تم النشر في: مجلة كلية الآداب: الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، المجلد 79، العدد 3، أبريل 2019 (ص. 133-175)
* تم تمويل هذا العمل من قبل جامعة الكويت، مشروع بحث رقم (OL02/15)
الباحثون:
د. حسن عبدالله جوهر – قسم العلوم السياسية – جامعة الكويت
د. محمد شهاب الوهيب – قسم الفلسفة– جامعة الكويت
ملخص البحث
ركزّت هذه الورقة على دراسة العوامل المشتركة في الدول العربية التي عاشت، وما تزال، تحولات اجتماعية وسياسية دراماتيكية سريعة قد تشكل بيئة مستجدة للنظام العربي في إطاره السياسي والاجتماعي والثقافي، وذلك كمقدمة لفهم التحولات الذي يعيشها هذا النظام، وقد تم استعراض الجذور التاريخية والفكرية لبعض التحولات السياسية الكبرى في العالم على مر العصور لفهم التحولات العربية المفاجئة بعد أن أكد بعض المحللون والمراقبون بأن العالم العربي سيبقى خارج التاريخ ولن تصل إليه رياح التغيير والديمقراطية التي تهب على العالم من وقت إلى آخر، وانطلقت الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن التحولات التي شهدتها بعض المجتمعات العربية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا مع انطلاقة موجة الربيع العربي لم يكن لها أن تطل برأسها في غياب شرارة تشعلها وتمثلت في تراكم جملة من الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ذات التأثير المباشر على الحياة العامة للشعوب، وما تحمل من تطلعات وطموحات لا تستوعبها حالة الركود الفكري والسياسي السائدة، ولعل الأهم من ذلك كله أن هذه التحولات من شأنها أن تفتح الأبواب واسعة لتحديات مستقبلية، على المدى المنظور والأمد البعيد، أمام القوى السياسية الجديدة التي ستقع على عاتقها مهام بناء دول عصرية قد تعيد الاجتماع السياسي العربي إلى قلب التاريخ في إطار منظومة حضارية أصيلة لتساهم في صناعته بعد أن كانت خارجه في موقع المتلقي غير الفاعل.
——————————————-
المصطلحات الأساسية: النظام السياسي العربي، ثورات الربيع العربي، الدولة العصرية، الفكر السياسي العربي.
Contemporary Reforms in the Arabic System: Roots, Causes and Modern State-Building Challenges
Abstract
This paper has focused on the common factors among Arab countries, which have experienced dramatic social and political changes since 2011. Rapid developments in the Arab world are expected to introduce an environment for the establishment of a new socio-political system. Sudden Arabic uprising was analyzed according to major historical and intellectual political changes throughout the modern era, in an attempt to challenge the argument that Arabs will stay out of the historical context of the evolution of democracy.
The main hypothesis of the study emphasized that the current episodes of Arab Spring was triggered by a combination of economic, social and political factors directly related to the daily life of the people in Tunisia, Egypt, Libya, Syria among others Arabic countries. However, the aspirations and expectations of the masses exceeded the classical materialistic needs even for millions of low class citizens. The call for freedom, dignity and equality convincingly require an intellectual perspective for a modern state-building.
The consequences of the Arab revolutions will open further areas for unprecedented challenges at both short and long terms of modern state-building. Major breakthrough in this evolution will certainly return Arabic political sociology to the heart of history. It will prove that Arabs can provide a genuine intellectual system with a valuable contribution to the progress of modern human civilization.
——————————————-
Key Words: Arabic Political System, Arab Spring uprising, Modern State, Arabic Political Thought.
التحولات في النظام العربي: الجذور والأسباب
وتحديات بناء الدولة العصرية
مقدمة
استندت فكرة هذه الدراسة على تحليل العوامل المشتركة في الدول العربية التي عاشت، وما تزال، تحولات اجتماعية وسياسية دراماتيكية سريعة من شأنها أن تشكل بيئة مستجدة للنظام العربي في إطاره السياسي والاجتماعي والثقافي، وذلك كمقدمة لفهم التحولات الذي يعيشها هذا النظام، حيث تم استعراض الجذور التاريخية والفكرية لمجموعة من التحولات السياسية الكبرى على مر العصور لفهم التحولات العربية المفاجئة، التي انطلقت في أواخر عام 2010 وبدايات عام 2011، بعد أن كان الكثير من المحللين والمراقبين يؤكدون في أديباتهم الفكرية والسياسية أن العالم العربي سيبقى خارج التاريخ ولن تصل إليه رياح التغيير والديمقراطية التي تهب على العالم من وقت إلى آخر.
وانطلقت الدراسة من فرضية رئيسية مفادها أن التحولات التي شهدتها بعض المجتمعات العربية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، في ظل ما عرف بموجة الربيع العربي لم يكن لها أن تطل برأسها في غياب شرارة تشعلها، وتمثلت في تراكم جملة من الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ذات التأثير المباشر على الحياة العامة للشعوب، وما تحمل من تطلعات وطموحات لا تستوعبها حالة الركود الفكري والسياسي السائدة، ولعل الأهم من ذلك كله أن هذه التحولات من شأنها أن تفتح الأبواب واسعة لتحديات مستقبلية على المدى المنظور والأمد البعيد، أمام القوى السياسية الجديدة التي ستقع على عاتقها مهام بناء دول عصرية قد تعيد الاجتماع السياسي العربي إلى قلب التاريخ في إطار منظومة حضارية أصيلة لتساهم في صناعته بعد أن كانت خارجه في موقع المتلقي غير الفاعل.
وقد تركز البحث على دراسة مفهوم النظام السياسي العربي في ضوء ثورات الربيع العربي، وما نتج عن ذلك من الحاجة إلى بناء الدولة العصرية وعناصرها الأساسية من مؤسسات دستورية وتنظيمات سياسية وتفعيل دور المشاركة الشعبية كمثلث يحتضن مشاريع التنمية البشرية على أرضية متماسكة لتعزيز وديمومة الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني، ومدى مساهمة الفكر السياسي العربي وموروثاته الثقافية والأيديولوجية لخدمة هذا المشروع التاريخي.
منهجية الدراسة
(1) مشكلة الدراسة:
انطلقت فكرة البحث من أهمية التحولات العربية التي شهدتها تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن وغيرها من الدول العربية، باعتبارها من أبرز المحطات السياسية في القرن الحالي، وأن تداعيات الانتفاضات الشعبية التي انطلقت بشكل مفاجئ وسريع منذ أواخر عام 2010 سوف تلقي بظلالها على مفهوم النظام السياسي في العالم العربي سواءً على الصعيد الفكري أو العملي المؤسساتي، وقد تفاوتت الرؤى التحليلية حول تفسير طبيعة هذا الحراك الجماهيري من منظور الاجتماع السياسي، ومدى إمكانية تصنيفها كموجة احتجاجات شعبية أو حركات تمرد شبابية أو مطالبات لتحسين ظروف الحياة المعيشية أو كثورات شعبية من شأنها أن تضيف إلى الحضارة الإنسانية في بعدها الثقافي والسياسي، ومن خلال إعادة بناء الدولة المدينة الحديثة في توازن ما بين الموروثات القيمية والعصرنة الجديدة.
(2) الأسئلة البحثية:
ركّزت الدراسة على تحليل العوامل المشتركة في تطورات الحراك الشعبي العربي في إطار البيئة المستجدة للنظام العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية من أجل فهم التحولات الرئيسية التي يعيشها هذا النظام وقدرته على استيعاب تطلعات وطموحات الشعوب واحتوائها في ظل بناء الدولة العصرية القادرة على المساهمة في الموروث الثقافي للحضارة البشرية، وسعت إلى الإجابة على الأسئلة البحثية التالية:
أ. ما أثر الجذور التاريخية والفكرية للتحولات السياسية الكبرى في التاريخ البشري على بلورة مفاهيم الربيع العربي؟
ب. ما أثر الجيل الشبابي في تحويل أسباب الفقر والجوع والاستبداد إلى مفاهيم سياسية ذات دلالة حضارية كشعار للثورات الشعبية العربية؟
ج. مدى قدرة النخب والتيارات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والرأي العام الشعبي على مأسسة مفاهيم ومنطلقات الثورة، وبناء قواعد الدولة المدنية الحديثة المستقرة وفق مرئيات حضارية ثابتة؟
(3) أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة في ضرورة بناء منهجية علمية في دراسة تبعات التحولات الراهنة في أعقاب الانتفاضات الشعبية ومساهمتها في إعادة تشكيل النظام السياسي العربي على ضوء النماذج التاريخية للثورات الشعبية التي أثرت الحضارة الإنسانية من خلال تطبيق مفاهيم الحرية والمساواة والديمقراطية، وذلك من خلال الاستمرار في البناء التراكمي للأدبيات النظرية لمفهوم الدولة العصرية ومتطلباتها وعوامل استقرارها في العالم العربي، وبشكل يخدم أصحاب القرار السياسي على مستوى السلطات الحاكمة والنخب الفكرية والثقافية والتيارات والتنظيمات السياسية.
(4) المنهجية العلمية:
اعتمدت الدراسة على تقييم الجذور الفكرية والتاريخية للحراك الشعبي العربي من خلال المفاهيم والشعارات التي تصدرّت الاحتجاجات الجماهيرية عبر العديد من الدول العربية، والنتائج التي تمخضت عنها وفي مقدمتها سقوط بعض الأنظمة السياسية والبدء بمرحلة بناء الدولة الجديدة وفقاً لمعطيات هذه الثورات، حيث تم التركيز على المنهج التاريخي والمنهج المقارن كأساس علمي في ربط التحولات العربية الراهنة بمفاهيم ونتائج الثورات التاريخية الرائدة التي غيّرت ملامح المسيرة البشرية، بالإضافة إلى نظرية “الحرمان النسبي” في شرح الحركات الجماهيرية والانتفاضات الشعبية والثورات.
في المنهج التاريخي يرى كارتر جود (1954) (Carter Good) أن التاريخ يضم الميدان الكلي الشامل للماضي البشري، أما الحقائق والبيانات التاريخية فيجب أن ينظر إليها على أنها جزء لا يتجزأ من عملية النمو الاجتماعية أو الحياة الاجتماعية الشاملة التي كانت تحيط بها أكثر منها حقائق متفرعة أو منفصلة عن الحياة الاجتماعية المحيطة بها، ولذلك فأن الطريقة التاريخية تدرس النظم والممارسات الاجتماعية والسياسية الماضية بغية فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل، كما أنها تساهم في تفسير النظم المختلفة في وجودها الواقعي واتجاهاتها، ويزود الباحث بأصولها وتطوراتها المتوقعة.
أما المنهج المقارن فيهتم بجمع ورصد المعلومات الوصفية والتحليلية حول المجتمعات السياسية من حيث درجة تقدمها الاجتماعي ونضجها السياسي وظروفها البنائية ومستواها التكنولوجي والاقتصادي والسياسي، ثم يقوم بمقارنة أحداث هذه المجتمعات من أجل صياغة قواعد عامة يكون لها دور في تفسير الطبيعة السياسية والعلاقة التفاعلية بين السلطة والمجتمع، انتهاءً بالتنبؤ بتداعيات الحوادث والظواهر السياسية عالمياً (Timothy, 2016: 3-6).
تبعاً للنظريات المقارنة الخاصة بعلم الاجتماع السياسي فأن الدراسة تسعى إلى التحقق من الأهداف التالية في ظل التحولات العربية الراهنة:
- 1. وظائف وبناءات الظواهر والنظم والأنساق السياسية.
- 2. العلاقة المتبادلة بين النسق السياسي والأنساق الاجتماعية الأخرى.
- 3. الطبقات السياسية والصفوة التي تحاول تسلم زمام الأمور السياسية.
- 4. مقارنة النظم السياسية عبر العصور التاريخية ومقارنة ذلك مع إمكانية ظهور نظام عربي جديد يتمتع بمؤسسات وبنى الدولة العصرية الحديثة.
الدراسات السابقة
من الدراسات الجديرة بالاهتمام في تقييم أحداث الربيع العربي مقالة “التحولات الراهنة في النظام العربي المعاصر” التي اعتبرت فيها نغم نذير شكر (2011: 7-14) الاحتجاجات العربية حركة أفقية لا مركزية جمعت فئات مجتمعية متعددة بهدف إسقاط النخب الحاكمة، وكان من أهم إنجازاتها اندماج الطبقة الوسطي مع الطبقات الضعيفة كمشروع مجتمعي جديد، وشبهت شكر هذا التحوّل كأحد التطبيقات المستحدثة لنموذج ماكس فيبر محوره الأساسي المشتركات الثقافية في عهد ما بعد الحداثة، واستخلصت بالقول بأن أكبر تحديات النخب السياسية والاجتماعية في دول الثورات العربية يتمثل في إنتاج قواعد جديدة للتحاكم السياسي يقوم على مبادئ الديمقراطية.
كما اعتبر بول سالم (15 نوفمبر 2011)، في مقاله التحليلي “الربيع العربي من منظور عالمي: استنتاجات من تحولات ديمقراطية في أنحاء أخرى من العالم”، هذا الحراك بداية النضال من أجل الحقوق السياسية والاجتماعية كنهج طبيعي في مسيرة التاريخ البشري، وأضاف سالم بأن الثورات العربية هي نتيجة حتمية في مجتمعات آخذة في التعقيد، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور ضغط شعبي يهدف إلى التمكين الجماعي من خلال مؤسسات معقدة لا يمكن أن تتوفر في ظل الإدارات الصغيرة التي مثلتها أشكال الحكومات السلطوية القائمة على الحزب الواحد أو العائلة الواحدة منذ عقود من الزمن.
أما حميد دباشي (2012) (Hamid Dabashi)، فقد أشار في كتابه “الربيع العربي: نهاية ما بعد الاستعمار” (The Arab Spring: The End of Postcolonialism) إلى أن أحداث التحولات العربية ظاهرة فريدة في التاريخ تجاوزت أشكال الأيديولوجيات والدوغما الفكرية، إذ لم تتخذ من العنف وسيلة في الوصول إلى أهدافها، وأضاف بأن ما شهدته العديد من الدول العربية من شأنه إعادة صياغة مفهوم الثورة التي لا تقتصر على مجرد تغيير هيكلية المجتمع اقتصادياً واجتماعياً بل يلامس بعمق الأنماط الثقافية السائدة تحت شعارات الحرية والإنسانية والعيش بكرامة، وأن هذا البعد الثقافي سيكون مدخلاً مستنيراً لإعادة فهم الخرائط الجغرافية والفكرية والتصورات الغربية عن العرب والمسلمين (حسيب، 2012: 125-144).
من جهته، شبّه فرانسيس فوكوياما (2014) (Fukuyama Francis)، في كتابه “النظام السياسي والتفسخ: من الثورة الصناعية إلى عولمة الديمقراطية” (Political Order and Political Decay: From the Industrial Revolution to the Globalization of Democracy)، الربيع العربي بالثورات الأوربية في القرن التاسع عشر، وتنبأ بنجاحها في المضي باتجاه الديمقراطية لأنها تتمتع بقيادة شبابية نابعة من الطبقة الوسطى ذات الثقافة الفكرية العالية، واستخلص بأن سقوط الأنظمة السياسية هي بداية الطريق لعملية سياسية ممتدة تتسم بمؤهلات التنمية السياسية التي سوف تنجح بدورها في تقديم نموذج ديمقراطي جديد في العالم العربي (ص. 3-9، 385-392).
وأخيراً، بيّن سلمان بو نعمان في كتابين متلاحقين هما “فلسفة الثورات العربية: مقاربة تفسيرية لنموذج انتفاضي جديد” (2012) وكتاب “أسئلة دولة الربيع العربي: نحو نموذج لاستعادة نهضة الأمة” (2013)، بأن عوامل اندلاع الثورات العربية تمثلت في الفقر والبطالة وتردي مستوى الخدمات العامة إلى جانب الاضطهاد السياسي (بو نعمان، 2012: 88-95)، إلا أن هذه المشتركات العامة قادت إلى إعادة تأسيس العلاقة بين مختلف الفئات المجتمعية من جهة، وبينها وبين الدولة من جهة أخرى، وأضاف بو نعمان بأن تحولات الربيع العربي أدّت إلى خروج الشعوب من إطار ما سماه “الثنائية القاتلة”، حيث كانت قوة الدولة مرتبطة بضعف المجتمع وتغيّرت رأساً على عقب لتصبح قوة المجتمع انعكاساً لضعف الدولة، ولذلك فأن الثورات الشعبية هو المشروع الواعد لإعادة تأسيس هذه العلاقة وفق معادلة جديدة طرفاها مجتمع حي وقوي ودولة عادلة (بو نعمان، 2012: 155-157؛ طرابيشي، 2006: 9-15).
هذه الدراسات وغيرها تعتبر مدخلاً مهماً في بناء الأطر الفكرية لمشروع بناء الدولة العصرية لتكون الحاضنة لإعادة صياغة البنى المجتمعية ووضع أسس جديدة لمؤسسات مدنية وسلطات دستورية تستمد شرعيتها من القبول الشعبي، لعلها تضيف نموذجاً للحداثة القائمة على مفاهيم حضارية كالتعايش السلمي والتنمية البشرية والتعددية السياسية، تستمد جذورها من شعارات الربيع العربي كالحرية والمساواة والكرامة.
الإطار النظري والمصطلحي
بداية لا بد من الإشارة إلى أن ما يقصد بـ “النظام” هو ما كتب عنه ديفيد إيستون (David Easton)، وفيليب برايار (Philippe Braillard)، وريمون آرون (Raymond Aaron)، وغيرهم تحت مسمى “المنتظم” أو “النسق” (System)، والذي ينبغي أن نأخذ في تعريفه النقاط الأربعة التالية بعين الاعتبار: (1) يتألف “المنتظم” من عناصر (2) ترتبط بمجموعة علاقات أو تفاعلات (3) تشكل بينها كلاً واحداً أو كلية واحدة (4) تظهر هذه الكلية نوعاً من التنظيم، وبالطبع هناك ما فوق المنتظم وما دونه في هرمية بإمكانها شمول الكرة الأرضية، فالمنتظم العالمي على سبيل المثال هو ما فوق منتظم وقد يشمل منتظمات أو أنساق عديدة (كأميركا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا والنظام الإقليمي العربي… الخ)، وهذه الأخيرة تضم ما دون أنساق متعددة (فالنظام الإقليمي العربي يضم: النظام الإقليمي الخليجي، والمغاربي ودول المواجهة ووادي النيل… الخ)، وبحسب ديفيد إيستون (David Easton) فأن النسق المكون من مجموعة محددة من العلاقات هو في حال اتصال مع بيئته من خلال آلية المدخلات (Inputs) والمخرجات (Outputs)، حيث تتكون المدخلات من مجموعة المطالب والمعضدات المتجهة إلى النظام باعتبارها كل واحد لتتفاعل في داخله وتخرج على شكل مخرجات تعود لتساهم في صياغة مدخلات جديدة بطريقة التغذية العكسية أو المرتجعة (Feed Back) التي تساهم بدورها في تعديل البيئة التي منها ستنطلق مخرجات جديدة (Shirin, Bogolubova & Nikolaeva, 2014: 1084-1085).
تعتبر هذه الورقة بأن التحولات التي شهدها النظام العربي مؤخراً، وما يزال، ناتجة عن تحولات في بعض العناصر المكونة له، وهي بالتحديد الدول المؤثرة والفاعلة فيه مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، فهذه التحولات دفعت دولاً خارجية مؤثرة أخرى (مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين) إلى إحداث تغييرات في مواقفها وسياساتها وربما استراتيجياتها حيال النظام العربي الذي ما يزال في مرحلة استمرار تلقي هذه المدخلات وبانتظار تحوّلها إلى مخرجات جديدة بعد تفاعلها، وذلك في سياق مرحلة انتقالية نعيش اليوم في قلبها، وهي بالطبع مخرجات ما تزال عصية على الاستشراف والتحليل، كما هو حال التحولات الكبرى في التاريخ وفي ظل الدول التي عاشت ثورات شعبية عارمة، فالثورة الفرنسية على سبيل المثال لم تعط نتائجها إلا بعد قرن ونصف قرن من الزمن، بحسب المحلل السياسي ووزير الخارجية الفرنسية الأسبق أوبير فدرين (Vedrine Hurbert) (صحيفة النهار، 03/06/2011)، وبناءً على ذلك سوف يتم التركيز على دراسة العوامل المشتركة في الدول العربية التي شهدت تحولات تشكّل بيئة جديدة مستجدة للنظام العربي كمقدمة لفهم التحولات الذي يعيشها هذا النظام.
في الحقيقة، لم يتفق الباحثون على مصطلح يعبر عن “التحولات العربية” التي بدأت في تونس نهاية العام 2010، قبل أن تمتد لتشمل دولاً عربية أخرى كمصر وليبيا واليمن وسوريا، فمن الباحثين من يعتبر أن هذه التحولات ليست “ثورات” شعبية لأن التغير الناجم عنها لم يطاول كل البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جذورها كما تفعل الثورات عادةً، ومنهم من يرفض تعبير “انتفاضات شعبية” لأن ما حصل هو أكثر من مجرد انتفاضات للعمال أو الفلاحين أو طلبة الجامعات، لكنها ثورات اشتركت فيها كل فئات الشعب التي اتحدت خلف مطلب “إسقاط النظام” ونجحت في تحقيقه، وهناك من يرفض تعبير “الربيع العربي” لأن الذي حل محل الأنظمة البائدة لم يكن أفضل منها ولأن حالة عدم الاستقرار الناجمة عن هذا “الربيع” تنذر بشتاء عربي قارص وطويل (الأشقر، 2013: 20).
مهما يكن من أمر وبعيداً عن نقاش مصطلحي لا يضيف شيئاً جوهرياً إلى موضوعنا فأن تعبير “تحولات” يمكن أن يشمل في طياته كل التعبيرات المذكورة وغيرها أيضاً، وقد لا يختلف حوله الباحثون، لكن تعبير “الثورات الشعبية” قد يكون الأقرب لـ “تحولات” لأن هذه الأخيرة تمس النظام الإقليمي العربي والشرق أوسطي برمته ولها تأثير أيضاً على النظام الدولي والعلاقات الدولية، ومن ناحية أخرى فأن ما يعيشه النظام العربي يدخل في إطار ما يسمى في علم السياسة بـ “الترانزيتولوجيا” (Transitogie) أو علم التحول الديمقراطي وإن كان من المبكر الحكم في هذه اللحظة أن كنا بالفعل باتجاه هذا التحول أو بصدد مجرد انتقال سياسي من سلطة إلى أخرى داخل النظام نفسه.
بالإضافة إلى منهج النظم، سوف تعتمد الدراسة على نظرية “الحرمان النسبي” (Relative Depression) التي طرحها وطورها عالما السياسة الأميركيان جيميس ديفيز (1962) (James Davis)، ثم تيد غـور (1970) (Ted Gurr)، ففي ستينيات القرن الماضي ركز ديفيز وغور على نموذج معرفي (Paradigm) للحرمان النسبي لشرح الحركات الجماهيرية والانتفاضات الشعبية والثورات، واستشهد ديفيز بقول الكسي دو توكفيل (Alexis de Tocqueville): “أن الشعب الذي طالما تحمل، دون أن يشتكي، أكثر القوانين تعسفاً وكأنه لا يشعر بها، سرعان ما سيرفضها ويثور عليها بمجرد أن تخف وطأتها عليه، والنظام الذي تقضي عليه الثورة يبقى أفضل من ذلك الذي يليه مباشرة، وتدل التجربة على أن أكثر اللحظات خطورة على الحكومة السيئة هي اللحظة التي تقرر فيها إصلاح نفسها، لا يمكن لأحد في العالم إنقاذ أمير يباشر بإنقاذ رعاياه بعد طول ظلم وقهر” (Davis, 1962: 5-19, 237)، هذا ما حدث تحديداً في الاتحاد السوفييتي الذي انهار عقب محاولات ميخائيل غورباتشوف (Mikhail Gorbachev) لإصلاح النظام فيه بعد طول ظلم وتعسف من خلال برنامج إعادة البناء “البيريسترويكا” (Perestroikal)” وسياسة الانفتاح “الغلاسنوست” (Glasnost)، وهذا ما تكرر أيضاً في كل من تونس ومصر في عام 2011.
يضيف جيمس ديفيز بأن الفجوة ما بين توقعات الجماهير والمستوى الحقيقي لشعورها بالرضا عندما تتضخم بشكل مفرط، أو بتعبير آخر عندما يتسع الفرق “بين ما يرغبه الناس وما يعيشونه، نصبح في وضع لا يطاق فتحدث الثورة” (Davis, 1962: 54)، فنظرية “الحرمان النسبي” التي يوضحها ديفيز تشرح حالة الثورة البلشفية في روسيا في عام 1917، حيث أن التقدم الذي أحرز في روسيا انطلاقاً من عام 1880 رفع من آمال وتوقعات معظم الشرائح الاجتماعية الروسية، ولكن تلك التوقعات أصيبت بخيبة أمل سواءً في صفوف طبقة الفلاحين التي لم تستفد في معظمها من نتائج الإصلاحات ووقعت ضحية المحاصيل الشحيحة، أو العمال الذين في معظمهم اقتلعوا للتو من بيئتهم واستغلوا بشكل مفرط، أو حتى الجيش الذي شعر بالمهانة جراء هزيمته في الحرب مع اليابان، وهكذا تضافر الجوع والحرب والاستبداد، في السنوات 1914-1917 ليحفزوا مجموع الإحباطات، الأمر الذي أدى إلى نضوج الحالة الثورية وهز أركان النظام القيصري نفسه (Davis, 1962: 59).
تيد غورTed Gurr من جهته، مَنهَجَ هذه المقاربة بمفردات “الحرمان النسبي” الذي يعرّفه بـ الهوة المُدرَكَة من قبل الأفراد بين ما يعتبرون أن من حقهم الحصول عليه، وبين ما يملكون بالفعل، حيث أن كثافة الحرمان تحدد درجة العنف الجماعي الذي يحتويه المجتمع، فالهوة المدركة ما بين التوقعات ومستوى الرضا الحقيقي يشرح الجهوزية أو القابلية للعنف، ولكن تيد غور، على عكس محللين آخرين في مجال سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية، لا يعتبر ذلك شرطاً كافياً للثورة، وإن كان من متطلباته الضرورية، وليس هناك من صلة ميكانيكية أو آلية بين هذه الهوة المدرَكة واتساع رقعة ردود الفعل الجماعية، فهذا مرتبط أيضاً بدرجة شرعية السلطة وقدرتها على القمع، فإذا كان الشعور بخيبة الأمل والحرمان منتشراً في أجزاء واسعة من المجتمع ويطال طبقات اجتماعية متنوعة وليس شرائح قليلة معينة، وإذا حصل إجماع على فقدان السلطة لشرعيتها واستحوذ الحراك على الشرعية، وإذا قابلت السلطة الحراك بتردد وضعف، فهنا تنفجر الثورة (Gurr, 1970: 24, 87-88).
في هذه الدراسة سوف نبيّن أيضاً أن الحرمان الاقتصادي والسياسي، في دول ما سميت بالربيع العربي، وصل إلى مرحلة لا تطاق على خلفية تنامي التعليم والوعي السياسي تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وانتشار القناعة في أوساط كل الشرائح الشعبية الفاعلة بأن التغيير بات ضرورياً وملحاً، بل وأكثر من ذلك ممكناً بقليل من التضحيات، وهكذا بدأت “الثورة” بعود ثقاب جسدّه التونسي محمد البوعزيزي عندما أحرق نفسه فأشعل فتيل الثورة الشعبية التي انتشرت كالنار في الهشيم لتشمل تونس ثم ومصر وليبيا وسوريا واليمن، كما أن تعامل الرئيس بن علي بتردد وضعف مع الثورة زادتها تأججاً وعندما رفض الجيش التدخل لم يجد بداً من الفرار، وهذا تقريباً ما حدث في مصر حيث لم يتدخل الجيش ليقضي على الثورة من بدايتها، فتحققت مقولة الكسي دو توكفيل وسقط نظام الرئيس المصري حسني مبارك (الأشقر، 2013: 23).
من ناحية أخرى، يرى شارل تيللي (Charles Telly)، المختص بالتاريخ الاجتماعي وأحد أبرز ممثلي نظرية الصراع السياسي ممن أقاموا الجسور بين النظرية السياسية والتاريخ، بأنه يمكن شرح الانتفاضات الاجتماعية من خلال عملية تجميع المصالح والحسابات العقلانية في الخيارات الفردية التي تضع العمل الجماعي موضع التنفيذ في وجود فرصة تاريخية سانحة، وبذلك فهذه الانتفاضات فعل يتم بناؤه تاريخياً واجتماعياً ويضرب جذوره في سياق فكري وفلسفي بعيد (Tilly, 1986).
في هذه الورقة أيضاً، سوف تكون هناك عودة سريعة إلى الجذور التاريخية والفكرية للتحولات السياسية الكبرى في العالم على مر العصور لفهم التحولات العربية المفاجئة بعد أن أيقن المحللون والمراقبون بأن العالم العربي سيبقى خارج التاريخ ولن تصل إليه رياح الديمقراطية التي تهب على العالم من وقت إلى آخر، ولم يكن لهذه التحولات أن تطل برأسها في غياب شرارة تشعلها، وهي عبارة عن تراكم لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية مباشرة، وهذه التحولات تفتح الأبواب واسعة لتحديات مستقبلية، في المديين المنظور والبعيد، أمام القوى السياسية الجديدة التي ستقع على عاتقها مهام بناء دول عصرية تعيد الاجتماع السياسي العربي إلى قلب التاريخ فتساهم في صناعته بعد أن كانت خارجه في موقع المتلقي غير الفاعل.
جذور تاريخية وفكرية بعيدة
تعاقبت إمبراطوريات كثيرة على حكم العالم العربي بعد وصول الحضارة العربية-الإسلامية إلى أوج عزها وازدهارها فأغنت الحضارة الإنسانية بمآثرها العلمية والفكرية، لكن الحروب والغزوات الخارجية أنهكت العرب الذين أخذوا بالتراجع التدريجي بالتوازي مع تقدم الدول الأوروبية الذي توجته الثورتان الصناعيتان الأولى (1750-1850) والثانية (1860-1914)، فغداة الحرب العالمية الأولى تفككت الدولة العثمانية بعد أن حكمت العالم العربي طيلة أربعة قرون ونصف، وما تزال تداعيات هذا التفكك حاضرة إلى اليوم، وقد خرج العالم العربي من عباءة السلطنة العثمانية ليدخل في عباءة الاستعمار الأوروبي بدايةً ثم الغربي بشكل عام على خلفية وعود بمساعدته على السير في طريق الاستقلال والتحرر والدولة العصرية التي لم يتم الوفاء بها، ثم انتهت الحرب العالمية الثانية بقيام نظام دولي ثنائي القطبية بين معسكرين شرقي يقوده الاتحاد السوفييتي وغربي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، ومجدداً كان لهذا الصراع الدولي آثاره المباشرة على العالم العربي الذي كانت دوله الجديدة، بحدودها المتفق عليها بين الدول العظمى، تستحوذ على استقلالها الواحدة تلو الأخرى، وفي أواسط سبعينيات القرن المنصرم كان أعضاء الجامعة العربية قد تجاوزوا العشرين قطراً مع خلافات حدودية وعلاقات متوترة بين حكامها، فعصفت التقلبات والمشاكل الأيديولوجية والسياسية والأمنية والاقتصادية بهذه الدول الناشئة، وبعد موجة من الانقلابات العسكرية المتكررة في بعضها، استقرت الدول العربية على أنظمة بوليسية أمنية في معظمها قبضت على الحياة العامة وعلى الاجتماع السياسي الذي أصيب بالركود، كما ارتهنت هذه الأنظمة لتحالفات خارجية بحثاً عن الشرعية وضمان البقاء والاستمرار، الأمر الذي قضى عملياً على أي أمل في بناء دولة عصرية ديمقراطية أو نظام إقليمي جامع.
لقد فتح انهيار جدار برلين وانتهاء القطبية الثنائية الآمال بولادة نظام عالمي، ومن ثم إقليمي عربي جديد، لكن الغزو العراقي للكويت الذي جاء بعد حرب عراقية-إيرانية مدمرة دامت ثماني سنوات ساهم في إبقاء النظام الإقليمي العربي في حالة وهن وتفكك لم تتمكن الجامعة العربية الضعيفة والمنقسمة على نفسها من إعادة إحيائه، كما أن موجة التحول الديمقراطي التي اجتاحت أوروبا الشرقية وبعضاً من أفريقيا وأميركا اللاتينية في تسعينيات القرن المنصرم لم تطل العالم العربي حتى أيقن كثير من المحللين وعلماء السياسة في العالم بأنه عصي، من الناحية الثقافية والبنيوية، على الديمقراطية والعصرنة.
من جانب آخر، ينبغي أن لا ننسى بأن وجود إسرائيل في قلب المنطقة العربية والدعم الغربي لها والحروب التي شنتها على العرب واحتلالها لمساحات واسعة من أراضي عدة دول عربية وعملها الدؤوب على زرع عدم الاستقرار في محيطها، كان من الأسباب الأساسية المعيقة لتقدم العالم العربي في طريق الحداثة والتقدم، حيث تصدرت أولياتها العسكرة والإنفاق على التسلح وأيديولوجية المواجهة تحت شعارات القومية العربية الموجه تحديداً في الصراع العربي الإسرائيلي.
هذه باختصار شديد الخلفية التاريخية العميقة لتأخر النظام العربي في اللحاق بركب الحداثة والتقدم والعلاقات الدولية على قاعدة الندية والمصالح المتبادلة، لكن الجذور التاريخية وحدها لا تكفي لفهم التحولات التي نشهدها، فثمة جذور فلسفية وفكرية لا بد من الإطلالة عليها لفهم هذه التحولات.
عندما كتب فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) مؤلفه ذائع الصيت عن “نهاية التاريخ وآخر رجل” في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم كان يعتقد بأن الفكر الليبرالي هو الذي انتصر على الفكر الاشتراكي، وبأن التاريخ قد انتهى بانتهاء الصراع الأيديولوجي ومعه كل النزاعات الدولية، وقد استند فوكوياما على قراءة الفيلسوف الروسي المتفرنس الكسندر كوجييف (Alexander Cojiev) لفكر فريدريك هيغل (Friedrich Hegel) ليخلص إلى القناعة بأن الحرية انتصرت على الاستبداد، والمعروف أن هيغل، مستنداً إلى فلسفته في الديالكتيك، اعتبر أن العالم في تطور دائم وتغير ديناميكي مستمر، وهذا التطور طبيعي وضروري لعدم الوقوع في الجمود والفناء (Fukuyama, 1992: 143-150).
في مؤلفه “فلسفة التاريخ”، وهو أهم ما كتب، حاول هيغل أن يتبع قانون التطور الذي سارت على أساسه الإنسانية في حياتها الماضية ليكتشف أن كل شعب كان يتاح له أن يرتقي ذروة المجد ويقبض على صولجان الملك حيناً من الدهر ليكون أداة لا شعورية ينفذ إرادة الروح العامة، ويظل هكذا حتى ينهض شعب آخر فيخلفه بفكرة عن الحرية أوسع من فكرة سلفه وفهم أسمى لوظيفة الإنسان (محفوظ، 1990: 218).
التاريخ بالنسبة لهيغل هو قصة تطور الوعي بالحرية وتزايدها، فكلما تقدم التاريخ عبر الزمن كان الوعي بالحرية تنامي وبالنتيجة، يزداد عدد من يتمتع بها، بينما الدولة في نظره كائن طبيعي حي ينمو بنمو الوعي بالحرية، وهي وحدة في التنوع تقوم من جهة على احترام الحرية الشخصية، بينما يحقق أعضاءها انسجامهم مع النفس بمشاركتهم في حياة الدولة وخضوعهم لأنظمتها من جهة ثانية، وتتجسد الدولة وسلطتها في الحاكم الذي تمارس السيادة عن طريقه، لكن هذا لا يعني أن تكون سلطته مطلقة وتحكمية بل يجب أن تمارس في ظل القوانين الموضوعة والتي تحد من سلطته الكيفية، فالعمل السياسي الرسمي، على سبيل المثال يجب أن يعبّر عن سلطة المركز الوظيفي وليس عن الإرادة أو الحكم الشخصي لشاغل الوظيفة، كما يجب أن يطبق القانون بالتساوي على كل من يشملهم، فجوهر الاستبداد هو انعدام القانون في الكائن السياسي في حين أن قوام الحكم الحر والدستوري أنه يتمسك بالقانون ويوفر الأمن للجميع.
لم يكن هيغل أول من نظّر للحرية من الفلاسفة ولا آخرهم، فقد تبارى قبله ومنذ أرسطو (Aristotle) إلى جيريمي بنتام (Jeremy Bentham)، المفكرون السياسيون على التنظير لحرية الإنسان وقوننتها في شرائع ودساتير وما شابه، فتطورت النظرة إلى الدولة والحكم السياسي من الحكم الإلهي المتمثل بالبابا ثم بالملك المستبد بعد الإصلاح الديني قبل دكتاتورية الأكثرية والعقد الاجتماعي وفصل السلطات (Chevalier, 1984)، وحدثت ثورات وتحولات في العلاقات الدولية وحروب كبرى ثم كونية وصولاً إلى ولادة الدولة الحديثة التي يعرفها الغرب اليوم، والتي تعتبر نفسها نموذجاً في التوفيق ما بين الحرية والمساواة، وهي المعضلة التي اشتغل على حلها مفكرون كثيرون لعل أبرزهم الكسي دو توكفيل (Alexis de Tocqueville) في القرن الـ 19، فالحرية الفردية باتت مقدسة لكنها تتوقف أمام حرية الآخرين والمساواة باتت أمام القانون في مجتمع يؤمن تكافؤاً للفرص بين مواطنيه، هذا نظرياً على الأقل، ولو أن التطبيق العملي لا يزال بعيداً بعض الشيء عن النظرية.
من دون التوقف طويلاً عند هذا النقاش الفلسفي يمكن القول بأن ما نشهده اليوم من تحولات عربية إنما هو حتمية تاريخية كان لا بد من حدوثها في وقت من الأوقات، أكثر منه تحقيقاً لقرارات اتخذها أفراد معينون أو جماعات معينة أو نتيجة لمؤامرات خارجية، فتاريخ الحضارة الإنسانية شهد إلى اليوم عصوراً ثلاثة بحسب ألفن توفلر (Alvin Toffler) (1980)، كانت تحدث فيها انقلابات كبرى في أنماط التفكير والعلاقات والمفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمع اكتشاف المحراث والزراعة بدأ الاستقرار البشري وتفشي مبدأ الملكية الخاصة للأراضي الصالحة للزراعة والعيش في إطار اجتماعي عائلي وقبائلي، وبدأت إرهاصات الدولة بالتشكل، بحسب علماء الانثروبولوجيا، مع ما يصاحبها من تشريعات وقوانين ونظم ولو بدائية، تنظّم حياة هذه المجتمعات (Toffler, 1980: 22-30, 245-260).
في العصر الصناعي الذي بدأ مع اكتشاف الآلة البخارية في القرن الثامن عشر حدثت الانقلابات والتحولات الكبرى العلمية والفكرية والاقتصادية، وانقسم العالم بين دول مستعمِرة وأخرى مستعمَرة وبرزت الطبقات الاجتماعية الجديدة والهجرات بين الدول وفي داخلها من الأرياف إلى المدن وظهرت مفاهيم فائض الإنتاج والسوق والأحزاب السياسية والانتخابات وغيرها، وفي هذا الوقت كان الفكر السياسي يتطور في أوربا منذ الـ “ماغنا كارتا” (Magna Carta) في بريطانيا في العام 1212 وصولاً إلى القرن التاسع عشر عندما أعلن جون ستيوارت ميل (John Stuart Mill) بأنه “لا يحق للبشرية جمعاء إسكات صوت واحد معترض”، وهو الذي أسس للانتخابات القائمة على النظام النسبي، مروراً بنيكولاي مكيافيللي (Niccole Machiavelli) وجان بودان (Jean Boudin) وأصحاب العقد الاجتماعي، أمثال جان جاك روسو (Jean-Jacques Rousseau) وتوماس هوبس (Thomas Hobbes) وجون لـوك (John Locke)، ومبدأ فصل السلطات عند شارل مونتيسكيـو (Charles Montesquieu) ثم الاشتراكية المثالية والمادية الماركسية، وما لبثت أن انفجرت ثورات كبرى غيرت مجرى التاريخ في كل من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا خلال الفترة من عام 1668 وحتى عام 1789، ثم موجات الديمقراطية المتتالية وصولاً إلى أنماط الحكم التي نعرفها في وقتنا الحاضر (أمعضشـو، 2012: 111-120).
لقد دخلنا اليوم، كما يقول الفن وهايدي توفلر (Alvin Toffler & Heidi Toffler)، العصر “الرمزي” حيث بواسطة رقاقات صغيرة (Chips) في عالم الحاسبات الآلية والتكنولوجيا الرقمية وفضاء الإنترنت قهرنا الجغرافيا والحدود على خلفية عولمة هبت رياحها على العالم أجمع، وإذا كان العالم العربي قد عاش على هامش الثورة الصناعية إلا أنه لم يفلت من الثورة التكنولوجية الرقمية وأن كان بصفته مستهلكاً لبضاعتها وليس منتجاً لهذه التكنولوجيا التي فجرت ما يسمى بثورة الاتصالات (Toffler & Heidi, 1993: 23-26).
في عالم اليوم الذي اضمحلت فيه الحدود وانفتح العالم بعضه على بعض لم يعد ثمة مكان رحب لأنماط العلاقات السياسية والاقتصادية التي سادت في القرون الوسطى، فمن دون مبالغة يمكن القول أن بعض الأنظمة العربية، مثل نظام معمر القذافي في ليبيا، تشبه إلى حد كبير ما كان سائداً في العصور الوسيطة، وقد هبّت على العالم أجمع موجات ديمقراطية، ثلاثة أو أربعة بحسب المؤرخين: الموجة الأولى في القرن التاسع عشر، والثانية بعد الحرب العالمية الثانية، بخاصة في ألمانيا وإيطاليا واليابان، والثالثة غداة انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، وهناك من يقول بأن الموجة الرابعة قد طالت بعضاً من أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين أيضاً، لذا فقد آن الأوان كي تشهد منطقة الشرق الأوسط موجة التحول الحتمي التي كان ينبغي لها أن تحدث منذ عقود (سالم، 2011).
أنها إذاً تعبير عن تطور تاريخي حتمي وطبيعي وضروري وليس نتيجة لمؤامرات أو قرارات صادرة عن جهات قادرة وقديرة تقبع في أبراج عاجية، فروح التاريخ أو “الهيولى” كما يسميها هيغل استخدمت التونسي محمد البوعزيزي لتفجير ثورة شعبية اجتمعت من أجلها كل الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والديموغرافية والسيكولوجية ليقع حجر الدومينو الأول في تونس ويدفع بتساقط أحجارها الأخرى واحداً تباعاً رغم خصوصية كل بلد واختلاف أوضاعه الداخلية والجيوبوليتيكية، لذلك فأن الحديث عن مؤامرة أجنبية أو محرك خارجي لتغيير وجه المنطقة هو استخفاف بكرامة الشعوب العربية وعقول أبنائها، بل أنه موقف يقترب من العنصرية حيال الشعوب العربية.
لم يكتمل بعد مشهد التغيير أو الانتقال من عصر عربي إلى عصر آخر حتى نتمكن من استجماع خلاصة الدروس المستفادة من هذه التجربة، لكن تبقى هناك جملة من المحطات المهمة التي يمكن التوقف عندها منذ انطلاق أحداث ذلك المشهد الواسع، والتي قد يكون من بينها ما يلي:
(1) أن العرب ليسوا استثناءً بل هم، كما كان يردد المفكر الفرنسي إدغار موران (Edgar Morin) منذ ستينيات القرن الماضي، شعوب مثل غيرها تتطلع إلى الحرية والعدالة والازدهار وتمقت الاستبداد والظلم والتخلف (Edgar, 23 January 2011).
(2) هناك جيل من الشباب العربي غير معني أو لم يتلوّث بالشعارات الممجوجة التي أضحت تبعث على السأم، وبات هذا الجيل اليافع في المقدمة ليحمل الإرادة والقدرة على التغيير.
(3) لأسباب عديدة منها الهجرة والتفاعل مع المجتمعات الدولية والانفتاح على العالم عبر بوابة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كالفضائيات والانترنت والفيسبوك والتويتر وغيرها، لم يعد الشباب العربي بحاجة إلى المرور في التجارب التي مرت بها أوربا طوال قرون طويلة قبل أن تدخل في الحداثة وتتوصل لبناء الدولة العصرية.
(4) يمكن أن تقوم الثورة وتنتصر من دون حزب طليعي أو قائد أو أيديولوجية محركة.
(5) لم يحمل الإسلاميون، من أصوليين أو سلفيين أو معتدلين، إرادة التغيير بل حملها شباب ليبرالي منفتح وغير مؤدلج، أما عن الثقافة الإسلامية السائدة، فهذا أمر يجمع كل شرائح المجتمع تقريباً ولا علاقة سببية مباشرة له بالحراك الثوري، بل أكثر من ذلك فأن تحالفاً موضوعياً قام لوقت طويل بين الدكتاتوريات والأصوليات، وقد هدد الزعماء المخلوعون كلهم بالإسلام المتطرف واستخدموه ذريعة للبقاء في السلطة واللجوء إلى العنف الوحشي في وجه المطالبين سلمياً بالتغيير.
أن نظرية الدومينو والعدوى الثورية ما تزال راهنة، فليس من قبيل المصادفة أن تمتد نار الثورة كالهشيم من تونس إلى مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا، بالإضافة إلى العديد من صور الحراك الشعبي التي شهدته مجموعة من الدول العربية الأخرى من الخليج إلى المحيط، ولو على نطاق محدود ومؤقت.
نضج حداثي وواقع مأزوم
بالطبع قامت التحولات العربية الراهنة على خلفيات وأسس تاريخية منها تفكك الإمبراطورية العثمانية والانتدابان الفرنسي والبريطاني والاستعمار الإيطالي لليبيا واتفاقية سايكس بيكو، وأخرى سياسية من قبيل حاكمية الأنظمة الاستبدادية والطبقات السياسية الفاسدة والمتسلطة انتهاءً بالدول الفاشلة، إضافة إلى الموروثات الاقتصادية المتمثلة بالاقتصاديات الريعية والرأسمالية الليبرالية الفاسدة بعد فشل الاشتراكيات العربية ونسب الفقر العالية والهوة والواسعة بين المكونات المجتمعية وضمور الطبقة المتوسطة، ناهيك عن الأسباب الاجتماعية وفي مقدمتها هشاشة النسيج الوطني والمفهوم القشري للمواطنة ومتطلباتها، لذلك فأن من الأهمية بمكان التعرف على مجموعة من الخصائص السوسيولوجية والأسس السياسية والاقتصادية التي قامت عليها هذه الثورات حتى يومنا هذا، أو بتعبير آخر الأسباب المباشرة التي تضافرت وساعدت على تفجيرها.
(أ) تحولات ديموغرافية وثقافية:
يقارن بعض الباحثين أوجه الشبه بين التحولات الديموغرافية والثقافية في المجتمعات العربية التي قادت إلى ثورات 2010-2011 على ضوء الثورة الطلابية الفرنسية في مايو 1968 التي اعتبرت بمثابة انتفاضة لجيل شاب من أجل الحداثة الثقافية وكسر القيود التي فرضها نظام الجنرال تشارلز ديغول على الحريات، فقادت إلى تأسيس فرنسا جديدة عنوانها الحرية والعدالة الاجتماعية، ومن هذا المنظور فأن الشباب العربي الذي وصل إلى مرحلة نضج حداثي ليبرالي كان اللاعب السوسيولوجي الرئيسي في هذه التحولات، ذلك أن الحراك الميداني قام على يد شباب وشابات طالبوا بحق اختيار قادتهم ونظامهم السياسي وإنهاء الفساد المستشري في بلادهم ومكافحة البطالة وتحسين شروط الحياة من خلال شعار الكرامة والحرية، وانطلاقاً من حلم الالتحاق بركب الديمقراطيات الحقيقية والمجتمعات المتقدمة والعولمة العادلة، وليس الليبرالية الجديدة (Neo-Liberalism) التي يثور عليها الشباب في الغرب نفسه (الحسيني، 16 أغسطس 2011؛ مرادا، 01 أغسطس 2016).
كما أن المجتمعات العربية بطبيعتها الديموغرافية مجتمعات فتية، حيث الشريحة العمرية دون سن العشرين تمثل أكثر من نصف عدد السكان، بينما الشريحة الممتدة بين (15-24) سنة تمثل ربع المجتمع، في حين أن (6%) فقط من إجمالي السكان في العالم العربي بشكل عام يزيد عمرهم عن الستين عاماً، كما شهد العالم العربي تراجعاً مهماً في نسبة الخصوبة التي انخفضت إلى نصف ما كانت عليه قبل نصف قرن من الزمن في عام 1960 (أي من 5-7 في عام 1960 إلى 2-3 في عام 2010) (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016: 218-222).
بحسب الباحث الديموغرافي الفرنسي ايمانويل تود ويوسف كورباج (2009) (Emmanuel Todd & Youssef Courbage)، فأن المجتمع الذي يسيطر على الخصوبة هو مجتمع تتغير فيه العلاقة بين الرجل والمرأة، فالنساء اللواتي يتعلمن يدخلن إلى سوق العمل، الأمر الذي يجبرهن على التخلص من أعباء الحمل المتكرر فتلجأن إلى وسائل منع الحمل بموافقة الرجل الذي يحتاج إلى عمل زوجته، وهذه الظاهرة باتت جلية في الشرق الأوسط حيث تلتحق المرأة بالدراسة الجامعية لتتعلم من أجل العمل ثم تحرص على تعليم أولادها فينشأ جيل كامل أكثر علماً وثقافة ممن سبقه وأقل قبولاً بالاستبداد والخنوع وأعلى طموحاً إلى حياة كريمة، بالإضافة إلى ذلك فأن الأسباب الاقتصادية كالبطالة والفقر تحد من زواج الشباب فنجد ظاهرة العزوبية والزواج المتأخر، الأمر الذي يساهم بدوره في لجم الانفجار السكاني الذي طالما حذّر منه المالتوسيون (Robert Malthus)، والذي عبّر عنه علي سفر (2015) بلعنة الإبادة.
من جهة أخرى، كانت نسبة الأمية في العالم العربي عام 1970 تقارب الـ (70%) قبل أن تتقلص إلى (38%) في عام 2000، مع ملاحظة الفوارق بين بلد عربي وآخر، ففي السنوات الثلاث السابقة للثورة بلغ عدد الطلاب الجامعيين في كل من تونس واليمن (350) ألفاً، وفي مصر أكثر من مليونين ونصف، وفي ليبيا (300) ألف (جامعة الدول العربية، 2010)، وهذا يعني عملياً الخروج من دائرة الجهل والوعي بـ “الأنا” وبحقوق الفرد وتأثيره في مجتمعه، كما أن هؤلاء الطلاب الجامعيون سيحملون شهادات تخصصية عليا وهم في مقتبل العمر، إذ تبلغ نسبة الشباب في تونس أكثر من (42%)، وفي مصر أكثر من (54%)، وفي ليبيا أكثر من (47%)، في حين أن نسبة البطالة بينهم تتراوح بين (25-30%) في كل من تونس واليمن ومصر وليبيا والبحرين وسوريا (Todd & Courbage, 2009).
في ظل انسداد الآفاق السياسية والاقتصادية لا يملك هؤلاء الشباب حتى حرية التعبير عن أنفسهم بل أنهم مجبرون على الخضوع لنظام بوليسي أمني، وإعلان ولائهم للقائد من دون الحق في الانتقاد أو الاستياء أو التعبير عن الغضب أو الرفض، فقد دلت بعض استطلاعات الرأي التي أجرتها معاهد أجنبية (وليس عربية) قبل عام 2011 أن (77%) من الشباب يؤمنون بالديمقراطية ويتوقون للعيش في ظل نظام ديمقراطي، وارتفعت هذه النسبة إلى (92%) بعد نجاح ثورتي تونس ومصر، كما أظهرت الاستطلاعات في تونس أن (75%) من الشباب يؤيدون الأسلوب القائم على التظاهر للتعبير عن أنفسهم، وفي مصر بلغت هذه نسبة من يؤيدون الثورة الشعبية نحو (81%) (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017: 10-12؛ Filiu, 2009).
(ب) تغول الدولة الأمنية:
عن الفقر والجوع تشير الدراسات إلى أن المنطقة العربية هي واحدة من منطقتين في العالم ارتفعت فيهما نسبة المصابين بسوء التغذية بشكل كبير، حيث بلغ هؤلاء (8.19) مليون نسمة عام 1990 ليصل إلى (25) مليون في عام 2004، من بينهم (5.2) مليون فرد في كل من ليبيا الغنية بالنفط وتونس، كما يشير تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2016 إلى أن واحداً من كل خمسة أشخاص في العالم العربي يعيش تحت الخط الدولي للفقر (أقل من دولارين في اليوم)، وفي مصر وحدها يصل هذا العدد إلى (14) مليون إنسان بينما يبلغ في اليمن نحو (7) مليون (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016: 218).
في مقابل هذا الوضع وبدلاً من أن تعمل الدولة على التصدي لهذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فقد نشأت طبقة أقلوية محيطة بالحكام راحت تستأثر وحدها من مزايا الانفتاح والعولمة لتترك الشعب يتأثر بسلبيات العصر الحديث، وشاع مصطلح “تغوّل الدولة الأمنية” في العالم العربي خلال الثلاثين سنة الماضية حيث سيطرة الأنظمة على كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والنقابية والثقافية وحتى الرياضية، فعلى سبيل المثال، تحولت تونس إلى معتقل كبير يقوم على تخصيص رجل أمن لكل (150) مواطن، في مصر تخطى عدد البلطجية الـ (500) ألف أي أكثر من تعداد الجيش المصري نفسه (المقّدر بـ 468.000 عسكري) بالإضافة إلى (1990) ألف رجل أمن مركزي، وأما في ليبيا فلم يكن هناك جيش نظامي بمعنى الكلمة بل انتشرت الميليشيات والمرتزقة واللجان الثورية التابعة للنظام والألوية العسكرية التي يقودها أولاد معمر القذافي، ولم يختلف الوضع كثيراً في دول عربية أخرى من أبرزها سوريا واليمن (Filiu, 2009).
كما يؤكد تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2016 أن معظم المواطنين العرب لا يثقون بمؤسسات دولهم بل أنهم يشعرون بأن أمنهم الشخصي تهدده نفس هذه المؤسسات، وهم بذلك لا يجدون مرجعاً يعودون إليه عندما يتعرضون للظلم إذ أهم لا يثقون مطلقاً بالسلطة القضائية أيضاً (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016: 218-222).
(ج) هجرة وانفتاح على الخارج:
تبين استطلاعات الرأي وتقارير التنمية البشرية أن أكثر من (50%) من الشباب العربي يسعون للهجرة إلى الغرب في وتيرة تصاعدية منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث بلغت نسبة المهاجرين من سكان مصر وتونس واليمن وسوريا والبحرين نحو (10%) يعيش معظمهم في العالم الغربي، وتحديداً في كل من أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا، ولا يدخل الطلاب الدارسين في الخارج، بأعداد كبيرة نسبياً، ضمن هذا التعداد من هؤلاء المهاجرين (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016: 221).
قد تكون للهجرة سيئات كثيرة سيما ما يعرف برحيل الأدمغة، لكن لها في المقابل جملة من الإيجابيات منها الأموال التي يرسلها المهاجرون إلى ذويهم في بلادهم الأصلية، ولكن الأهم هو احتكاك هؤلاء المغتربين مع الآخرين المختلفين الذين يعيشون في الدول المتقدمة، الأمر الذي يعكس نفسه على أنماط التفكير للمقيمين في الوطن الذين يشهدون فعلياً أعباء سيطرة الاختناق السياسي والاقتصادي والحقوقي ويدركون حالة الفقر والظلم والاستبداد التي يعيشونها.
لاعبو الثورات وأدواتها
من شروط نجاح الثورات الشعبية، بحسب جيمس ديفيز (1962) (James Davis)، وتيد غور (1970) (Ted Gurr)، أن لا تقتصر المشاركة فيها على طبقة واحدة أو شريحة أو فئة واحدة من الشعب، ينبغي أن يتمثل الشعب فيها بكافة قطاعاته وشرائحه وفئاته في وجه نظام يحصل إجماع تقريباً على فقدانه للشرعية، هذا ما حصل في مصر وتونس حيث اجتمع الفقراء والأغنياء والإسلاميون والعلمانيون واليساريون والليبراليون وغيرهم على شعاري “ارحل” الموجه إلى رئيس الجمهورية وحاشيته و”الشعب يريد إسقاط النظام” القائم بكل أركانه.
(أ) التكوين الطبقي للثورات:
لاعبو الثورة يتميزون عن طبيعة الثورة، أنها ذات طبيعة بورجوازية وأن كان أبطالها غير بورجوازيين، مثلما كانت عليه الثورة الفرنسية عام 1789 التي حررت نمط الإنتاج الرأسمالي من قيوده الإقطاعية عبر دفعها إلى المقدمة بطبقة بورجوازية كان يحتاج إليها النمو الرأسمالي، كما أن هناك ثورات حدثت من فوق أو من الأعلى كالثورتين الألمانية والبريطانية، وأخرى من الأسفل أو القاعدة كالتجربة الفرنسية والأمريكية عبر حركة شعبية أتاح فيها الشعب مجيء النظام الجديد وسهّل سيطرة نمط الإنتاج الجديد (Ayari & Geisser, 2011: 19)، ومن هذه الزاوية لا يمكن تصنيف الثورات العربية بأنها ثورات بورجوازية لأن مجتمعاتها ليست رأسمالية، وهي في نفس الوقت ليست ثورات بروليتاريا على خلفية صراع طبقي على الطريقة الماركسية لعدم وجود قاعدة عريضة من العمال، الأمر الذي يرجح تصنيفها كثورات شعبية بكل بساطة.
الثورات العربية إذاً، شعبية لأنها تشكّلت من تحالف كل شرائح المجتمع تقريباً في وجه عدو مشترك هو الزمرة الحاكمة، رغم تنوع الأولويات وتفاوت الأهداف التي انطلقت منها كل شريحة، فمن هؤلاء من يريد تغيير النظام السياسي، ومنهم من يطالب بالخبز أو فرصة العمل أو بأجر أفضل أو بالحرية والعدالة أو بكل ذلك، بينما يبرز أيضاً من يريد أن يمارس رأسماليته بشكل نظامي من دون أن يتعرض لاعتداء أو خوة، فهناك رجال أعمال كما هناك عاطلون عن العمل في هذه الثورات، أما المطلب الذي يجمع هذا المزيج المجتمعي هو الكرامة التي تعتبر جديد الثورات العربية، إذ لم يحتل مفهوم الكرامة مكانه بعد في علم الاجتماع السياسي (Ayari & Geisser, 2011: 37).
أنها ثورات شعبية وعفوية لا قائد لها ولا أيديولوجية أو حزب أو تنظيم سياسي خلفها، ففي أسفل السلم الاجتماعي هناك الشباب العاطل عن العمل، يضاف إليها طبقات البروليتاريا الموسمية وصغار التجار الظرفيين، وبالطبع ساهمت النقابات وبعض الأحزاب والتيارات الإسلامية والعلمانية واليسارية وحركات الدفاع عن حقوق الإنسان في تأطير وتنظيم التظاهرات لكنها لم تكن المحرك الفعلي أو المخطط أو المفجر للثورة، وبهذا أيضاً تختلف الثورات العربية عن الثورات الكبرى التي قامت عبر التاريخ (أمعضشـو، 2012: 20-23).
على المستوى السوسيولوجي والسياسي تم النظر إلى الثورة كانتفاضة أو كتمرد تحت – سياسي (Infra-Politique) سلبي يسعى إلى “إسقاط” النظام وليس “بناء” نظام جديد، كما نظر إليها كحركة سياسية بدائية تطلب في العمق اندماجاً اجتماعياً، فالطابع السلمي للتظاهرات يعكس تطلعاً إلى الديمقراطية الاجتماعية وغياباً لاعتناق أيديولوجيات راديكالية، وحتى الإسلام السياسي وهو الأيديولوجية التي لم تجرب الحكم فقد احتفظت بمصداقيتها لدى الكثيرين واعتنقت الواقعية السياسية لتنخرط في المسار البرلماني عن طريق الانتخابات منذ نهاية القرن الماضي، فالإخوان المسلمون مثلاً أعلنوا عن إيمانهم باللعبة الديمقراطية وصناديق الاقتراع حيث شاركوا في العملية السياسية لفترات طويلة، وفي غياب معتقد جديد أو أيديولوجية جديدة توزّع المتظاهرون بين المعتقدات القائمة والتي لا تشدّد فيها على العموم ودعت بصوت واحد إلى رحيل النظام وإرساء الديمقراطية.
من وجهة النظر السوسيولوجية أيضاً يضم لاعبو الثورات العربية مدراء شركات ورجال أعمال دعوا بشكل مباشر أو غير مباشر الانتفاضة لأن الزمرة الحاكمة كانت تسرقهم وتبتزهم وتأخذ العقود الدولية من أيديهم وتفرض عليهم الخوة (مثل جماعة طرابلسي في تونس ومبارك في مصر وصالح في اليمن ومخلوف في سوريا)، وأحياناً كان بعض هؤلاء يؤيد السلطة لأنها تحتفظ لهم بالامتيازات طمعاً في دعمهم لها، وبمعنى آخر أراد الكل الاحتفاظ بنمط الإنتاج القائم أي بالليبرالية الاقتصادية مع تخليصه من الطفيليات الريعية التي تقبع في رأس النظام الاستبدادي، فهذه الثورات كانت مع إسقاط النظام السياسي وليس الاقتصادي بل مع إنقاذ هذا الأخير من براثن الأول.
(ب) دور الإسلام السياسي:
لعقود خلت تحالفت الأنظمة العربية البوليسية مع الغرب عموماً على قاعدة محاربة الإسلام السياسي، ووصل هذا التحالف إلى ذروته بعد أحداث 11 سبتمبر 2011، على الرغم أنه لفترة ممتدة كان الإسلام السياسي حليفاً للغرب ضد الاتحاد السوفييتي الملحد خاصة بعد غزو أفغانستان في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وكان برنار لويس (Bernard Lewis) قد أسّس منذ عام 1957 لأطروحة تناقض الإسلام مع الديمقراطية التي أكملها صموئيل هانتنغتون (1993) (Samuel Huntington)، في تسعينيات القرن الماضي بأطروحة صدام الحضارات حيث ستتصادم الحضارتان الغربية والإسلامية على حد زعمه (عبداللطيف، 2013: 27-45).
في عام 1992 فاز الإسلاميون في الانتخابات التشريعية في الجزائر، وفي عام 2006 فازت حماس في الانتخابات التشريعية في فلسطين، ورغم قانونية ونزاهة هذه الانتخابات لم يعترف بها الغرب سيما الولايات المتحدة فأوقفت العملية الانتخابية في الجزائر قبل أن تستكمل إلى نهايتها وأجبرت حماس على التقوقع في غزة تحت حصار إسرائيلي لا يرحم، وبسبب القمع البوليسي الذي تعرضت له الأحزاب والحركات الإسلامية في سوريا وتونس وليبيا ومصر وغيرها فقد صعب على الباحثين تقدير قوة الإسلام السياسي في هذه الدول (جبرون، 2013: 47-76).
خلال ثورات عام 2011 لم يكن الإسلاميون في مواقع القيادة، فلم يشاهدوا في تونس على الإطلاق، وفي مصر كان شعار “الإسلام هو الحل” الذي يحمله الإخوان المسلمون في غالباً في التجمعات والتظاهرات الكبرى محدودة، وقد تصرف الإخوان المسلمون ببراغماتية بل دخلوا في مفاوضات جادة مع نظام حسني مبارك وتأخروا في الالتحاق بالثورة وتركوا ميدان التحرير ثم عادوا إليه في الأيام الأخيرة (Filiu, 2009).
في ليبيا لم يكن المجلس الانتقالي بعد الإطاحة بنظام القذافي إسلامياً وأن شارك فيه البعض من التيارات الدينية، وفي سوريا انضم الإسلاميون مع فئات كثيرة متنوعة الاتجاهات السياسية والأيديولوجية إلى المجلس الوطني في المنفى هرباً من ملاحقة النظام، بينما تعامل حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن ببراغماتية مع الأحداث السياسية بعد أن كان قد فتح حواراً منذ أكثر من عشرين عاماً مع تشكيلات المعارضة الأخرى من يساريين وقوميين عرب واشتراكيين، انضوى معظمهم تحت لواء الثورة المناهضة لحكم على عبد الله صالح.
الحقيقة أن الثورات العربية كشفت عن كسور عميقة في جسم الحركات الإسلامية نفسها بين “اللحى البيض” و”اللحى السوداء” من جيل الشباب وكذلك الإسلاميين من غير الملتحين، فالمسنين من التيار الديني اعتادوا على السرية والتنظيم المحكم المغلق والهرمية التراتبية وطاعة قياداتهم واحترام التقاليد، في حين أن الإسلاميين الشباب يطالبون بالانفتاح والشفافية والعدالة والحرية والديمقراطية (Filiu, 2009)، ومثل هذه الكسور السوسيولوجية ليست حكراً على الحركات الإسلامية، بل نجدها أيضاً في المجتمعات المسيحية العربية، كالأقباط على سبيل المثال في مصر والدروز والمسيحيين في لبنان وسوريا، في دلالة على أن الإسلاميين الشباب لا يختلفون عن بقية مكونات الشباب العربي.
في سياق أحداث الثورات العربية ونتائجها المحتملة أثير التساؤل حول النموذج الإسلامي التركي، الذي يتمتع بالانفتاح والنجاح الاقتصادي وتداول السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، ومدى ملائمته في العالم العربي، وهذا ما طرحه العديد من المحللين بعد نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المغربية وحزب النهضة الإسلامي في تونس والإخوان المسلمين في مصر وإعلان رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل عن التوجه الإسلامي للحكم الجديد، الأمر الذي دفع إلى التفكير بأن شمال أفريقيا بصدد التأسلم سياسياً وتعميم نظام الحكم الإسلامي، لكن الفروقات ما بين الحركات الإسلامية المختلفة دفعت المراقبين إلى الاعتقاد بأن النموذج التركي الذي امتدحه راشد الغنوشي علانيةً ويحتذي به الإسلاميون في المغرب ويقترب منه الإخوان المسلمون في مصر رغم اختلافهم معه حول موقع الدين في الدولة، هو الذي يتقدم مع التكيف مع خصوصيات كل مجتمع.
أن أسباب نجاح الإسلاميين في الانتخابات معروفة خاصة قدراتهم التنظيمية وإمكاناتهم المادية وخطابهم الموجه إلى صميم ثقافة الشعوب في دول شهدت مختلف النماذج الاشتراكية “العربية” والرأسمالية الليبرالية فأخفقت كما فشلت في تحقيق الوحدة العربية التي طالما وعدت بها ناهيك عن ترجمة الحد أدنى من التضامن العربي، كما انهزمت في وجه إسرائيل وأبدت ذلاً حيال الغرب الكولونيالي بقيادة الولايات المتحدة، ولم يجَرَّب الإسلاميون في الحكم، لكنهم نجحوا في الانتخابات الأولى المنبثقة عن الثورات الشعبية فأضحوا أمام تحدي الانتقال من المعارضة إلى الحكم وهو تحد صعب بالتأكيد (بو نعمان، 2013: 143).
منذ تسعينيات القرن الماضي يكرر الفرنسي أوليفييه روا (1992) (Olivier Roy) والأمريكي ريتشارد هاس (2003) (Richard Haass)، وهما قريبان من مؤسسات القرار السياسي، القول بأن أفضل طريقة للتخلص من الإسلاميين هي في نزع الأسطورة والمصداقية عنهم، وذلك بأن يصلوا إلى السلطة ويجربوا الحكم فيفشلوا عندئذ في تنفيذ البرامج التي وعدوا بها، وقد وصل العديد من الإسلاميين إلى السلطة في ظروف شديدة التعقيد والصعوبة وفي وجود مشاكل اقتصادية واجتماعية، على الأقل، فشلت دول كبرى في إيجاد الحلول لها بدليل الأزمة الحادة التي تعصف بالولايات المتحدة وبالقارة الأوروبية وبالنظام المالي والاقتصادي العالمي منذ عام 2008.
في المحصلة يمكن القول أن هذا الخليط الخطير من الفقر والتعلّم والانفتاح على الخارج عبر الانترنت والفضائيات والهجرة، وفي ظل أنظمة استبدادية بوليسية ونظام متعفّن وفساد مستشري وهوّة تتسع بين الطبقات على حساب طبقة متوسطة تضيق مساحتها، كان لا بد أن ينفجر ليس بفعل مؤامرة خارجية، وأن حاولت بعض الدول سيما الكبرى منها دفع المسار في الاتجاه المناسب لها، وهذا أمر طبيعي في العلاقات الدولية المعاصرة، ولذا فأن الكلام النمطي عن المؤامرات الخارجية في تشخيص ما حدث في العالم العربي منذ عام 2011 هو تقليل من شأن وعي وطموح وشجاعة الشباب العربي وموقف متعمد وسطحي يقترب من العنصرية (شكر، 2011: 5-6).
(ج) دور تكنولوجيا الإعلام والاتصال:
“فيسبوك لم يكن ضرورياً ولا حتى كافياً لقيام الثورة”، هذا ما قاله مؤسس شركة فيسبوك مارك زوكربرغ (Mark Zukerberg) رداً على من اعتبروا الربيع العربي بأنها ثورة فيسبوك أو ثورة انترنت (Deglise, 25 Mai 2011) ومن جانبه أجاب الناشط المصري وائل غنيم، الذي لمع اسمه خلال الثورة المصرية، على السؤال القائل: هل ثورة 25 يناير المصرية كانت لتحصل لولا الفيسبوك؟ بأنه “ينبغي عدم المبالغة في تصوير دور الانترنت وعدم التقليل منه في الوقت نفسه” (صحيفة الحياة، 07/02/2011).
في عام 1977 تمكن الرئيس المصري أنور السادات من سحق “انتفاضة الخبز” بأكثر الطرق عنفاً وتشدداً ولم يكن هناك انترنت ولم تكن الفضائيات منتشرة وحرفية كما هي عليه اليوم، لكن في العام 2010 وفي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات المتطورة وواسعة الانتشار والفاعلية، شهدت مصر اعتصامات واحتجاجات عمالية وشعبية غير مسبوقة منذ ثلاثين عاماً ورغم ذلك لم تتحول إلى ثورة تسقط النظام (صحيفة الحياة، 07/02/2011)، ولذا يمكن القول أنها في الحقيقة ثورة شعبية ولدت في عصر الانترنت والفيسبوك والتويتر، كما هي ثورة شعبية ساهم عصر الفضائيات في إنجاحها عبر نقل مشاهدها إلى العالم أجمع وحشد لها الرأي العام العالمي الذي ضغط بدوره على حكوماته سيما الغربية منها.
من الناحية السوسيولوجية، فأن دخول التكنولوجيا الرقمية في المجتمع حوّل التفاعلات بين الإفراد ووسطهم الاجتماعي، لكن التطورات الاجتماعية بقيت مستقلة عن التقنية نفسها، فالإنترنت والهواتف المحمولة لها قدرة فائقة على محو الحدود بين الفضاءين العام والخاص واختصار المسافات واختزال الوقت، مما يجعل العمل الجماعي أكثر فعالية وتأثيراً، أي أنهما يسمحان بالاتصال بين عدد غير محدود بين المساحات الجغرافية وتبادل المعلومات وتنظيم اللقاءات والأنشطة وتوفير الفرصة بغض النظر عن المسافة وطبيعة المكان ما بين الأفراد، فالتقنية نفسها ليست من يحول العلاقات الاجتماعية بل أن طريقة استخدامها هي التي تحفّز القوى التي كانت موجودة أساساً في المجتمع قبل انتشارها وتجعلها راهنة، أنهم المستخدمون أو المستهلكون أو المستعملون الذي يستخدمون التقنية لأغراضهم وليس العكس (Ayari & Geisser, 2011: 47).
أن نشر المعلومات والصور المثيرة للعواطف والانفعالات (Emotive) وتنظيم التجمعات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، وانخراط النخب الشابة المدينية الجديدة أو الدياسبورا لا تكفي لإسقاط نظام سياسي برمته، بل أحياناً وكما حدث في البحرين وبداية في سوريا وليبيا وحتى مصر، فأن السلطة تلجأ إلى هذه التقنيات ضد الثورة وذلك عبر إعلام مضاد يتمثل في فرض المراقبة وحجب المواقع الالكترونية من جهة، ومن خلال بث الرسائل العكسية الزائفة والتضليل، والتي باتت تعرف بالجيوش الالكترونية، من جهة أخرى، بل تمكنت مخابرات هذه الدول من القبض على كوادر من الثوار بفضل هذه التقنية التي تبين بأنها سلاح ذو حدين.
ينطبق الأمر نفسه على الفضائيات، خاصة الحكومية منها، والتي ساهمت في نشر صور الأعداد الفقيرة من المتظاهرين ضد النظام في الساحات العامة وقمع السلطات لهم، في مقابل تضخيم صور الجماهير المؤيدة له، حتى خرجت بعض هذه الأنظمة بصورة المنتصر في هذه الحرب الرقمية الإعلامية بفضل سيطرتها على سلاحها التقني، وبمعنى آخر نجحت تلك الحكومات في التكيّف سريعاً مع الوضع الجديد وفي استخدام السلاح التكنولوجي نفسه ضد مستخدميه.
كما لا ننسى بأن الأنظمة العربية نفسها هي التي شجعت على تعاطي تكنولوجيا الاتصال الحديثة لغايات ربحية على الأقل، إضافة إلى استغلالها في مهام مخابراتية خاصة فيما يخص مراقبة الناس ورصد اتجاهات وسلوك الرأي العام، فالرئيس التونسي زين العابدين بن علي كان فخوراً جداً بأنه نظّم في نوفمبر 2005 قمة عالمية لمجتمع المعلوماتية في تونس العاصمة، ونظراً لأهمية هذا القطاع من الناحية الاقتصادية والاستثمارية فقد سيطرت عليه الأنظمة السياسية بدون منازع فخصصت ملكيته وإدارته للمقربين جداً من رؤساء تلك الأنظمة، كإخوانهم وأولادهم وأصهارهم، كما كان عليه الحال في مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا على وجه التحديد، وقد ارتفع عدد مستخدمي انترنت والهاتف المحمول في العالم العربي بطريقة محمومة وانتشرت مقاهي انترنت في المدن وحتى الأرياف، كما وصلت الفضائيات إلى كل بيت ومقهى وملهى ومساحة عامة.
في المحصلة، أن التأكيد على أن الثورات العربية هي ثمرة لتكنولوجيا المعلوماتية الجديدة يعني بشكل غير مباشر عدم الاحترام الأخلاقي لبطولات الثوار الذين كانوا يخاطرون بأرواحهم لدى مشاركتهم في المظاهرات السلمية التي كان يقمعها الجهاز الأمني بشدة وبوحشية، إلا أنه يمكن القول بأن هذه التكنولوجيا، ودونما أدنى شك، قد دعمت بقوة الكفاح السلمي للشباب المديني المتعلم والمنظم والمسيس ومنحت حراكهم السياسي شرعية واسعة على المستوى الشعبي.
الخلاصة: تحديات مستقبلية
ينبغي التأكيد على أن كل الثورات التي عرفها التاريخ البشري اشتركت في سمتين أساسيتين إلى جانب الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي قادت إليها: السمة الأولى أن هذه الثورات كانت عصية على التوقع، بدليل الكتابات المنشورة عشيتها ومراسلات السفراء الأجانب مع حكوماتهم وغيرها من الوثائق، ويمكن تشبيبها بالزلازل التي قد يعرف علماء الجيولوجيا أين يمكن أن تحدث لكنهم يعجزون عن توقع تاريخ هذا الحدوث ولو قبل يوم واحد السياسي (de Montbrial, 2012: 9-24)، والسمة الثانية أنها في الغالب تعرضت لثورات مضادة (Counter Revolution) (Noueihed & Warren, 2012; Gresh, 2011: 32).
ومن السذاجة بمكان الاعتقاد بأنه غداة انتصار الثورة على الدكتاتورية فأن الشعب سيشرع في تذوق أطايب الديمقراطية والحرية والازدهار، فهناك دوماً مرحلة انتقالية بين عصرين قد تطول أو تقصر بحسب الظروف الدولية والمعطيات الداخلية، والخروج من أنفاق الاستبداد إلى رحاب الحرية لا يكون أبداً دون أثمان غالية وتضحيات تدفعها الشعوب، وكما قال فلاديمير لينين (Vladimir Lenin) فأن الثورات يحلم بها الفلاسفة ويضحي من أجلها الفقراء ويجني ثمارها الانتهازيون (تروتسكي، 1968: 15-17).
تحليل اوليفييه روا (Olivier Roy) وريشارد هاس (Richard Hass) المذكور أعلاه يبدو أنه تحقق، فالصعود الإسلامي بعد الثورات العربية لم يدم وقتاً طويلاً، ففي مصر انتهي عام واحد من حكم الإخوان المسلمين بانتفاضة شعبية عليهم، سميت ثورة 30 يونيو، عاد بعده الجيش إلى السلطة لقيادة مرحلة انتقالية جديدة يعصف بها العنف والإرهاب والمجهول حول مستقبل الدولة المركزية المصرية، وفي تونس لم يتسن لحزب النهضة الإسلامي وحليفيه في الترويكا قيادة مرحلة انتقالية هادئة، وإذا بالحركات الإسلامية الجهادية والتكفيرية تحتل المشهد في المنطقة العربية على حساب الإسلام السياسي الموصوف بالمعتدل، مما أدى إلى ارتباكات معقدة وخطيرة في النظام الإقليمي العربي وفي تعاطي الدول الكبرى معها.
اليوم تقف الدول العربية كلها، والتي يتشكل منها النظام الإقليمي، وليس دول الثورات فحسب أمام تحدي توضيح العلاقة بين الدولة والإسلام السياسي، وهو تحد يضرب جذوره العميقة في التاريخ والاجتماع السياسي العربيين، وهذا التحدي يرافقه نظير له لطالما كان خلف إشكالية العلاقة ما بين الإسلام والعروبة في منطقة عربية تسكنها أقليات عرقية غير عربية، وهذه الإشكالية كانت وما تزال سبباً لعدم الاستقرار في عدة دول عربية في مقدمتها المغرب والجزائر ولبنان والعراق وسوريا، دون أن ننسى مشكلة الأقليات المذهبية والدينية أيضاً والتي تضيف زيتاً متجدداً إلى نار الفتن المتوقدة.
إن إشكالية بناء الدولة العصرية أو دولة المواطنة والقانون والحكم الرشيد، ما تزال هي نفسها دون حل ومن دون تقدم يذكر على طريق هذا الحل منذ ولادة الدول القطرية العربية في القرن العشرين، كما أن التحديات هي نفسها لم تتغير بل أضيفت إليها مشاكل ناجمة عن التحولات في العلاقات الدولية وفي ظل معطيات النظام الدولي، فحتى الأمن القومي، في كل دولة عربية وفي المنطقة العربية ككل، لا يزال مهدداً بل تزداد حدتها وأشكالها الجديدة مع مرور الوقت، وهذه التحديات قد تكون ذات طبيعة عسكرية متمثلة بضعف الجيوش العربية النظامية وتفكك بعضها بالكامل، أو أمنية كتنامي ظاهرة الإرهاب والعجز عن مكافحتها، أو غذائية إذ يستورد العرب معظم غذاءهم من الخارج ويفتقرون إلى أبسط الصناعات الغذائية الوطنية، أو مائية حيث يهدد مشروع “الغاب” (GAPP) التركي كلاً من العراق وسوريا بينما السد الأثيوبي يهدد مصادر النيل لمصر والسودان.
إذا كان بالإمكان وضع عناوين كبرى لبعض هذه التحديات فأن كل عنوان منها يتطلب نقاشاً مستفيضاً ودراسة علمية خاصة، إلا أن من بين أبرز المعضلات التي تفرض نفسها بشكل متكرر وتترك تبعات ثقيلة تتوارثها الأجيال في العالم العربي يمكن سرد ما يلي:
– الجدل الديني والسياسي في الفكر السياسي العربي المعاصر.
– إشكالية النمو والتنمية والإنماء المتوازن والاقتصاد الريعي والاقتصاد الإنتاجي في ظل العولمة.
– إدارة التعددية والتنوع ومشكلة الاندماج الوطني في الدولة القطرية.
– بناء حكم القانون والمؤسسات وفصل السلطات والمواطنة والحكم الرشيد.
– إشكالية الهوية الوطنية والقومية أو ما فوق الوطنية.
– إشكالية المجتمع المدني والحريات الأساسية والمجتمع الأهلي.
– تفعيل دور الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والمنظمات الإقليمية العربية الأخرى.
– إشكالية تحديد العدو والصديق والحليف للنظام الإقليمي العربي.
بالطبع لا ننسى العلاقات العربية البينية في مختلف أبعادها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، فمن أهم العوائق الكبرى أمام النظام العربي تبرز المشاكل البينية التي تعصف به بسبب الخلافات بين عناصره المكونة من دول وحكومات، والحقيقة أنه من دون أنظمة ديمقراطية إلى حد ما أو إلى حد بعيد، لا يمكن للدول القطرية أن تخرج من مشاكلها نحو علاقات متكافئة وندية مع شقيقاتها العربية ناهيك عن الخارج القريب والبعيد، فالدكتاتوريات لا تحظى بما تتمتع به الديمقراطيات من هامش المرونة في حراكها الدولي وعلاقاتها الخارجية، فهذه العلاقات هي امتداد عبر وسائل أخرى للسياسات والعلاقات الداخلية، والخارج هو أحد مدخلات النظام في شقها الضاغط أو الداعم، وبالنتيجة فأن النظم الإقليمية القوية تشكل جاذباً لعناصرها المكونة أما الضعيفة فتشكل طارداً لها.
على أنه يصعب إغفال دور القوى الدولية المؤثرة في تماسك وتراخي النظام العربي، فتجربة التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية أواخر القرن الماضي كشفت عن الدور الحاسم للقوى الخارجية في دفع هذا التحول إلى الأمام أو لجم اندفاعه ، فقد تلقت دول المعسكر الشرقي السابق كل أشكال المساعدات الممكنة سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً وحتى عسكرياً، لمساعدتها على إنجاح التحول الديمقراطي بعد خروجها من الفلك السوفيتي، بل أن العديد من دول أوربا الشرقية كانت تتلقى مساعدات سرية وغير معلنة قبل هذا الخروج المفاجئ من العباءة الاشتراكية، كما ساعدها فيما بعد الاتحاد الأوروبي على الانضمام إليه في حين سهّلت الولايات المتحدة مشروع التحاقها بحلف الأطلسي، فتحقق لها ما يعرف في علم السياسة بـ ” الكونسوليدولوجيا” أو ترسيخ التحول، وفي تجربة مماثلة سابقة تلقّت إسبانيا بعد فرانكو والبرتغال واليونان بعد الحكم العسكري كل المساعدات الأوروبية الممكنة لإنجاح تحولها الديمقراطي الذي ترسخ مع دخول هذه الدول في المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
أما في الحالة العربية فقد حصل العكس تماماً، فالسلوك الأوروبي ثم الأميركي خلال الحرب الباردة، مع زرع السرطان الإسرائيلي في الجسم العربي، لم يكن عاملاً مساعداً للنظام العربي كي يسير في سبيل التحول نحو دولة الديمقراطية والقانون، واليوم لا يبدو في الأفق أن ثمة تغيير يذكر في التعاطي الغربي مع المنطقة العربية التي تسعى لعبور هذا الطريق الوعر، فالتحدي الأكبر الذي يواجه النظام العربي في الوقت الراهن يكمن في غياب الدور الفعلي للجامعة العربية كمركبة صالحة لقيادة الدول العربية نحو طموحات شعوبها، كما أن الولايات المتحدة التي تتأهب لإعادة التموضع في آسيا-الباسيفيك على حساب حضورها في الشرق الأوسط باتت تفتقر إلى سياسة واضحة حيال المنطقة العربية التي تعيش مناورات وإرهاصات جيو-استراتيجية كبرى قد تنتهي بإعادة رسم موقعها في الساحة الدولية، أما الدبلوماسية الروسية، النشطة جداً في المنطقة، فأنها تفتقر إلى سند اقتصادي وعسكري وسياسي والجاذبية الثقافية التي تضمن لها التأثير والنجاح، في حين لا يبدو أن الصين راغبة أو متحمسة لدور أكبر في الإقليم العربي، وأخيراً فأن أوروبا لم تعد لاعباً مركزياً يحسب له حساب في الشرق الأوسط.
البناء الإقليمي العربي بات ينخره الصدأ وتصدّعه الشقوق خاصة بعد انهيار الدول المركزية الثلاث التي طالما كانت تاريخياً ركن السياسة العربية، وهي مصر وسوريا والعراق، التي أصابها الشلل السياسي وقوضتها الانقسامات المجتمعية وعصفت بها الحروب الداخلية والإرهاب فلم يعد يسعها لعب أي دور مؤثر، وقد حلت محلها ثلاث دول إقليمية غير عربية، في الفعل والتأثير، هي إسرائيل وتركيا وإيران.
في النظام الإقليمي العربي أيضاً، لم تعد الدولة تحتكر العنف في معظم البلاد العربية، بل أضحت هي ومؤسساتها وقياداتها السياسية وكل فئات شعبها عرضة للاستهداف والإرهاب المنظم والعشوائي (Broder, 2012: 49-54)، كما هو الحال في كل من ليبيا ومصر وتونس وسوريا واليمن والعراق، أو تلك الواقعة في منطقة هبوب نفس العاصفة وتنتظر نتائجها كالمغرب والأردن والجزائر ولبنان ودول مجلس التعاون الخليجي.
في حمأة هذه التحولات فأن جل ما صارت تتوق لتحقيقه الدول القطرية العربية هو المحافظة على حدودها الحالية والنجاة من خطر الانقسام والتقسيم الذي يلوح في الأفق، وبات الهم الديمقراطي بعيداً خلف هموم أكبر تنذر بمخاطر على الوجود وبقاء الكيانات القائمة، وفي هذه الحالة من الصعب تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، ومن دون هذا التحول فأن بناء علاقات عربية جديدة يبقى شديد الصعوبة هو الآخر، فأوروبا لم تتوحد قبل أن تستكمل دولها القطرية مسيرة الدمقرطة، والديمقراطية بدورها لم تتحقق من دون دول تتمتع بالقوة والاستقرار والسيادة، والقادرة على مساعدة غيرها من الدول التي لم تستكمل بناءها الديمقراطي بعد.
هكذا يعيش النظام الإقليمي العربي تحدياً مستقبلياً خطيراً ناتجاً عن معضلة لا يمكن حلها إلا بالتوازي بين بناء دوله المكونة وفي الوقت نفسه إعادة النظر في علاقاتها البينية ومع محيطها الإقليمي، وهو أمر يتطلب مناخاً دولياً مؤاتياً هو الآخر، وبتعبير أوضح أننا اليوم في قلب العاصفة ولن نتمكن من وضوح الرؤية قبل أن ينجلي غبار هذه العاصفة عن مشهد إقليمي جديد في ظل “فتوحات العولمة” كما يطلق عليها علي حرب (2012).
قائمة المراجع
المراجع العربية:
الأشقر، جلبير (2013). الشعب يريد: بحث جذري في الانتفاضة العربية. بيروت: دار الساقي.
أمعضشـو، فريد (2012). آفاق التحوّل نحو الديمقـراطيّة في بلدان الربيع العـربي. مجلة الآداب، 60 (خريف)، 111-120.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) (2016). تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016: الشباب آفاق التنمية الإنسانية في عالم متغيّر. نيويورك: الأمم المتحدة.
بو نعمان، سليمان (2012). فلسفة الثورات العربية: مقاربة تفسيرية لنموذج انتفاضي جديد. بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات.
بو نعمان، سليمان (2013). أسئلة دولة الربيع العربي: نحو نموذج لاستعادة نهضة الأمة. بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات.
تروتسكي، ليون (1968). الثورة المغدورة: نقد التجربة الستالينية (رفيق سامر، مترجم). بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر.
تشومسكي، نعوم (2007). النظام العالمي.. القديم والجديد (عاطف معتمد عبدالحميد، مترجم). القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.
جبرون، امحمد (2013). الإسلاميون في طور التحول: من الديمقراطية الأداتية إلى الديمقراطية الفلسفية (حالة حزب العدالة والتنمية المغربي). في امحمد جبرون وآخرون (محررون)، الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: اتجاهات وتجارب (ط. 1، ص ص. 47-76). بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
حرب، علي (2012). ثورات القوة الناعمة في العالم العربي: من المنظومة إلى الشبكة (ط. 2). بيروت: الدار العربية للعلوم.
حسيب، خير الدين (2011، سبتمبر). حول الربيع الديمقراطي العربي: الدروس المستفادة. في الربيع العربي.. إلى أين؟ أفق جديدة للتغيير الديمقراطي (ص ص. 125-144). بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية (سلسلة كتب المستقبل العربي)، 63.
الحسيني، محمد (2011، 16 أغسطس). سلسلة “الأنباء” عن ثورات الربيع (9): أحداث 1968 في فرنسا.. “منع الممنوع”. اُسترجعت في تاريخ 00 أغسطس، 2015 من (جريدة الأنباء http://www.alanba.com.kw/ar/arabic-international-news).
الساري، أحمد، وآخرون (2011). جيل الشباب في الوطن العربي ووسائل المشاركة غير التقليدية من المجال الافتراضي إلى الثورة (ط. 1). بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية (سلسلة كتب المستقبل العربي.
سالم، بول (2011، 15 نوفمبر). الربيع العربي من منظور عالمي: استنتاجات من تحولات ديمقراطية في أنحاء أخرى من العالم. اُسترجعت في تاريخ 16 أغسطس، 2016 من (مركز كارنيغي للشرق الأوسط http://carnegie-mec.org/2011/11/15/ar-pub-45980).
سفر، علي. (2015، 9 مايو). توماس روبرت مالتوس: من نظرية السكان إلى لعنة الإبادة. صحيفة العرب (لندن)، 9912 ص. 15.
شكر، نغم نذير (2011). التحولات الراهنة في النظام العربي المعاصر. دراسات دولية (مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد)، 48، 1-42.
طرابيشي، جورج (2006). هرطقات عن الديموقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية. بيروت: دار الساقي.
عبداللطيف، كمال (2013). فكر النهضة والثورات العربية. في امحمد جبرون وآخرون (محررون)، الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: اتجاهات وتجارب (ط. 1، ص ص. 27-45). بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
محفوظ، مهدي (1990). اتجاهات الفكر السياسي في العصر الحديث. بيروت: دار مجد.
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2017). المؤشر العربي 2016. الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
المصطفى، مرادا (2011، 01 أغسطس). ثورة 1968 في فرنسا.. ثورة طلابية ضد تقاليد المجتمع البالية. اُسترجعت في تاريخ 00 أغسطس، 2015 من (مغرس https://www.maghress.com/almassae/138022).
المراجع الأجنبية:
Ayari, M. & Geisser, V. (2011). Renaissances Arabes. Paris: De l’atelier.
Broder, J. (2012, May-June). Unfinished Mideast Revolts. The National Interest (Special Issue: Crisis of the Old Order), 119, 49-54.
Chevallier, J. (1984). Histoire De La Pensée Politique. Paris: Payot.
Dabashi, H. (2012). The Arab Spring: The End of Postcolonialism. London: Zed Books Ltd.
Davis, J. (1962, February). Toward a Theory of Revolution. American Sociological Review, 27 (1), 5-19.
de Montbrial, T. (2012, Septembre). Les Perspectives de Thierry de Montbrial. Le Rapport annuel mondial sur le système économique et les stratégies (Ramses): Institut Français des Relations Internationales (ifri), 9-24.
Deglise, F.. (2011, 25 Mai). Facebook Et La Revolution Arabe: Un Mythe Selon Mark Zuckerberg. Retrieved July 15th, 2017 from (http://www.ledevoir.com/opinion/blogues/les-mutations-tranquilles/324001/facebook-et-la-revolution-arabe-un-mythe-selon-mark-zuckerberg).
Filiu, J. (2009). La Révolution Arabe: Aix Leçons Sur Le Soulèvement Démocratique. Paris: Fayard.
Fukuyama, F. (1992). The End of History and the Last Man. New York: Free Press.
Fukuyama, F. (2014). Political Order and Political Decay: From the Industrial Revolution to the Globalization of Democracy. New York: Farrar, Straus and Giroux.
Good, C. (1954). Methods of Research: Educational, Psychological, Sociological. New York: Appleton-Century-Crofts.
Gresh, A. (2011, Juin-Juillet). Ce Que Change Le Réveil Arabe. Le Monde Diplomatique, Manière De Voir, 117, 14-29.
Gurr, T. (1970). Why Men Rebel? The Relative Deprivation. Princeton, New Jersey: Princeton University Press.
Haass, R. (2003, Summer). Toward a Greater Democracy in the Muslim World. The Washington Quarterly, 26 (3), 137-148.
Huntington, S. (1993, Summer). The Clash of Civilizations? Foreign Affairs, 72 (3), 22-49.
Noueihed, L. & Warren, A. (2012). The Battle For The Arab Spring: Revolution, Counter-Revolution and The Making of A New Era. New Haven: Yale University Press.
Roy, O. (1992). L’échec De L’Islam Politique. Paris: Le Seuil.
Shirin, S., Bogolubova, N. & Nikolaeva, J. (2014). Application of David Easton’s Model of Political System to the World Wide Web. World Applied Sciences Journal, 30 (8), 1083-1087.
Tilly, C. (1986). La France Conteste: De 1600 A Nos Jours. Paris: Fayard.
Timothy, C. (2016). Doing Comparative Politics: An Introduction to Approaches and Issues. Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers.
Todd, E. & Courbage, Y. (2009). Le Rendez-vous Des Civilisations. Paris: Le Seuil.
Toffler, A. & Toffler, H. (1993). War and Anti-war: Survival at the Dawn of the 21st Century. New York: Warner Books.
Toffler, A. (1980). The Third Wave. New York: Bantam Books.