لتحميل البحث كاملاً مع الرسومات التوضيحية – إضغط هُنا

مقبول للنشر حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، السنة 00، العدد 000، يناير 2018 (ص. 00-00)

الباحث:

د. حسن عبدالله جوهر – قسم العلوم السياسية – جامعة الكويت

الجيل والانتقال الديمقراطي في دول مجلس التعاون الخليجي:

دراسة استشرافية في تحولات التركيبة الديمغرافية

ملخص

تشهد دول مجلس التعاون الخليجي تحولات سريعة ومتواصلة في تركيبتها الديمغرافية، في ظل نمو سكاني مضطرد، حيث يتوقع أن يصل عدد السكان في دول المنظومة الخليجية إلى قرابة 80 مليون نسمة في غضون ما تبقى من القرن الحالي، ومن أبرز ملامح هذه التغييرات الديمغرافية التوسع الأفقي الآخذ في الازدياد سنوياً لشريحة الشباب بين 18-30 سنة والتي سوف تشكل ما نسبته 65% على الأقل من التركيبة السكانية على مدى عدة عقود متعاقبة.

تتناول هذه الدراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذا التحول الديمغرافي المعقد وانعكاسات ذلك على تبدل البنية الهيكلية للواقع الاجتماعي والسياسي في دول الخليج العربي، التي شهدت أجواء من القلق والترقب لدى صناع القرار على ضوء تداعيات الربيع العربي من جهة، وطبيعة الضغوطات الخارجية الممتدة طوال حقبة العولمة الجديدة من جهة أخرى.

وسوف تركز الدراسة تحديداً على تحليل التغييرات المحتملة في البنى الاجتماعية والسياسية التي يدفع بها جيل الشباب المنفتح على تقنية المعلوماتية الحديثة والأفكار والتطلعات العابرة للقارات بالتزامن مع التحديات التي تواجه حكوماتها على صعيد المحافظة على مستويات المعيشة العالية في ظل تراجع أسعار النفط والحاجة الملحة إلى الاستثمار في البنية التحتية القادرة على تلبية احتياجات الانفجار العددي الهائل للشرائح العمرية الصغيرة، ناهيك عن المخاطر الأمنية التي تحيط بالمنطقة والقابلة للاستمرار والتصعيد في المستقبل.

الأهم من ذلك، تشهد غالبية دول الخليج فراغاً سياسياً كبيراً في عصر العولمة، وتداخل الثقافات والثورات الاعلامية والمعلوماتية والتوجه نحو المشاركة الشعبية في صنع القرار بقيادة الشرائح الشبابية التي زلزلت تحركاتها الواقع السياسي برمته تحت شعار الربيع العربي، وقرع جرس الإنذار لمستقبل قد يكون مختلف تماماً في السنوات القادمة، الأمر الذي يتطلب احتواء هذا المخزون الفكري الذي يتصف بالجرأة في الطرح والتحرك الميداني السريع، وتحاول هذه الدراسة استعراض السيناريوهات المحتملة لآفاق المستقبل السياسي والتحول الديمقراطي على ضوء التحولات الديمغرافية المرتقبة وجعل الحياة الخليجية أفضل وأكثر استقراراً لشعوبها وأقدر على استثمار الموارد المادية والبشرية في مواجهة تحديات غير مسبوقة مع الاستفادة من مخزون التجربة الديمقراطية في عصر العولمة وما بعد العولمة.

——————————————-

المصطلحات الأساسية: الديمقراطية، المشاركة السياسية، مجلس التعاون الخليجي، الشباب.

Generation and Democratic Transition in the GCC:

A Prospective Study of the Demographic Changes

Abstract

The Gulf Cooperation Countries (GCC) are undergoing rapid and sustained shifts in their demographic composition, with steady population growth. It is expected that the population of the GCC will reach nearly 80 million people by the end the current century. One of the most prominent features of these demographic changes is the annual expansion of young generations from 18-30 years, which will constitute at least 65% of demographics over several decades.

This study addresses various economic, social and political implications of such a demographic transformation on the socio-political infrastructure  among the Arab Gulf states. The region is experiencing an atmosphere of anxiety and anticipation by decision makers in light of fallout from the Arab spring, along with continuous external pressures due to the era of globalization.

The study also analyses possible generational modifications that push younger segments towards trans-national information technology and open thoughts and aspirations. Local governments are facing serious challenges in maintaining long lasted high standards of living for their people. While oil prices are declining, huge investments are urgently required to satisfy the needs of massive numerical small age groups. Security risks, both within and without the region with their potential escalations in the future must be closely be watched.

Most of Gulf states still suffer major political vacuum in the era of globalization. Overlapping cultures, information revolutions, increasing demand for popular participation led by youth movements impose a new political reality similar to what was reflected during the Arab spring in 2011-2012. The future may be quite different in the years ahead. It requires effective containment of such intellectual audacity which also has the ability to move on the ground very fast.

The paper finally reviews possible scenarios for the future prospects of political and democratic transition in the light of demographic shifts. The main argument is how to make life better and more stable in the Gulf countries. Confidently, it can be said that sustainable investment in material and human resources in addition to the utilization of the democratic experiment are significant key factors in facing unprecedented challenges during the globalization and post globalization era.

——————————————-

Key Words: Democracy, Political Participation, Gulf Cooperation Council, Youth.

موجات الديمقراطية عبر التاريخ

لم تعد الديمقراطية، بموروثها الفكري العميق وتاريخها السياسي وتطبيقاتها المختلفة، مجرد نموذج قائد للسلطة والحكم، والذي بات يهيمن على نطاق الجغرافية الكونية، بل تحولت إلى أيقونة حضارية متلازمة مع آفاق العولمة المعاصرة، وتدل مؤشرات نجاح الديمقراطية كحاكمية سياسية على الاستمرار والتجذّر والانتشار لسنوات طويلة قادمة في المسيرة البشرية.

الديمقراطية الحديثة تجاوزت الحدود السياسية لشكل وأداء السلطة، وتشعبت جذورها في الحياة اليومية للفرد والمجتمع والدولة في حراك ديناميكي معقد يقود عجلة الاقتصاد ومؤسسات المجتمع المدني والحريات الشخصية ووسائل الإعلام وحركة الفكر وحق المشاركة في صنع القرار عبر صناديق الاقتراع وفرض الرقابة على المؤسسات الحاكمة إضافة إلى حق الاعتراض والاعتصام والتظاهر من جهة، وتجسيد مبادئ الاحترام والتسامح والتعايش بين مكونات المجتمع في إطار العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، وحرية المعتقد والرأي، تحت مظلة من الأمن المشترك والتمتع بخدمات الدولة العامة من جهة أخرى (سالم، 2011؛ Fukuyama، 2014).

محور الديمقراطية هو الإنسان، بكل ما يحمله من مشاعر وسلوك وفكر وتنشئة وخلفيات اجتماعية واثنية وعلاقات مجتمعية، وبما يقدمه من إسهامات فردية وجماعية ومؤسسية لتغذية وإدارة هذه المنظومة الضخمة، فهو الكاتب وهو الناقد وهو الناخب وهو الحاكم وهو المحكوم، ولذا اختزلت فلسفة وشعار الديمقراطية في “حكم الشعب من الشعب وإلى الشعب”.

أخيراً، الديمقراطية موروث إنساني وحضاري تؤول ملكيته إلى جيل تلو آخر في حركة مستمرة، يكون للجيل المؤسس لها حق المحافظة على مبادئها الأساسية، بينما من حق الجيل المعاصر تطويرها وتعزيزها وتكييفها بما يتناسب مع طموحاته وحاجاته المستجدة ومواجهة تحديات زمانه، ولما كان الإنسان هو عصب هذه الديمقراطية ومحركها فأن فئة الشباب هم في طليعة هذا الحراك بسبب القاعدة العريضة التي يمثلونها في التركيبة المجتمعية، والأهم من ذلك أنهم الرافد الأقوى من حيث الفاعلية والحماس والمنبع الذي تتأنى منه إرادة التغيير وروح التحدي والأفكار الجديدة (إبراهيم، 2013).

موجة الديمقراطية هي البوابة الرئيسية التي تفتح آفاق هذا التحول الجذري في حياة الأمم وتقود إلى وضع مرتكزات جديدة لنظام الحكم السياسي الذي يبدأ بدوره تدشين مؤسسات الدولة وأنظمتها الاجتماعية والاقتصادية وفق الرؤى الشعبية وبمشاركة كل فئات المجتمع، وعادة ما تنطلق هذه الموجة من مجموعة من الظروف والاعتبارات التي تعود إلى الأوضاع الاقتصادية البائسة وبلوغ أنظمة الحكم درجة غير مسبوقة من الديكتاتورية، وقد يتزامن ذلك مع معطيات خارجية حاضنة للتغيير ومدعومة بشبكة اعلامية قوية تقود إما إلى عملية تغيير خاطفة وسريعة، أو سرعان ما تنتهي لتعود معها الأمور إلى طبيعتها الساكنة إلى أجل غير محدد، لتنتظر ظروف ومتطلبات انطلاقتها من جديد.

إذا استقرئنا التجارب الديمقراطية، القديمة منها والحديثة، نجدها تشترك في مجموعة من العوامل التي يمكن أن نطلق عليها “شرارة الديمقراطية”، ومتى ما اندلعت هذه الشرارة يمضي قطار التغيير الديمقراطي لينطلق على متنه من لحق به بينما يبقى الآخرون في طابور انتظار الرحلة التالية.

تبعاً لتحليل بول سالم (2011)، فقد اعتلت أولى موجات الديمقراطية في العالم مع انطلاقة الثورتين الأمريكية والفرنسية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر بين عامي 1783 و1789 على التوالي، لتشكلان معاً نواة المبادئ الدستورية الحديثة ومفهوم حكم الشعب في كل من أوربا والأميركتين، ثم توالت أحداث ما يمكن تعريفه بالربيع الأوربي 1848 لتجرف أمواجه أكثر من 29 دولة على قطار الديمقراطية السريع في غضون سنوات قليلة لم تزد على عقد من الزمن، ولحقتها الموجة الثالثة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة حيث اكتسحت الديمقراطية أوربا الغربية بأكملها، ووصلت لأول مرة في التاريخ إلى تخوم قارة آسيا حيث التحول التاريخي في كل من اليابان والهند، كما هبت رياح الموجة الديمقراطية التالية مع بداية السبعينيات من القرن العشرين على جنوب أوربا لتشمل أسبانا والبرتغال واليونان، بالتزامن مع موجه أخرى غطت البرازيل وعدداً من دول أمريكا الجنوبية.

مع انهيار الاتحاد السوفيتي (1991-1992)، شهد التاريخ البشري أكبر ربيع ديمقراطي حيث الانتقال السريع لإرادة الشعوب سياسياً في عموم أوربا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي الاشتراكية، كما شهدت أمريكا الوسطى موجة خاطفة من رياح الديمقراطية التي ساهمت في إبرام اتفاقية السلام عام 1991 التي أنهت قرابة نصف قرن من الحروب الأهلية وتحوّل الإقليم برمته إلى النموذج السياسي التعددي، وما لبثت القارة الأفريقية أن لحقت بركب موجة أخرى للديمقراطية في منتصف تسعينيات القرن العشرين، فساهمت بشكل ملفت في ترجيح كفة الدول الديمقراطية في العالم إلى ما نسبته 60% (سالم، 2011).

العالم العربي كان على موعد مع هذه الموجة الديمقراطية التي عرفت بأحداث الربيع العربي بين عامي 2010 و 2011، وعصفت بالعديد من الدول العربية من الخليج إلى المحيط ومروراً ببلاد الشام، وشملت الدول العربية الصغيرة والكبيرة والغنية والفقيرة على حد سواء، لكن بدرجات متفاوتة ونتائج مختلفة، فعلى الرغم من النجاح المدوي والسريع في تونس ومصر وليبيا حيث انهارت أنظمته السياسية بالكامل، انكفأ هذا الربيع في بعض الدول الأخرى حيث انتهت التجربة اليمنية بتنازل الرئيس وبعض أعوانه عن السلطة مع بقاء النظام، ودخلت التجربة السورية في دوامة صراع أهلي مرير، وأخمدت التجربة البحرينية في مهدها، وفي المقابل تمكنت حكومات عربية أخرى كالمغرب والأردن والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي من امتصاص أو احتواء الاحتجاجات السياسية، ولم تخرج سوى تونس ببعض الإنجازات الديمقراطية، بينما كانت نتائج بقية الثورات العربية كارثية في بعدها السياسي والاقتصادي والأمني.

مع ذلك، يراهن البعض على أن الحراك السياسي في الوطن العربي لم يمت وقد تحول إلى نار تحت الرماد، وإن كان متقطعاً أو ضعيفاً، ليبرز من جديد، ولكن بشكل أكبر وأوسع نطاقاً ولربما أسرع في وتيرة إحداث التغييرات الديمقراطية المطلوبة (أمعضشو، 2012؛ Broder، 2012).

يعود السبب في ذلك إلى عاملين أساسيين أولهما أن الكثير من الدول العربية تعاني من مشاكل واختلالات كبيرة، وفي طليعتها الفقر ومشاكل التعليم وتردى مستوى الخدمات الأساسية والتلوث وتفكك النسيج الاجتماعي وتفشي الفساد في المؤسسات الحاكمة وفقدان الكرامة الإنسانية والحقوق السياسية، وذلك بالمقارنة مع ما حققتها التجارب الأممية في مجال الديمقراطية من نجاحات ملموسة انعكست على مستوى التنمية وارتفاع معدلات المعيشة واحترام حقوق الإنسان والسلم الأهلي وتداول السلطة ومزيد من التعاون وحسن الجوار مع محيطها الخارجي، الأمر الذي يجعل الشعوب تواقة باستمرار لاقتفاء أثر النجاح أينما كان مصدره وأياً كانت كلفته من تضحيات عاجلاً أم آجلاً (الأشقر، 2013).

النظرة المستقبلية لآفاق التغيير السياسي تكمن إذاً في شريحة الشباب، فالشباب دائماً هم ترجمة لقوة اجتماعية ضاربة، وهم وقود الثورات أو جزء مهم من ديناميكية التحول والانتقال، ولذلك فأن استقراء مؤشرات التحول الديمقراطي وفرص نجاحها يعتمد بشكل مهم على تصوّر هذه الشريحة للمرحلة القادمة ومركزية موقعها وفهم طموحاتها بما في ذلك الإرادة الحقيقية والواعية للتغيير نحو الأفضل، وهذه المتطلبات تقودنا إلى ضرورة رصد وتحليل المؤشرات الديمقراطية التي واتجاهاتها المستقبلية من جهة، وخصائص القاعدة الشبابية والأطر الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تواكب تنشئتها وتحدد أنماط سلوكها، والأهم من ذلك تصوراتها ورؤاها المستقبلية عن الذات وعن مآل مجتمعاتها من جهة أخرى.

دول مجلس التعاون الخليجي تعد امتداداً للمشروع العربي، وإن اختلفت عن الكثير من الدول العربية الأخرى في بنيتها الاقتصادية وتركيبتها الاجتماعية وأنظمتها السياسية، فوفق مؤشرات التنمية تحتل دول الخليج في الغالب مواقع متقدمة في مستويات المعيشة ومتوسط دخل الفرد ودرجات الجودة في الخدمات الأساسية العامة، وقد حولتها الوفورات المالية الضخمة إلى دول ريعية تقدم لمواطنيها الكثير من المزايا والخدمات المجانية من المهد إلى اللحد، الأمر الذي يعتبرها بعض المحللين “عصية على الديمقراطية” (النجار، 2008)، إلا أن هذه المزايا لم تكن طوال التاريخ السياسي للكثير من دول الخليج عائقاً أمام المطالبات الشعبية بمزيد من الحريات والمشاركة في صنع القرار وتبني المبادئ الأساسية لحياة ديمقراطية، بل شهدت المنطقة تجارب متنوعة وتطبيقات لم تختلف عن بقية الشعوب بما فيها التظاهرات والمسيرات والاحتجاجات والمصادمات الأمنية وما يتبع ذلك من اعتقالات ومحاكمات سياسية، وقد تزامنت صور حديثة منها مع أحداث الربيع العربي.

انطلاقاً من كون جيل الشباب كان دائماً، وعبر التاريخ، في مقدمة الركب المطالب بالتغيير والمحرك الأهم في ديناميكيتها، تهدف هذه الدراسة إلى استقراء التحول الديمقراطي في منطقة الخليج العربي مع التركيز على دور الشباب في هذا الاتجاه، وتحليل فرص نجاح التحول الديمقراطي على ضوء المتغيرات الديمغرافية للتركيبة السكانية في دول مجلس التعاون من جهة، واستناداً إلى التجارب السياسية والمحاولات السابقة الرامية إلى المزيد من الانفتاح السياسي من جهة أخرى، ووفق المعطيات الجديدة الآخذة في التغيير على مستوى التغييرات المحتملة في البنى الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في هذه المجتمعات الخليجية.

أهمية الدراسـة

تنبع أهمية الدراسة من موجات التغيير السياسي العاصف بالبشرية منذ انطلاقة الدولة القومية الحديثة إثر إبرام معاهدة وتسفاليا عام 1648، مع ثبات هذه التجربة حتى قيام الثورتين الفرنسية والأمريكية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، ومروراً بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، وأخيراً في ظل عصر العولمة اللاحق لانهيار التجربة الشيوعية في العالم إلى الأبد، حيث مضت حركة الديمقراطية في وتيرة متصاعدة لتسقط أمامها النماذج الأخرى من السلطة والحكم السياسي، ولم تعد أية دولة محصنة ضد هذا التحول بشكل أو بآخر، ومنها الدول العربية التي شهدت حركة سياسية شعبية خاطفة ومفاجئة، كما لا تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي استثناءً من هذه القاعدة.

بالإضافة إلى ذلك، فأن منطقة الخليج العربي، التي تعد من بين أهم المناطق الحيوية والاستراتيجية في العالم، بحاجة إلى رؤى جديدة في مختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالنظام الأبوي في ظل الدولة الريعية لا يمكن أن تبقى إلى الأبد لتستمر معها مركزية التفكير والقرار والتنفيذ ، التي لم تعد تتوافق مع التطورات الراهنة في عصر المؤسسات والتكتلات السياسية والاندماجيات الإقليمية، كما أن التحولات الديمغرافية في المجتمعات الخليجية قاطبة تنبئ بطفرة سكانية ذات معدلات نمو عالية تصل معها الكثافة البشرية إلى أرقام قياسية بحلول منتصف القرن الحالي، ولم تعد الثروة النفطية بتقلباتها الراهنة وانكماش عوائدها المالية قادرة على الحفاظ على مستويات الرفاه الحالية، ولم يعد الحديث عن الديمقراطية كإحدى الخيارات القوية القادمة مقتصراً على النخب السياسية أو الثقافية، بل بات يشمل رجل الشارع، حيث بلغت شعوب المنطقة درجة من النضوج الفكري والثقة بالنفس بأنها صاحبة كفاءة ومقدرة على خدمة مجتمعها والمشاركة الحقيقية في اتخاذ قراراته ورسم مستقبله (العمادي، 2004؛ بو نعمان، 2013).

أخيراً، فأن الديمقراطية مشروع حياة، ولا يمكن تحقيقها إلا بشروط مسبقة ومراحل تحضيرية ورغبة صادقة وعزم على ترسيخ مبادئها وبناها التحتية، وهذا ما يتطلب دراسة التجارب السياسية السابقة في دول المنطقة ومستويات الاختراق التي حققتها من أجل تقييم الفرص الكامنة لتدشين مثل هذا المشروع الكبير لضمان نجاحه، فأي تعثر أو ارتباك في هذا المسار قد يؤدي إلى نتائج كارثية مثلما أثبتت معظم تجارب الربيع العربي عام 2011، ففي السياق الإنساني وبناءً على العديد من المعطيات التي سيتم تناولها خلال هذه الدراسة تبقى الديمقراطية، جزئياً أو كلياً، هي إحدى الخيارات التي سيتم فرض نفسها على دول الخليج، ولذا يفترض أن تكون الاستعدادات لها جاهزة ومدروسة ومهيأة من الآن في بناء تصاعد يواكب المستجدات ببعديها الفكري والسياسي من جهة والواقعي المؤسساتي من جهة أخرى، وبالاتفاق والقناعة الصادقة والمتبادلة بين الحاكم والمحكوم.

أهداف الدراسـة

تكمن أهمية الدراسة في ضرورة رصد التحول الديمغرافي في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال مؤشرات النمو السكاني والتوزيع العمري للسكان، حيث تبرز جلية ظاهرة تنامي الشريحة الشبابية واستمرار وتيرة زيادتها في معظم فترات القرن الحادي والعشرين، ووفقاً لتصنيف الأمم المتحدة فأن شريحة الشباب التي تقع بين الفئة العمرية من 15-30 سنة قد بلغت 1.5 مليار نسمة مع بداية القرن الحالي، وتشكّل ما نسبته 20% من سكان العالم، كما أن 75% من شباب العالم هم من شعوب العالم الثالث، وتتراوح نسبة الشباب في معظم الدول العربية بين 50-60% (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016 أ)، ومثل هذه الحقيقة الديمغرافية يجب أن تكون المحور الأساسي لجميع الدراسات والتدابير والسياسات القادمة، كما أن دول مجلس التعاون تشهد في سياقها العام مثل هذا التحول الديمغرافي حيث زادت الكثافة السكانية من 21 مليون نسمة في عام 1990 إلى 47 مليوناً عام 2012 (شكل 1)، ومن المتوقع أن يصل عدد السكان في المنظومة الخليجية إلى 60.6 مليون نسمة عام 2030 ثم إلى 70.5 عام 2050 (أنظر من شكل 2-A إلى 2-F)، ولذا من الضروري متابعة هذه المؤشرات ومضامينها الكامنة وتأثيرها على البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذه المجتمعات الخليجية.

تهدف الدراسة أيضاً إلى فهم متطلبات الديمقراطية الحديثة وتطبيقاتها المحتملة في الدول الخليجية، وهل ستحمل المتغيرات المستقبلية الحاضنة الفكرية والمؤسساتية لاستقبال أو تبني الديمقراطية بصورها أو نماذجها المختلفة، وهل يتناسب ذلك مع الفكر والمنهج والسلوك الجديد الذي تحمله القاعدة الشبابية، وأهمية ذلك على التنمية المستدامة والاستقرار السياسي في وجه بعض الظواهر السلبية التي اخترقت عصر العولمة مثل التطرف والإرهاب والعنف والجريمة والعصبية الشعبوية.

منهجية الدراسـة

تعتمد الدراسة على أهم نظريات الديمقراطية ومتطلباتها والعوامل التي تؤدي إلى خلق أرضية لقيام النماذج الديمقراطية سواءً من حيث الحريات العامة أو بناء المؤسسات الدستورية والقواعد القانونية أو إصلاح البنى الاقتصادية الكفيلة بإرساء ركائز الديمقراطية على أساسها، ومدى توفر هذه المتطلبات في المجتمعات الخليجية على ضوء تطورها السياسي وتجاربها السابقة أو الإصلاحات السياسية التي شهدتها خلال محطات تاريخية مختلفة، أو التغيرات السريعة التي من شانها توفير أسس جديدة للديمقراطية، إضافة إلى مدى تماسك وصمود الآليات التقليدية التي وقفت وما تزال في وجه التمكين الديمقراطي في دول الخليج، ودور الشباب كقوة صاعدة وبما تحمل من أفكار وسمات شخصية لإحياء ذلك، ومدى استعداد الحكومات الخليجية لفتح نوافذ الديمقراطية، انطلاقاً من مفهوم معضلة الملك كما طرحه صمويل هانتغتون (Hungtinton، 1973) القائم على فكرة التحوّل من الأعلى إلى الأسفل، حيث يكون الملك أمام خيارين فإما الاستمرار في التحديث مع المزيد من سياسات القمع أو تحويل ملكيته المطلقة إلى ملكية دستورية حيث يسود ولا يحكم.

الدراسات السابقة

خضعت التجربة السياسية في دول الخليج العربي لدراسات كثيرة ومتنوعة، وتباينت الرؤى والتحليلات الخاصة بها حول فرص دمقرطة المنطقة، حيث غلب على معظمها طابع التشاؤم ومحدودية فرص الديمقراطية الحديثة أو الكاملة مقارنة مع العديد من تجارب النجاح في دول العالم الثالث أو الفرص الإيجابية المواتية في دول عربية أخرى.

فمنذ استقلال دول الخليج مع بقية نظيراتها من الدول الحديثة في العالم الثالث بعد انهيار عهد الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتحديداً منذ عام 1932 عندما تأسس أول كيان سياسي في المنطقة إثر توحيد شبه الجزيرة العربية على يد الملك عبدالعزيز آل سعود، مروراً باستقلال الكويت عام 1961، وانتهاءً باستقلال كل من عمان وقطر والبحرين والامارات بعد إعلان الجلاء البريطاني عن الخليج عام 1971، حافظت هذه الدول جميعاً على نفس نموذج الحكم السياسي التقليدي، وهو نموذج رغم بعض اختلافاته الشكلية إلا أنه يستند إلى حاكمية العوائل المالكة على مجتمعات يغلب عليها الطابع القبلي.

تجاوزت منطقة الخليج، في ظل أسرها الحاكمة، ومنذ منتصف القرن الماضي، الكثير من رياح التغيير السياسي التي شهدها الوطن العربي من انقلابات عسكرية أو ثورات شعبية أو المحاصصات السياسية، ونجحت في التغلب على الاهتزازات الأمنية والحروب المسلحة التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط، وأخيراً استطاعت الحكومات الخليجية احتواء أحداث الربيع العربي عام 2011، وحافظت على أنظمة الحكم القائمة على أساس السلطة الملكية شبه المطلقة (غينغلر، 2016؛ الكواري، 2002).

كانت الثروة النفطية وعلى الدوام العامل الأهم في امتصاص أية محاولات للتغيير، كونها شريان الحياة الأوحد في المجتمعات الخليجية، وقد استثمرتها الحكومات بنجاح الحكومات لتعزيز سلطتها وهيمنتها على مفاصل الدولة حيث تحولت إيرادات النفط الضخمة إلى الأداة الأولى للحكم (عبدالحق، 2014)، ولذلك كانت الديمقراطية خياراً مستبعداً تماماً في معظم الدول الخليجية، رغم بعض التجارب والمحاولات والاختراقات السياسية المحدودة بين فترة وأخرى.

إضافة إلى ذلك، فأن البنية التحتية اجتماعياً وفكرياً واقتصادياً وسياسياً لم تكن مهيأة طوال عهد الاستقلال في هذه الدول لاستيعاب الديمقراطية، بسبب الموانع الكثيرة التي أعاقت تطويرها وتعزيزها، الأمر الذي أدى إلى بطء أي تحول سياسي نحو الديمقراطية ولربما عدم السماح به إطلاقاً.

حدّد غيورغ سورنسن (Sorensen، 2015) أربعة شروط مسبقة للديمقراطية تتمثّل في التحديث والثروة، والثقافة السياسية كحاضنة لمنظومة من القيم والمعتقدات التي تحدد سياق الفعل السياسي ومعناه، والبنية الاجتماعية للمجتمع وهي الطبقات والشرائح المكونة للنسيج المجتمعي والمنقسمة بين الجماعات التي تساند الديمقراطية كالطبقة الوسطى والعمال في مقابل الفئات المعارضة للانفتاح السياسي كالأغنياء وأصحاب النفوذ المحيطين بالقرار ورجال الدين الناطقين باسم السلطة، بالإضافة إلى عوامل التأثير الخارجي.

وتبعاً لسورنسن، تكمن سيرورات الانتقال نحو الديمقراطية وترسيخها في ثلاثة مراحل تبدأ بالمرحلة التحضيرية وهي النضال السياسي الذي يقود إلى انهيار النظام اللاديمقراطي، لتبدأ بعدها مرحلة اتخاذ القرار وتأسيس معالم النظام الديمقراطي، وأخيراً مرحلة التحول التي تشهد المزيد من التطوير والترسيخ للبنى الديمقراطية مثل كتابة الدساتير الدائمة وإجراء الانتخابات وتداول السلطة وإطلاق الحريات العامة وفرض سيادة القانون واحترامه.

حاكم المطيري (2011) من جانبه يشرح اشكالية الهوية في الخليج وهشاشة مفهوم المواطنة التي تعتبر محورها الإنساني وهو عصب الديمقراطية، ويرتكز مفهوم المواطنة بحسب تحليل المطيري على حق كل مواطن في الدولة بالمشاركة في اختيار السلطة التي تمثله وحقه في تولي المناصب العامة والتكافل الاجتماعي وحق ممارسة حرياته الشخصية وحقوقه الطبيعية دون خوف أو عوائق، إلا أن هذا المفهوم غير متحقق في معظم دول الخليج، سواءً من الناحية القانونية كما تقرها الدساتير الحديثة أو العملية المبنية على العلاقات الأخوية المستمدة من الدين الإسلامي والتعايش المشترك.

فالمجتمعات الخليجية تفتقر إلى تعريف موحّد للهوية كما يغيب عنها مفهوم المواطنة بسبب الانقسامات الحادة والمستمرة القائمة إما على الطائفية المذهبية بين السنة والشيعة كما هو الحال في النموذج البحريني، أو يغلب عليها الطابع الفئوي المتمثل في الحضر مقابل البدو في الحالة الكويتية، أو وفق التقسيم المناطقي حيث الحجازي مقابل النجدي في السعودية، الأمر الذي يتسبّب في خلق حالة متكررة من الاحتقان بين مكونات المجتمع الواحد، ويضيف بأن مؤدى هذا الاحتقان يؤول أيضاً إلى الفشل السياسي في التعبير عن الهوية الجامعة للشعوب واحترام الاستحقاقات السياسية التي تفرضها الهوية الموحدة التي يفترض أن تكون الحصن الآمن ضد تهميش أية فئة أو طائفة سياسياً واقتصادياً (المطيري، 2014).

وبالنتيجة، فقد نجحت الحكومات في استبدال المفهوم الحقيقي للمواطنة إلى مفهوم التبعية والرعوية للأنظمة الحاكمة، فحتى الجنسية لم تعد بالاستحقاق الطبيعي والقانوني ولكن بالمنح والسحب من قبل السلطة السياسية، ولذلك يرى المطيري أن منطقة الخليج انقسمت إلى دويلات بصورة عبثية وفوضوية وأصبحت تنسب إما إلى أسرة كالسعودية أو مدينة كالكويت أو إقليم كعمان أو جزيرة كالبحرين وقطر أو حالة سياسية كالإمارات، ويستنتج المطيري أيضاً فأن مفهوم الاستقرار السياسي وهو من متطلبات الديمقراطية في الخليج يصطدم بشكل مباشر مع مفهوم الهوية.

حذّر المطيري أيضاً من تبعات غياب مفهوم المواطنة التي تقود بدورها إلى جملة من الأزمات وفي طليعتها أزمة الشرعية السياسية حيث الانحسار التدريجي لتبعية لسطلة وانحسار شعبيتها ثم اهتزازها، الأمر الذي يؤدي إلى الاحتجاجات السياسية والمطالبة بحقوق المواطنة، إضافة إلى أزمة فقد السيادة حيث القرار لا يرتبط بالإرادة الشعبية وإنما بقرارات خارجية في إطار الاتفاقيات الأمنية مع القوى الكبرى كبريطانيا والولايات المتحدة، وأخيراً بروز الطبقية الواضحة بين السلطة السياسية والشعب حيث تستأثر الأسر الحاكمة بحق تشكيل الحكومات والهيمنة على وزارات السيادة والموازنات المالية في ظل غياب الأحزاب وانعدام المشاركة السياسية الشعبية.

من جهته، يرى باقر النجار (2008، يونيو) بأن تعدد الهويات في المجتمعات الخليجية قد أدى إلى اختلافات حادة بين الأفراد والجماعات وخلق ظاهرة صراع الهويات المتمثلة في تسابق الجماعات ذات الانتماء الضيق كالطائفة أو القبيلة من أجل الاستحواذ على مركّب القوة القائم في المجتمع أو محاولة توجيه انحرافه أو ميل كفته نحو الأنا دون الآخر، وفي نفس السياق يحذّر محمد محفوظ (2013) أنه إذا كانت الهوية هي مصدر إشعال الصراع المجتمعي فأن العلاقة بين مكونات المجتمع تكون صادمة وتعسفية وقهرية، ويندفع بموجبها الإنسان عقلياً ونفسياً إلى التمسك التام بتلك العناصر المستهدفة من الشريحة التي ينتمي لها، بينما إذا كانت هذه العلاقة مرنة ومتسامحة ومتفاهمة فأنها تدفع إلى ترتيب روابط إيجابية وحيوية ومثمرة مع عناصر الهويات الأخرى، ويربط محفوظ طبيعة هذه العلاقة بمفهوم الاستقرار السياسي، فالتوترات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية هي وليدة التعسف المجتمعي في التعامل مع روافد الإنسان أو دوائر انتمائه فرداً وجماعة، ويفتقر النسيج الاجتماعي في العديد من دول الخليج إلى العلاقة الإيجابية بين هوياتها المتعددة، الأمر الذي يزيد من صعوبة إرساء قواعد ناجحة لمشاريع ديمقراطية يشترك في تحمّل أعبائها وإدارتها جميع الشرائح المجتمعية وفق مبدأ الشراكة الوطنية المتكافئة.

ترى سوسن كريمي (2015) أيضاً أن مجتمعات الخليج قائمة على شكل هويات كتل (Collective Identities) تتألف من قبائل وقرويين وحضر لتندرج تحت مسمى الموزاييك الجامد، حيث تساهم فئة محدودة في البنية المجتمعية وفق نموذج النسب الثلاثي المتقاطع (Triangle Segmentary Lineage) كما هو الحال في منظومة القبائل (أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب)، وتضيف كريمي بأن هذه الفروقات الكبيرة في معنى الهوية وتطبيقاتها تغذيها وتمارسها التقسيمات الداخلية والمكونات المجتمعية على شكل الطائفية والعرقية كما هو الحال في النموذج البحريني، أو وفقاً لوثيقة المواطنة بين الكويتيين والبدون، أو تبعاً للتمييز بين المواطن والوافد في دولة الإمارات.

علي الكواري (2002) يحدّد بدوره إشكالية الديمقراطية الخليجية في غياب أهم متطلبات ومقومات قيامها وهي المواطنة الحقيقية، حيث أن الشعب هو مصدر السلطات والشرعية الدستورية، وأساس التعاقد المجتمعي المتجدد وامتلاك مصادر ووسائل المشاركة الفعالة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا عند امتلاك المواطنين كأفراد وجماعات الحد الأدنى من مصادر الاستقلال الاقتصادي والتصرف الاجتماعي والعمل السياسي، لكن الكواري لا يرى في تطبيقات المواطنة ببعيديها القانوني والعملي الأساس القويم لقيام ديمقراطية حقيقية وراسخة تحت شعار حاكمية الشعب.

من جانب آخر، يربط دحمان عبدالحق (2014) تعثر العملية الديمقراطية في الخليج بلعنة الموارد المالية، حيث يتجه مسار الديمقراطية عكسياً مع إيرادات النفط النقدية، أي كلما زادت المداخيل النفطية للدول المنتجة كلما تصاب عملية الديمقراطية بالخلل وتتراجع الحريات وذلك من خلال سياسات مدروسة ومقننة لاستخدام النفط من طرف النظم السلطوية للحيلولة دون حصول أي تحول ديمقراطي.

يضيف عبدالحق أن الطفرات النفطية العالمية الثلاثة في الأعوام 1973، 1979، 2006 ساهمت في تطوير الخدمات الأساسية العامة وبلغت مؤشرات الصحة والتعليم والدخل الفردي معدلات فاقت حتى الدول المتقدمة، إلا أنه لم يواكب ذلك أي تطور يذكر للديمقراطية في سياق متناقض تماماً مع نظرية التحديث القائمة على فكرة التنمية الاقتصادية كمحرك رئيسي نحو نظام ديمقراطي بوتيرة متدرجة، فمع تحول الفقر إلى غنى ترتفع مستويات التعليم والأحوال المعيشية وبالتالي يتعاظم فهم معنى وقيمة الاستقلال والحريات، وبالنتيجة يزداد الطلب على الديمقراطية، ولا تعكس دراسة توماس فريدمان (Freidman، 2006) كذلك نظرية القانون الأول للسياسات النفطية، حيث العلاقة الارتباطية بين سعر النفط ووتيرة استدامة الحريات السياسية والاصلاحات الاقتصادية يسيران في اتجاهين متعاكسين في دول النفط الغنية، وكلما ارتفع متوسط سعر النفط العالمي فأن حرية التعبير والصحافة والانتخابات الحرة واستقلال القضاء وسيادة القانون تتعرض للتآكل، بينما إذا انخفضت أسعار النفط تضطر البلدان النفطية للتحرك نحو نظام سياسي أكثر شفافية وأكثر تركيزاً على البناء القانوني والاهتمام بالهياكل التعليمية التي من شانها تعظيم قدرات شعوبها.

في المقابل، ترى بعض الدراسات الأخرى الديمقراطية الخليجية من منظور أكثر إيجابية وتفاؤلاً، فالديمقراطية ليست من المفاهيم الغريبة أو الطارئة على دول الخليج التي شهدت بدون استثناء محاولات ومساعٍ مختلفة للتبني وتعزيز أشكال متعددة من الديمقراطية عبر تاريخها السياسي، ورغم محدودية هذه التجارب أو انكفائها السريع إلاً أنها تركت أثراً مهماً ولو بشكل جزئي على التركيبة السياسية الاجتماعية، كما نجح بعضها نسبياً بشكل أفضل كما هو الحال في التجربتين الكويتية والبحرينية.

استعرض علي الكواري (2002) وعبدالله العمادي (2004) محمد صادق اسماعيل (2010) وباقر النجار (2008) عدة نماذج من مجالس الشورى والمجالس التشريعية والمجالس البلدية والمحلية وكذلك المجالس التخصصية للصحة والمعارف وغيرها ذات التمثيل الأهلي في عموم دول مجلس التعاون الخليجي منذ الربع الأول من القرن العشرين نتيجة لمطالبات شعبية، كما شهدت العوائل الحاكمة معارضة شديدة في بعض الأحيان عكستها المعارضة السياسية والقوى العمالية والمجاميع الطلابية وانتهاءً بالحركات المسلحة، الأمر الذي لم يكن معه انتقال الحكم في هذه الدول من الحكم القبلي إلى أسر مالكة مسألة سهلة وسلسلة.

فقد شهدت البحرين نضالاً جماهيرياً في النصف الثاني من القرن الماضي، قادته هيئة الاتحاد الوطني التي تعد من أكبر جماعات المعارضة في الخليج فأرست قواعد الحكم الدستوري في مرحلة ما بعد الاستقلال عام 1971، كما ظهرت في السعودية وقطر وساحل عمان جملة من الحركات الوطنية والعمالية تركت موروثاً سياسياً ساهمت في فرض الفكر الديمقراطي ونماذج عدة من مؤسساته، في حين شهدت عمان أبرز حركات التحرير المسلحة بقيادة جبهة تحرير عمان، كما استمرت محاولات الانقلابات العسكرية من داخل وخارج الأسر الحاكمة حتى السبعينات من القرن العشرين (الكواري، 2002).

أما الكويت فقد حقق فيها أنصار الديمقراطية إنجازات سياسية هي الأكبر والأوسع نطاقاً في المنطقة، فقد نجحت المعارضة بعد عدة محاولات بدأت عام 1921 في انتخاب أول مجلس تشريعي وضع وثيقة دستورية حددت فيها مفهوم فصل السلطات وتفويض المجلس المنتخب بإدارة ميزانية الدولة وإطلاق يدها في الهيمنة على مقاليد الحكم في البلاد وذلك في عام 1938، إلا أن هذه التجربة الديمقراطية قد فشلت نتيجة لأسباب داخلية وبتحريض خارجي من الحكومة البريطانية، لكنها أسست نواة الحكم الدستوري في عام 1962 من جديد، وهو النظام الذي ما زال قائماً حتى الوقت الراهن (أسيري، 2010).

إلا أن هذا التطور السياسي في تدرجه الزمني يبقى مجرد خطوات، وظلت مطالب الديمقراطية عصية على المجتمعات الخليجية، وقفت ضدها نظم الحكم صامدة ومستخدمة الترهيب والترغيب، ومدعومة بحماية القوى الخارجية وفي مقدمتها بريطانيا ثم الولايات المتحدة، ولذلك بقيت معظم دول الخليج باستثناء الكويت، التي تتمتع ببنية سياسية شبه مستقرة من دستور ومجتمع مدني وفصل بين السلطات، ما زالت بينتها السياسية شمولية ونظام الحكم مطلق وتنظيمات المجتمع المدني محدودة لا تشمل الأحزاب والحركات السياسية والنقابات، كما ظلت وسائل الإعلام والثقافة والتعليم خاضعة للسلطة، في ظل وعي ديمقراطي محدود (الكواري، 2002؛ غباش، 2013).

لعل من الأمور المهمة التي لعبت دوراً كبيراً في احتواء المد الديمقراطي في منطقة الخليج ظهور الثروة النفطية بعوائدها الجبارة، وتغير التركيبة السكانية التي واكبت ذلك، فقد لعبت الثروة النفطة دوراً محورياً في النهوض بمؤشرات التنمية البشرية لدول الخليج وارتقائها في تصنيف التنمية البشرية العالية وفق دليل الأمم المتحدة منذ بدايات عقد السبعينات من القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر (أنظر جدول 1، 2).

كما ساهمت العوائد المالية الضخمة، والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً، في توفير الخدمات الإنسانية التي تعتبر أساس الاستقرار الاجتماعي والسياسي في أي مجتمع كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وتوفير السكن الحكومي والضمان الوظيفي والرواتب التقاعدية، ويعكس الجدول (3) مؤشرات الشعور بالرفاه والرضا لدى مواطني دول مجلس التعاون، ومما يعكس أهمية المال السياسي ارتفاع مستويات الرضا بالمؤشرات الخاصة بالخدمات وكذلك الثقة بالحكومة في الدول الأكثر غنى مثل الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية.

بالإضافة إلى ذلك فقد كانت للثروة النفطية تبعاتها السلبية أيضاً، حيث تحولت المجتمعات الخليجية إلى دول ريعية، وعلى درجة عالية من الرفاه، التي اعتبرها البعض نموذجاً للاتكالية وحياة الترف والبذخ على حساب الانتاجية الفعلية وضمور قوة العمل الحقيقية بين مواطني دول مجلس التعاون، فمع مرور الوقت تزايدت نسبة الوافدين في معظم دول الخليج العربية وقفزت بمعدلات عالية لدرجة أن معظم مواطني الخليج أصبحوا أقليات في بلدانهم، كما أن غير المواطنين باتوا المسيطرين على قوة العمل وبنسبة تكاد تصل إلى 90% وأكثر (أنظر شكل 3).

لعنة الثروة بحسب تعبير البعض تركت آثارها الإيجابية من جانب ولكن ساهمت في أبعاد مهمة في الحاق اختلالات جوهرية على البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في دول المجلس الخليجي، وفي مقدمتها المطالبات السياسية المحدودة في طبيعتها والهشة في توفير الحاضنة المجتمعية والثقافة الشعبية مما أضعف مسيرة هذا الحراك وتطوره مع مرور الزمن.

لذلك فأن المطالبات السياسية في معظم دول الخليج لم تتواكب مع التدرج التاريخي ولم تعهد تطوراً تدريجياً، بل كانت تطفوا بشكل فجائي تبعاً لظروف داخلية أو بسبب التأثيرات الخارجية وسرعان ما تتلاشى وتتراجع بانتهاء تلك الظروف أو انحسار المؤشرات الخارجية (العمادي، 2004).

التحوّلات الديمغرافية في دول الخليج العربي

السؤال المهم الذي يطرح نفسه يتمثل في استمرار هذا الوضع الجامد أم أن التحولات الجديدة التي يشهدها العالم، إضافة إلى التغييرات التي بدأت تعصف بسلطة الثروة المالية ومحورتيها في التحكم في مفاصل الدولة قد تتراخى وتفتح معها آفاقاً جديدة لتحولات سياسية مرتقبة.

لعل التغيير الجيلي على ضوء النمو السكاني وتركيبته العمرية يكون إحدى المعابر المهمة نحو تغيير سياسي حقيقي، لذلك من المهم إلقاء نظرة مستقبلية على حركة التغيير الديمغرافي في دول مجلس التعاون خلال السنوات القادمة وعلى أقل التقديرات حتى منتصف القرن الحالي، وقد يكون استقراء معدلات النمو السكاني والتوزيع العمري للسكان من الدراسات الصعبة والمعقدة خاصة في دول العالم الثالث وفي منطقة الخليج تحديداً، وذلك لاستمرار تدفق حركة الهجرة والوافدين المستقرين من أجل العمل، إلا أن هناك مؤشرات يمكن الاعتماد عليها لاستنتاج معالم البنية السكانية في هذه المجتمعات.

الشكل (4) يقارن التوزيع الهرمي للسكان بين دول العالم المتقدمة والدول النامية حيث التناسب المثالي بين الفئات العمرية في الدول الأكثر تقدماً، حيث الشريحة العمرية المنتجة تمثل الغالبية الساحقة في المجتمع، ويبلغ متوسط عمر الفرد في هذه الدول خلال الفترة الراهنة 36 سنة، ويمتد هذا المتوسط حتى سن 45 سنة في عام 2050، في توازن يحقق قدرة الفئات المنتجة على القيام بواجباتها تجاه الفئات اليافعة والطاعنة في السن، بل وينعكس هذا التوزيع العمري بشكل إيجابي على مؤشرات التنمية المستدامة وبالتالي على حالة الاستقرار ومحورية الفرد في صنع القرار في هذه المجتمعات المتسمة بالديمقراطية بشكل واسع.

في المقابل يغلب على الدول النامية المعدلات الكبيرة في الفئات العمرية الصغيرة، حيث يصل متوسط عمر الفرد في هذه المجتمعات إلى 28 سنة، ويستمر هذا الوضع في ظل تحسن محدود جداً حيث يصل متوسط العمر إلى 37 سنة بحلول العام 2050، ومن الطبيعي أن يستنزف هذا التوزيع العمري قدرات الدول المالية وبنيتها التحتية لتلبية الحاجات الأساسية للقطاعات غير المنتجة والتي تلقى أعبائها على الطبقة المنتجة قليلة الحجم.

الأشكال (من 5-A وحتى 5-C) تعكس اختلالات التركيبة السكانية بوضعها الحالي في معظم الدول الخليجية التي تعتبر ذات كثافة سكانية شبابية بامتياز، ففي حين يبلغ متوسط عمر المواطن السعودي 26 سنة في عام 2010، بلغ متوسط الفرد الكويتي 28 سنة، ولا يختلف الوضع بالنسبة لكل من البحرين حيث متوسط عمر المواطن 27 سنة بينما في سلطنة عمان فأن العمر الغالب هو 25 سنة، وعلى الرغم من الارتفاع الجزئي في متوسط عمر الفرد في كل من الإمارات (30 سنة) وقطر (32 سنة)، إلا أن هذه النسب تبقى في حدود الفئات الشبابية ويمكن تفسير ارتفاع نسبها البسيطة إلى العمالة الوافدة التي تهمين على مجمل عدد السكان في هذه الدول كما بين الشكل (3).

الأشكال من (2-A) وحتى (2-F) تعكس أيضاً حركة نمو السكان في دول مجلس التعاون بين الأعوام من 2010 وحتى نهاية القرن الحالي في عام 2100 عبر ستة محطات زمنية، ويستنتج من الأرقام الواردة في هذه الأشكال مجموعة من الملاحظات الخطيرة أولها النمو السريع والمتواصل في جميع المجتمعات الخليجية، ففي البحرين يزداد نفوس السكان بمعدل 100 ألف نسمة كل خمسة سنوات، حيث سيرتفع عدد السكان إلى مليون ونصف نسمة في عام 2020 ثم إلى 1.6 مليون نسمة عام 2030 ومنه إلى 1.8 مليون نسمة عام 2050، ليعود إلى الانخفاض مع نهاية القرن الحالي إلى 1.6 مليون فرد.

في الكويت يتوقع زيادة معدل النمو السكاني بنحو 300 ألف فرد كل خمس سنوات، حيث سيتضاعف إجمالي عدد السكان بحلول عام 2050 ليصل إلى 5.2 مليون نسمة في منحنى تصاعدي مستمر، وفي المملكة العربية السعودية تعتبر منحنيات النمو السكاني الأعلى على الإطلاق حيث ستشهد المملكة زيادة قدرها 3 ملايين نسمة كل خمس سنوات، وسوف يرتفع عدد السكان بمعدل 26% ليصل إلى 38.5 مليون نسمة عام 2030، ليقفز هذا الرقم بعد ذلك إلى 45 مليون نسمة عام 2050 وبمعدل زيادة قدرها 50% عن الفترة الحالية، وبالمثل سوف يزيد عدد السكان في دولة الإمارات العربية المتحدة من 8.3 مليون نسمة عام 2015 إلى 10.5 مليون نسمة عام 2030 ومن ثم إلى 12.2 مليون نسمة عام 2050 أي بزيادة وقدرها 45% عن الفترة الراهنة.

أما دولة قطر وسلطنة عمان فهما الأقل نمواً للسكان حتى عام 2050، حيث تشهد قطر زيادة قدرها 28% في عام 2050 ليصل إجمالي عدد السكان إلى 2.6 مليون نسمة، بينما سيكون عدد السكان في سلطنة عمان نحو 3.7 مليون نسمة في ذات السنة أي بزيادة وقدرها 22% عن الوقت الحاضر.

هذه الزيادات الكبيرة في عدد السكان حتى منتصف القرن الحالي سوف تعزز الشريحة العمرية للشباب دون سن 30 سنة لتبقى هي الأوسع نطاقاً، وإن تراجعت بمعدلات ضئيلة جداً، وبمعنى آخر سوف تكون التركيبة السكانية لمعظم دول الخليج في سياق دول العالم الثالث حيث محدودية الفئات المنتجة وتوسّع قاعدة صغار السن، حيث يشكل ذلك عبئاً مضاعفاً وضاغطاً ومستمراً على موارد الدولة المالية والهيكلية وخدماتها الأساسية، ولذك تكمن معضلة دول مجلس التعاون في أنها ذات اقتصاديات ريعية تعوّل بشكل أساسي وشبه وحيد على النفط كمورد مالي، مع محدودية آفاق تنويع مصادر الدخل خلال السنوات المنظورة القادمة.

من جهة أخرى، ولعل الأخطر من ذلك هو بقاء الطاقة الانتاجية للنفط في معظم هذه الدول على وضعها الحالي تقريباً مع تراجع أسعار النفط في ظل المنافسة داخل السوق النفطي أو مع الظهور المفاجئ للنفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً بالإضافة إلى القادمين الجدد إلى هذه السوق مثل كندا وعدد من دول أوربا المعتمدة أساساً على النفط المستورد، ومما يعقّد هذا السيناريو المرتقب الزيادة المتوقعة في الإنتاج النفطي لكل من إيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، والعراق وليبيا عند تحقيق مستويات أفضل من الاستقرار الأمني، بالإضافة إلى الاكتشافات الجديدة من النفط التقليدي والغاز الطبيعي في عدد من الدول العربية كمصر وسوريا والسودان ولبنان واليمن.

انهيار السوق النفطية عام 2010 وهبوط سعر النفط من 120 إلى 20 دولار أحدث هزة عنيفة في موازنات دول الخليج النفطية وبات جرس الإنذار يقرع فكيف إذا استمر هذا الوضع مع تنامي عدد السكان وتوسيع قاعدة الفئات المستهلكة لعقود قادمة (السعدون، 2015)؟

واكب هذا الاختناق الاقتصادي أيضاً تفجّر ما عرف بالثورات العربية التي أحدثت زلزالاً سياسياً غير متوقع على الإطلاق، أزالت أنظمة سياسية راسخة وقوية ومحكومة بسلطة حديدية مثل مصر وتونس وليبيا، ووصل هذا الربيع العربي إلى حدود منطقة الخليج ليشمل معظم دوله، وبرزت ولو بدرجات متفاوتة جملة من المطالبات السياسية الجريئة وغير المسبوقة في كل دولة خليجية على حدة، ففي حين تبنت بعض تيارات المعارضة السياسية الشعبية الواسعة في البحرين شعار إسقاط النظام، بلغت المطالب السياسية فيما عرف بالحراك الشبابي في الكويت تعديل الدستور وتطبيق الملكية الدستورية والحكومة المنتخبة، بينما شهدت عمان سلسلة من المظاهرات المطالبة بإقالة مسؤولين كبار في البلاط السلطاني بتهمة الفساد، وأخيراً شهدت الإمارات نمواً للمعارضة السياسية التي لم تردد في إصدار منشورات سياسية تطالب بالإصلاح، في حين شهدت السعودية مطالبات جديدة أوسع نطاقاً مما سبق بالمشاركة السياسية وإقرار حقوق المرأة، ومن اللافت أن شريحة الشباب كانت في مقدمة الحراك الجديد في سياق متلازم وإن كانت بدرجات أقل في نظيراتها في دول الربيع العربي.

المال السياسي لعب دوره من جديد على الرغم من تراجع أسعار النفط والتحذيرات الصادرة من البنك الدولي باحتمال بلوغ موازنات دول خليجية فاحشة الثراء إلى حافة الإفلاس خلال سنوات قليلة قادمة، فقد زاد الصرف العام بنسبة 20% في مختلف دول الخليج وتبنت الحكومات استراتيجيات جديدة لمزيد من فرص التوظيف والإسكان مع زيادة الرواتب والهبات المالية للمواطنين (أبراهام، 2016).

سياسياً تم تطويق المظاهرات والاحتجاجات السياسية، ولم تتردد السلطات في استخدام أدوات أمنية قاسية لعلها للمرة الأولى منذ فترة طويلة تمثلت في الاعتقال والمحاكمات القضائية تحت مسميات خطيرة بلغت تهمها تهديد أركان النظام العام ومحاولات قلب أنظمة الحكم.

أما في البعد الاقتصادي فلم يستخدم فقط كجزرة في التعاطي مع الاحتجاجات الشبابية بل استخدم كعصا أيضاً، حيث تم اللجوء إلى سلاح تجريد مواطنة المعارضين السياسيين من خلال سحب الجنسية الوطنية، الأمر الذي أقدمت عليه الحكومة في قطر والكويت والبحرين على نطاق واسع، والتجريد من المواطنة أداة فعالة وتعكس أهمية مستوى الاقتصادي المرفه في دول الخليج، ولذلك نجحت هذه العصا في إخماد الاحتجاجات الميدانية بشكل كامل تقريباً كما هو الحال في الكويت والبحرين على وجه التحديد.

استغلال البعد الاقتصادي ذهب إلى مدى أبعد من الاستغلال السياسي الفردي كما جاء في تحليل جاستن غينغلر (2016)، وقد عبّر عنه باستراتيجية حفظ الذات الاستبدادية حيث تقوم الحكومات برعاية واحتضان الانقسامات الطائفية والمجتمعية، التي تميل إليها معظم التجمعات والمكونات الشعبية وإن تحوّلت إلى تجمعات سياسية لأنها تقوم على الانتماء النسبي وتشكل تحالفات قائمة على أساس طبقي مما يقلل الانغماس في عمل سياسي مشترك، وتسعى الحكومات إلى إبقاء مثل هذا الوضع كما هو.

في ظل تراجع القوة الاقتصادية استغلت الحكومات الخليجية البعد الأمني لتعزيز سلطتها، فالحكومات الخليجية تستمد شرعيتها من خلال شعار توفير الأمن لشعوبها في منطقة غير آمنة، ففي ظل تراجع الإيرادات المالية فأن وجود الدولة ولو بأقل سخاءً ولكن مستقرة يكون بالتأكد خياراً أفضل من الفوضى والمجهول، وقد نجحت هذه الحجة أيضاً في التسويق لفكرة الإصلاحات الاقتصادية تحت مبرر تجنب الانهيار الاقتصادي في مقابل استمرار الأمن، ففي ظل المخاوف الأمنية وتجارب الربيع العربي الدامية فأن الاستقرار الآمن يكون ثمنه الشعبي الإذعان السياسي، ومن هذا المنطلق فأنه يتم الاستفادة من المخاوف الأمنية للمواطنين لشراء الدعم السياسي بتكلفة أقل من تكلفة المنافع المادية التي اعتاد عليها الشعوب تحت كنف الدولة الريعية، بل قد يحمّل المواطن سداد جزء مهم من الأعباء المالية من خلال فرض الرسوم المالية ورفع الدعم من عن المنتجات الرئيسية ودفع الضرائب والخضوع لسياسات التقشف الأخرى، ولهذا فأن اصطناع التهديدات الداخلية عن غياب النسيج المجتمعي المستقر والتهويل من الأخطار والتهديدات الخارجية من شأنه تأجيج المخاوف الشعبية على الأمن وأخيراً خفض تكلفة زيادة الدعم السياسي (غينغلر، 2016).

على خط موازٍ ولامتصاص المد السياسي القادم من الخارج خاصة بعد أحداث الربيع العربي تبنّت دول مجلس التعاون، بدرجات متفاوتة، نماذج من الانفتاح التدريجي وفق منظومة الإصلاح من الأعلى إلى الأسفل، كمبادرات من القيادات السياسية دون المجازفة في فتح أبواب الديمقراطية بشكل واسع في مجتمعات لا زالت تصنّف بأنها تقليدية ولا تتحمل أية تغييرات جذرية غير محسوبة العواقب.

ففي سلطنة عمان، وبعد سلسلة من الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في التنامي بداية في إقليم ظفار وسرعان ما انتقلت إلى العاصمة مسقط بين عامي 2011 – 2012، اتخذت الحكومة بعض الخطوات التي سمتها بالإصلاحات السياسية وشملت إقالة مجموعة من القياديين رفيعي المستوى وتقديم البعض منهم إلى التحقيق وإعطاء مجلس الشورى بعض الصلاحيات الإضافية منها تقديم الأسئلة إلى أعضاء الوزارة، والأهم من ذلك هو تمكين الشعب العماني من انتخاب أعضاء مجلس الشورى بكامل أعضائه، بعد أن كان يتم تعيين نصفهم من قبل السلطة (الدسوقي، 2015).

في دولة الإمارات العربية المتحدة تم استبدال آلية اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي من التعيين المباشر إلى نظام الانتخابات غير المباشرة حيث يتم اختيار نسبة من المواطنين من الجنسين لانتخاب نصف أعضاء المجلس عام 2011 ثم توسيع قاعدة المصوتين في الانتخابات التالية 2015، مع تعزيز سلطات المجلس بتقديم النصح وتعديل مسودات القوانين المقدمة من الحكومة وطرح الأسئلة المتعلقة باختصاصات وأداء وزرائها (الدسوقي، 2015).

دولة قطر بدورها شهدت تطوراً محدوداً يتمثل في الانتخابات البلدية المباشرة ومشاركة جميع المواطنين من الذكور والإناث في اختيار أعضاء المجالس البلدية، كما أضيفت بعض الصلاحيات الرقابية والتشريعية لمجلس الشورى بعد أحداث الربيع العربي المتزامنة مع بعض الفعاليات السياسية المحلية التي قادها مجموعة من النشاط من النخبة الجامعية والمحامين والكتاب.

كما شهدت دولة الكويت أكبر المسيرات والاحتجاجات الشعبية في تاريخها المعاصر في الفترة من عام 2010 وحتى عام 2012 على خلفية اتهامات بتلقي نواب من البرلمان أموالاً تقدر بعشرات الملايين من الدنانير من الحكومة وإجهاض محاولات المعارضة لاستجواب رئيس مجلس الوزراء بعد توفر الأغلبية البرلمانية للإطاحة به، استجابت السلطة للمطالب الشعبية لما عرف بالحراك الشبابي، وتم إقالة رئيس الوزراء في أول سابقة سياسية لعزل أكبر مسؤول حكومي من أبناء الأسرة الحاكمة، كما تم حل البرلمان في عام 2012 استجابة للمطلب الشعبي الواسع، حث تم انتخاب مجلس جديد عرف بمجلس الأغلبية البرلمانية في دلالة على السيطرة المطلقة لنواب من المعارضة على البرلمان بأغلبية 34 عضواً، وبات المجلس المذكور يملك التفويض التشريعي لإقرار القوانين منفرداً على حساب الحكومة التي فقدت أغلبيتها في البرلمان لأول مرة منذ بداية العهد الدستوري، كما تم إحالة مجموعة كبيرة من النواب والوزراء وكبار مسؤولي الدولة للقضاء بتهم الفساد الإداري والمالي، وأصدرت الحكومة عدة تشريعات لإنشاء هيئة مكافحة الفساد وإقرار الذمة المالية لشاغلي الوظائف القيادية في الدولة.

المملكة العربية السعودية كانت أيضاً على موعد مع جملة من التغييرات غير المسبوقة عند تولي الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم وبروز ملامح الإصلاح السياسي في عهده، فقد أصدر الملك قراراً بالعفو العام عن سجناء الرأي السياسي، كما تم منح المرأة السعودية حق الترشيح والانتخاب في انتخابات المجالس المحلية عام 2015 رغم المعارضة الشديدة من الهيئات الدينية التي يسيطر عليها أصحاب الفكر الإسلامي المتشدد، كما شهدت تركيبة مجلس الشورى نقلة نوعية باختيار عناصر من النخبة السياسية وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال والحقوقيين المدنيين بالإضافة إلى المرأة التي دخلت لأول مرة في مجلس الشورى وتعيين أول وزيرة سعودية في تاريخ المملكة.

اختلفت التجربة البحرينية خاصة بعد الاحتجاجات الشعبية الواسعة عام 2012 التي انتهت بشكل دراماتيكي ودموي، وأعلنت المعارضة انسحابها من البرلمان ومقاطعة الانتخابات التالية، إلا أن الانتخابات الجديدة شهدت تحولاً واضحاً في المزاج السياسي عند الشباب تحديداً حيث خسر معظم الاسلاميين من النواب السابقين ومرشحيهم الجدد مقاعدهم النيابية لصالح المرشحين الشباب ونخبة التكنوقراط.

الخطوات السياسية سابقة الذكر، ورغم أهيمتها وتوقيتها، لا تعكس إرادة حقيقية في مسيرة التحول الديمقراطي في الخليج ويمكن اعتبارها ردة فعل على احتواء موجة الربيع العربي وانعكاساتها على الداخل الخليجي، فقد اعتبرت مجلة الإيكونيميست (Economist، 2015)، في تحقيق خاص ومفصّل عن الأوضاع السياسية في الخليج العربي، أن تعامل المسؤولين في قطر، على سبيل المثال، وبشكل متكرر مع الديمقراطية، واعتبار الانتخاب المباشر لأعضاء المجلس الشورى بأنها وسيلة مزعجة وغير فعالة وتهدد الاستقرار، بمثابة الموقف الرسمي في منطقة الخليج تجاه الانفتاح الديمقراطي بشكله الحقيقي والراسخ.

فقد صرّح بالمثل صرّح مسؤول حكومي رفيع المستوى في دولة الإمارات بأن القفز إلى العملية الانتخابية في بعض الديمقراطيات العربية تم استخدامها لسوء الحظ وسيلة انقسامية تقوم على الجهوية والقبلية والعوامل الطائفية.

في السعودية ورغم بعض الخطوات الإيجابية المتمثلة في منح المرأة بعض الحقوق المدنية على مستوى المجالس المحلية إلا أنه تم منع النساء كيفية التسجيل وإجراء الحملات الانتخابية وإدارة الميزانية استعداداً لخوض تلك الانتخابات المحدودة أساساً، بل تم منع المرشحات من مخاطبة الناخبين الرجال إلا عبر الشبكات التلفزيونية المغلقة، ومثل هذه الإجراءات لا يمكن أن تساهم في تعزير هذا الانفتاح المدني كما يقلل إلى حدٍ كبير فرص المرأة في المنافسة العادلة وهي من أهم مبادئ السباق الديمقراطي.

في الكويت تم إلغاء نتائج انتخابات مجلس الأمة الذي هيمنت عليه المعارضة بشكل واسع في فبراير 2012، واتخذت الحكومة قراراً بتعديل نظام التصويت لعدم تكرار مثل هذا الاختراق السياسي الملفت، كما تعاملت بشكل أمني مع الحراك الشعبي وتم اعتقال المئات من شباب الحراك وتمكنت السلطة مجدداً من بسط سيطرتها على الساحة السياسية والتحكم بمؤسساتها بما فيها الهيئات المنتخبة شعبياً.

بعبارة أخرى، أن التحول الديمقراطي في الخليج يعيش ومنذ عشرات السنين حالة من المد والجزر السياسيين، مع بقاء النافذة المطلة على الديمقراطية مفتوحة ولو بشكل جزئي، ولعل السبب في ذلك يعود إلى عدم توفر البنية التحتية لإرساء دعائم ديمقراطية ثابتة وراسخة، أو حتى إعاقتها تبعاً للإرادة السياسية العليا، والاختلالات الكبيرة في البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعد بمثابة شروط مسبقة لنجاح أية تجربة سياسية جديدة وواعدة، ولن تفرط الحكومات في سلطاتها الواسعة، فاكتفت بإعطاء نفسها حق تمرير جرعات بسيطة منها بين فترة وأخر، في تشبيه جميل لمحمد العصيمي (2013) بأن الخليجيون باتوا يتعاملون مع الديمقراطية باعتبارها “سلعة” تدعمها الحكومات تماماً كالكهرباء والبنزين.

مستقبل الديمقراطية في الخليج في ظل التحول الديمغرافي

يبقى السؤال الأهم في هذا السياق حول أثر التغييرات الديمغرافية في منطقة الخليج، وتنامي قاعدة الفئات الشبابية على إحداث اختراقات جديدة في المسار الديمقراطي، فمن العرض السابق يتبين بوضوح أهم العقبات أمام إرساء قواعد ديمقراطية حقيقية، وتمثل هذه العقبات المعقدة ومتعددة مشكلات رئيسية وجوهرية في طريق الديمقراطية، ويمكن تحديد بعض صورها، وكما بينها على الكواري (2002) مفصلاً، في الآتي:

(أ) البنى الثقافية:

ما زالت المجتمعات الخليجية تعيش انقسامات عميقة في بعدها القبلي والمذهبي والمناطقي والعرقي، وتطفو إلى السطح بين الآونة والأخرى صور من التراشق اللفظي والنعرات السلبية لتصل إلى حد التخوين والطعن في الولاء الوطني، كما هو واضح في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وتحتاج هذه المجتمعات إلى الكثير من الجهود لخلق ثقافة سياسية قائمة على نسيج مجتمعي واحد ومنظومة من القيم السياسية مثل المواطنة والعدالة والمساواة والعيش المشترك والحريات لتكون أرضية ناجحة لأي مشروع ديمقراطي.

(ب) البنى الاجتماعية:

أن عقوداً من الثراء الاقتصادي في دول الخليج قد ساهمت في خلق مجتمعات يغلب عليها القيم الاستهلاكية والروح الاتكالية على الوافدين والخلل في التركيبة السكانية لصالح الأجانب، مع استمرار التمييز الطبقي وتهميش الأقليات العرقية أو الطائفية والتمييز ضد المرأة، الأمر الذي أثر سلباً على قدرة المواطنين على التعاضد والتعاون، وخلق قاعدة انتاجية فعالة في قوة العمل الوطني.

(ج) البنى الاقتصادية:

على الرغم من الثراء وارتفاع مستويات المعيشة تحت ظل الاقتصاد الريعي، الا أن معظم دول الخليج تعاني من الفساد المالي الناجم عن انعدام الشفافية وآليات الرقابة على الميزانية وموارد صرف الأموال العامة، مع تفشي ظاهرة سوء توزيع الثروة وتبديدها وفقاً للمحسوبيات وشراء الولاءات السياسية على شكل هبات ومشاريع خاصة، في مقابل بقاء معظم المواطنين في كنف القطاع العام، الأمر الذي يتعارض مع فلسفة الديمقراطية المبنية على أساس الاقتصاد الحر والمستقل كصمام أمان في العملية السياسية.

(د) البنى الجيو – سياسية:

على الرغم من استقرار حالة الأمن بشقيه الداخلي والخارجي إلا أن الهواجس الأمنية كانت دائماً مصدر قلق لبقاء هذه الدول، ومرد ذلك إلى الإقليم المضطرب وهشاشة المجتمعات الخليجية أمام تأثيرات وتداعيات قوى مهددة لها مثل إيران والعراق وإسرائيل من جهة، والمشاكل الحدودية والسياسية الأزلية بين دول منظومة الخليج ذاتها من جهة أخرى، ومن أمثلتها البارزة الخلاف العماني الاماراتي، والمشاكل بين قطر والبحرين، والخلاف النفطي والحدودي السعودي الكويتي، وأخيراً الأزمة الخليجية المتصاعدة بين قطر وكل من السعودية والبحرين والإمارات، الأمر الذي وجه جميع هذه الدول إلى صرف مبالغ خيالية وبمعدلات عالية من موازناتها السنوية على الإنفاق العسكري مقارنة بمعدلات الصرف على مشاريع التنمية وتطوير الخدمات العامة (أنظر جدول 4).

أن الهاجس الأمني بطبيعته يخلق الاستئثار بالسلطة داخلياً والاعتماد على الحليف الخارجي من جانب آخر، وضريبة ذلك مصادرة الإرادة الوطنية للحكومات والشعوب، والتأثير سلباً على قدرتها على التغيير وفقاً لمصالحها المشروعة، وكل ذلك على حساب الاهتمام بقضايا مثل الديمقراطية والإصلاح السياسي، ولعل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحصوله على مبالغ تصل إلى 500 مليار دولار أحد الشواهد الحديثة على استمرار هذا الاتجاه السياسي ذو الطابع الأمني في منطقة الخليج على حساب الانفتاح السياسي والتحوّل الجيلي المتدرّج بسلاسة نحو المزيد من الاستقرار والتنمية.

محصلة العرض السابق تعكس التناقض الكبير المتمثل في التفاوت بين مؤشرات التنمية البشرية ومستويات الرفاه الاقتصادي والاجتماعي من جهة، ومؤشرات الديمقراطية ومعايير الحريات العامة والصحافة وحق تشكيل مؤسسات المجتمع المدني والمشاركة السياسية من جهة أخرى، الأمر الذي يعد بمثابة اختلالات جلية على مدى تناغم الاستقرار السياسي القائم على التعددية والديمقراطية مع مؤشرات التنمية المستدامة وفق نظريات الديمقراطية المعاصرة وتطبيقاتها ونتائجها بين الأمم والشعوب الديمقراطية المتقدمة (أنظر جدول 5).

الشباب والمستقبل والديمقراطية

يدور السؤال الأهم حول محورية دور الشباب في رسم مستقبل الخليج، والفارق الذي يمكن أن يتحقق في ظل هيمنة أغلبيتهم العددية في المجتمعات الخليجية على مدى نصف قرن من المستقبل، وتحت تأثير وضغوطات زمن العولمة بفكرها الجديد وبما تملك من فضاء مفتوح ومعرفة واسعة وتقنية عابرة للحدود الجغرافية والعقلية البشرية.

في الحقيقة، لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار مركزية الشباب في دائرة القرار، وتأثيرهم البارز في إحداث تغييرات جذرية على مختلف المستويات، إلا أن الشريحة الشبابية في الخليج، وأسوة بجيل الشباب في عموم العالم العربي لا يملك الكثير من الرؤى والبرامج وآليات التغيير على الرغم من الحماسة والجرأة في طرح المشكلات وتشخيص مكامن الخلل فيها، ويعود السبب في ذلك إلى عقود من الإهمال والافتقار إلى مؤسسات للتنشئة الفكرية والوطنية التي تعاني منها معظم الشعوب العربية، ولكن تبقى هناك حقيقتين لا يمكن تجاهلهما في قضية الشباب في منطقة الخليج، الحقيقة الأولى أن المجتمعات الخليجية دون استثناء سوف تبقى بل وتتسع مع مرور الوقت وعلى أقل التقديرات حتى منتصف القرن الحالي في عام 2050 كمجتمعات شبابية وحيوية، بمعنى أن الفكر الشبابي والثقافة والسلوك الشبابي سوف تبقى كعوامل للضغط السياسي والاجتماعي على مؤسسات القرار والديناميكية المجتمعية.

بالإضافة إلى ذلك فأن هذه الأمواج البشرية المتلاحقة سوف تفرض احتياجاتها الأساسية من التعليم والصحة والرعاية، وبعد ذلك من الرعاية السكنية والضمان الوظيفي، وهي أعباء وتكاليف تتعاظم مع الوقت، ولا يمكن التساهل بشأنها أو حتى خلق أي شعور بأن مستويات المعيشة وحالة الرفاه التي عاشتها الأجيال السابقة قد تراجعت في عهدهم، الأمر الذي يبقى مرفوضاً قطعاً ومدعاة لموجة من الغضب على نطاق واسع قد لا تحمد عواقبه.

الحقيقة الثانية تتمثل في العولمة الشبابية، وهي مجموعة من القيم والأفكار عابرة الحدود الجغرافية والفضاءات المحلية، ويلتقي حولها الشباب من مختلف دول العالم، فقد تحولت الكثير من المفاهيم إلى “أيقونات” أو “هاتش تاغات” في وسائل التواصل الاجتماعي التي يتم تداولها على مدار الساعة حول العالم.

في دراسة حديثة تبنتها منظمة الأمم المتحدة عام 2015 بناءً على استطلاع عالمي تحت عنوان “العالم الذي نريد” جاءت أولويات الشباب حول العالم لتتركز حول الأهداف الإنمائية للألفية الحالية والاستدامة والأمن والشفافية، في حين جاءت أولويات الشباب في منطقة الشرق الأوسط حول التعليم وفرص العمل والرغبة في حكومة أمينة ومتجاوبة والرعاية الصحية والحماية من الجريمة والعنف (أنظر شكل 6).

وحذّر التقرير من عواقب الإخفاق في مشاريع التنمية في عموم الوطن العربي واعتماد نموذج تنمية جدير بالشباب وقادر على تسخير إمكانيات التحول الديمغرافي لصالحه بدلاً أن تصبح مثقلة على نحو خطير بشريحة كبيرة من الشباب الذين يفتقرون إلى القدرات المتكافئة ويفتقدون الفرص المتساوية في مجتمعاتهم، وبنيت هذه الرؤية على الاختلالات السياسية الجوهرية في العالم العربي حيث المشاركة المدنية والسياسية ضعيفة بسبب مزيج من القيود المؤسساتية والهيكلية التي تعميق الانخراط في النشاط العام، ومن هذه المؤشرات الحريات المقيدة والفجوة بين القانون والممارسة والمشاركة المحدودة في السلطة، بالإضافة إلى انعدام المنافسة السياسية حيث الفكر الوسطي غير قادر على مجاراة الفكر الراديكالي والمتطرف (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016 ب).

أما تجربة الربيع العربي، فقد بينت أن الرغبة في الديمقراطية تنتشر بشكل أكبر في صفوف العرب الأقل عمراً والأرفع تعليماً، وتتأكد هذه الرغبة خليجياً في نتائج استطلاع المؤشر العربي الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2017)، حيث جاءت نظرة 65% من الكويتيين إيجابية تجاه الثورات العربية مقابل 33% فقط ممن كانت نظرتهم سلبية، وبالمثل تعاطى السعوديون بإيجابية في موقفهم من الربيع العربي وبنسبة 65% أيضاً في مقابل 36% ممن كانت آرائهم سلبية.

وعلى المستوى العربي أيضاً، بيّنت استطلاعات المؤشر العربي لمجموعة من الدول العربية أن 67% من المواطنين عبروا عن معارضتهم لمقولة أن النظام الديمقراطي غير جيد للحفاظ على النظام، في حين عبّر 72% عن تأييدهم لمقولة أن النظام الديمقراطي وإن كانت له مشكلاته فهو أفضل من غيره من الأنظمة، كما رأى 77% من المواطنين العرب أن النظام الديمقراطي التعددي ملائم لبلدانهم، في حين أبدى 67% منهم قناعتهم بأن الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام، وأخيراً فأن 49% في مقابل 43% من العرب رأوا أن مجتمعاتهم قد باتت مهيأة للديمقراطية (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017).

بالتزامن مع النظرة الإيجابية الواسعة تجاه الديمقراطية في الوطن العربي ومنطقة الخليج، فقد اقترح تقرير حديث للأمم المتحدة “نموذج تنمية للشباب” من شأنه تحقيق انفتاح حضاري يتواكب مع متطلبات العصر وقوامه سبعة أبعاد هي: المعرفة، الحياة المديدة والصحية، المشاركة في الحياة السياسية وفي المجتمع، الاستدامة البيئية، الأمن البشري وحقوق الإنسان، تعميم المساواة والعدالة الاجتماعية وتعزيز المستوى المعيشي اللائق (الشكل 7)، واشترطت على الحكومات فتح مجال الحوار وتمكين الآليات الرسمية وغير الرسمية لنقاشات صريـحة وعقلانية في هـذا الاتجاه (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016 أ).

الهوية الشبابية في المرحلة القادمة سوف تتشكل حول مجموعة من الصفات الجديدة الآخذة في التنامي وبالتالي تتوفر لها الأرضية لاستبدال بعض أوجه الجمود في البنى الأساسية للديمقراطية، وتكمن محاور هذه الصفات في استبدال ديناميكيات الحراك الاجتماعي، فمن جهة ساهمت التقنيات الحديثة في اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من مؤسسات المجتمع المدني التقليدية الضعيفة أو المحدودة في المجتمعات الخليجية.

بالإضافة إلى ذلك فأن سقف المطالب والرغبات والطموحات السياسية للشباب انطلق من المحدودية إلى العالمية، ومن التدرج إلى السرعة والاختزال، ومن طريقة الاستجداء إلى فرض الأمر الواقع، بالإضافة إلى الضغط العددي الكبير التي تتشكل منه القاعدة الشعبية الشبابية على متخذ القرار أياً كان موقعه وصلاحياته وأدواته السياسية.

فجيل الشباب يتميز بجرأة كبيرة في الطرح السياسي وبشكل مباشر ويميل إلى كسر المظاهر التقليدية التي جبّل عليها أسلافهم، ويشمل ذلك طرق مخاطبة السلطات، وهو جيل قادر على خلق رأي عام بشكل سريع، وخلال سنوات سوف ينتشر هذا الجيل والأجيال التالية في مفاصل الدولة وفي مواقع القرار وهم يحملون أفكارهم التغييرية.

في دراسة لتقرير التنمية الإنسانية العربية، يتحول الشباب الأقل عمراً والأكثر تعليماً إلى كونهم أقل طاعة للسلطة، فمشاعر عدم الرضا وضعف القدرة على التحكم في مسار الحياة ووجود فضاء أكبر للتعبير عن الذات والانتشار يقابلها التراجع عن الرضوخ أو الإذعان السياسي الأعمى للسلطة (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016 ب).

وجيل الشباب اليوم هم الأكثر انخراطاً في المشاركة المدنية والحراك السياسي وتنعكس في التوقيع على البيانات السياسية والاحتجاجات، والانضمام لمؤسسات المجتمع المدني، كما أن الشباب الساخطين بشدة هم أقل ميلاً إلى استخدام العمل الاجتماعي لتغيير بيئتهم، ويميلون إلى اختيار أشكال احتجاج أكثر عنفاً، وأخيراً فأن الشباب غير العاملين الذين يواجهون الحرمان والتهميش والإقصاء هم الأكثر عرضة لتجنيدهم من قبل التيارات المتطرفة والميلشيات المسلحة.

الشباب أكثر انفتاحاً سياسياً في عصر العولمة، ونستعرض السوسن كريمي التجربة البحرينية من خلال مدارس المستقبل التي أنشأت في عهد الإصلاح السياسي وتزامنت مع الاستفتاء على الوثيقة الدستورية الجديدة عام 2002، وتعتبر هذه المدارس منظومة متكاملة تشمل بيئة تعليمية متطورة من التكنولوجيا والتفاعل التربوي وإطلاق العنان لإبداعات الطلبة والاطلاع والبحث والتحاور والاتصال بالعالم الخارجي، وكانت المفاجأة أن طلبة هذه المدارس هم الأكثر تفاعلاً مع الأحداث السياسية في العالم العربي عام 2011، بل شاركت بشكل مكثّف في الفعاليات السياسية التي شهدت تنظيم المسيرات والاعتصامات والإضراب العام خلال الاحتجاجات البحرينية الواسعة عام 2011 (سوسن كريمي، 2015).

الخلاصة

قد يكون من الصعوبة بمكان التنبؤ بشكل حاسم ودقيق للمستقبل السياسي في منطقة الخليج في ظل التحول الكبير في المنظومة السكانية، كما أن التجارب السياسية لكل دولة تختلف في سياقها التاريخي وما أفرزت من بنى سياسية واقتصادية وثقافية، وتعتمد هذه التجارب على جهود تعزيز المساعي الديمقراطية والتعرف على تلك البنى وتحدي تأثيراتها على عملية الانتقال إلى الديمقراطية وبدء عملية التحول السياسي.

لكن المنحنى الشبابي في تنامي واضح ومضطرد ويحمل معه مجموعة كبيرة من مضامين التغيير ومفاهيم الحياة العصرية، التي سوف تفرض نفسها كواقع حتمي ويساعده في ذلك الضغط العددي المتزايد حتى منتصف القرن الحالي على أقل تقدير، إلا أن المؤشرات السياسية لا تتفق إطلاقاً مع المؤشرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في هذه المجتمعات، الأمر الذي يؤكد صعوبة استمرار هذا مثل الخلل لفترات طويلة قادمة.

أن قدرة الشباب على إحداث أية تغييرات سياسية في مستقبل دولهم الخليجية تكمن في احتمالين، أولهما هو الضغط المتواصل على مفاصل الدولة لتلبية احتياجاتها اليومية كتوفير فرص العمل والتعليم والصحة، حيث أن الأرقام المستقبلية كبيرة لدرجة تبعث على الترقب والقلق، بينما يأتي الاحتمال الثاني على شكل المفاجأة في مطالبات سياسية ذات السقف العالي، وهي بمثابة قنبلة موقوتة تكررت في عدة محطات سابقة ولم تسلم منها أية دولة خليجية، فأي حراك شبابي قادم سوف يكون أوسع في دائرته ومحيطه وتأثيره.

الحكومات الخليجية في المقابل سوف تعاني معضلة حقيقية، فهي باتت تقع بين كماشتي الاستمرار في الاقتصاد الريعي وهذا لا يمكن أن يتحقق للأبد، أو المزيد من الإصلاحات الاقتصادية التي يجب أن تسوّق بنجاح وبالتزامن مع إصلاحات سياسية واضحة ومقنعة.

يبقى البعد الأمني الخليجي على درجة كبيرة من الأهمية وخاصة تحت مظلة الحماية الأجنبية، ولكن لا يمكن الركون إلى ذلك باطمئنان أو ثقة مطلقة، فالولايات المتحدة تركت معظم حلفائها في ساعة الصفر، والتجارب التاريخية والمعاصرة لحلفاء واشنطن في إيران والفلبين وفيتنام ونيكاراغوا وإندونيسيا، ومؤخراً في بعض الدول العربية وفي مقدمتها مصر وتونس واليمن نماذج على عدم مصداقية الولايات المتحدة في التمسك بحلفائها مهما بلغت درجة المصالح الاستراتيجية بينهم.

كما أن التغيير السياسي في الحكومات الغربية قد يكون سلاحاً ذو حدين، فإدارة أوباما على سبيل المثال فاجأت الجميع بتغيير سياستها الخارجية تجاه دول الخليج تحديداً، ووجهت انتقادات لاذعة ومباشرة لحكوماتها ودعا الرئيس الأمريكي بشكل صريح إلى مصالحة الحكام مع شعوبهم، معتبراً التحديات الداخلية بما في ذلك الحرمان السياسي، أهم وأخطر من التهديدات الإقليمية بما فيها الخطر الإيراني (مؤسسة أبعاد البحثية، 2015)، كما أن الرأي العام العالمي في ظل الانفتاح الإعلامي الواسع سوف يشكل ورقة ضغط لتسويق الديمقراطية التي لم يتبق سوى دول قليلة في العالم لم تشهد معالمها ومنها دول الخليج.

قد تكون دول الخليج في بدايات الطريق نحو الديمقراطية، وتشترك بشكل عام في الكثير من صور التخلف السياسي وانعدام الوعي السياسي والثقافة المجتمعية الناضجة في مقابل استمرار الاختناقات المذهبية والقبلية والعرقية، ومثل هذه الانقسامات الحادة قد تكون ذات نتائج كارثية إذا لم يتم احتوائها في بوتقة التعايش المشترك التعددي، خاصة أن التجارب المريرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن شاخصة وجلية.

الخلافات الخليجية فرضت نفسها على الأرض من جديد، وهذا قد يدفع إلى تكرار التجربة الكويتية في تبني الديمقراطية كنموذج متميز يعكس السيادة الوطنية والاستقلال عن بقية دول المنطقة.

لقد بدأت الدول الخليجية في تبني بعض المشروعات المستقبلية الواعدة ومحورها الشباب، وفي مقدمة هذه البرنامج الطموحة خطط التنمية الاستراتيجية الممتدة للعام 2035 والتي دشنتها كل من السعودية وقطر والإمارات والكويت، ولكن هذه الخطط بحاجة مؤكدة إلى غطاء سياسي يتمتع بالشفافية والشراكة الحقيقية في اتخاذ القرار على نحو مؤسسي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق المعابر الديمقراطية.

أن منطقة الخليج لا تزال تتمتع بدرجات أعلى من الاستقرار السياسي مقارنة بالكثير من نظيراتها العربية، ولكن يجب المحافظة عليها وتعزيزها عبر بوابة المزيد من الانفتاح السياسي وتدشين المبادئ الأساسية للديمقراطية على الأقل، ويظل القدر المتيقن حول المستقبل السياسي في معظم دول الخليج مرتبطاً بخطوات واعدة، وإن كانت على شكل انفتاح متدرّج نحو الديمقراطية خلال العقود القادمة، إلا أن نجاح هذه الخطوات مرهون بإرادة الحكومات والشعوب معاً والقناعة الحقيقية لدى الجميع بأنها مشروع لإقامة نظام حقيقي وراسخ وليس مجرد خيار شكلي أو مصطنع.

———————————————————————————————————————

قائمة المصادر

المصادر العربية:

الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. (2016). قواعد المعلومات الإحصائية للأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. اُسترجعت في تاريخ 10 نوفمبر، 2016 من (http://www.gcc-sg.org/ar-sa/Pages/default.aspx).

الدسوقي، أيمن إبراهيم. (2015، أبريل). معضلة الاستقرار في النظام الإقليمي الخليجي. المستقبل العربي، 434، 69-84.

النجار، باقر سلمان. (2008). الديمقراطية العصية في الخليج العربي. بيروت: دار الساقي.

باقر سلمان النجار (2008، يونيو). الفئات والجماعات: صراع الهوية. المستقبل العربي، 352، 34-47.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). (2014). تقرير التنمية البشرية 2014. نيويورك: الأمم المتحدة.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). (2015). تقرير التنمية البشرية 2015 (لمحة عامة). نيويورك: الأمم المتحدة.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). (2016 أ). تقرير التنمية البشرية 2016 (لمحة عامة). نيويورك: الأمم المتحدة.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). (2016 ب). تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016: الشباب آفاق التنمية الإنسانية في عالم متغيّر. نيويورك: الأمم المتحدة.

سالم، بول. (2011، 15 نوفمبر). الربيع العربي من منظور عالمي: استنتاجات من تحولات ديمقراطية في أنحاء أخرى من العالم. اُسترجعت في تاريخ 20 أغسطس، 2017 من (مركز كارنيغي للشرق الأوسط  http://carnegie-mec.org/2011/11/15/ar-pub-45980).

غينغلر، جاستن. (2016، 29 أغسطس). الاقتصاد السياسي للطائفية في الخليج. اُسترجعت في تاريخ 20 أغسطس، 2017 من (كارنيغي للشرق الأوسط carnegie-mec.org/2016/08/29/ar-pub-64408).

السعدون. جاسم. (2015، 21 ديسمبر). الاقتصاد في خطر: الحكومة عاجزة وسيئة الإدارة والإصلاح يبدأ باستئصالها. صحيفة القبس الكويتية، 15286 ص. 9.

الأشقر، جلبير. (2013). الشعب يريد: بحث جذري في الانتفاضة العربية. بيروت: دار الساقي.

المطيري، حاكم. (2011، 13-14 أكتوبر). إشكالية الهوية إشكالية الهوية في الخليج والجزيرة العربية: توحيدها وتجديدها. قدّم إلى مؤتمر وحدة الخليج والجزيرة العربية، البحرين.

إبراهيم، حسنين توفيق. (2013، 14 فبراير). الانتقال الديمقراطي: إطار  نظري. اُسترجعت في تاريخ 20 أغسطس، 2017 من (مركز الجزيرة للدراسات السياسية، الدوحةhttp://studies. aljazeera.net/ar/files/arabworlddemocracy/2013/01/201312495334831438).

غباش، حسين. (2010). الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج: الكويت والبحرين (تاريخ الشعوب الصغيرة). بيروت: دار الفارابي للنشر والتوزيع.

عبدالحق، دحمان. (2014، أكتوبر). دور النفط في تشكيل البنية التحتية السياسية للممالك الخليجية. المجلة الجزائرية للسياسات العامة، 5، 155-183.

أبراهام، رنا. (2016). مواجهة تحدي الإصلاحات السياسية في دول مجلس التعاون: تحقيق التحول السياسي المحلي من خلال التكامل الإقليمي. في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية: التحديات الاجتماعية والاقتصادية (ص ص. 583-620)، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

بو نعمان، سليمان. (2013). فلسفة الثورات العربية: مقاربة تفسيرية لنموذج انتفاضي جديد. الرياض: مركز نماء للبحوث والدراسات.

كريمي، سوسن. (2015، 5-6 فبراير). مستقبل المواطنة والهوية الخليجية. قدّم إلى اللقاء السنوي الخامس والثلاثون حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي: البعد الاجتماعي، منتدي التنمية، الكويت.

أسيري، عبدالرضا. (2014). النظام السياسي في الكويت: مبادئ وممارسات (الطبعة 12)، الكويت: دار الوطن.

العمادي، عبدالله. (2004، 3 أكتوبر). الديمقراطية في الخليج.. مطلب شعبي أم خارجي؟ اُسترجعت في تاريخ 20 أغسطس، 2017 من (مركز الجزيرة للدراسات السياسية، الدوحة http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2004/10/3).

النفيسي، عبدالله. (1999، 25 مايو). مقابلة محمد كريشان مع الأمين العام للمؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني في الخليج والجزيرة العربية. اُسترجعت في تاريخ 10 يناير، 2005 من قناة الجزيرة الفضائية http://www.aljazeera.net/programs/guest-and-an-issue/2005/1/10).

وطفة، علي أسعد. (2015، أكتوبر). العمالة الوافدة وتحديات الهوية الثقافية في دول الخليج العربية. المستقبل العربي، 344، 68-81.

الكواري، علي (محرر). (2002). الخليج العربي والديمقراطية: نحو رؤية مستقبلية لتعزيز المساعي الديمقراطية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

سورنسن، غيورغ. (2015). الديمقراطية والتحول الديمقراطي: السيرورات والمأمول في عالم متغير (عفاف البطاينة، مترجم)، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

الوقيان، فارس مطر. (2009، يونيو). المواطنة في الكويت: مكوناتها السياسية والقانونية وتحدياتها الراهنة. مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، سلسلة الفكر الاجتماعي، جامعة الكويت 1.

أمعضشـو، فريد. (2012). آفاق التحوّل نحو الديمقـراطيّة في بلدان الربيع العـربي. مجلة الآداب، 60 (خريف)، 111-120.

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. (2017). المؤشر العربي 2016. الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

محفوظ، محمد. (2013، سبتمبر). الهوية والتعددية والوحدة في الخليج العربي: مقاربة نظرية. اُسترجعت في تاريخ 20 أغسطس، 2017 من (مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر http://www.islammoasser.org/ArticlePage.aspx?id=1186).

اسماعيل، محمد صادق. (2010). الديمقراطية الخليجية: إنجازات وإخفاقات. القاهرة: العربي للنشر والتوزيع.

العصيمي، محمد. (2013، 22 أكتوبر). بضاعة الديمقراطية في دول الخليجية. صحيفة العـرب، 9356، ص. 9.

مؤسسة أبعاد البحثية. (2015، 29 مارس). عقيدة أوباما: الترجمة الكاملة لمقابلة رئيس الولايات المتحدة مع “أتلانتك”. اُسترجعت في تاريخ 20 أغسطس، 2017 من (http://abaadres.com/?p=1944).

English Resources:

Broder, J. (2012, May-June). Unfinished Mideast Revolts. The National Interest (Special Issue: Crisis of the Old Order), 119, 49-54.

The Economist. (2015, 10 September). Political rights in the Gulf: Creeping consultation. Retrieved July 15th, 2017 from (https://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21664170-gulf-citizens-are-getting-more-chances-vote-creeping-consultation).

Friedman, T. (2006, May-June). The First Law of Petropolitics. Foreign Policy, 154, 28-36.

Fukuyama, F. (2014). Political Order and Political Decay: From the Industrial Revolution to the Present Day. New York: Farrar Straus Girou.

Huntington, S. (1973). Political Order in Changing Societies (7th Print). New Haven: Yale University Press.

Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (2016). SIPRI  yearbook 2016: Armaments, Disarmament and International Security. Oxford: Oxford University Press.