات فاعلة لتوثيق العلاقة بين مؤسسات البحث العلمي والجهات الحكومية والقطاعات المجتمعية الأخرى سواءً على مستوى كل دولة خليجية أو على مستوى منظومة مجلس التعاون الخليجي.

أن التأثير الذي سيتركه تطبيق هذه الاستراتيجيات في المنظومة الخليجية يتمثل في توحيد الجهود لمواجهة الخطر المشترك بالإضافة إلى الاستفادة من تجارب الدول والتعلم من الأخطاء التطبيقية وتحقيق التكامل على مستوى البحث العلمي والمؤسسي، ويجب أن تؤخذ هذه الاستراتيجيات كحزمة واحدة وتطبق بالتوازي، فالأمن الوقائي مرتبط بالإجراءات التنفيذية وترشيد المؤسسات الدينية.

الخاتمة والتوصيات

اتفقت الدراسة مع ثلة من الأدبيات السابقة في عدد من النتائج والتوصيات أبرزها أهمية التركيز على المنظومة القانونية الحاكمة للأمن الفكري والدور المحوري لمؤسسات التنشئة الاجتماعية والمرجعيات الدينية الرسمية ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي في مواجهة التطرف الفكري، مع فتح المجال أمام الشباب للحوار وإشاعة ثقافة التسامح والوسطية في المجتمع والابتعاد عن الغلو، وقد أضافت هذه الدراسة مجموعة من الاستراتيجيات العامة التي يؤمل أن تشكل رادعاً أمنياً أمام الانحراف الفكري تعزيزاً لمشروع تنمية العقول عبر مراجعة الخطاب الديني وضبط الفتاوى واستنهاض دور المؤسسات الدينية وجهود التنشئة الاجتماعية.

ختاماً، تقترح الدراسة مجموعة من التوصيات منها تعزيز التنسيق الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي والتأكيد على دور المؤسسات الجامعية والبحثية في رصد ظاهرة الأمن الوطني بأبعاده المختلفة، وفي مقدمتها الأمن الفكري، وتقديم الحلول الموضوعية للمشكلة، كما أن ترسيخ المواطنة والمساواة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية والحرية الفكرية تمثل ضمانات مؤكدة ضد الانحراف والتعصب ودعامات ثابتة للأمن الفكري للمجتمعات الخليجية، وأخيراً فأن الأمن مفهوم يتسع ليشمل البعد السياسي والاقتصادي والفكري، فالأمن الفكري لا يعني فقط الحماية والترتيبات الأمنية، بل هو مشروع لتنمية العقول في حاضرها ومستقبلها باتجاه قبول قيم التعددية والوسطية والحوار، والمسؤولية في هذا الشأن مناطة بالفرد والمجتمع والدولة معاً، وفي حالة دول مجلس التعاون الخليجي، فأن دائرة المسؤولية تمتد لتشمل مجتمعات ومؤسسات وحكومات هذه المنظومة في تبني الاستراتيجيات الكفيلة لحماية وتعزيز الأمن الفكري فيها.

المراجع والمصادر

المراجع العربية:

ابن منظور، محمد. (2003). لسان العرب (مجلد 5). القاهرة: دار الحديث.

أبو خطوة، السيد، الباز، أحمد. (2014). شبكة التواصل الاجتماعي وآثارها على الأمن الفكري لدى طلبة التعليم الجامعي بمملكة البحرين. المجلة العربية لضمان جودة التعليم الجامعي، 7 (15)، 187-225.

أبو زيد، أحمد. (2014، أغسطس). مساع حذرة: سياسات مكافحة التطرف في دول الخليج (سلسلة حالة الإقليم). المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية (القاهرة)، ص ص. 10-13.

البقمي، سعود. (2009، 18-21 مايو). نحو بناء مشروع تعزيز الأمن الفكري بوزارة التربية والتعليم. قدّم إلى المؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري: المفاهيم والتحديات بجامعة الملك سعود، كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري، الرياض.

بلقزيز، عبدالإله. (2009، 01 يونيو). في مفهوم الأمن الثقافي. جريدة الخليج الإماراتية.

تربان، كمال. (2012). الأمن الفكري. رام الله: الشؤون الأكاديمية، كلية العودة الجامعية.

جبر، نهلة. (2015). الأمن الثقافي: مفهومه ودواعيه وعوامل تحقيقه. شؤون عربية، 163، 135-147.

الحربي، سليمان (2008، يوليو). مفهوم الأمن: مستوياته وصيغه وتهديداته (دراسة نظرية في المفاهيم والأطر). المجلة العربية للعلوم السياسية، 19، 9-30.

الخزاعي، حسين. (2015). داعش وأثره على الأمن القومي العراقي (ط. 1). لندن: دار الحكمة.

خوجة، عبدالمقصود. (2004، 20-21 أبريل). التعامل مع الإرهاب والعنف والتطرف. قدّم إلى المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.

درغام، راغدة. (2015، 19 سبتمبر). الخليج: داعش مقابل إيران! صحيفة الحياة، لندن.

الدعجة، حسن. (2013، 28-30 أكتوبر). نظرية الأمن الفكري. قدّم إلى الملتقى العلمي نحو استراتيجية للأمن الفكري والثقافي في العالم الإسلامي بكلية العلوم الاستراتيجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.

الزميع، علي. (2015، 16-18 نوفمبر). الأمن الفكري. قدّم إلى الملتقى السنوي الثاني تحت شعار لا للعنف.. نعم للتسامح: حماية الشباب من الانحراف بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت.

الزهراني، خالد، وآخرون. (2015، 06 مارس). حوار الأمن الفكري وأدواته. اُسترجعت في تاريخ 12 يناير، 2018 من موقع حملة السكينة  (http://www.assakina.com/center/meetings/64908.html).

الزهراني، هشام. (2014، 26-28 أغسطس). جهود وتجربة المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب. قدّم إلى ندوة دور مؤسسات المجتمع المدني في التصدي للإرهاب لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الجزائر.

السديس، عبدالرحمن. (2005، أغسطس). الشريعة الإسلامية وأثرها في تعزيز الأمن الفكري. اُسترجعت في تاريخ 17 يناير، 2018 من موقع حملة السكينة (www.assakina.com/wp-content/uploads/2015/08).

السراني، عبدالله. (2013، 28-30 أكتوبر). الانحراف الفكري. قدّم إلى الملتقى العلمي نحو استراتيجية للأمن الفكري والثقافي في العالم الإسلامي بكلية العلوم الاستراتيجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.

السلطان، فهد. (2008، 11-14 يناير). التربية الأمنية ودورها في تحقيق الأمن الوطني. قدّم إلى الندوة العلمية الأمن مسؤولية الجميع بالأمن العام، الرياض.

السند، عبدالرحمن. (2010، 14 نوفمبر). وسائل الإرهاب الإلكتروني: حكمها في الإسلام وطرق مكافحتها. اُسترجعت في تاريخ 10 يناير، 2018 من (موقع المكتبة الشاملة http://shamela.ws/index.php/book/1244).

السيد، رضوان (2015، 10 يوليو). المواطنة والدولة والمستقبل (محاضرة أُلقيت ضمن الدروس الهاشمية بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الأردنية، عمّان) اُسترجعت في 30 نوفمبر، 2017 من الموقع الرسمي للدكتور رضوان السيد (http://www.ridwanalsayyid.com/ContentPage.aspx?id=2703#.Wbh7ebIjG70).

الشدي، عادل. (2004، 11-14 أبريل). مسؤولية المجتمع عن حماية الأمن الفكري لأفراده. قدّم إلى ندوة المجتمع والأمن بكلية الملك فهد الأمنية، الرياض.

الشمري، حمدان. (2011، 10 مارس). مشروع الدولة لمكافحة التطرف والإرهاب في إطار الخطة الخمسية للتنمية (2010-2014). اُسترجعت في تاريخ 12 يناير، 2018 من موقع مجلس الأمة الكويتي (http://www.kna.kw/clt-html5/run.asp?id=2069).

الشهري، عبدالله. (2013، 28-30 أكتوبر). أثر الأنترنت على الأمن الفكري. قدّم إلى الملتقى العلمي نحو استراتيجية للأمن الفكري والثقافي في العالم الإسلامي بكلية العلوم الاستراتيجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.

الصديقي، عثمان. (2015، 7-9 أبريل). الخطاب الديني والأمن الفكري. قدّم إلى مؤتمر دور العلماء في الوقاية من الإرهاب والتطرف بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.

عبدالغني، سعيد. (2014، 03 سبتمبر). سلطنة عمان الأولى عربياً وخليجياً في مكافحة غسل وتمويل الإرهاب. اُسترجعت في تاريخ 12 يناير، 2018 من موقع مصر11 (www.masrll.com).

العقيل، صالح. (2011، أبريل). دور الحراك الثقافي في التغيير الاجتماعي وحماية الأمن الفكري. مجلة بحوث التربية النوعية (جامعة المنصورة)، 21، 47-85.

عيد، محمد. (2015، 08 يوليو). داعش وأمن الخليج  من تهديد محتمل إلى خطر داهم. اُسترجعت في تاريخ 10 يناير، 2018 من موقع الجزيرة للدراسات (www.studies.aljazeera.net/reports/2015/07/201578113412.html.585748).

فارس، وليد. (2013، 28-30 أكتوبر). الرؤية العالمية لمواجهة تحديات الأمن الثقافي والفكري في العالمين العربي والإسلامي. قدّم إلى الملتقى العلمي نحو استراتيجية للأمن الفكري والثقافي في العالم الإسلامي بكلية العلوم الاستراتيجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.

القاسمي، صبرة. (2015، 10 مارس). داعش يمتلك 7 قنوات و 90 ألف حساب إلكتروني. اُسترجعت في تاريخ 17 يناير، 2018 من موقع العربية الإلكتروني (https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2015/03/10/).

الكندري، يعقوب، الضويحي، محمد، والقشعان، حمود (2011). قيم الانتماء الوطني والمواطنة: دراسة لعينة من الشباب في المجتمع الكويتي. مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، 37 (142)، 17-72.

ماكنمارا، روبرت. (1970). جوهر الأمن (ترجمة يونس شاهين). القاهرة: الهيئة المصرية للتأليف والنشر.

المالكي، عبدالحفيظ. (2009، 16-19 مايو). نحو مجتمع آمن فكرياً كنموذج مقترح لبناء استراتيجية وطنية شاملة لتحقيق الأمن الفكري. قدّم إلى المؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري تحت شعار (المفاهيم والتحديات) بجامعة الملك سعود ممثلة في كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري، الرياض.

محفوظ، محمد. (2006، 12 سبتمبر). في معنى الأمن الثقافي. جريدة الرياض السعودية.

محمود، سالم (2011، يناير). المواطنة في المجتمع الكويتي بين إشكاليات مفاهيمية وتحديات مجتمعية. سلسلة دراسات في الفكر الاجتماعي (مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، جامعة الكويت)، 5.

المنشاوي، محمد. (2005، 15-17 أغسطس). رأي الجمهور في الشرطة المجتمعية. قدّم إلى ندوة مفهوم الشرطة المجتمعية بأكاديمية شرطة دبي بالتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، دبي.

موقع حملة السكينة. (2010، 10 يوليو). الانحراف الفكري: دراسة وتحليل. اُسترجعت في تاريخ 28 ديسمبر، 2017 من موقع حملة السكينة (https://www.assakina.com/studies/5304.html).

موقع حملة السكينة. (2014، 24 يونيو). الخلايا الإرهابية في السعودية. اُسترجعت في تاريخ 28 ديسمبر، 2017 من موقع حملة السكينة  (www.assakina.com/center/parties/47288.html).

موقع دوت مصر. (2014، 03 ديسمبر). ملك البحرين يصدر قوانين عاجلة في مواجهة الإرهاب. اُسترجعت في تاريخ 12 يناير، 2018 من موقع دوت مصر (www.dotmasr.com).

موقع رأي اليوم. (2016، 11 مارس). القنوات الدينية في تزايد.. في ظل تأجج النزاعات الطائفية بالشرق الأوسط. اُسترجعت في تاريخ 06 سبتمبر، 2018 من موقع رأي اليوم (https://www.raialyoum.com).

الهراوي، محمد. (2004، 20-21 أبريل). الإرهاب: المفهوم والأسباب وسبل العلاج. قدّم إلى المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.

الوهيب، محمد. (2011). المواطنة في الكويت.. خطوط عامة في تكوينها وتحدياتها المستقبلية. في فارس الوقيان (محرر)، أوراق المواطنة (ط. 1، ص ص 355-390). الكويت: المركز الكويتي للمواطنة الفاعلة.

الويحق، عبدالرحمن. (2016). الأمن الفكري: ماهيته وضوابطه (ط. 1). الرياض: شبكة الألوكة.

المراجع الأجنبية:

Burgess, J. (2009, June). What is Security Culture? The New Ethos of Risk. Retrieved November 20th, 2017 from International Peace Research Institute (PRIO), Oslo (http://jpeterburgess.com/wp-content/uploads/2009/06/Burgess-security-culture2.pdf).

Eggintion, William. (2011). In Defense of Religious Moderation. New York: Columbia University Press.

El-Sergany, R. (2017, 9th March). Balance and Moderation of the Islamic Civilization. Retrieved December 20th, 2017 from Muslims in Calgary (http://muslimsincalgary.ca/balance-and-moderation-of-the-islamic-civilization/).

Kamali, M. (2015). The Middle Path Of Moderation in Islam. Oxford: Oxford University Press.

Mazhari, M. (2015, 17th February). Islam: Moderation Versus Extremism. Retrieved December 20th, 2017 from Al-Wasatiya (http://wasatiya.ru/en/articles/437-islam-moderation-versus-extremism.html).

Nemeth, E. (2007). Cultural Security: The Evolving Role of Art in International Security. Terrorism and Political Violence, 19 (1), 19-42.

Neumann, P. (2015, 26th January). Foreign Fighters total in Syria/Iraq now exceeds 20.000; Surpasses Afghanistan Conflict in the 1980’s. Retrieved November 20th, 2017 from International Center for the Study of Radicalization and Political Violence, London (http://icsr.info/2015/01/foreign-fighter-total-syriairaq-now-exceeds-20000-surpasses-afghanistan-conflict-1980s/).