تم النشر في : مجلة العلوم الاجتماعية، دولة الكويت، مجلد 23، العدد الرابع، شتاء 1995 (ص، 7-55)
الباحث: د. حسن عبدالله جوهر- قسم العلوم السياسية – جامعة الكويت
مقدمـة
تتناول هذه الدراسة مفهوم الأمن الوطني لدولة الكويت، من منظور استراتيجي شامل لمعنى الأمن، وحدوده الداخلية والخارجية، وسبل تحقيقه على ضوء الإمكانات المتاحة، والسياسات الصائبة للدولة، ويعتمد هذا المنظور الاستراتيجي للأمن الوطني على مفهوم الدولة المستقلة، والوظائف الملقاة على عاتقها، سيّما ما يتعلق بتوفير الحماية للدولة، وحماية كيان الدولة لا تتوقف بالضرورة على حجم القوة العسكرية المتوفرة لمنع التهديدات الخارجية، بل هي محصلة الاستغلال الأمثل للمجتمع، بكافة شرائحه وفئاته، وبكل عناصره الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية.
فالأمن الوطني هو الجهد اليومي المنظم الذي يصدر عن الدولة لتنمية ودعم الأنشطة الرئيسة، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والعسكرية، ودفع أي تهديد وتعويق أو أضرار داخلية وخارجية بتلك الأنشطة، الأمر الذي يكفل لشعبها حياة مستقرة، توفر له البيئة الصحية المناسبة لاستثمار أقصى طاقاته، للنهوض والتقدم والازدهار، وتبعاً لهذا المنظور فأن الأمن الوطني يعني البرنامج الخاص بحفظ سلامة الدولة، وصيانة شخصيتها الدولية، وحماية مقوماتها الوطنية، من كافة أشكال التهديد الداخلي والخارجي.
وانطلاقاً من هذا المنظور الاستراتيجي لمفهوم الأمن الوطني وتطبيقاته العملية على الحالة الراهنة في دولة الكويت، خصوصاً في أعقاب تجربة الغزو العراقي لهذه الدولة ونتائج هذا الحدث الكبير، نجد أن تحديات الأمن التي تواجه الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي متنوعة وخطيرة، وبالتالي لا بدّ من بلورة رؤية فاحصة، وإستراتيجية شاملة، لإعادة طرح مفهوم الأمن الوطني، ومكوناته الرئيسة، ومن ثم وضع الآليات اللازمة لتحقيقه، وأخيراً تحديد موقعه بدقة في برنامج إعادة بناء صرح هذه الدولة المجروحة.
ولا تتوقف الأهمية العظمى لإعادة النظر في مفهوم الأمن الوطني ـ وبشكل جذري ـ عند تبعات العدوان العراقي، وانعكاساته المباشرة وغير المباشرة فحسب، بل ولعل الأهم من ذلك تزامن ذلك الحدث مع دخول النظام العالمي حقبة جديدة، من الترتيبات القائمة على معايير مستحدثة، من مفاهيم ومصادر القوة، واستراتيجيات السبق والنفوذ، داخل منظومة كبرى، حولتها نظم الاتصال وتدفق المعلومات والاعتماد المتبادل إلى قرية صغيرة، تعصف بها رياح التغيير السياسي، والثقافي، والاقتصادي، من كل جانب، تبقى إزاءها دولة ضئيلة الحجم، والقوة، والعنصر البشري ـ مثل الكويت ـ منكشفة، وضعيفة، وأمنها الوطني متأثر.
والأهم من ذلك كله، أن مسيرة الدولة وسياستها الأمنية ـ داخلياً وخارجياً ـ خلال السنوات الأربع التي تلت كارثة العدوان العراقي، ودخول مرحلة ما بعد الحرب الباردة لا تدعو إلى الكثير من التفاؤل، بل لا يمكن القول بوجود سياسة متكاملة لفلسفة أمنية جديدة وشاملة، ليس فقط على مستوى المنظور المستقبلي، بل حتى على صعيد الاستعداد للخروج من دائرة التحدي الآني للمعضلات والمشكلات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، الاجتماعية المزمنة، والمتفاقمة، رغم جديتها وخطورتها.
وقد شهدت مرحلة ما بعد التحرير حالة حرجة من الانقسام الحاد، والاستقطاب في الرؤى والتفسيرات والأولويات والسياسات الخاصة بمفهوم الأمن الوطني، بين الحكومة ومجلس الأمة من جهة، وبين القوى والفعاليات الشعبية من جهة أخرى، وقد أدّت حالة الانقسام هذه إلى استفحال المسألة الأمنية على مستويين إضافيين، على أقل التقديرات، فمن ناحية يمكن أن تكتسب حالة الاستقطاب والتعصّب الفكري والسياسي بعداً آخر من الاضطراب الأمني، يهدّد العلاقة الدستورية بين مؤسسات الدولة السياسية وعناصر القوى الوطنية والشعبية فيها، إضافة إلى هدر الوقت والجهود والموارد المخصصة لمعالجة القضايا الثانوية الأخرى، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقمها، وتعذر علاجها في المستقبل، ومن ناحية أخرى ـ ولعلها الأهم ـ فقد يساهم مثل هذا الانقسام حول ماهية الأمن الوطني، ووسائل تحقيقه، في خلق حالة عامة من الفراغ السياسي، والفراغ الفكري لمفهوم الأمن بحد ذاته، وفي ذلك تكمن الطامة الكبرى.
وانطلاقاً من العرض السابق، سوف تتركّز هذه الدراسة على بحث وتحليل المقولات الرئيسة Statements التالية:
- أن الكويت تواجَه بعناصر خلل رئيسة وخطيرة، في إستراتيجية الأمن الوطني الخاصة بها.
- أن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في أساليب وإجراءات الأمن الوطني، وفقاً للمنظور الشامل للأمن الاستراتيجي، الذي يجمع بين عناصر داخلية وأخرى خارجية.
- أن هناك مجازفة كبيرة إذا ظلت الأمور على حالها، ولم يجر الاستفادة بخبرات ودروس المرحلة السابقة، قبل وبعد الغزو العراقي للبلاد.
وسوف يهتم البحث بتحليل هذه المحاور بقدر من التفصيل، والأمثلة التطبيقية المستمدة من الإحصاءات الرسمية، وأداء مجلس الأمة، وتوجهات القوى السياسية المختلفة، الرسمية منها والشعبية، كما تعكسها وسائل الإعلام، وعلى ضوء هذه المحاور الرئيسية، سوف يقسم البحث إلى ثلاثة أجزاء: يتناول القسم الأول مفهوم الأمن الوطني، من المنظور الاستراتيجي، كما تحدده الأدبيات الخاصة بهذا الحقل، وفي القسم الثاني سوف يكون التركيز على التطبيقات الخاصة بمفهوم الأمن الوطني، على الحالة الكويتية، وجوانب الخلل التقليدية والمستحدثة في هذا الصدد، نتيجة السياسات المتناقضة، والفهم المختلف لكل من الحكومة والقوى السياسية حول هذا المفهوم، ومحاولة زجّه في هذا إطار ضيق، لا يتجاوز المصلحة المباشرة لكل من هذه الأطراف، وفي القسم الثالث سوف يجري تقديم رؤية شاملة لمعنى الأمن الوطني (كمنظومة متكاملة من العمليات السياسية، والاجتماعية، والعسكرية، وسبل تحقيقها على المستويين الداخلي والخارجي، في آنٍ واحد)، وطرح بعض التوصيات الخاصة بالأدوات اللازمة لتحقيقه، والإطار العملي لبلورة فكرة الأمن الوطني، ووضعها في إطار خدمة التنمية الإستراتيجية، ومواجهة مختلف أنواع التهديدات الداخلية والخارجية.
مفهوم الأمن الوطني
تزامن بدء وجود مفهوم الأمن القومي (أو الوطني) مع ظهور الدول القومية الحديثة، في أعقاب توقيع معاهدة وستفاليا الشهيرة (1648)، بهدف المحافظة على هذه الدول، حدوداً ووجوداً، وقد تجسد مفهوم الأمن القومي حول قدرة هذه الكيانات السياسية الجديدة في المنظومة العالمية على قهر عوامل التهديد المواجهة لاستمرار بقاء هذه الوحدات، ومصادر تهديدها على المستويين الداخلي والخارجي.
وحيث أن ظواهر الصراع والحروب المتواصلة بين الكيانات السياسية ـ التي سبقت نشأة الدول الحديثة ـ كانت هي السمة العامة في أنماط العلاقات السائدة بين المجتمعات البشرية، وتفاعلاتها البينية، فقد احتلت الأخطار الخارجية المتمثلة بالعدوان، وإعلان الحروب، والاستعداد لها، والتآمرات الدبلوماسية والعسكرية قمة الاهتمام بشؤون الأمن والاستقرار، لدى الدول المستقلة (Gilpin، 1989: 29-30)، وبعبارة أخرى، فقد هيمن الخطر الخارجي على مفاهيم الأمن القومي، ومقوماته، واستراتيجيات تحقيقه، سيما من خلال الاستعدادات العسكرية، الذاتية منها، أو عن طريق التحالفات الخارجية، وقد سيطرت مفاهيم الأمن القومي، ذات البعد العسكري ـ في مواجهة التهديد الخارجي ـ على مسرح الحياة السياسية، حتى قيام الحربين العالميتين، وبشواهد حقيقية، تمثلت في استمرار حالة الحرب، والتوازنات العسكرية، على مدى القرون الثلاثة التي أعقبت قيام الدول الحديثة.
ولقد كان لاستمرار هاجس الأمن القومي ـ في إطار هذا البعد الضيق ـ انعكاسات مهمة سواءً على مستوى أدبيات هذا المفهوم السياسي الاستراتيجي، أو فيما يتعلق بالضمانات الكفيلة بالتصدي لهذا الهاجس، ومواجهة مصادر تهديده، فمن ناحية، تركزت الدراسات والجهود البحثية على المستويين: النظري والأكاديمي، والصناعة السياسية الإستراتيجية، على مفاهيم الأمن الخارجي، ودوافعه، وتفاصيله الدقيقة، والمتشعبة، كأولوية ملحة في سبيل بقاء الدولة القومية، واستمرار وجودها، وأدائها لدورها الوظيفي، بشكل آمن ومستقر.
ومن ناحية أخرى، اكتسب مفهوم الأمن القومي إجماعاً دولياً، وقبولاً مشتركاً، سرعان ما بدأ يدخل حيّز التقنين الدولي، ويحظى بشرعية واسعة، نصت عليها الأعراف والمواثيق الدولية، والمنظمات الإقليمية والعالمية، وبغض النظر عن التطبيقات الفعلية، وممارسات الدول العملية، والانتهاكات التي تتعرض لها بعض الأمم، من وقت لآخر، إلاّ أن مظاهر السيادة، والاستقلال، وحق الوجود، وتقرير المصير، أصبحت من الحقوق الرئيسية لدول العالم الصغيرة والكبيرة، الضعيفة والقوية على حدٍ سواء، بينما أضحى العدوان، واللجوء للقوة والعنف ـ حتى في حسم الخلافات بين الدول ـ أمراً مرفوضاً، في ظل مفهوم الأمن الجماعي، والاستقرار العالمي (الصمد، 1986: 131-132).
وعلى الرغم من هذه الضمانات الدولية، وانحسار مظاهر العنف والخروب في العلاقات بين الأمم نسبياً، قياساً بمرحلة ما بين الحربين العظميين، وقبلهما، إلاّ أن مفهوم الأمن القومي ما زال يشكل الهاجس الأعظم، والأهمية الكبرى، في وجود الدول، وسوف يظل الأمن بمفرداته ومعانيه المختلفة هو القلب النابض للحياة في جسد الدول، بل ويمكن القول بأن مدلولات الأمن القومي وتحدياته أصبحت أعقد بكثير من مجرد تحصين الدولة من المخاطر الخارجية، ذلك أن المخاطر الخارجية لم تعد محصورة في إطار تجهيز الجنود والقوات الحربية للاجتياح السافر، بقدر محاولات الدول المختلفة إخضاع بعضها البعض لمؤثراتها الاقتصادية، والسياسية، والأيديولوجية، ومن خلال وسائل سلمية، كالإعلام، والسياحة، والدبلوماسية، وقد ينجم عن هذه الممارسات استنزاف الدول الخاضعة، أو التأثير على قراراتها الداخلية، بشكل واضح، وفي اتجاه مغاير لمصلحة هذه الدول الحقيقية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد كان لتعقيدات الحياة المتواصلة، وصعوباتها، وتحدياتها الجديدة، أثر بالغ الأهمية على نقل أسباب القلق وعدم الاستقرار، في ممارسة الحياة الطبيعية والهادئة، إلى داخل حدود الدولة، وقد أخذت ضغوط الداخل ومحصلة تفاعلات عناصر المجتمع الواحد، من أفراد، وقوى اجتماعية وسياسية، ومراكز السلطة، وطريقة استغلال الموارد وإدارة شؤون الحياة الداخلية، بكافة أبعادها، تحتل موقعاً رائداً في تحديد معاني الأمن الوطني، ومعاييرها، وسبل تحقيقها، بشكل يكلف بقاء الدولة واستمرارها بصورة منظمة، ومستمرة ومستقرة.
ومرة أخرى دخلت الإسهامات العلمية والجهود البحثية لتواكب مسألة توضيح مفهوم الأمن الوطني، من منظور أشمل، يراعي المتغيرات الجديدة الداخلة في صلب المعلومات في التأثير على معدلات الوعي والثقافة، والارتقاء بمستوى التطلعات والتوقعات الشعبية، ناهيك عن التشابك العالمي الذي أحدثته هذه التطورات في تقريب الدول والشعوب، وفتح قنوات الاتصال، والتدفق المتبادل للقيم والأفكار والمصالح، وحتى الأطماع فيما بينها.
وتبعاً لهذه التحولات الجذرية فقد بدا مفهوم الأمن الوطني أكثر تشابكاً، ويحوي أبعاداً كثيرة ومتنوعة، على المستويين الداخلي والخارجي، لمحيط الدولة الواحدة، وأزدهر ـ بذلك ـ الحقل العلمي لنظرية الأمن، الذي أخذ يشق طريقاً شبه مستقل، في أدبيات العلوم الاجتماعية، خاصة في عالم السياسة، والسياسة الدولية، وبالتالي فقد تنامت الإسهامات الفكرية والنظرية لتغذية هذا المفهوم، وإثرائه بالمادة العلمية المستوحاة من التجارب العملية لسلوكيات الدول، وبرامجها المختلفة، في إثبات ذاتها، ومواجهة أشكال التحديات المختلفة، التي لا تقف فقط عند حدود بقائها واستمرارها بالوجود، بل بقائها قوية ومتماسكة، ومنافسة في السبق الحضاري العالمي المستمر بلا انقطاع.
وأطلق العنان للكثير من التعريفات والمدلولات الخاصة بمفهوم الأمن، وعناصرها التركيبية، ووسائل تحقيقه، حيث انحصر المعنى العام لهذا المفهوم في إطار حماية الدول من الداخل، ودفع التهديد الخارجي عنها، بشكل يكفل لشعبها حياة مستقرة، توفر له أقصى الوسائل للنهوض والتقدم والازدهار (كامل، 1985: 61)، سواءً من خلال قدراتها ومواردها الذاتية، أو عن طريق التعاون والتكامل الخارجي، ومن خلال هذا التعريف الضيق لمفهوم الأمن يتبين أنه نقيض معنى الخوف الناتج عن غياب المخاطر التي تواجه الدولة، ومن ثم توفير الظروف الداخلية والخارجية لمجتمعها في سبيل المضي قدماً نحو تحقيق الغايات المشتركة لأفراد هذا المجتمع.
ويعتمد هذا التعريف على معنيين أساسيين لمفهوم الأمن، المعنى الأول: هو الأمن كشعور، والثاني هو: الأمن كإجراء (كامل، 1985: 37)، فالأمن الشعوري هو إشباع الدوافع العضوية والنفسية لأفراد المجتمع، والاطمئنان إلى زوال ما يهدد المجتمع ـ ككل ـ من الأخطار، وأما الأمن كإجراء فهو الجهد المبذول لتحقيق الحاجات الأساسية للمجتمع أو رد عدوان محتمل ضد أفراده.
وإزاء هذا التعريف العام لمعنى الأمن الوطني حاول بعض المتخصصين ربط هذا المفهوم بأهداف محددة وواضحة، فقد عرّف عبدالمنعم المشاط الأمن القومي بأنه هدف أسمى للدولة القومية، ولا يمكن أن يصبح وسيلة إلاّ في حالة واحد فقط، وهي سعي الدولة نحو تحقيق سعادة المواطن، ويضيف المشاط (1992: 39) في هذا الصدد بأن الدولة القومي تسعى إلى تحقيق هدفين مترابطين: الأول جماعي وعام ومجرد، وهو الأمن القومي، والثاني فردي وذاتي ونسبي وهو السعادة.
ومن جانب آخر، حاول البعض ربط مفهوم الأمن الوطني بالمصلحة القومية، سواءً كانت المصلحة القومية هي مجموع الرغبات العامة في المجتمع، أو أنها تمثل المصالح المرتبطة بكيان الدولة وبقائها، وتهدف إلى حفظ استقلالها الإقليمي، وتبعاً لهذا الرأي، يكاد يكون معنى الأمن القومي يحمل نفس معنى المصلحة القومية، نتيجة لوجود علاقة وثيقة بينهما (كامل، 1985: 46)، فالدولة تنطلق في سياستها الخارجية من منطلق مصالحها القومية، سياسية كانت هذه المصالح، أم اقتصادية، أم عقائدية، والأمن القومي في مثل هذه الحالة هو محصلة تلك المصالح الحيوية، ومدى تحققها في الواقع العملي، وتبعاً لهذا الرأي أيضاً، فأن الأمن القومي يتجسد عند تحقيق الأهداف الخارجية للدولة، من خلال زيادة نفوذها الخارجي، واكتساب الاحترام الواسع دولياً، أو تحقيق أكبر قدر ممكن من الأصدقاء في الخارج، الأمر الذي قد يقلّل من احتمال تعرض الدولة لإخطار من خارج حدودها السياسية.
وأخيراً، سعى عدد من المهتمين بأدبيات الأمن القومي إلى ربط هذا المفهوم في إطار الجبهة الداخلية للدولة، والتركيز على هذا البعد، دون الاهتمام بالأبعاد الخارجية لمفهوم الأمن القومي، وتحدّد النظرة الشاملة للأمن القومي هنا في قدرة الدولة على حماية نفسها من التهديدات الداخلية، من خلال المحافظة على قواعدها الأساسية، كالدستور، والمؤسسات السياسية الحاكمة، وسيادة القانون، الذي يحدّد العلاقات بين هذه المؤسسات من جهة، وبينها وبين المواطن من جهة أخرى، وبين المواطنين أنفسهم من جهة ثالثة (Huntington، 1993).
وفي مقابل النظرة الشاملة لمفهوم الأمن الداخلي ركّز كل منK. J. Holsti (1977) وروبرت ماكمنارا (1970) على التنمية كركن أساسي يعتمد عليه الأمن على الصعيد الداخلي للدولة، ويعتبر ماكنمارا التنمية من أهم تعريفات الأمن القومي كما يعتبر أنه بدون تنمية شاملة لا يمكن أن يتحقق الأمن، وبالتالي فأن الدول النامية ـ التي لا تنمو في الواقع ـ لا يمكنها ببساطة أن تكون آمنة، كما يشترط هولستي في تحقيق الأمن القائم على التنمية ضرورة المحافظة على القيم الحيوية للدولة، وأن تكون برامج التنمية موجهة أساساً لاستمرار هذه القيم، وتعزيز دورها بشكل دائم، ولا شك بأن خاصية التنمية هنا تعني قدرة الدولة على الاستمرار في تحقيق درجات التطور والازدهار، لمواكبة الحاجات المتزايدة في جميع قطاعات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وبسبب تنامي مفهوم الأمن الوطني وتشعب اتجاهاته ومصادره فقد برزت الحاجة إلى استشراف مفهوم أشمل وأكمل لهذا المعنى يكون قادراً على رصد مختلف أبعاد الأمن وتفصيلاته داخلياً وخارجياً، وكما يقول هويدي (1991: 103-104) في هذا الصدد، أن مفهوم الأمن يجب أن يوضع في إطار من الرؤية الشاملة التي تمنع التجزئة، وتحول دون التفكّك، بل تصب على العكس في التكامل على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن أهم الإنجازات العلمية التي تحققت من أجل استيعاب هذه النظرة الشاملة لمفهوم الأمن القومي ظهور الفكر الإستراتيجي والدراسات الإستراتيجية.
ويعتمد الفكر الاستراتيجي الحديث ـ الذي ارتبط منذ نشأته بالعوامل العسكرية، وبفن القيادة، والسيطرة، والتخطيط للعمليات العسكرية، من أجل تحقيق النصر في ميدان المعارك ـ على الاهتمام بجميع المؤثرات والعوامل التي تدخل في صلب أي مفهوم من مفاهيم الظواهر السياسية المعاصرة، إضافة إلى التعرّف على طبيعة المنظومة التي تتفاعل في ظلها هذه الظواهر، ومكوناتها الأساسية، والقوى التي تحركها، وتتحكم في مساراتها، وعلاقاتها الشائكة والمعقدة (القباع، 1989: 16)، ومن أجل استخدام هذا الإطار العلمي والشمولي للفكر الاستراتيجي الحديث في تكوين رؤية شاملة ومتكاملة، لقضايا العصر المعقدة؛ مثل قضية الأمن القومي، فقد ظهرت عدة محاولات لتجديد النظرة الضيقة لمعنى الأمن القومي ومكوناته، وتحليل العلاقات السببية بينها، ضمن إطار منهجي منظم وشامل (القباع، 1989: 25).
وتكمن أهمية النظرة الإستراتيجية لمفهوم الأمن الوطني في عدة أبعاد؛ فمن ناحية، تستوعب هذه النظرة مفهوم الدولة القومية، وجميع متطلبات توفير الحماية لكيانها ولشعبها، في ظل تقلبات التطورات التكنولوجية والفكرية، وما تولدها من تحديات وقضايا مستجدة على طول المسيرة الإنسانية، فإذا كانت القوة العسكرية بمفردها هي صمام الأمن للدولة في وجه المخاطر الأجنبية في الأزمنة الماضية، فأن تحديات الواقع المعاصر والمستقبلي لم تقف عند حد التهديد العسكري بل سوف تستشري في روافد اقتصادية، وتكنولوجية، واجتماعية، وأيديولوجية ضاغطة ومهمة.
وبالإضافة إلى ذلك، فأن المنظور الاستراتيجي للأمن القومي كفيل بتغطية كافة أشكال التحدي والعقبات التي تتعرض لها مسيرة الدولة، على الصعيدين الداخلي والخارجي، في آنٍ واحد، فحتى على الصعيد الواحد قد تكون منابع التحدي لأي شكل من أشكال تجريح عناصر السيادة والهيبة للدولة مختلفة ومتعددة.
وبالمثل، فأن الفهم الاستراتيجي للأمن يستوعب سمة التغيير، والنسبية الخاصة بهذا المفهوم الذي تتفاوت أسبابه ومصادره، بين الدول المختلفة في حجمها، ودرجات قوتها، وتركيبتها الداخلية، ومحيطها الخارجي، ومصادر ثرواتها، وكذلك تختلف مصادره ودرجات أهميته عبر المراحل التاريخية التي تمر خلالها الدولة الواحدة، كما قد تتزامن عدة مؤشرات لقياس درجات الأمن القومي للدولة الواحدة، أو تبرز كظاهرة مشتركة لعدة دول في وقت واحد.
وأخيراً، ولعل الأكثر أهمية، هو أن المنظور الاستراتيجي للأمن كفيل بتحويل مشكلة الأمن كعملية إجرائية داخلية إلى عملية اجتماعية، واقتصادية، وسياسية وعسكرية، ونفسية متكاملة، تتوقف سبل تحقيقها على أمور واستعدادات، وإدارة داخلية وخارجية مشتركة، وهذا يعني أن خلق حالة الأمن يقتضي بناء شبكة متكاملة من جميع القطاعات، داخل الدولة، وكذلك رسم العلاقات الخارجية لها بحيث يغذي بعضها البعض وتصب المصلحة الإيجابية لتفاعلات هذه المنظومة المركبة في مصلحة تلك القطاعات من جديد، وأن مثل هذا الفهم سوف ينعكس بالتأكيد على مختلف مؤشرات القوة، والتماسك، والاستثمار المادي، والبشري، وبرامج التنمية، بشكل إيجابي وسليم (نيصيبات وأبردين، 1991).
ولهذه الأسباب مجتمعة، فقد ارتبط مفهوم الأمن الاستراتيجي بمفهوم موازٍ له ومعادلٍ له من حيث الأهمية، ودرجات الشمولية، وهو مفهوم سياسة الأمن القومي (كامل، 1985: 75-76)، وتقتضي سياسة الأمن القومي وجود توازن وتكامل في عملية صناعة القرار، من أجل تحقيق أهداف الدولة، ودرء الأخطار الداخلية والخارجية عنها في آنٍ واحد، ووفق برنامج بعيد المدى.
ونتيجة للسرد السابق حول ماهية الأمن وعناصره الداخلية والخارجية، والتطور التاريخي الذي واكب هذا المفهوم الحساس والخطير، وانتهاءً بالتعريفات العامة لمضمون الأمن الاستراتيجي الشامل، يمكن حصر مقومات الأمن الوطني في النقاط التالية (المشاط، 1992: 39-41):
أولاً: أن جوهر الأمن القومي وأهم مظاهره هو الاستقرار السياسي القائم على الرفاهية (القدرة على تحسين مستويات المعيشة وظروف الحياة) والتوازن الداخلي الذي لا يقتصر على القوة العسكرية أو البوليسية فقط.
ثانياً: تفريغ الجهد في استثمار موارد الدولة المادية والبشرية، واستغلالها بالشكل الذي يعود بالنفع على مختلف القطاعات الشعبية.
ثالثاً: قدرة الدولة على التكيّف مع تقلبات التطور الإنساني من خلال الاستمرار في خلق التوازن في علاقات الاتفاق والانسجام الخارجي، وخلق إجماع وطني في الداخل.
رابعاً: قدرة الدولة على بناء شبكة تكاملية بين مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، مؤهلة لامتصاص تحديات الداخل، وموجهة لصد التحديات الخارجية.
خامساً: حرص الدولة على تجنّب المخاطر في اتخاذ القرارات، عند رسم الصناعة السياسية للقرار، من خلال المشاركة السياسية، والتمثيل الشعبي في اتخاذ القرارات.
مفهوم الأمن الوطني للكويت
عند دراسة مفهوم الأمن الوطني لدولة الكويت لا بد من الأخذ بعين الاعتبار جملة من الحقائق الموضوعية، التي تكتنف طبيعة هذا البلد، وتركيبته الداخلية، وموقعه الجغرافي (الإبراهيم، 1982: 69)، في طليعة هذه الحقائق يأتي حجم الدولة الصغير وضآلة عدد سكانها الأصليين في مقابل استحواذ الدولة على ثروات طبيعية هائلة، هي محط أنظار عدد كبير من دول العالم، كما يمثّل الموقع الجغرافي للدولة ضمن إقليم دائم التقلبات السياسية، وقابل للانفجار في أية لحظة، بسبب تراكم المشاكل المتنوعة فيه، أهمية أمنية عالية الحساسية والخطورة، وأخيراً، لا تختلف التركيبة الداخلية للمجتمع الكويتي الصغير تعقيداً عن البعد الخارجي، رغم ما يبدو من تجانس اجتماعي، وبعض سمات الوحدة الوطنية في الظاهر، فالكيان الكويتي ـ ورغم ضآلته ـ يضم عناصر مختلفة، ومتناقضة أحياناً، من أهمها على الصعيد الاجتماعي التعدديات المذهبية والقبلية والعائلية، ومن الناحية السياسية، يحتوي نموذج الحكم على عنصرين قويين، ومتوازيين؛ هما: العنصر الوراثي، الذي يتمتع بصلاحيات دستورية واسعة النطاق، والعنصر الديمقراطي الذي يرقى إلى مستوى الديمقراطيات النيابية الناجحة في العالم الغربي، ومن الناحية الفكرية، تموج الدولة بتيارات أيديولوجية مختلفة المشارب، وذات صلة بامتدادات خارجية، ومن الناحية الاقتصادية، سجلت الدولة تحولاً جذرياً ومفاجئاً من نمط الحياة البدائية البسيطة، إلى ذروة الغنى والثروة الفائضة.
ومما زاد الأمر تعقيداً، أن هذه الطفرات قد اختزلت في مراحل تاريخية متعاقبة، بسرعة غير طبيعية، لا يتجاوز مداها العمري نصف قرن من الزمن، واكبت خلالها تطورات إقليمية وعالمية جذرية، لم تساعد المحيط الجغرافي الضيق للكويت، ولا إقليمها الشرق أوسطي على الاستقلال السياسي، والاقتصادي، والأمني، منذ أن وضعت الحرب العالمية الأخيرة أوزارها عام 1945، وحتى كارثة الغزو العراقي، وتبعاتها التي ما زالت متراكمة، منذ صيف عام 1990.
وخلال الفترة التي أعقبت استقلال الدولة في عام 1961، وحتى الآن، انشغلت الكويت عن رسم شبكة متكاملة لمفهوم أمنها الوطني، في إطار استراتيجي، ينطلق من قواعد المصلحة العليا، ويأخذ بعين الاعتبار قدرات الدولة الذاتية، في سبيل تحيق هذا الهدف الأعلى، وما انفكّت الدولة ترى نفسها مرتبطة بمنظومات أمنية خارج حدودها السياسية، وبشكل إجباري، وما نراه اليوم من انجذاب الكويت نحو سلسلة متعددة الجغرافية من الترتيبات الأمنية الجماعية منها؛ (كدول إعلان دمشق، ومجلس التعاون الخليجي)، أو الثنائية (كالاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا) هو تأكيد على استمرار الدولة في الدوران ضمن منظومات خارجية قسرية (جوهر، 1994).
وقد تكون دوافع هذا الاتجاه القهري مبررة إلى حدٍ ما، سيّما إذا أخذنا بعين الاعتبار مسألة وجود الدولة وبقائها، وما تمليه طبيعة السلوك الخارجي للدول الصغيرة، في البحث عن حماية تؤمنّها لها أكثر قوة، ولو في مقابل التنازل الجزئي عن بعض سمات السيادة القومية، والمصالح الوطنية (الإبراهيم، 1982: 98)، وقد برهنت تجربة الغزو العراقي وقيام التحالف الدولي المضاد له على هذا الاتجاه بوضوح، كما أن حجم الكارثة وهول المفاجأة التي بهرت القيادة السياسية والشارع الكويتي، وكذلك الهاجس النفسي من احتمال تكرار التجربة القاسية، قد يعوق التفكير حالياً في التخلي عن مثل هذه الترتيبات الأمنية.
ولكن، وعلى الرغم من أهمية البعد الخارجي لمفهوم الأمن، وضرورة التصدي للأخطار الخارجية المستمرة، يجب ألاّ يشل هذا الهاجس الضيق إمكانية طرح استراتيجيات أمنية ذات طبيعة شمولية ومتكاملة، لتستوعب جميع متطلبات البقاء والازدهار، على الصعيدين الداخلي والخارجي، فعلى الرغم من جوانب النقص التي تعاني منها الكويت، فيما يتعلق بحجمها، وقواتها العسكرية، مقارنة مع جيرانها، إلاّ أن الثروة النفطية ومخزونها الاستراتيجي، كفيلة بتعويض هذا الجانب، فقد أثبت حدث الغزو العراقي أن التحالف الدولي الذي هبّ لنجدة الكويت، قد تمحور حول ثوابت كثيرة؛ منها المصالح النفطية، والتمويل الكويتي لتغطية جزء مهم من تكاليف المعركة، ومنه في نفس الوقت التوازنات الإقليمية والدولية، التي تمليها طبيعة النظام العالمي، ومنها الضغوط الإعلامية، والدوافع الإنسانية، ومنها إفرازات الاعتماد المتبادل، والمصالح المتشابكة، ولو بنسب متفاوتة.
ومن جانب آخر، فقد كشفت تجربة الغزو العراقي عن الكثير من مواقع الخلل وسوء الإدارة والتخطيط المتفشية في عدد كبير من مرافق الدول المهمة، وعلى الرغم من محاولات تبرير هذه الأخطاء الجسيمة تحت طائلة الغزو والاحتلال، ورغم تعاظم صور بعض المظاهر السلبية، وتفاقم مشكلاتها بسبب تأثيرات الغزو المباشرة وغير المباشرة، إلا أن الأعراض المرضية للمشكلات الداخلية، التي تطفو على سطح الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، تبدو ذات جذور وأسباب تاريخية مزمنة ومتراكمة، كما أن حجم هذه المشاكل وتعقيداتها تعكس غياب الرؤية الإستراتيجية القادرة على استيعابها منذ أمد ليس بقصير.
وزيادة على ذلك، فأن المؤشرات المتصاعدة في حجم هذه المشكلات، منذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، توحي أيضاً باستمرار غياب المنظور الاستراتيجي، رغم مرور الدولة بمحنة قاسية، وحاجتها إلى إعادة بناء مقوماتها، بأقصى درجات الاستغلال للموارد والإمكانات، ومما يزيد العمر تعقيداً استمرار تلك المعضلات، في ظل الممارسة السياسية الكاملة لقواعد الحكم الدستوري في البلاد، ووصول ممثلين عن مختلف القوى السياسية والشعبية إلى ما تحت قبة البرلمان، والمشاركة في عملية التشريع والرقابة على الأداء الحكومي.
والأخطر من ذلك كله، أن بعض مؤشرات الخلل على صعيد الأداء الوظيفي للدولة، أو على مستوى العلاقات الشعبية بدأت تنزلق نحو منحدرات بالغة الخطر، بحيث يمكن أن يؤدي الصمت والتجاهل إزاءها إلى إحداث هوات ثقيلة في محتوى مفهوم الأمن الاستراتيجي ومقوماتها الخمسة سابقة الذكر.
فخلاصة القول ـ في هذا الخصوص ـ أنه يجب التفكير الجدي في طرح وتبني برنامج استراتيجي متكامل لمفهوم الأمن الوطني يتضمن بدرجة متساوية تحديات الأخطار والمشاكل الداخلية وهواجس الخطر الخارجي المتمثل باحتمالات العدوان من قبل أطراف أجنبية، ويجب أن تنطلق هذه الرؤية من القاعدة المتفقة مع طبيعة سلوك الدول الصغيرة، التي لا تبالي غالباً إلاّ اعتبارات أمنها الداخلي، دون اعتبارات الأمن على المستوى الدولي، اللهم إلاّ إذا تعلق الأمن الخارجي بمصلحة مباشرة، قد يكون فيها مساس بأمنها الداخلي، ولكن من المفيد جداً قبل طرح بعض التصورات الخاصة بإعادة بناء منظومة إستراتيجية لمفهوم الأمن الوطني استعراض بعض المؤشرات المتعلقة بشبكة العلاقات الاجتماعية الاقتصادية/السياسية في الواقع الكويتي لا سيّما في مرحلة ما بعد التحرير مباشرة.
قراءة تطبيقية لبعض المؤشرات الداخلية والخارجية للأمن الوطني الكويتي
أولاً: العلاقات الاجتماعية: لا شك بأن الأسرة هي النواة الأولى في المجتمع، وهي العلاقة الابتدائية والمباشرة التي تقاس من خلالها قوة تلاحم المجتمع، وعلى الرغم من صغر المجتمع الكويتي، وانسجام الرؤى الاجتماعية، والتقاليد الشعبية، والأعراف المحافظة، بين العوائل الكويتية بشكل عام، والتشديد النسبي على هذه الأعراف كشروط ومتطلبات تسبق الزواج، إلا أن مؤشرات التفكك الأسري بدأت تثير علامات الاستفهام!!
وتشير بعض الإحصاءات الرسمية (كما ورد في تقرير صحفي أجرته صحيفة القبس الكويتية، واشتمل على معلومات رسمية، من وزارة العدل، وإدارة الرعاية الاجتماعية، في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، على سبيل المثال) إلى أن نسبة الطلاق في الكويت قد بلغت 29.9%، أي ما يعادل ثلث حالات الزواج، في صفوف العوائل الكويتية(1)، وبالإضافة إلى كون هذا المعدل مرتفعاً بحد ذاته نسبة إلى خصوصية المجتمع الكويتي،إلا أن مشكلة الطلاق تعكس نقاط خلل مهمة، في مجالات أخرى، ففيما يتعلق بأسباب هذه الظاهرة نجد أنها مختلفة، وتتخللها في كثير من الأحيان اختلافات سطحية جداً، وبعضها قد يكون لخلاف بسيط للمرة الأولى بين الزوجين، وأشار هذا التحقيق الصحفي إلى أن مشكلة الطلاق بدأت تنتشر كحالة عامة في المجتمع بجميع فئاته، وتصنيفاته الاجتماعية والثقافية وتوزيعه الجغرافي، إلاّ أن ما يثير القلق فعلاً هو أن السواد الأعظم من حالات الطلاق يقع في السنوات الأولى من الزواج (29% خلال السنة الأولى، 67% خلال السنوات الخمس الأولى)، ولا شك بأن التأثيرات السلبية لهذه المشكلة سوف تكون بالغة الخطورة على طبيعة العلاقات الاجتماعية، في المدى البعيد.
ومن جهة ثانية، تنعكس تأثيرات مشكلة الطلاق المباشرة على قطاعات أخرى في غاية الأهمية، ففي عام 1993 فقط كانت حصيلة الأطفال في الأسر المنهارة 1911 طفلاً(2)، ولا يمكن الركون إلى سلامة التنشئة الاجتماعية لمثل هذا الجيل في علاقاته مع المجتمع، طوال مسيرة تدرجه العمري.
إضافة إلى ذلك، فأن الدولة تجد نفسها ملزمة بتوفير الدعم المالي لمثل هذه الأسر المفككة، وقبيلاتها، الأمر الذي يستنزف الأموال الطائلة من الميزانية العامة، وتقوم الدولة بتوفير المساعدات الشهرية لما يزيد عن (50) ألف حالة اجتماعية، تشمل المطلقات، والأرامل، وغير المتزوجات، بمعدل (200) دينار كويتي شهرياً، وتبلغ نسبة المطلقات وحدها نصف هذا الرقم الإجمالي.
ثانياً: اتجاهات الجريمة: اتجاهات الجريمة بقسميها: الجنايات، والجنح، بدأت بدورها تثير هاجساً مخيفاً، وخصوصاً في صفوف المواطنين، وبمراجعة سريعة للمجموعة الإحصائية السنوية لوزارة الداخلية لعام (1993) يمكن تسليط الضوء على بعض النقاط المهمة، فقد بلغ مجموع الجرائم المصنفة في خمسة أبواب (الجرائم الضارة بالمصلحة العامة، والجرائم الواقعة على النفس، والجرائم الواقعة على العرض والسمعة، وجرائم السرقات، والجرائم الواقعة على المال) 14354 جريمة، كانت نسبة ما ارتكبه المواطنون منها 8725 أي ما يعادل 61%.
وبشكل عام، تكمن خطورة اتجاه الجريمة في الكويت في كونها ترتكب من قبل المواطنين، على الرغم من أن نسبة الكويتيين لا تصل إلى نصف العدد الإجمالي للسكان، وتشير إحصاءات وزارة الداخلية على مدى السنوات الأولى من عقد التسعينيات، إلى أن هذا التحول قد بدأ بالظهور في أعقاب الغزو العراقي للكويت، وتؤكد إحصاءات عام 1993 (كما هو مبين في الجدول 1) إلى أن مؤشر تقدم نسبة الجرائم في البلاد، بين صفوف المواطنين يسري على معظم اتجاهات الجريمة، الأمر الذي يعكس الاتجاه العام نحو الجريمة، كظاهرة عامة آخذة في الانتشار.
ومن جهة أخرى تبيّن إحصاءات 1993 (الجدول 2) الاتجاه نحو ارتكاب جرائم، تعكس مؤشرات خطرة، بحد ذاتها، فعلى سبيل المثال، أخذت مؤشرات العنف تبدأ في الظهور، على شكل القتل، والشروع بالقتل، والاعتداء بالضرب، وحيازة السلاح دون ترخيص، والاختطاف.
ومن جهة ثانية، برزت جرائم جديدة من نوعها، فيما يتعلق بالسرقة، ودخول المنازل بقصد الجريمة، والتزوير الرسمي، وخيانة الأمانة، والاختلاس، ومثل هذه الجرائم لم تكن معهودة في المجتمع الكويتي، بهذا الشكل الواضح، وفي نفس الإطار أخذت مؤشرات الانحلال الأخلاقي، تنعكس من خلال الجرائم الجنسية، والاغتصاب، وهتك العرض.
أما مشكلة المخدرات، سواءً ما يتعلق بتعاطيها، أو المتاجرة بها، فقد وصلت إلى معدلات خطيرة بين صفوف المواطنين، فقد بلغ عدد القضايا المتعلقة بهذه المشكلة (677) قضية، كانت نسبة الكويتيين منها (405) قضايا، وعلى الرغم من أن مشكلة المخدرات ليست بجديدة في المجتمع الكويتي، إلاّ أنها آخذة في التعاظم، منذ الثمانينيات على أقل تقدير، وسجلت الإدارة العامة للمباحث الجنائية (173)، (82)، و (238) قضية للأعوام 1989، 1991، و1992 على التوالي، وشملت هذه القضايا (864) متهماً، غالبيتهم من المواطنين (وزارة الداخلية، 1992).
أن استمرار هذا الكم الهائل من الجرائم في مجتمع صغير يتمتع بمستوى معيشي رفيع، ومعدلات عالية من الدخل السنوي، يعكس غياب الاستراتيجيات الأمنية، التي تكشف بدورها عن ضعف الأداء الإداري والفني، في الأجهزة الأمنية، كما أن تعاظم هذا الاتجاه المنحرف في ظل ظروف معيشية جيدة، توحي بوجود فراغات نفسية، وخلل في البنى الاجتماعية، وتعالٍ على القانون، وتحدٍ له.
ولا شك أنه إذا أخذنا صغر حجم العوائل الكويتية، والتشابك الاجتماعي للمجتمع ككل بعين الاعتبار، فأننا نكون أمام ظاهرة اجتماعية عامة، تستشري في صفوف سائر المجتمع الكويتي، وتؤثر بالتالي في الحالة النفسية، وردود الفعل الاجتماعية، لعدد كبير جداً من المواطنين.
ثالثاً: التعليم والثقافة والإعلام: على الرغم من الجهود الضخمة، والإمكانات الهائلة المخصصة لنشر الوعي التربوي والثقافي، وربطها بعجلة التطوير الاجتماعي والاقتصادي، إلاّ أن الوضع التعليمي والثقافي لا يزال يعاني من نقاط ضعف تجعله لا يرتقي إلى مستوى الطموحات المرجوة، على المدى البعيد، سيما في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات العالمية، ورغم عراقة التجربة التعليمية الحديثة في الكويت، التي تعود إلى عام 1911 إلاّ أنها لم تستغل كإستراتيجية لربط مخرجات التعليم ببرامج التنمية الشاملة، وإعداد الكوادر الشابة المؤهلة، لخلق وظائف إنتاجية، لقد قطعت الدولة شوطاً كبيراً في سبيل القضاء على الأمية، إذ بلغت نسبة الأميين حتى عام 1994 (55%) بين الذكور و(17.3%) بين الإناث (أسيري، 1994)، ولكن الغالبية العظمى من خريجي التعليم العام وكذلك خريجي المعاهد العليا يجري تعيينهم في الوظائف الإدارية والإشرافية، البعيدة عن مجالات تحصيلهم العلمي، الأمر الذي أدى تفاقم ظاهرة البطالة المقنعة بين الكويتيين، ومن نقاط الضعف التي يعكسها غياب النظرة الإستراتيجية، في ربط مخرجات التعليم بمجالات العمل، تضخم المؤسسات الحساسة بالدولة، كأجهزة الداخلية والدفاع، بحملة المؤهلات التعليمية الدنيا، أو أصحاب المعدلات الضعيفة، في المرحلة الثانوية، الأمر الذي يعود بالطبع بشكل سلبي على أداء مثل هذه المراكز الحيوية، وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال المنهاج التربوية قائمة على الطرق التقليدية الخالية من الأصالة، والموجهة نحو تلقين الطالب اكبر كم من حشو المعلومات، والعمل على إذكاء روح المنافسة بين الطلاب، بدلاً من تنمية التعاون بينهم (اللجنة الوطنية الكويتية للتربية والعلوم والثقافة، 1992)، ولعل من أخطر المشاكل التي تعاني منها في هذا القطاع هو محاولات تسييس التعليم، وإخضاع هذه المؤسسة لمصالح وتوجهات التيارات السياسية المتصارعة في المجتمع، ومن الأمثلة البارزة في الآونة الأخيرة بهذا الخصوص قيام بعض التيارات الدينية في مجلس الأمة، باستجواب وزير التربية، في عملية تصفية حسابات سياسية واضحة، حيث رُبط موضوع الاستجواب بقضايا إدارية خارجة عن نطاق المسؤولية السياسية للوزير، كما عارض المجلس المنتخب مشروع إقامة المدينة الجامعية، وهو أمل كان يراود الفئة المثقفة، وأساتذة الجامعة ـ تحديداً ـ منذ ثلاثين عاما، بسبب مسألة الاختلاط.
وفي مجال الثقافة والإعلام، لا يكاد الوضع يختلف من ناحية التطور كماً ونوعاً عن بقية المرافق، التي تهيمن عليها الحكومة ببيروقراطيتها الأخطبوطية، وتوجهاتها الضيقة، فمن جهة، تمتلك الدولة جميع وسائل الإعلام المرئية والسمعية، باستثناء الصحافة، الأمر الذي يعني بالتأكيد غياب الرأي الآخر، والتحليلات المستقلة حول معظم مشاكل المجتمع، خصوصاً الحيوية منها والحساسة، وتبقى الصحافة هي المصدر الوحيد للتعبير عن الرأي، إلاّ أن هذه المؤسسة أيضاً تفتقر إلى الكثير من مقومات النجاح المطلوب، فمن جهة ترتبط حرية الصحافة بوجود الديمقراطية والعمل بالدستور، فقد شهدت تجارب تعطيل البرلمان، طوال إحدى عشرة سنة من عمر الديمقراطية الكويتية، ومصادرة الحرية الصحفية، وتعليق المواد الدستورية الخاصة بها، ومن جهة أخرى تعتبر الخبرة الصحفية، وتعليق المواد الدستورية الخاصة بها، ومن جهة أخرى تعتبر الخبرة الصحفية في الكويت ضحلة، فيما يتعلق بمناقشة وتحليل وتقييم الأوضاع الداخلية، فقد برز صيت الصحافة الكويتية في أعقاب الحرب اللبنانية عام 1975، وهجرة الكوادر الصحفية والمادة الإعلامية إليها من بيروت والقاهرة وفلسطين، وتحولت هذه المؤسسة إلى مسرح للاستقطاب السياسي الخارجي، بعيدة عن معالجة الأوضاع الداخلية، ولم ترتق الصحافة الكويتية إلى المستوى الوطني إلاّ بعد تحرير البلاد من الاحتلال العراقي، باشرت الكوادر الوطنية مهام التحرير المختلفة، ولكن الحكومة سرعان ما تصدت لهذه النقلة النوعية، حيث باشرت الكوادر الوطنية مهام التحرير المختلفة، ولكن الحكومة سرعان ما تصدت لهذه النقلة النوعية، حيث بادرت إلى إصدار قرار وزاري يمنع الموظف الكويتي من العمل الصحفي، إلاّ بعد موافقة خطية من الوزير، الذي يعمل ذلك الموظف في وزارته، ووجه هذا القرار باستياء شديد، من قبل الصحافة، حيث أن معظم كوادرها العاملة هم من موظفي الدولة.
ومن السلبيات الأخرى التي تعاني منها الصحافة في الكويت، تحكم بعض العوامل ذات النفوذ بهذه المؤسسة، فالصحف المحلية الخمسة الناطقة باللغة العربية مملوكة من قبل عوائل ذات نفوذ اقتصادي واجتماعي، الأمر الذي قد يعطي مصالح هذه الفئة أولوية على حساب قضايا المجتمع العامة (هلال، 1991)، علاوة على ذلك، يعتبر الاختراق الحكومي للصحافة المحلية من خلال اشتراكاتها السنوية الضخمة، ودعم أسعار الورق، ونشر المواد الإعلانية، سبباً مهماً في سلب استقلالية الصحافة، وإخضاعها لضغوط سياسية، بل وقد تعمل الحكومة من خلال الصحف الموالية لها على تأجيج الأوضاع السياسية في البلاد، وتعبئة الرأي العام من أجل تمرير قراراتها الخاصة بتعليق الديمقراطية، وحل البرلمان، كما حدث في عامي 1976 و1986 (النجار، 1994).
رابعاً: الحالة الاقتصادية: يمر الوضع الاقتصادي في الكويت بأكثر أيامه حرجاً وخطورة، والقضايا المتعلقة بالحالة الاقتصادية شائكة ومعقدة، بحيث إنها أربكت عملية صناعة القرار، وجعلتها تتحرك داخل دائرة مغلقة، وفارغة في نفس الوقت، وإذا استثنيت جميع المشاكل الاقتصادية الحالية، كأزمة المديونيات، وتكاليف حرب تحرير البلاد، وتراجع أسعار النفط، والديون الخارجية للدولة (وهي مشاكل حقيقية مهمة بحد ذاتها)، فإن معضلة الميزانية وحدها كفيلة بزعزعة الاستقرار الأمني، على المستوى الشعبي والحكومي، في آن واحد، وتكمن هذه المشكلة باختصار في العجز الحقيقي الناجم عن زيادة المصروفات في مقابل إيرادات الدولة، وبمقدار ضخم، يعادل ملياراً ونصف مليار دينار كويتي على الأقل، وذلك في الميزانية السنوية 94-1995.
ومما يزيد الأمر تعقيداً أن سلسلة العجز في حسابات الموازنة مستمرة، على مدى سنوات سابقة، وسوف تستمر ـ كما هو متوقع ـ حتى نهاية هذا القرن، ليصل إلى مبلغ خيالي وهو (10) مليارات دينار كويتي، وتكمن الطامة الكبرى في استفحال مشكلة الميزانية ـ وحدها ـ في احتمالات عدم قدرة الإيرادات الحكومية على تغطية باب الأجور والرواتب وحده، ناهيك عن برامج التنمية والخدمات التي دأبت الحكومة على تقديمها للمواطنين ـ وحتى المقيمين ـ دون مقابل، ومما يؤكد هذا الاتجاه المستقبلي الباهت، أن إجمالي الباب الأول من الميزانية (باب الرواتب والأجور) والبالغ (2300) مليون دينار كويتي، يعادل في الوقت الحاضر جملة إيرادات الدولة من النفط (تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي، رقم (50/4/94، 17/12/1994)، وهذا يعني وجود معظم أبواب الصرف الحكومي الأخرى في خانة العجز، ويعني بالتالي وقوع باب الرواتب نفسه في الدائرة الحمراء، بمجرد تراجع أسعار النفط، وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق، في ظل توقعات السوق النفطية، خلال المرحلة المتبقية من هذا العقد.
وقد ازدادت مستويات عدم الثقة بإدارة الحكومة للاقتصاد الوطني، نتيجة لانتكاسات مالية، على كافة الأصعدة الاستثمارية، والائتمانية، والحفاظ على المال العام، والإفراط الحكومي في معدلات الصرف غير المبرر، والمساس باحتياطيات الأجيال القادمة، وسوء إدارة برنامج إعادة أعمار البلاد في أعقاب التحرير، والفشل في استرجاع المليارات من الدنانير المنهوبة، وتراكم الديون الداخلية والخارجية، الأمر الذي تسبب في إهدار وضياع أرقام خيالية من الثروة الوطنية، ويمكن تقدير حجم القيمة المهدرة من هذه الثروة، بحوالي (100) مليار دينار كويتي، خلال الفترة التي أعقبت الغزو العراقي للبلاد.
خامساً: الجهاز الوظيفي: ولا يخلو الجهاز الوظيفي من أمراض مزمنة، تراكمت على مدى سنوات ما بعد الاستقلال، حيث تسبب سوء إدارة وتنمية هذا الجهاز في إلحاق حالة قصوى من الترهل، وعدم الإنتاجية، وتشير إحدى الدراسات الحديثة الخاصة بالعمالة الوطنية إلى أن حجم القوة العاملة الإجمالية قد بلغ (855522) في عام 1994، ويشكل هذا الرقم نسبة (73%) من إجمالي القوة البشرية في الدولة، والتي تحسب من سن (15) بأكثر، ويبلغ حجم العمالة الوطنية (156914) من مجموع القوة العاملة في الدولة، ولا يشكل هذا الرقم سوى قيمة هامشية صغيرة من إجمالي القوة البشرية (13%) وكذلك من إجمالي القوة العاملة (18.5%)، ومثل هذه النسبة ظلت ثابتة تقريباً خلال الفترة من 84/1985 وحتى 89/1990 (العنزي، 1994).
ولا يقف ضعف الإنتاج الوطني عند هذا الحد فحسب، بل ينخفض إلى مستويات متدنية جداً، تبعاً لتوزيع القوة العاملة الكويتية، إذ تمتص الأجهزة الحكومية ما نسبته (63%) من إجمالي القوة العاملة، وحوالي (92.5%) من مجموع القوة العاملة الوطنية، كما يتكدس الكويتيون في الوظائف الإدارية الإشرافية بأعداد هائلة، وبدون مخرجات إنتاجية تذكر وفي نفس الوقت تقل نسبة الكويتيين في المهن الحرفية ذات الإنتاجية العالية، قياساً بالوظائف الإدارية عن (5%) من مجموع القوة العاملة في البلاد، (العنزي، 1994)، ولا شك بأن مثل هذا المستوى من أداء العمالة الوطنية سوف ينعكس بتأثيرات سلبية على مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، على المدى القصير قبل الطويل.
وحتى العمالة الوافدة لا يمكن التعويل عليها عند احتساب مستويات إنتاجها، وأثرها في النمو الاقتصادي الحقيقي، حيث تترسب الغالبية العظمى من هذه الفئة في الوظائف المتواضعة، كخدم المنازل، والمهن الحرفية البسيطة، في المتاجر الخاصة، والغريب في الأمر أن معظم هؤلاء الذين يجري استقدامهم من الدول الفقيرة والمتخلفة، يحضرون بمؤهلات وخبرات معدومة، وفي كثير من الأحيان لا يجري جلبهم لمشاريع وأعمال مخطط لها من قبل أرباب العمل، مما أدى إلى بروز ظاهرة تجار الإقامات.
سادساً: الحالة السياسية: يمكن القول بأن الحالة السياسية الراهنة في الكويت ليست سوى انعكاسات لنقاط الخلل المتعددة في قطاعات المجتمع، إضافة إلى وجود أسباب أخرى ساهمت في إحداث تقسيمات حادة، في التركيبة السياسية الكويتية، وسوف نقوم بمناقشة هذا الواقع السياسي لاحقاً، بعد التطرق إلى بعض الظواهر المرضية، في الكيان السياسي بشكل عام.
وتكمن أولى هذه الظواهر المرضية في الكيان السياسي الكويتي في التعددية السياسية المفرطة، وغير المبررة، والناتجة عم سببين رئيسيين، يتمثل السبب الأول في التركيبة السكانية، التي جعلت من المواطنين أقلية في بلدهم، طوال سنوات ما بعد الاستقلال، وتشير آخر تقديرات وزارة التخطيط (جدول 3) إلى أن نسبة الكويتيين من مجموع السكان لم تصل إلى حد (40%) رغم تصريحات المسؤولين حول العمل الجدي من أجل تحقيق التوازن السكاني بعد التحرير، وبالإضافة إلى ذلك فإن أصول الوافدين تعود إلى جنسيات تكاد تغطي معظم دول العالم.
ويتضح من الصورة السكانية (كما هو مبين في الجدول 3) أن نسب الكويتيين شهدت تناقصاً مستمراً، في مقابل زيادة متواصلة في أعداد الوافدين، وذلك منذ أول إحصاء رسمي عام 1957، حيث كانت تلك السنة آخر مرة يشكل فيها المواطنون أغلبية سكانية، وفي عام 1990 تراجعت نسبة الكويتيين إلى أدنى معدل شهدته التركيبة السكانية في البلاد، إذ بلغت هذه النسبة (26.5%) في مقابل (73.5%) من غير الكويتيين، ولاشك بأن هذه المؤشرات الإحصائية تعكس دلالات واضحة، على مدى أهمية الربط بين الأمن الداخلي والسياسة السكانية، فمن جهة، تعكس الهوة الكبيرة في معدلات توزيع الدخل القومي، ومستويات المعيشة بين المواطنين والوافدين، إحساساً عظيماً بالغبن وخصوصاً في ظل التدابير الصارمة، التي تحكم إقامة هؤلاء الوافدين، كنظام الكفالة، والقيود المفروضة على السفر، والتعرض للطرد من البلاد لأتفه الأسباب، والتفرقة في المعاملة على المستوى الإداري، وقد يتحول هذا الشعور بالغبن الاقتصادي، والظلم الاجتماعي، إلى عوامل مؤثرة في الصراع المقنع ـ أو حتى السافر ـ بين الكويتيين والوافدين (فرج الله، 1994: 97) بل قد ينفجر هذا الصراع، متى ما أتيحت له الفرصة على شكل أعمال عنف، تخل بالأمن الداخلي للدولة، وقد ثبت بالفعل تورط الوافدين في عدد كبير من أعمال الإرهاب، والعنف السياسي داخل الكويت، وضد مصالحها في الخارج، خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1962 و1993 (أسيري، 1994: 325-326).
ومن جهة أخرى، فإن الآثار السلبية التي قد تترتب على وزيادة نوعية بعض فئات العمالة الوافدة، خصوصاً تلك القادمة من بيئات ريفية متخلفة، والتي تشهد منها الدولة أعداداً ضخمة، تستخدم في المهن الخدمية والفنية المتواضعة، قد تنعكس على شكل تفشي القيم الدنيا، والأخلاقيات الدخيلة، وانتشار معدلات الجريمة والسلوك الانحرافي، الأمر الذي قد يهدد الهوية الدينية و الحضارية للشعب الكويتي (القاسمي، 1988: 111).
ولا يقف تأثير الجاليات الوافدة عند حد التوغل الثقافي والأخلاقي، بل قد يشمل التأثير على القرار السياسي للدولة من خلال الاختراق السياسي الخارجي، ومن جانب آخر أوضحت التجربة الفعلية مدى إمكانية استغلال بعض التصرفات الفردية، فيما يخص طريقة تعامل المواطنين مع بعض الجاليات بشكل إعلامي مكثف، الأمر الذي قد يخدش سمعة البلاد في الخارج، وأخيراً، لا تخلو آثار الإفراط في جلب العمالة الأجنبية من إلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني، الناجم عن تعطيل الكوادر الوطنية، وتأهيلها في مجالات العمل الفني والتقني، التي تعد من أهم مصادر التنمية البشرية الحديثة.
أما السبب الآخر للتعددية السياسية فيتمثل في التقسيمات الاجتماعية، والعائلية، والعقائدية، لأبناء هذا الوطن الواحد، وعلى الرغم من التعايش السلمي لأبناء الكويت على مدى قرون متعاقبة، وتسجيلهم مصداقية حقيقية لمعنى الروح الوطنية الواحدة إبان المحن والأزمات، وعلى الرغم من انصهار كافة فئات المجتمع في بوتقة الدستور الموحد، وانقيادهم لسيادة القانون، وعلى الرغم أيضاً من استبعاد حالات المواجهة المباشرة بين الكويتيين، إلا أن مثل هذه التقسيمات المتنوعة تفرض نفسها على كثير من الأنشطة، والفعاليات الاجتماعية والسياسية، ومن الأمثلة التي لا يمكن إنكارها في هذا الصدد إجراءات التوظيف، والتدرج الوظيفي، والوصول إلى مراكز قيادية مساهمة في عملية صنع القرار، والتمازج الاجتماعي من خلال الزواج والمصاهرة، ووصولاً إلى ميدان التمثيل الشعبي، وترجمته علي شكل التشريع والرقابة، في مجلس الأمة المنتخب بالطرق الديمقراطية، وبالإضافة إلى مسألة التعددية السياسية، تبعاً للتقسيمات المذكورة سابقاً ـ يطفح المجتمع الكويتي بمشكلة سياسية، لا شك أنها ذات أثر مهم، في خدش الروح الوطنية والولاء السياسي، وتتمثل هذه النقطة في قضيتي (البدون) والتمييز السياسي في الحقوق العامة، فقضية (البدون) بدأت تأخذ أبعاداً جديدة، تنال من مصداقية الدولة على الصعيد السياسي، وكذلك على صعيد حقوق الإنسان، فعلى الصعيد السياسي تركت الحكومة هذه المشكلة حتى تحل مع مرور الزمن، فإذا بها تتفاقم ويختلط فيها الحق بالباطل.
وسكوت الحكومة عن معالجة هذه المشكلة من الأساس أدى إلى تشابك وامتزاج أعداد كبيرة من هذه الفئة ـ التي شارفت على ربع مليون نسمة، قبيل الغزو العراقي للبلاد، عام 1990 ـ بالمواطنين الكويتيين، من خلال علاقات المصاهرة وغيرها، والبعض من هؤلاء ـ وبأعداد كبيرة أيضاً ـ انصهر بجهات عمل لا يمكن فصلهم عنها بسهولة، نظراً لحساسيتها، كما هو الحال في السلك العسكري، ومعظم هؤلاء ممن دأبت الدولة على إطلاق تسميات مختلفة عليهم على مر الزمن، انصهروا في القيم والعادات الكويتية، بحيث لا يمكن تمييزهم إلا من خلال الوثائق الرسمية، وأخيراً، فإن قسماً عظيماً من هذه الفئة ليسوا سوى مواطنين كويتيين، حرموا من اكتساب وثيقة المواطنة، لأسباب إدارية وفنية، في بداية الستينيات (العيسى، 1992)، ولا تزال الحكومة عاجزة عن مواجهة هذه المشكلة، بل إن بعض الممارسات الرسمية تجاه هذه الفئة ـ كوسيلة ارتأتها الحكومة عامل ضغط لاكتشاف جنسيات البعض منهم ـ قد اصطدمت بمبادئ حقوق الإنسان، مثل حرمان الأطفال من حق التعليم والصحة، وإخراج الموظفين من دوائر عملهم بعد سنوات طويلة من الخدمة، ومن جهة أخرى، تتميز هذه الفئة بخصائص معينة ، ذات انعكاسات هامة، تعلى الأمن الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي للبلاد، فقد جاء في تقرير اللجنة الوزارية المنبثقة عن مجلس الوزراء، المكلفة بدراسة أوضاع (البدون)(3) أن (55%) من هذه الفئة ـ التي تراجع عدد أفرادها من (216942) نسمة في عام 1990 إلى (116694) نسمة عام 1993، حيث غادر كثيرون منهم البلاد، أثناء الاحتلال العراقي للكويت ـ هم دون سن الخامسة عشرة، ويعيش معظم هؤلاء الأطفال بلا تعليم، وسط عائلات كبيرة الحجم، يصل معدل العائلة فيها إلى (7) أفراد في المتوسط، ويقدر عدد المحرومين من العمل بحوالي (10) آلاف شخص، وبالنسبة لمستوى المعيشة، فإن هذه الفئة تحتل أدنى درجات السلم الاجتماعي في الكويت، ليس فقط مقارنة بالكويتيين، ولكن أيضاً بغالبية الوافدين المقيمين إقامة مشروعة، وهذا ما أدى إلى بروز ظواهر التسول والجريمة، بين عدد من أفراد هذه الفئة، وال شك أن مثل هذه الخصائص الكمية والنوعية لفئة غير محددي الجنسية سوف تمس مباشرة سيادة وأمن البلاد، واستقرارها، حاضراً ومستقبلاً، وإذا كان هذا العامل الأمني قائماً قبل الغزو العراقي للكويت، فقد أضحى أكثر إلحاحاً كأحد آثار الغزو، فقد تعاون عدد من غير محددي الجنسية، ينتمون في الغالب إلى أصول عراقية، مع قوات الاحتلال (فرج الله، 1994: 93).
أما فيما يتعلق بالتمييز السياسي، فهذه ظاهرة قديمة، ولكنها بدأت تبرز ـ سياسياً ـ في أعقاب حرب التحرير، ويعود السبب في ذلك إلى المماطلة في إعطاء الحقوق السياسية لفئة المتجنسين، من خلال التشريع، الذي دأب منذ السبعينيات على إرجاء موعد اكتساب هذه الحقوق، كلما قرب أوانها، ويكمن السبب الآخر في تصريحات الحكومة، وعلى المستويات، أثناء وبعيد كارثة الغزو العراقي، بشأن توسيع دائرة المشاركة السياسية، وتنصلها من تلك الوعود بعد التحرير، وعلى الرغم من تحقق بعض الانفراج في هذا الخصوص، بعد موافقة مجلس الأمة على حق الترشيح والانتخاب لأبناء المتجنسين، إلا أن أعداداً كبيرة من هذه الفئة، لا تزال محرومة من الحقوق السياسية، وقد تعتبر هذه المماطلة دليلاً على استمرار الحكومة في شكها وتشكيكها في ولاء هؤلاء المتجنسين لوطنهم المكتسب، إضافة إلى أن استمرار هذا التمييز السياسي سوف يساهم في تكريس التفرقة العنصرية بين الكويتيين أنفسهم، الأمر الذي قد يثير الحزازات السياسية والاجتماعية بين الفئتين، وخاصة أن الكثير من المتجنسين من المتعلمين، وذوي خبرات مهنية رفيعة، ووعي سياسي عميق.
ومن الطبيعي أن تؤثر مثل هذه التقسيمات بالسلب على روح ومصداقية الوحدة الوطنية، والشعور بالمصير المشترك، والمساهمة الجماعية في فعاليات الوطن، على مختلف مستوياتها سيما السياسية منها.
سابعاً: القوة العسكرية: تعتبر القوة العسكرية بمثابة العمود الفقري لحماية أمن البلاد، والدفاع عن سيادة الدولة، ضد الأخطار الخارجية، وعلي من ضعف البنية الدفاعية لهذه المؤسسة الخطيرة في الكويت لأسباب بديهية، تتمثل في صغر حجم الدولة، ومواردها البشرية، إلا أن عوامل سوء الإدارة، وقصور النظرة الإستراتيجية، وتفشي الفساد المالي، قد حالت دون تعويض بعض جوانب النقص الكمي فيها، فقد كشفت لجنة تحقيق برلمانية في مجلس الأمة عن تجاوزات مالية خطيرة، في وزارة الدفاع، شملت سرقات، وعقوداً وهمية، في جميع أنشطة الوزارة، الخاصة بشراء الأسلحة، وأجور الصيانة، وتكاليف تدريب الجيش، بلغت المليارات من الدنانير (مجلة الطليعة، العدد 1174، 26/4-2/5/1995) ، ولم تقتصر هذه التجاوزات ـ التي لم تخضع لأية مساءلة سياسية أو جنائية لحد الآن ـ على السنوات التي سبقت الغزو العراقي للبلاد، بل استمرت في أعقاب فترة التحرير، وقد ورد في تقرير القوات المسلحة خلال الفترة من عام 1979 وحتى عام 1989 نحو 13.750 مليون دولار، لم تطلق أية صافرة إنذار عشية اجتياح القوات العراقية للأراضي الكويتية، في 2/8/1990، وفي حين بلغ مجموع ما أنفق على الأمن العسكري منذ الاستقلال، وحتى عام 1994 ما قيمته 76.5 مليار دولار، تظل القوة المسلحة في غاية التواضع من ناحية الأفراد والعتاد الحربي، إذ يبلغ حجم الجيش الكويتي اليوم 11700 عسكري (30% منهم من فئة البدون)، وهذا الرقم يعادل تقريباً القوة المسلحة البشرية للدولة عام 1968 (أسيري، 1994)، ومما يؤكد استمرار الهدر المفرط في هذه المؤسسة، في أعقاب التحرير، رصد الحكومة مبالغ طائلة، بلغت أكثر من 11 مليار دولار، كميزانية تسليحية، دون أن يصاحب ذلك طرح إستراتيجية شاملة، لتطوير الجيش من الناحية النوعية، أو إعادة النظر في سياسة التجنيد الإلزامي الفاشلة أساساً، أو حتى مجرد التفكير في تبني مشاريع الدفاع المدني، وخطط الطوارئ الشاملة، كدروس مستفادة من كارثة الاحتلال.
ثامناً: الأخطار الخارجية: لقد جسدت تجربة الغزو والاحتلال محور مفهوم الأمن الوطني، وأحد أهم تطبيقاته، بل كانت تلط التجربة من الهول بدرجة أنها عملت على تهميش معايير الأمن الأخرى، وبينت أن الخطر الخارجي هو المصدر الأول، والرئيس والمباشر، لتهديد كيان الدولة، وقدرتها على البقاء، ولاشك بأن هاجس الخوف من احتمال تكرار هذه التجربة سوف يهيمن على عقلية صناع القرار، وعلى الشارع الكويتي بشكل عام، لفترة طويلة قادمة، ومما يؤكد هذا الهاجس تجربة عودة الحشد العراقي المسلح على الحدود الكويتية، في أكتوبر عام 1994، وما صاحب ذلك من استنفار عام في صفوف القوات المسلحة، ودعوة البرلمان لاجتماع غير عادي، وتصعيد مستويات الترتيبات الأمنية مع دول التحالف، واستضافة قواتها على الأرض الكويتية.
ومن الأهمية القصوى بمكان أن يحتل الخطر الخارجي مركزاً محورياً في مسألة رسم السياسة الأمنية، بمفهومها الاستراتيجي العام، ولكن، وفي نفس الوقت، بينت تجربة الغزو سوء البرنامج الاستراتيجي والعسكري للدولة، ومحاولة الحكومة إخفاء تفاصيل وحيثيات الأزمة مع العراق، وعدم تعبئة الشعب ـ ولو نفسياً ـ لمواجهة ذلك الحدث، حتى بعد بدء اجتياح القوات العراقية للأراضي الكويتية، وعلى الرغم من تجمع الظروف الإقليمية والدولية، وتوفر الإمكانات اللازمة لمواجهة تلك المشكلة الكبرى، إلا أن نجاح الحكومة في حشد المساندة الدولية، وفوزها بإعلان الوحدة الوطنية، وترجمتها عملياً، كان وقتياً، وانتهى ذلك النجاح بعد طرد العراق، وعودة الشرعية للبلاد، وكذلك، وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة لإستراتيجية عسكرية وقائية جديدة، لمواجهة الأخطار الخارجية، إلا أن مثل هذه الإستراتيجية لا تخلو من ثمن سياسي، قد يؤثر على القطاعات السياسية والاقتصادية الأخرى في الدولة، وقد بدأت الكويت بالفعل برنامج تسديد الضريبة السياسية والاقتصادية لإستراتيجيتها العسكرية الحديثة خاصة بعد الاندفاع القوي والمفرط نحو الولايات المتحدة، ومن صور هذه الضريبة السياسية تغير الموقف الرسمي للدولة إزاء مبادئها القومية، تجاه إسرائيل، والعملية السلمية، وعلى الصعيد الاقتصادي ارتبطت الكويت ـ وبشكل قوي جداً ـ مع الولايات المتحدة، سواءً على مستوى عقد الصفقات التسليحية، أو على مستوى العلاقات التجارية، التي جعلت الولايات المتحدة الشريك الأول للكويت، خلال السنوات التي تلت الغزو العراقي مباشرة.
إن مثل هذا التوجه ربما لا يترتب عليه آثار عكسية في المدى القريب، ولكن على المدى البعيد يمكن أن تكون مسألة الانفتاح والاعتماد على الدول الغربية وقواتها العسكرية، بمثابة تحد للنظام والحكومة، تبعاً لظروف المنطقة، والتقلبات الإقليمية المستمرة، في منطقة الخليج والشرق والأوسط، وقد تؤدي السياسة الخارجية للدولة على ضوء علاقاتها الدولية الجديدة إلى ردود فعل منقسمة على نفسها، في الساحة السياسية الداخلية، خاصة إذا غابت الضمانات المؤدية إلى إشراك القوى السياسية وأهل الاختصاص، في إدارة الشؤون الأمنية والتخطيط الاستراتيجي، من العرض السابق لبعض صور الخلل في الكثير ن القطاعات الحساسة في الدولة والمجتمع، يتضح ضعف النموذج الشامل والاستراتيجي لمفهوم الأمن الوطني ـ محل هذه الدراسة ـ ومكوناته الرئيسة، ولا حاجة لكثير من الاجتهاد ـ والشواهد الدقيقة مائلة لكل ذي عين ـ للتوصل إلى نتيجة مؤكدة قوامها أن مجتمعاً صغيراً ـ بحجم المجتمع الكويتي، يعاني من مراكز خلل حقيقية ـ مقبل على مرحلة مهمة، تحمل صوراً من التحديات الفعلية، وإذا لم يتم كشف هذه التحديات بواقعية وشجاعة، فقد يؤول الأمر إلى نتائج خطيرة، وبعبارة مختصرة أخرى، يعتبر نموذج الأمن الوطني، بمفهومه الشامل ـ كما تحدده أدبيات الدراسات الإستراتيجية الحديثة ـ نموذجاً هشاً، لا يدعو إلى الكثير من التفاؤل المستقبلي، في حالة تجاهله، أو حتى التباطؤ في وضع علاجات جوهرية له فوراً.
مصادر الخلل في مفهوم الأمن الوطني الكويتي
قد تبدو المشاكل التي جرى استعراضها آنفاً كثيرة ومتشعبة، وحتى متباعدة عن بعضها البعض، وقد تكون لكل مشكلة من تلك المشاكل ظروفها الخاصة، وأسبابها المحددة، وأيضاً قد تتوفر لمعظم هذه المعضلات حلول جزئية وناجحة، إذا ما قوبلت باستراتيجيات دقيقة، وخصصت لها برامج مفردة، وفق جدول زمني معين.
ولكن طرح مثل هذه المشاكل ـ أو غيرها من نقاط الخلل، التي لم تحدث الإشارة إليها في هذه الدراسة، في آن واحد، وإن كان بهذا الشكل من الاستعراض العام ـ مسألة في غاية الأهمية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار وجود قنوات مشتركة وبينية لهذه المعضلات، سواء في مدخلاتها، أو في نتائجها المتبادلة، سلباً أو إيجاباً، كما لا يمكن تجاهل وجود أسباب مشتركة وكلية، وراء تفشي مثل هذه الظواهر في وقت واحد، والأهم من ذلك كله، فإن تشابك قطاعات الدولة المختلفة، وانسياقها لحالة من تبادل المنافع، سيما في ظل تعقيدات الحياة وتطورها المتواصل، يقتضي وجود مباحث إستراتيجية وعامة لرصد مؤشرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وغيرها معاً، وتركيز الحلول من أجل دفعها إلى الأمام، بحيث يكمل بعضها بعضاً، وتغذي كل قناة فيها القنوات الأخرى.
وعلى ضوء هذه الاعتبارات، يحاول هذا الجزء رصد بعض محاور الخلل الكلية والجامعة، المتسببة في استفحال مشاكل الدولة، بأنواعها المختلفة، وتنطلق هذه الرؤية التشخيصية من فرضية أساسها أن تركيبة النظام الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي، وهياكلها الوظيفية، هي السبب الأولي، وراء فشل كثير من القطاعات العاملة، والمتحكمة في إدارة مرافق الدولة المختلفة، ومن السطحية والسذاجة تعليق حل المشاكل التي تعاني منها البلاد على آثار الغزو العراقي للكويت، والدليل على ذلك أن الغزو العراقي قد ألغى ـ في مرحلة مؤقتة ـ جميع البِنى والهياكل الأساسية للكيان الكويتي، ورغم ذلك انصهر الكويتيون برمتهم، في عملية تشخيص مشاكلهم الرئيسة المتمحورة حول نقطة واحدة؛ هي إنقاذ البلد، والتصميم على المحافظة عليه، وانطلقت هذه العقيدة من ثلاث قواعد ثابتة بدورها، وهي: الشرعية السياسية، والديمقراطية كأساس للحياة والمصير المشترك للوحدة والوجود الوطنيين، ولكن، وبمجرد تحرير الدولة من المعتدي الخارجي، بدأت الروافد المنصبة في هذه الاتجاهات المشتركة، تعود من جديد إلى منابعها الأصلية، في التركيبات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية السابقة، والتقليدية، ولذلك ظهرت الخلافات ـ من جديد ـ على مستوى التنظير، والممارسة العملية، وفي نفس الوقت رجعت حركة الأمور إلى مجاريها القديمة، وهي مصادر برزت فيها ظواهر الترهل، واللامبالاة العامة من جهة، والنظرات الضيقة التي تمليها المصالح المحدودة، من جهة الأخرى.
وتبعاً لهذا الوصف العام، يمكن تشخيص الواقع الكويتي الحالي بالآتي: هناك شعور بالإحباط العام يخيم على الغالبية العظمي من المواطنين، وإحساس مشترك بفراغات كثيرة، نفسية واجتماعية، وسياسية، وتذمر واسع، إزاء كيفية إدارة مختلف أجهزة الدولة، بدءاً بالإدارات الحكومية الصغيرة، وانتهاءً بقرارات الدولة العليا، مروراً بسير العمل داخل مجلس الأمة المنتخب، ولكن، وفي هذا الإطار التشاؤمي العام، لا يألو أي مواطن جهداً في تحقيق أدنى مصلحة فردية، أو فئوية ضيقة، من خلال القنوات التي ينتمي إليها، عائلياً، أو طائفياً، أو سياسياً، أو حتى عن طريق علاقات الصداقة الفردية، وإن مثل هذه المصالح ربما لا تتوقف عند أي حد، صغيراً كان أم كبيراً، فقد تبدأ بسعي الفرد من أجل إلغاء رسوم مخالفة مرورية بقيمة خمسة دنانير، أو الحصول على علاوة تشجيعية في مركز العمل، أو رفع درجة الامتحان لتلميذ في المدرسة أو الكلية، أو طلب الموافقة على الإيفاد للعلاج في الخارج على نفقة الدولة، أو طلب حفظ قضية أخلاقية قبل وصولها إلى القضاء، ولا تنتهي القائمة، وإن بلغت مستويات المصلحة الخاصة نهب الملايين من المال العام، أو التسبب في إلحاق أضرار فادحة بالاقتصاد الوطني، والغريب أن معظم هذه الممارسات التي يؤدي تراكمها إلى فقدان مصداقية القانون والسيادة الوطنية، تطبق تحت شعارات براقة، من قبيل “روح الأسرة الواحدة”، و”القيم الكويتية الأصيلة”، أو حتى “من أجل المصلحة العامة”.
فالمشكلة الرئيسة في تفاقم مكامن الخلل ـ على مختلف الأصعدة ـ تكمن في غياب المفاهيم الأساسية لأمور كلية وحيوية، من قبيل الوحدة الوطنية، ومفهوم المواطنة، وماهية المصلحة الوطنية العليا، وبالتالي غياب مفهوم الأمن الوطني وآليات تحقيقه، كبوتقة تصهر جميع المفاهيم السابقة في قالب مشترك، وتقدمها للمجتمع على طبق واحد بعد ذلك، ويعود السبب في غياب المفاهيم الأساسية لمتطلبات الدولة الحديثة، وأسرار بقائها، وبالفهم الفعلي لحقوق وواجبات المواطنة الحقة تجاهها، إلى جملة من العوامل نستعرضها كالتالي:
أولاً: سطوة وهيمنة التركيبة الاجتماعية التقليدية على حساب الدولة: على الرغم من مرور ثلاثة عقود على قيام الدولة المستقلة والحديثة، لا تزال القبيلة أو الطائفة أو العائلة هي اللب، والدولة هي القشر، (النفيسي، 1978: 13-14)، وأولوية الولاء والتمحور لا زالت تدور حول الانتماءات التقليدية الضيقة، دون أن تذوب في قالب وطني موحد، ربما لا يمكن إنكار أهمية الأصول، والجذور الاجتماعية والقبلية، أو التنصل منها، ولكن المهم هو توجيه هذه الانتماءات لتعزيز مفهوم الدولة، وجعلها مصدراً لقوة هذا الكيان، وليس السعي من أجل استغلالية الدولة لتعميق هذه الجذور، على حساب ضرب أو تهميش الآخرين.
وللعامل السابق الأثر الكبير في عدم انصهار المجتمع الكويتي ـ بشكل حقيقي وكامل ـ في مفهوم الدولة، بل على العكس خضعت الكثير من مؤسسات الدولة لمؤثرات قبلية وطائفية، وإلى حد كبير بدأت التيارات السياسية المعاصرة تحل محل القبيلة والطائفة، في استغلال مكتسبات المؤسسات الحكومية، والانتفاع بها، رغم درجات الوعي والنضوج المتوخاة، في مثل هذه التيارات السياسية، (هلال، 1991: 119-120)، ولا شك بأن هذا الاتجاه الرامي إلى السيطرة على مؤسسات الدولة بدلاً من توجيهها نحو المصلحة العامة، سوف يساهم في شل ميكانيكية هذه الأجهزة، ويحول دون استمرارها في عملها المطلوب، فما معنى أن يزج وزير من الوزراء المئات من أفراد قبيلته أو طائفته في الوزارة التي تسلم حقيبتها للتو، دون مراعاة شروط الكفاءة والمخرجات المطلوبة، من هذا الجهاز الوظيفي، ومما يسري على هذا الاتجاه أيضاً، عملية التشريع نفسها؛ فقد وصل الحال إلى إلغاء مشروع لإقامة مدينة جامعية، بسبب مسألة خلافية جزئية، هي الاختلاط.
ثانياً: الطفرة النفطية: على الرغم من التحول الجذري الذي أحدثه اكتشاف النفط، وغير بذلك صورة الحياة العامة للكويت، وبشكل كامل، إلا أن النفط واستغلاله يشكل اليوم المحور الوحيد، الذي تدور حوله معظم المشاكل، ناهيك عن كونه المصدر الأول للتهديدات الخارجية للدولة، فمن جهة، حول النفط الدولة إلى النموذج الاستهلاكي القائم على الاستيراد والاستهلاك العام، وحولت مصادر الدخل ـ غير القائمة على إنتاج اقتصادي حقيقي ـ الدولة إلى حالة من الرفاهية المطلقة، دون أدنى عناء، بل إن التدفق النفطي الجبار قد أدى إلى تجريد النشاطات الاقتصادية التقليدية، وأحدث بالتالي خللاً واسعاً، في درجات السلم الاجتماعي، وأصبحت مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية مجرد أرقام وهمية، لا تعكس النمو الحقيقي للدولة (النقيب، 1987: 131).
ومن جانب آخر، ساهم النفط وإيراداته الضخمة في إيجاد نموذج مفرط للسلوك الإنفاقي، على مستوى الدولة والشعب على حد سواء، بحيث وقع المجتمع ـ ككل ـ تحت تأثير تخدير الترف، والماديات الظاهرية، وأغفل الكثير من برامج التنمية، كما أغفل تنويع مصادر الدخل، واستثمار ذلك المورد في بناء الصناعات التحويلية، أو الصناعات الخفيفة (نور الدين، 1993: 112-116).
إضافة إلى ذلك، فقد عودت الدولة مواطنيها على الحصول على مختلف الخدمات الاجتماعية،والصحية، والتعليمية، بالمجان، دون تعميق معاني المواطنة تجاه الدولة والوطن بالمقابل، ومع تنامي الثروة المالية زاد نفوذ الدولة، واتسع حجمها، بحيث أصبحت الحكومة قادرة على التحكم بجميع أنشطة المجتمع من خلال التفرد بمسألة توزيع الثروة، وفق اعتبارات سياسية (Ismael، 1993؛ Crystal، 1990)، فسياسات التثمين، وإرساء المناقصات، وتقليد المناصب القيادية، أصبحت مرهونة ـ إلى حد كبير ـ بدرجة الولاء السياسي للحكومة، والدفاع عن تصوراتها الخاصة، في إدارة شؤون البلاد.
كما أن تدليل الدولة لأصحاب الشركات الكبرى، واعتمادها مبدأ التعويض لها في حال خسارتها، حالت دون قيام المشاريع الاستثمارية المعتمدة على أسس الجدوى الاقتصادية، والآليات التخصصية للعمل التجاري، ومع تحذر هذه الظاهرة بدأت الكثير من قطاعات التجارة تتعمد الخسارة، طمعاً في التعويض الحكومي، كربح سريع ومضمون (ديوان المحاسبة، 1994).
وقد أكّدت التجربة أيضاً بأن عقلية الإدارة غير المتخصصة، والرابضة تحت نفوذ المؤشرات السياسية والمصلحية، يمكن أن تتسبب في إحداث كوارث اقتصادية حقيقية، فمجال الاستثمارات الخارجية ـ وهو من الاستراتيجيات المحدودة الناجحة في تنويع مصادر الدخل الوطني ـ لن يسلم من هزات عنيفة، بسبب الضعف الإداري والفني، وخيانة الأمانة والوطنية، فقد نتائج سنوات طويلة من الادخار والاستثمار أدراج الرياح بسرعة قياسية، وبسبب تراخي الرقابة الوطنية عن الإشراف ومتابعة هذا النشاط الخطير.
ثالثاً: الحكومة القوية سياسياً: ويرتبط هذا العامل بالعامل السابق إلى حد كبير، فإضافة إلى تحكم الدولة بشريان الثروة النفطية، تتمتع الحكومة ـ ممثلة بالسلطة التنفيذية ـ بصلاحيات واسعة وشبه مطلقة من الناحية الدستورية، ورغم قنوات الحرية، والمشاركة السياسية، ووجود مجلس نيابي منتخب ويحظى بشرعية التقنين والرقابة على الأداء الحكومي، إلا أن هذه الامتيازات تظل محدودة جداً، مقارنة بهيمنة السلطة التنفيذية، وتعتبر وسائل الرقابة البرلمانية، والمحاسبة السياسية للمجلس صعبة التحقيق، على صعيد الممارسة العملية (الصالح، 1989: 728-740)، فالسلطة التنفيذية لا تزال هي المسيطرة على التشريع، نظراً لما تملك من جهاز وظيفي ضخم، ومصادر معلومات، وخبرة سياسية، كما أن إجراءات المحاسبة السياسية للحكومة ـ من قبل المجلس ـ تمر بخطوات ومراحل صعبة، تحول دون تحققها في كثير من الأحيان، كما تبين التجربة النيابية (أسيري، 1994: 132).
ومن أسباب قوة السلطة التنفيذية أيضاً تفكك القوى السياسية داخل المجلس، الأمر الذي يمكن الحكومة من مناورتها، أو حتى إشغالها في قضايا هامشية، ومتى ما أحست الحكومة بتعاظم دور المجلس في مواجهتها سياسياً وتشريعياً، فإنها لا تتردد في حل البرلمان، الذي يصاحب عادة بتعطيل الحياة الديمقراطية وإيقاف العمل بالدستور لفترات طويلة، كما هو الحال في حل مجلس الأمة عامي 1976 و1986.
وقد أبقت هذه الصلاحيات الواسعة السلطة التنفيذية على رأس سلطة رسم السياسات العامة للدولة، خلال العقود الثلاثة الماضية، وفق تصورات ضيقة، تفتقر إلى التجديد في كثير من البرامج العامة، والاستراتيجيات العليا، وبالتالي يمكن تحميل الحكومة القسط الأكبر من مسؤولية الإفرازات والنتائج السلبية المتفشية في معظم القطاعات والمشاريع العامة، التي سبقت الإشارة إلى نماذج منها، في الجزء السابق من هذه الدراسة.
رابعاً: الديمقراطية المبتورة: تعتبر الديمقراطية من أنجح الممارسات السياسية، من حيث غربلة الآراء، وتمازج الرؤى، والبرامج الشاملة لإدارة مرافق الحياة، وهذا النموذج قادر على خلق روح التنافس، في سبيل تقديم الحلول والبدائل للجمهور، وفي نفس الوقت تجعل الديمقراطية عملية التنافس هذه خاضعة لميزان القبول والرفض الجماهيري.
ولكن الديمقراطية في الكويت ـ ورغم تمسك الكثيرين بأهدابها ـ لا تعكس هذه الحقيقة عل الصعيد العملي، فلم تخل الحياة البرلمانية في الكويت من أزمات حادة، في معظم مراحل العمل بالدستور، منذ عام 1962، بل انقطعت الحياة الديمقراطية، لما يقارب نصف عمر الحقبة الدستورية، بعد حل المجلس في عام 1976 حتى 1980، وكذلك حل المجلس للمرة الثانية، في الفترة من 1986 إلى 1992.
ومن الآثار التي نجمت عن انقطاع الديمقراطية ـ خلال هذه المدد الطويلة ـ انحسار المد السياسي لدى الشارع الكويتي والقوي السياسية فيه عن المواكبة، أو التفاعل مع هذا النموذج السياسي، فعادة ما يصاحب حل البرلمان إيقاف العمل ببعض مواد الدستور، ذات العلاقة بالحريات العامة، أو تلك التي تضمن استئناف العمل الديمقراطي، بعد فترة وجيزة، لا تتعدى الشهرين، من خلال إجراء انتخابات تشريعية جديدة، ومن النتائج التي أفرزتها حالات بتر الديمقراطية عدم جدية الحكومة وأركان النظام في تبني هذا النموذج السياسي للحكم، فعادة ما تلجأ الحكومة إلى طرح بدائل للديمقراطية، تمثلت إحداها في محاولة تنقيح الدستور، نحو المزيد من القيود على السلطة التشريعية، مقابل زيادة صلاحيات الحكومة، وتمثلت محاولة أخرى في طرح نموذج لمجلس استشاري يفتقد خاصية التشريع، والرقابة الشعبية كما هو الحال في تجربة المجلس الوطني 1990-1992 (الجاسم، 1992: 95)، ومن الآثار السلبية الأخرى لغياب الديمقراطية ـ لعهود طويلة ـ تفويت الفرصة على تدرج الوعي السياسي، والنضوج الوطني المواكب لتسلسل العملية، والتجربة الديمقراطية، فكثير من النماذج الديمقراطية في العالم تفرز تيارات سياسية، ذات رؤى وطموحات متكاملة، من داخل أروقة البرلمان، وليس من خارجها، كما أن استمرار الحياة الديمقراطية عادة ما يصقل القوى السياسية، ويمكنها من هضم قواعد اللعبة السياسية، والنظم الدستورية، واللوائح التنظيمية، للجهاز التشريعي ككل.
لا تعكس التجربة النيابية في الكويت هذا اللون من التنشئة السياسية، والوعي الناضج للعمل السياسي، ضمن الأطر الرسمية والشرعية لقواعد الديمقراطية، فمن ناحية برزت قوى سياسية وفكرية ذات نفوذ شعبي مهم، خلال فترات الانقطاع الديمقراطي، كالقوميين في عقد الخمسينات، والإسلاميين في بداية الثمانينيات والتسعينيات، وقد اندفعت مثل هذه التيارات فور فوزها بمقاعد برلمانية، لتجد نفسها أمام تحد سياسي ظاهري ضد الحكومة، وفي كثير من الأحيان تشوب محاولات هذه التيارات ـ في مجال التشريع ـ شبهات قانونية، وعراقيل فنية ناتجة عن قلة الخبرة والتمرس، مما يؤدي إلى فشل برامجها المعلنة إبان فترة الدعاية الانتخابية، وسرعان ما تحاول هذه القوى تعويض هذا الفشل بتوجيه النقد الحاد، أو افتعال حالات التشنج السياسي، لحفظ ماء وجهها أمام قواعدها الانتخابية.
ومخرجات هذا الشكل من العمل السياسي تؤدي ـ كما هو الحال في المجلس الحالي (المنتخب عام 1992) ـ إلى إغفال المشاكل الرئيسة للدولة، والإصرار على قضايا جزئية ومتواضعة، لا ترتقي إلى مستوى انتشال الواقع الكويتي من كبواته المزمنة.
خامساً: تذبذب السياسة الخارجية: ويمكن إضافة تذبذب السياسة الخارجية الكويتية، في خضم التقلبات الإقليمية الحادة، التي شهدتها منطقة الخليج، منذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، من أبرز محاور الخلل في البعد الخارجي لمفهوم الأمن الوطني، فقد أدى تهميش العلاقات الكويتية/العربية ـ في مقابل الانفتاح الكامل، والدعم اللامحدود للمجهود الحربي العراقي ـ إلى تفوق القدرة العسكرية لهذا الجار الكبير في أعقاب حرب الخليج الأولى، ولاشك بأن تغير موازين القوة العسكرية في المنطقة لصالح العراق، كان من بين أهم عوامل تعاظم طموحات هذه الدولة في الهيمنة على هذا الإقليم الغني، وكانت الكويت هي المدخل الرئيس، لتحقيق ذلك الهدف التوسعي، (المزيدي، 1993: 96-102).
ورغم مرور فترة ليست بالقصيرة على تجربة الغزو العراقي، فإن سياسة الكويت الخارجية ـ كمنظومة متكاملة ومتوازنة في رسم علاقاتها الإقليمية والدولية ـ لم تستقر، فلا تزال السياسة الخارجية تعيش عقدة الاحتلال، ويطغى عليها سمات الانفعالية، والراديكالية، والحرج السياسي، في التعامل مع دول العالم، لاسيما العربية منها، تبعاً لمواقفها إزاء الغزو العراقي، وبسبب غياب الرؤية الإستراتيجية الجديدة، بقيت الكثير من مخلفات الغزو، وآثارها السياسية معلقة بغير حسم، سواء تلك المتعلقة بالأسرى الكويتيين لدى العراق، أو اعتراف الأخيرة بسيادة واستقلال الكويت، أو تلك المتعلقة بما يسمى بدول الضد من الشقيقات العربية،، كما يؤخذ على الحكومة الكويتية استمرارها في رسم وإدارة السياسة الخارجية بشكل منفرد، وبدون إشراك حتى السلطة التشريعية المنتخبة في هذا الأمر، إضافة إلى عدم قيامها بإنشاء مراكز للبحوث والدراسات الإستراتيجية المتخصصة في متابعة ورصد التقلبات المتلاحقة والمتناقصة، في محيطها الإقليمي على أقل التقديرات.
نموذج مقترح لفهم الأمن الوطني الكويتي
إن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ـ أمام حالة الترهل العام في قطاعات المجتمع، والإحباط الشعبي الواسع إزاء سير إدارة شؤون الدولة- يمكن في إمكانية وكيفية انتشال هذا الواقع الخطير من جموده، وإعادة نفخ روح الحياة في هذه القطاعات المشلولة، دفعة واحدة، ويتمثل وجود حل جذري وشامل لهذه المعضلات في صياغة مفهوم موحد لمعنى الأمن الوطني، وتبنيه من قبل الجميع، حكاماً ومحكومين، وقوى سياسية، ومواطنين، ويجب أن تنطلق الرؤية الجديدة في خلق مفهوم أمني استراتيجي من خلال إيجاد قنوات تغذية متبادلة بين مختلف أجهزة الدولة، ومرافقها المؤسسية، والبشرية، والطبيعية.
ولا يحتاج مثل هذا الحل أفكاراً سحرية أو تخيلات مثالية، بقدر ما يحتاج إلى الخروج من قيود النظرة الضيقة التي تتبناها الحكومة، والفعاليات السياسية، وحتى المواطن العادي، وتتوفر القواعد الأساسية لإعادة تعريف مفهوم الأمن من خلال ثلاثة أمور ثابتة، هي:
(1) الدستور ـ كإطار شرعي ومقبول ـ قد وضّح معالم الدولة، وحدد مؤسساتها، ورسم حدود العلاقات بينها من جهة، وبينها وبين المواطن من جهة أخرى.
(2) توفّر الحد الأدنى من التجانس الشعبي لبناء وحدة وطنية قوية حول الدستور.
(3) توفّر الثروة المادية القادرة على ترجمة أية استراتيجيات شاملة عملياً، ودون الكثير من العناء.
ولا يمكن الركون إلى هذه الركائز الثلاثة كديكور ظاهري، دون أن تترجم السلوكيات العملية في اتجاه المحافظة عليها، وقيادتها جماعياً، نحو تحقيق التكامل المنشود منها، وقد تكون التوصية بضرورة الاهتمام بمختلف برامج الدولة، بدءً بالتعليم، والارتقاء بالخدمات العامة، ومروراً بتنشيط العجلة الاقتصادية الراكدة، وانتهاء بالاستثمار الأمثل للموارد، والبحث عن مصادر جديدة للدخل، وترشيد الإنفاق، كذلك التركيز على أهمية إيجاد روافد تغذية متبادلة، بين هذه القطاعات، قد تكون مثل هذه التوصية مجرد تكرار لأمور مرسخة في ذهنية صناع القرار، والقوى السياسية والاجتماعية، بل وقد تكون آليات تحقيق مثل هذا الإنجاز متوفرة وممكنة، ولكن إعادة التنبيه على هذه النقطة تكمن في تبني مشاريع كأساس حقيقي لطرح استراتيجي عملي ومدعوم، على نطاق واسع،كما أن مثل هذا الإنجاز لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توفرت له عوامله الموضوعية، وساهمت في بلورته الشريحة الكبرى من فئات المجتمع، لاسيما أهل الاختصاص والخبرة.
ولا تنحصر هذه الدراسة في طرح إستراتيجية عليا لمشروع إنقاذ وطني متكامل، فمثل هذه الإستراتيجية بحاجة إلى دراسة كبرى مدعومة بمعلومات دقيقة، لا تملكها سوى أجهزة صناعة القرار، ولكن من الضروري جداً وضع بعض التصورات العامة والخاصة التي من شأنها إعادة بعض المقومات الكلية إلى نصابها، وجعلها أساساً لمثل هذا الانطلاق ، ويأْتي في مقدمة التصورات تحديد مفهوم الأمن الاستراتيجي، وتصوير سياسة المن الوطني الموازي له.
وإن ما يشغل ـ أو ما يجب أن يشغل ذهنية الدول أو الأمم ـ بغض النظر عن حجمها ـ هو حفظ سلامتها الداخلية، وشخصيتها الدولية، وهذه السلامة هي مفتاح أي حق يمكن أن تدعيه الدول، ومن الطبيعي أن يكون هذا الحق المدّعى حقاً عاماً، يعكس طموحات أفراد المجتمع فرداً فرداً، ذلك أن كل فرد يمثل أحد مقومات الدولة الوطنية وهذه المقومات لا يمكن أن تصان وتتطور إلا إذا تحقّق لها الأمن الوطني وشروطه.
وعلى الرغم من عدم القدرة على إنكار حقيقة الأمن الوطني وضرورته في الذهنية الكويتية ـ بغض النظر عن اتجاهها ـ إلا أن هذا المفهوم لا يزال حبيس النظرة المحدودة الواقعة تحت تأثيرات جانبية، بعيدة عن المحور الرئيس وهو محور الولاء للوطن وصالحة العام، لذلك لابدّ من إعادة فهم هذا التعريف الاستراتيجي لمعنى الأمن وتطبيقاته، ولا يمكن تحقُّق ذلك إلا في ظل عوامل محددة، وهي: إعادة فهم الديمقراطية، وإعادة فهم المواطنة، وإعادة فهم الأمن الوطني.
- إعادة فهم الديمقراطية: إذا كانت الديمقراطية نظاماً مقبولاً للحياة السياسية، وقاعدة انطلاق لبناء الدولة وحمايتها، والعمل على تطويرها، فيجب ألاّ تخدش شفافية التسامح السياسي وقبول الرأي الآخر عند تعارض الآراء والرؤى، وأن أهمية معرفة الديمقراطية تكمن في فهم ثلاثة عناصر، تشكل في مجموعها جوهر هذا المفهوم، وهي؛ أولاً: الحريات الأساسية سيما حرية التعبير، والعقيدة، والرأي، وثانياً: المشاركة السياسية من خلال أحد أشكال التمثيل النيابي، ثالثاً: وجود آليات سلمية وعقلانية لصقل الجهاز الحاكم، وربما تغييره، إذا اقتضت الضرورة (زكريا، 1991: 124).
ويضيف فؤاد زكريا (1991: 124-125) أن الديمقراطية الحقيقية لا تكتمل إلا إذا تحقق شرطان إضافيان، الشرط الأول: هو ترابط العناصر الثلاثة السابقة، بينما يكمن الشرط الثاني في ضرورة تمهيد العنصرين الأوّلين، لتحقيق العنصر الثالث، ومعنى ذلك أن حرية التعبير والمشاركة السياسية ينبغي أن يكونا الأساس الذي يسمح بتحقيق التغيير السلمي والعقلاني لجهاز الحكم، فعملية الحكم في ظل الديمقراطية ليست سوى تجربة قد تصيب وقد تخطئ، وفي حالة الخطأ فأن المشاركة السياسية هي السبيل الوحيد لاستيعاب أفكار ورؤى جديدة، وقد تكون أكثر ملائمة للواقع العام.
ولا يمكن أن يتحقق الفهم الصحيح للديمقراطية على ضوء التجربة السياسية الكويتية، حيث لا تمثل فيها نسبة المشاركة سوى (5%) من المجموع الكلي للسكان أو (9%) من إجمالي عدد المواطنين (إذ يبلغ عدد الذين يتمتعون بحقوق المشاركة السياسية من خلال الترشيح والانتخاب حوالي 85000 مواطن من حملة الجنسية الكويتية بصفة أصلية من الذكور البالغين 21 سنة ميلادية أو أكثر) (العقاد، 1993: 303)، وهذه النسبة الضئيلة من المشاركة السياسية لا تعني فقط اهتزاز القيمة الحقيقة لمبدأ الديمقراطية فحسب، بل أيضاً وقوع الغالبية العظمى من المواطنين في خانة الأغلبية الصامتة، الأمر الذي يحرم العملية السياسية من امتزاج آرائهم وتقييمهم للأداء السياسي.
فالنظام السياسي ـ إذاً ـ بحاجة إلى تقويم جذري، ومراجعة شاملة، بحيث يمكن تحقيق الأهداف العليا من الديمقراطية، هذا التقويم يجب أن يشتمل على عدة أمور، من أهمها: توسيع قاعدة المشاركة الشعبية إلى أكبر حجم استيعابي ممكن، وضمان مسيرة العمل الديمقراطي دون انقطاع، وتقبل مبدأ التغيير في الجهاز الحاكم بشجاعة، ودون تحفظات سياسية، ولعله من جسيم الخطأ أن تشعر الحكومة وأركان النظام بأي تخوف أو شك في تعرّض وجودها المحوري، في جهاز الحكم، تبعاً للمادة الرابعة من الدستور، فمن شأن أي تطور سياسي لنموذج الحكم تعزيز مصداقية الأسرة الحاكمة، ووجودها كقطب يحفظ التوازن السياسي، ويثبّت استقرار النظام السياسي العام، فلم تشهد التجربة السياسية في الكويت قديماً أو حديثاً أدنى مساس بشرعية آل صباح للحكم ومقاليد أموره.
ومن شأن استمرار الديمقراطية وتوسيع دائرتها احتواء الاستقطابات الجانبية نحو مؤثرات القبيلة، والطائفة، والعائلة، بل وحتى استيعاب الوعي السياسي، وظهور التيارات الفكرية، وصهرها في بوتقة المصلحة العليا.
- إعادة فهم المواطنة: ما زالت حقيقة المواطنة حبيسة الفهم الضيق والسلبي، في الثقافة السياسية الكويتية، ولا يخرج هذا الفهم عن إطار اعتبار المواطن يمتلك الحق الطبيعي في الانتفاع بالخدمات المجانية، والوظيفة الحكومية، في حين أنه ينطوي تحت انتماءات ضيقة، تحفظ له وجاهته وكبرياءه، ويعتبر التعريف الدقيق لمفهوم المواطنة من الأسس التي يرتكز عليها مفهوم الأمن، فالمواطنة الصالحة يجب أن تلغي جميع صور تقويض ـ أو إضعاف ـ دعائم المجتمع، سواءً من خلال السلوك السوي والتفاني في العمل، أو من خلال المشاركة الفعالة في مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية والسياسية، والتي من شأنها تقوية هذه الدعائم، وبدوافع ذاتية، وصقل خارجي موجه.
ولا شك أن عملية إعادة فهم المواطنة هذه تحتاج إلى برنامج استراتيجي كبير، من الوعي والتنشئة السياسية، وباشتراك جميع القوى والجمعيات الوطنية في فعالياته، بصورة منتظمة (أسيري، 1994: 305-306)، ومن الناحية العملية لا يتحقق مفهوم المواطنة سوى أمرين؛ الأول: إعطاء المواطن دوراً أساسياً في المشاركات الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والثاني: صهره في نطاق سيادة القانون واحترامه.
ومن ألوان العلاج المهمة في هذا الخصوص توجيه المواطن إلى تحمل المسؤولية في إصلاح الكثير من نقاط الخلل، ولو بوسائل شبه إكراهية، كالرسوم والضرائب، فمثل هذه التربية كفيلة بتنبيه المواطن إلى ضرورة الاهتمام بالرقابة الاجتماعية، ومتابعة الأداء الإداري والرسمي لأجهزة الدولة المختلفة، وتهذيب حسن النقد البناء في نمط تفكيره، إضافة إلى خلق تنمية توعوية في أمور ترشيد الإنفاق، والمحافظة على المرافق العامة، ومن المهم جداً أن يواكب هذا التحوّل في سلوك المواطن مصداقية حقيقية تعكس هذا النهج في سلوك الدولة وأجهزتها التنفيذية، سيّما فيما يتعلق بترشيد الإنفاق الحكومي، والمحافظة على سيادة القانون، ووضع الكفاءات المناسبة في مراكز اتخاذ القرار وتنفيذه، ولعل من أهم الأسباب التي تحول دون تحقق مسألة المواطنة الرشيدة ـ بمعناها الدقيق ـ فقدان مصداقية الحكومة “كقدوة” في إنجاز دورها الوظيفي والقيادي على الوجه المتوقّع.
- إعادة رسم السياسة الخارجية: تعتبر السياسة الخارجية الناجحة من أهم مقومات البعد الخارجي للأمن الوطني، وتزداد أهمية شبكة العلاقات الخارجية في المحيط الإقليمي، الذي تنتمي إليه الكويت، وهو محيط سوف يظل عرضة للتقلبات السياسية، والمصالح الدولية، ما دامت الأهمية الاقتصادية، والإستراتيجية للمنطقة، وثرواتها الطبيعية، وعلى الرغم من مرارة تجربة الغزو العراقي للكويت وسلبياتها، إلا أنها زخرت بالدروس والعبر، التي يمكن من خلال الاستفادة المثلى منها تفادي أزمات مستقبلية أكثر قسوة وخطورة، ربما لا تتكرر ـ في ظلها ـ نفس الظروف الموضوعية والإستراتيجية، التي أدّت إلى تجاوز تلك الأزمة، في فترة زمنية قياسية، بالمقارنة مع الكثير من المشكلات العالمية الأخرى، ويجدر بالكويت أن تنطلق السياسة الخارجية لها من منظور استراتيجي شامل، في تعاملها مع القضايا الدولية، وفي مقدمتها: قضايا الأمن الوطني، والاستقرار الإقليمي، ويجب ألا تقفز الكويت إلى دائرة السياسة العالمية مباشرة، وإنما من خلال دوائرها الإقليمية، وخصوصاً الخليجية، والعربية، والعالم الثالث، فانطلاقها من هذه الدوائر الصغيرة ـ أولاً ـ يكفل لتصوراتها ومفاهيمها الخاصة قدراً أكبر من الاحترام والمصداقية، كما أن دخولها إلى دائرة السياسة العالمية الكبرى، برؤية مشتركة مع دول أقرب إلى مستواها السياسي والاقتصادي، يكفل لها مظلة مهما كانت محدودة إلا أنها تكون أفضل من وجودها المنفرد بين عمالقة الكون.
كما يجب أن تنطلق الكويت ـ وبقية دول الخليج الصغيرة ـ في تعاملها مع العالم الخارجي، من حتمية الصراع الحضاري العالمي القادم، والمتمثل بالتنافس (الجيواقتصادي) بين تكتلات إقليمية، آخذة في التوسع والانتشار، وقد بدأت الدول الكبرى نفسها في المضي نحو تأسيس قواعد الترتيبات، عبر القومية ـ وخصوصاً ـ على محاور الاندماج الاقتصادي، ويعتبر إقليم الخليج القاعدة الأولى والطبيعية، لمثل هذا الانطلاق، نظراً لتجانس الرؤى، والتركيبة (الجيوسياسية) بين شعوبها، ناهيك عن تشابه هيكليتها الاقتصادية، وطبيعة التحديات العاصفة من حولها، ومن هذا المنطلق تكون فلسفة الاتحاد (الكونفدرالي) بمثابة الوصفة العاجلة لهذه الدول، وتملك الكويت ـ بالذات ـ قوة دفع نشطة ومهمة، في تغذية هذا الروح الوحدوي، بسبب خبرتها السياسية، وفعاليتها المتميزة إقليمياً ودولياً، كتجربة دامت لأكثر من قرنين من الزمان.
وفي هذا الإطار أيضاً، يمكن أن تساهم الدبلوماسية الكويتية في إيجاد شكل مقبول من أشكال التوازن في علاقات الدولة الإقليمية، كخطوة أولى في طريق تحقيق سياسة التوازنات العالمية، في منطقة الخليج، وعلى الرغم من صعوبة ودقة مثل هذه السياسة بسبب التباين الواضح في مصالح الدول الإقليمية والدولية في هذه المنطقة، إلا أنها واحدة من المنافذ المحدودة لضمان أمن الكويت ومصالحها العليا، ومن خلال التنسيق مع الدول الخليجية الصغرى، مثل: قطر، والبحرين، والإمارات، وعمان، يمكن للكويت أن تكون حلقة الوصل في تحقي توازن بين كل من السعودية، وإيران، والتحالف الغربي، بل يمكن لهذه الدول أن تعمل على تقليص الهوة الخلافية بين هذه القوى الكبيرة، وفي أعقاب الغزو العراقي للكويت، وموقف إيران المبدئي من هذا الحدث تعززت أرضية الترحيب بإيران، كطرف مباشر في وضع ترتيب أمني إقليمي، وقد وجدت هذه الأرضية قبولاً مهماً في عواصم خليجية متعددة، مثل الدوحة، وأبو ظبي، ومسقط، كما لاقت تأييداً من قبل بعض أقطاب أوربا كبريطانيا وفرنسا.
ويجب أن تهتم هذه الدبلوماسية بضرورة بلورة مفهوم جديد للأمن والاستقرار، في الخليج والشرق الأوسط، من خلال ترتيب إقليمي مشابه لمؤتمر الأمن والسلام الأوربي، يسعى إلى ضمان حق الدول الصغيرة في البقاء والتعايش السلمي، ويتمتع بآلية الردع الجماعي ضد الخارجين على هذا القانون، ويمكن للكويت أن تتصدى لحمل راية الدبلوماسية الناشطة في هذا الصدد، والبدء بتعريفها، والترويج لها كمبادرة عالمية جديدة، تعرف بـ “دبلوماسية الدول الصغيرة” (جوهر، 1994).
وأخيراً، فلا شك في أن التعامل والتعاون مع القوى العظمى في العالم أمر حتمي وضروري، وقد بيّنت الأحداث القريبة بأن المخرج الوحيد من الأزمات الخانقة قد يتجاوز إرادة هذه الدول ووجودها الفعلي في دائرة الأحداث، ومن المؤكد أيضاً بأن هذه الدول لا تقدم خدمات مجانية، بل تتوقع المكافأة في المقابل، وفي مثل هذه الحالة لا تملك الدول الصغيرة مثل الكويت سوى المساومة على الثمن السياسي، الذي سوف تدفعه مقابل خدمات هذه الدول الكبرى، ومما يزيد هامش المناورة للطرف الصغير في مثل هذه الحالة تعدد هذه الأقطاب، وتقاربها في مستويات القوة والإمكانات التقنية والاقتصادية، كما تملك الدول الصغيرة القدرة ـ ولو بدرجات متفاوتة ـ على إقناع الأطراف القوية بأن استمرار حيادها وارتباطها بعلاقات متنوعة وإيجابية مع منافسيها يمثل فائدة لهذه الدول نفسها، فالدبلوماسية ـ كما يقال ـ أفضل من البطولة، والأفكار الذكية أفضل من الجيوش.
- إعادة فهم الأمن الوطني: شهدت مسيرة عهد ما بعد الاستقلال محطات كثيرة ومتنوعة وتقلبات متعددة امتزج فيها الرفاه والانتكاسة، وقمم الازدهار وصور التقهقر، كما شهدت الدولة مرحلة طويلة من التجارب السياسية وإرهاصاتها، وخرجت بعد حادثة الغزو مباشرة إلى مسرح دولي جديد، تتخلله نظم الاتصال السريعة، والتداخل المعقد والمتشابك للمصالح والصراعات على حد سواء، وهذا ما يستلزم وقفة تصحيحية متريثة، ومن أجل القيام بتقييم شامل لأسس بقاء الدولة ومستلزمات استمرارها وتطورها، وهذا هو المقصود بالأمن الوطني.
فعملية فهم الأمن الوطني تعني هنا ضرورة غربلة جميع مفاهيم الأمن المحدودة والعامة لدى التوجهات السياسية وآراء أهل الاختصاص وما تعتنقه الحكومة، ودراستها دراسة واعية، ومن ثم طرح الخطوط العامة لمشروع أمني متكامل، تبعاً لأولويات ومعايير يشترك في فهمها معظم التوجهات والفعاليات في الدولة، وأخيراً وضع الآليات التي يتم الاتفاق عليها موضع التنفيذ، وتحت رقابة وإشراف هيئة مشتركة أيضاً، ويجب أن تحدث هذه العملية بعد مكاشفة علنية أمام الشعب، وبيان المطلوب منه في مختلف مراحل تطبيق مثل هذا المشروع الحضاري، وقد تختلف الميكانزمات الخاصة في تبني هذا المشروع، ولكن يجب أن تكون مرنة، لاستقطاب جميع التوجهات، وامتزاج الآراء، والتعهد بتحقيق إنجازات مرحلية، تبعاً لجدول زمني محدد، وأن الإعلان عن خطوات كهذه كفيل بزرع بذرة الأمل لدى الجميع، كما أن مجرد الإفصاح عن نقاط الخلل وفق اقتناعات مشتركة سوف تسهل عملية التعاون من أجل مواجهتها.
ومن الضروري ـ كنقطة انطلاق في هذا المضمار ـ الدعوة ـ مثلاً إلى ملتقى شعبي يمثل جميع قطاعات المجتمع، وتغطيته عبر وسائل الإعلام المختلفة، لرصد ردود الفعل، ومساهمات القطاعات الشعبية فيها، ومن ثم تبني توصيات هذا الملتقى كوثيقة عهد، وبعد ذلك يمكن إنشاء مجلس أمن وطني وفق معايير تمثيلية، ومقاييس تخصصية، وكفاءات شعبية ورسمية تعهد إليه الصلاحيات اللازمة من أجل وضع الخطوط العامة لإستراتيجية أمنية شاملة، ومنبثقة عن أولويات مشتركة، دون المساس بحدود السلطات الدستورية القائمة، ويجب أن يمنح مثل هذا المجلس جدولاً زمنياً للانتهاء من عمله، وأن يخضع لإشرافٍ مباشر من قبل لجان حكومية وشعبية معينة، وأخيراً يقتضي الأمر تحويل التوصيات الصادرة من هذا المجلس إلى سياسات عامة وبنود رئيسية في خطط التنمية الشاملة من جهة، وعلى شكل قوانين تشريعية صادرة من مجلس الأمة من جهة أخرى، فالأهمية القصوى في مثل هذا الاقتراح تكمن في تحريك موضوع الأمن الوطني بشكل جدي ـ وعلى نطاق واسع ـ في أقل التقديرات.
الخلاصة
يعيش المواطن الكويتي اليوم في ظل إرهاصات مختلفة الجوانب، تحمل بين طياتها هواجس أمنية شتى، ففي الوقت الذي يطلق العنان لتفكيره بالتحليق في أجواء المستقبل تحت زحف إفرازات انخفاض أسعار النفط، وتراكم ديون الدولة، ومعضلة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، والتهديدات المستمرة من جهة الشمال، يعيش المواطن العادي أيضاً تحت تأثير أمراض اجتماعية، وانحرافات أمنية، ومشادات سياسة بين السلطتين والقوى السياسية تحت قبة البرلمان، وعلى صدر الصحف، وعلى الرغم من ذلك كله، يقبع المواطن في زاوية اللامبالاة، وسط جموع من الأغلبية الصامتة، التي لا تكاد تفضي بهمومها، سوى على موائد الطعام العائلية، أو بين جدران الدواوين المسائية، وربما لا يتردد أي مواطن في التصريح ـ متى ما طلب منه ذلك ـ بأنه يطمح إلى مستوى من الخدمات الراقية، والاستمرار في ظل حياة الرفاهية، تحت جناحي الأمن والأمان، وعلى الرغم من استمرار الحياة اليومية المعتادة بشكلها العام والظاهري بصورة سلسة وهادئة، إلاّ أن مراكز خلل حقيقية ـ في كثير من قطاعات الدولة ـ بدأت تطفو على السطح، وقد تبدو نقاط الخلل هذه بسيطة و متفرقة في نظر البعض، إلاّ أنها مؤشرات آخذة في التفاقم وبشكل لا يتحمل استفحالها مجتمع صغير، مثل الكويت، فالتزامن الوقتي بين مشاكل الاقتصاد والحرية والتفكك الأسري، وغياب الإدارة الفعالة، وانشغال القوى السياسية بمشاكلها الخاصة، قد يؤدي إلى زعزعة الأمن الداخلي في أي وقت من الأوقات.
كما أن الثروة النفطية قد غيّرت نمط الحياة في هذا البلد ذي الطبيعة القاسية لم يحدث استغلالها بالشكل الأمثل، فبات انخفاض سعر البرميل الواحد من هذه المادة الأولية يهدد مستوى المعيشة للفرد الكويتي في المستقبل.
وبعد طول انتظار للحياة الديمقراطية، وما تعلق بها من طموحات وآمال، بدأ المجلس المنتخب من قبل الشعب يفقد بريقه ومصداقيته، في التصدي لحالة الترهل في مختلف مرافق الدولة، كما عكست التجربة البرلمانية الفكرة القائلة بأن القوى السياسية ـ التي تمثل قطاعات شعبية واسعة وتحمل همومها ـ ما زالت تقضي مرحلة المراهقة السياسية، وأن الكثير من برامجها الانتخابية ليست شعارات طموحة، لكنها تفتقر إلى خاصية البلورة العملية المتكاملة كأساس لإحداث تغيرات قائمة على قواعد تشريعية في إطار الدستور، في حين تستمر الحكومة في رسم سياستها ـ كالمعتاد ـ من منظورها الخاص، مستغلة الصلاحيات الدستورية الواسعة التي خولت لها، كما أن هناك قضايا كثيرة على جدول أعمال السلطتين، تهتم بمشكلات عصيبة، لم تجد طريقها إلى النور، رغم مرور فترة طويلة على تفشيها، كقانون المديونيات الصعبة، والبدون، والاستثمارات المسلوبة، ومعالجة الركود الاقتصادي، والمشاريع المستقبلية الخاصة بالقطاع النفطي، واقتراحات الخصخصة، والتكيّف، والاستعداد للتقلبات الدولية الحادة، في ظل النظام العالمي الجديد، وقيام التكتلات الإقليمية العملاقة، والتطبيع السياسي مع إسرائيل، وغيرها، وأن أي خلل في التصدي لهذه المشاكل قد يؤثر سلباً على بعض ـ أو جميع ـ مقومات الأمن الوطني بمفهومه الشامل، ومن هنا كان من الواجب معرفة هذا الاصطلاح بشكل دقيق، وتحديد عناصره ومعايير نجاحه، فالتصدي للمشاكل التي تهدد هذا المفهوم لا يقف عند حد المحافظة على وجود الدولة فحسب، بل سوف يساهم بلا شك في حل المشكلات المتراكمة والمتوقعة بواسطة بعضها البعض، إذا ما أحسن استثمار طاقات الدولة الطبيعية والبشرية، وتوجيهها نحو خدمة الأمن الوطني.
ولكن الواقع المعاصر في الكويت لا يعكس فهما متكاملا لمعنى الأمن الاستراتيجي، لأسباب وعوامل بعضها قديم، وبعضها الآخر ناجم عن قصور في الرؤى، لدى معظم فئات المجتمع والقوى السياسية، بل وحتى الحكومة نفسها، ومن هنا يجب التفكير الجاد من قبل الجميع بإعادة صياغة معنى الأمن بشقيه: الداخلي والخارجي، والدفاع عنها وفق جهود ومساهمات مشتركة، وفي إطار الدستور الشرعي للدولة، وتحت مظلة المبادئ الديمقراطية، والمواطنة الحقة، والوحدة الوطنية، التي ينادي بها الجميع ويقرون بالتمسك بها قلباً وقالباً، ولكن مثل هذا الشعور وهذه الشعارات، بحاجة ماسة إلى عملية تفعيل آنية ومستعجلة، وفي إطار التفكير والعمل الجماعيين، قبل فوات الأوان.
الهوامـش
(1) صحيفة القبس 17/12/1994.
(2) صحيفة القبس 17/12/1994.
(3) من دراسة بعنوان “مجلس الأمة بين الواقع والطموح”، محمد عبدالقادر الجاسم، صحيفة الوطن (10-11/12/1994) (29/7/1993).
———————————————————————————————————————
المراجع
المصادر العربية
أمين الهويدي
1991 العسكرة والأمن في الشرق الأوسط، تأثيرهما على التنمية والديمقراطية. القاهرة: دار الشروق.
حسن الإبراهيم
1982 الدول الصغيرة والنظام الدولي: الكويت والخليج. بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية.
حسن جوهر
1994 “مستقبل سياسة الكويت الخارجية: ورطة الترتيبات الأمنية المتضاربة“، ورقة مقدمة إلى المؤتمر العالمي عن آثار العدوان العراقي على دولة الكويت: دولة الكويت: 2-9 أبريل 1994.
خالد القاسمي
1988 العمالة الأجنبية وآثارها السلبية على دول مجلس التعاون الخليجي. الشارقة: دار الثقافة العربية.
خلدون النقيب
1987 المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية (من منظور مختلف). بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
ديوان المحاسبة
1994 تقرير ديوان المحاسبة عن فحص ومراجعة الاستثمارات الكويتية في الداخل والخارج. الكويت: ديوان المحاسبة.
رضا هلال
1991 الصراع على الكويت: مسألة الأمن والثروة. القاهرة: سينا للنشر.
روبرت ماكنمارا
1970 جوهر الأمن. (ترجمة يونس شاهين). القاهرة: الدار القومية.
رياض الصمد
1986 العلاقات الدولية في القرن العشرين: تطور الأحداث للفترة ما بين الحربين 1914-1945. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
سمعان فرج الله
1994 “الرؤية الكويتية لأمن الخليج” في عبدالمنعم المشاط (محرر) أمن الخليج العربي: دراسة في الإدراك والسياسات (ص. 74-147). القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة.
شملان العيسى
1992 “سياسة الجنسية والتجنيس” في مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة (محرر) الكويت وتحديات مرحلة إعادة البناء (ص. 324-335). القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة.
صلاح العقاد
1993 التيارات السياسية في الخليج العربي، من بداية العصور الحديثة، حتى أزمة 1990-1991. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
عبدالرضا أسيري
1994 النظام السياسي في الكويت: مبادئ .. وممارسات. الكويت: مطابع دار الوطن.
عبدالله القباع
1989 الإستراتيجية الدولية وقضايا الأمن في المملكة العربية السعودية. الرياض: مطابع الفرزدق التجارية.
عبدالله النفيسي
1978 الكويت: الرأي الآخر. لندن: الناشر غير محدد.
عبدالمنعم المشاط
1992 “أثر حرب الخليج على مفهوم الأمن القومي” في مركز دراسات العالم الإسلامي (محرر) حرب الخليج الثانية: النتائج والآثار، حلقة دراسية (ص. 37-64). مالطة: مركز دراسات العالم الإسلامي.
عثمان الصالح
1989 النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت. الكويت: مطابع كويت تايمز التجارية.
عدنان نور الدين
1993 “قراءة اقتصادية لإستراتيجية مستقبلية لدول مجلس التعاون” في مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية. الندوة العلمية الرابعة: دول مجلس التعاون الخليجي وحدة التاريخ والمصير وحتمية العمل المشترك. (15-17 نوفمبر 1993) (ص. 99-124). المجلد الثاني. الكويت: مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية.
عوض العنزي
1994 “تركيب القوى العاملة في دولة الكويت: دراسة ميدانية“. جامعة الكويت (بحث غير منشور).
غانم النجار
1994 مدخل إلى التطور السياسي في الكويت. الكويت: دار قرطاس للنشر والتوزيع.
فؤاد زكريا
1991 الثقافة العربية وأزمة الخليج. لندن: الشركة الكويتية للأبحاث (ليمتد).
فيصل المزيدي
1993 مستقبل الخليج: آثار الحرب وتحديات التسعينيات. لندن: I.B.Tauris.
اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة
1992 “ترجمة وعرض لورقة عمل اليونسكو حول تعميم التربية وتطويرها، استعداداً للقرن الحادي والعشرين، المعد للمؤتمر الخامس لوزراء التربية ومسؤولي التخطيط الاقتصادي والاجتماعي في الدول العربية. “مجلة التربية 3 العدد 7-8: 173-192.
محمد الجاسم
1992 الكويت.. مثلث الديمقراطية. القاهرة: مطابع الشروق.
ممدوح كامل
1995 الأمن القومي والأمن الجماعي الدولي. القاهرة: دار النهضة العربية.
وزارة الداخلية
1993 “المجموعة الإحصائية السنوية لوزارة الداخلية” الكويت: الإدارة العامة للتخطيط والتنظيم.
وزارة الداخلية
1992 “المجموعة الإحصائية السنوية لوزارة الداخلية” الكويت: الإدارة العامة للتخطيط والتنظيم.
المصادر الأجنبية
Crystal, Jill
1990 Oil and Politics in the Gulf: Rulers and Merchants in Kuwait and Qatar. Cambridge: Cambridge University Press.
Gilpin, Robert
1989 War and Change in World Politics. Cambridge: Cambridge University Press.
Holsti, K. J.
1977 International Politics: A Framework of Analysis. Englewood Cliffs, NJ: Prentice Hall.
Huntington, Samuel P.
1993 The Third Wave: Democratization in the Late Twentieth Century. Norman and London: University of Oklahoma Press.
Ismael, Jacqueline
1993 Kuwait: Dependency and Class in a Rentier State. Gainsville, FL: University of Florida Press.
———————————————————————————————–
جدول (1)
بيان مرتكبي جرائم الجنايات والجنح، حسب اتجاه الجريمة للمواطنين، وغير المواطنين، لعام 1993*
أنواع الجرائم | مواطنين | غير مواطنين | المجموع |
الجرائم الضارة بالمصحلة العامة | 458 | 196 | 654 |
النسبة المئوية | 70% | 30% | |
الجرائم الواقعة على النفس | 2177 | 1725 | 3902 |
النسبة المئوية | 56% | 44% | |
الجرائم الواقعة على العرض والسمعة | 3106 | 1523 | 4629 |
النسبة المئوية | 67% | 33% | |
جرائم السرقات | 416 | 961 | 1377 |
النسبة المئوية | 30% | 70% | |
الجرائم الواقعة على المال | 2568 | 1224 | 3792 |
النسبة المئوية | 68% | 32% | |
المجموع | 8725 | 5629 | 14354** |
النسبة المئوية | 61% | 39% |
* يشمل الذكور والإناث في مختلف محافظات دولة الكويت والإدارة العامة للمباحث الجنائية.
** يبدو وجود خطأ في احتساب بعض الأرقام في الإحصائية، حيث أن المجموع الإجمالي كما هو في المصدر الرسمي (15179).
المصدر: وزارة الداخلية، الإدارة العامة للتخطيط والتنظيم، المجموعة الإحصائية السنوية لوزارة الداخلية، (1993)، ص 24-25.
جدول (2)
أعداد مرتكبي جرائم الجنايات والجنح، حسب نوع الجريمة من المواطنين لعام 1993*
نوع الجريمة | مواطنين | المجموع |
اختلاس أموال حكومة | 27 | 46 |
الاعتداء بالضرب | 323 | 617 |
حيازة سلاح بدون ترخيص | 76 | 99 |
دخول منزل بقصد الجريمة | 78 | 156 |
شروع بالقتل | 65 | 128 |
اختطاف | 119 | 157 |
مواقعة جنسية | 51 | 122 |
اغتصاب | 16 | 23 |
مخدرات | 405 | 677 |
سرقة بمختلف أنواعها | 211 | 473 |
تزوير رسمي | 342 | 627 |
حريق متعمد | 11 | 17 |
التحريض على الفعل الفاضح | 98 | 186 |
معاكسة هاتفية | 1738 | 1916 |
حيازة خمور، وسكر | 589 | 881 |
تعد خفيف، وسب، وشتم | 233 | 372 |
* يشمل الذكور والإناث البالغين والأحداث، في مختلف محافظات دولة الكويت والإدارة العامة للمباحث الجنائية.
المصدر: وزارة الداخلية، الإدارة العامة للتخطيط والتنظيم، المجموعة الإحصائية السنوية لوزارة الداخلية، (1993)، ص 24-25.
جدول (3)
عدد سكان الكويت حسب الجنسية (1957-1994)
سنة التعداد | الجنسية | عدد السكان | % |
1957 | كويتي | 113662 | 55 |
غير كويتي | 92851 | 45 | |
المجموع | 206473 | 100 | |
1961 | كويتي | 161909 | 53.3 |
غير كويتي | 159712 | 49.7 | |
المجموع | 321621 | 100 | |
1965 | كويتي | 220059 | 47.1 |
غير كويتي | 247280 | 52.9 | |
المجموع | 467339 | 100 | |
1970 | كويتي | 347396 | 47 |
غير كويتي | 391266 | 53 | |
المجموع | 738662 | 100 | |
1975 | كويتي | 472088 | 47.5 |
غير كويتي | 522749 | 52.5 | |
المجموع | 994837 | 100 | |
1980 | كويتي | 565613 | 41.7 |
غير كويتي | 792339 | 58.3 | |
المجموع | 1357952 | 100 | |
1985 | كويتي | 681880 | 40.1 |
غير كويتي | 1016013 | 59.9 | |
المجموع | 1697301 | 100 | |
1990 تقديرات | كويتي | 564077 | 26.5* |
غير كويتي | 1560791 | 73.5 | |
المجموع | 2124868 | 100 | |
1994 تقديرات | كويتي | 671256 | 37.9 |
غير كويتي | 1100987 | 62.1 | |
المجموع | 1772243 | 100 |
* يلاحظ تدني العدد بسبب حذف أعداد البدون من خانة الكويتيين.
المصدر: وزارة التخطيط، الإدارة المركزية للإحصاء، المجموعة الإحصائية في 25 عاماًً، الكويت: وزارة التخطيط، (1990)، وزارة التخطيط، الإدارة المركزية للإحصاء، المجلة الإحصائية 1990، الكويت: وزارة التخطيط، (1990)، صحيفة القبس 11/8/1994.