تم النشر في : مجلة السياسة الدولية، السنة 34، العدد 133، يوليو 1998 (ص. 8-50)
الباحثون:
د. حسن عبدالله جوهر – مجلس الأمة – دولة الكويت
د. عبدالله يوسف سهر محمد – قسم العلوم السياسية – جامعة الكويت
المقدمة
تتركز هذه الدراسة على بيان استمرار الأهمية المتعاظمة لمنطقة الخليج استراتيجياً واقتصادياً في ظل الترتيبات الانتقالية في هيكل النظام العالمي، خصوصاً بعد انقشاع سحابة القطبية الثنائية ودخول حقبة جديدة من التغييرات الهيكلية المحتملة في المنظومة الدولية، وتنطلق الدراسة من فرضية أساسية مفادها بأن النفط، واستخداماته والسياسات المرتبطة به، سوف يحتل مركزاً متقدماً في توزيع معايير القوة العالمية، وبالنتيجة فأن من يتحكم بهذا المورد الحيوي استراتيجياً واقتصادياً وسياسياً سوف يتمكن من ممارسة تأثيرات مهمة على المستوى العالمي، سيما فيما يتعلق بتحديد هيكلية النظام العالمي.
ومنذ بداية عقد التسعينيات فقد شهدت السياسة العالمية استراتيجيات مستحدثة أمسكت بزمامها الدول الكبرى من أجل فرض سيطرتها على المسرح العالمي في ظل تعقيدات النظام الدولي وتداخل المصالح المشتركة والمتعارضة بين الدول القومية التي تحكمها ظواهر الاعتماد المتبادل المعقد وتطور نظم الاتصال والمواصلات والثورة المعلوماتية، وتقوم أهم هذه الاستراتيجيات الجديدة على مفاهيم الهيمنة وآليات تحقيقها عملياً، ومن هنا سوف يتم تسليط الضوء على أدبيات هذا المفهوم الدولي الجديد وتطبيقاته العملية في منطقة الخليج.
ومن جهة أخرى، سوف يتم ربط أهمية النفط في منطقة الخليج بمحاولات الهيمنة العالمية، خصوصاً فيما يتعلق بالدور الأمريكي، على ضوء السياسات الخارجية للدول الكبرى تجاه هذا الإقليم خلال السنوات الخمس الماضية وآليات تنفيذها، وكذلك استشراف مستقبل هذه السياسات وانعكاساتها على العلاقات الإقليمية والدولية في المنطقة، وتختتم الدراسة بمجموعة من الاستنتاجات والتوصيات التي من شأنها استغلال النفط من قبل الدول الخليج وتحويل هذا المورد المهم إلى أداة رئيسية في التأثير على هيكلية النظام العالمي لصالح دول المنطقة مشتركة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الدراسة قد اعتمدت أساساً على تحليل الأرقام المتعلقة بسوق النفط والتجارة البينية بين دول الخليج العربية والدول الغربية، وهذه مؤشرات توحي عادةً إلى وجود محاولات هيمنة دولية على هذا الإقليم، كما إن اللغة الرقمية المستخدمة تفيد في الكشف عن التوجهات الاستراتيجية المستقبلية لدول المعسكر الغربي، خصوصاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، بما يتوافق مع تحديد أولوياتها السياسية وتعريفاتها لماهية النظام الدولي الجديد التي طالما روّجت لها في أدبيات ومنتديات السياسة الدولية في عهد ما بعد الحرب الباردة.
- حقائق نفطية أولية
احتّل النفط الخام، وعلى مدى العقود التي تلت وقف إطلاق النار في الحرب العالمية الثانية، مركز الصدارة الكونية كمصدر رئيسي للطاقة، وحتى النصف الأول من عقد التسعينيات، لا تزال هذه المادة الحيوية تمثل ما نسبته (35-39%) من إجمالي الاستهلاك العالمي من الطاقة (Energy Information Administration، 1994، ص. 8).
ومن المرجح أن يستمر هذا الذهب الأسود كأهم مصدر على الإطلاق لتشغيل الآلة الصناعية للعالم المتقدم بالإضافة إلى استيفاء متطلبات العالم النامي المتزايدة من الوقود والطاقة حتى اكتمال الربع الأول من القرن القادم على أقل التقديرات، وتشير أحدث التقارير والدراسات المستقبلية إلى أن نسبة الاستهلاك العالمي من النفط سوف لن تقل كثيراً عن (37%) من مجموع استخدامات العالم من موارد الطاقة المختلفة (Energy Information Administration، 1994، ص. 8).
ومما يعزّز الدور الرئيسي والمتعاظم للنفط الخام عالمياً خلال السنوات، وبالطبع العقود، القادمة النجاحات الجزئية والمحدودة للجهود والمحاولات الكثيرة الرامية إلى تقليص الاعتماد الكبير على النفط منذ منتصف السبعينيات، فمن ناحية فشلت معظم التجارب الغربية الحديثة في توفير مصادر بديلة من الطاقة المستمدة من القوة الشمسية والهوائية والطاقة النووية وحتى الغاز الطبيعي وفق معايير تنافسية سواءً في الاحتياطيات المتوفرة من هذه المصادر، أو تكاليفها التجارية، أو كفاءتها الإنتاجية، أو تبعاً لنسب المخاطر البشرية والبيئية الناجمة والمحتملة من جرّاء استخدامها على نطاق واسع (أنظر على سبيل المثال: أحمدي، 1996، وكذلك: Doran & Buck، 1991؛ Bromley، 1991؛ Khavari، 1990).
ومن ناحية أخرى، لم تظفر معظم المحاولات والإستراتيجيات الوقائية التي قننتها حكومات الدول الصناعية الكبرى ومؤسساتها المتخصصة مثل الوكالة الدولية للطاقة (IEA) International Energy Agency، في التقليل من شأن اعتمادها الحساس على النفط، وخصوصاً المستورد منه، بشكل يحصّن هذه الدول المستهلكة من أية تهديدات قد تعرض إمدادات النفط الخام الخارجية للاضطراب أو التوقف لأسباب عمدية أو طبيعية (السيد سعيد، 1991، ص. 33-34).
وعلى الرغم من محاولات وسائل الإعلام الغربية لتهميش مكانة النفط عالمياً والترويج لبعض الدراسات المتفائلة بخصوص موارد الطاقة البديلة، لا يبدو في الأفق ما يوحي بانحسار أهمية النفط في المستقبل المنظور والمتوسط، بل على العكس تماماً، فأن مؤشرات الاستهلاك العالمي للطاقة النفطية الآنية والتوقعات المستقبلية من تزايد الطلب العالمي على هذا المورد، واتجاهات الزيادة والهبوط في الاحتياطات العالمية للنفط وتوزيعاتها الجغرافية تشير إلى تحوّل هذه المادة الخام إلى سلعة نادرة تستحق أن تنال لقب الذهب الأسود Black Gold.
فعلى صعيد الاستهلاك الفعلي الجاري من النفط، يبين الجدول (1) بوضوح استقرار الطلب المتزايد على هذا المورد خلال النصف الأول من هذا العقد، فقد بلغ إجمالي الطلب العالمي على النفط (69.9) مليون برميل يومياً في عام 1995 مقارنة مع (66.5) مليون برميل يومياً عام 1990، كما شهدت هذه الفترة زيادة وقدرها (2.4) مليون برميل يومياً للدول الصناعية في عام 1995 حيث بلغ معدل طلب هذه المجموعة (40.4) مليون برميل يومياً مقارنة بـ (38) مليون برميل يومياً في بداية هذا العقد، كما شهدت الدول النامية بدورها زيادة ملحوظة في طلبها على النفط العالمي بلغت (3.7) ملايين برميل يومياً في عام 1995 مقارنة مع عام 1991، أما الانخفاض المتدرّج في طلب الدول المتحولة، أو دول المنظومة الاشتراكية سابقاً، على النفط فيرجع إلى التحولات الكبيرة التي تشهدها تلك الدول في بنيتها الاقتصادية والتطورات السياسية التي تعصف بها، ومما لا شك فيه فأنه بمجرد استتباب الاستقرار السياسي والاقتصادي في تلك المجتمعات فأن الطلب على النفط سوف يزداد بصورة تلقائية تماشياً مع متطلبات التصنيع الملحة (لنش، 1997، ص. 178-185).
ومن جهة أخرى، ارتفعت معدلات الطلب على النفط في جميع الدول الصناعية التي تستهلك الجزء الأكبر من النفط العالمي (كوياما، 1997، ص. 86-89)، ويبيّن الجدول (2) استمرار الزيادة في الطلب العالمي على النفط من قبل دول أمريكا الشمالية وأوربا الغربية ودول المحيط الهادي (اليابان واستراليا ونيوزيلندا) طوال السنوات الأربعة الماضية، حيث سجلت جميع هذه الكتل أعلى معدلات الطلب على النفط عام 1995، فقد بلغت حصة هذه المجموعات مشتركة في تلك السنة حوالي (40.4) مليون برميل يومياً (58% من مجموع الطلب العالمي) موزعة على أمريكا الشمالية (19.7%)، أوربا الغربية (13.7%)، ودول المحيط الهادي (6.6%) ملايين برميل يومياً.
وأما على الصعيد المستقبلي فأن مؤشرات الطلب العالمي على النفط تبدو مشجعة وأكثر أهمية للدول المالكة لهذا المورد، فمن المتوقع أن يزيد الاستهلاك العالمي من النفط بنسبة (1.3-1.5%) سنوياً خلال الأعوام من 1990 إلى 2010 (أحمدي، 1996، ص. 10-11)، وقد أشارت سوزان تيرني، مساعدة وزير الطاقة في الولايات المتحدة، في شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بأن الطلب العالمي على النفط الخام سوف يشهد زيادة بنسبة (25%) عن مستوى الاستهلاك العالمي في عام 1995 وذلك بعد أقل من عشرين عاماً ليصبح (86) مليون برميل يومياً سنة 2010 (الوطن، 31/3/1995)، وصرّح نائب المدير التنفيذي في وكالة الطاقة الدولية جون فيرتير بأن الطلب العالمي على النفط سوف يتراوح ما بين (85) إلى (105) ملايين برميل يومياً في العقد الأول من القرن القادم (الوطن، 16/4/1994)، ولا تبدو مثل هذه الزيادة أمراً مستغرباً أو بعيداً في ظل تواصل الثورة الصناعية وبلوغ مداها إلى الكثير من الدول النامية التي سجلت ارتفاعاً حاداً في معدلات استخدامها من النفط بلغت ما يقارب (32.4) مليون برميل يومياً في عام 1994، وهو معدل يكافئ حصة شمال أمريكا وأوربا الغربية مشتركتين في نفس السنة (33.4 مليون برميل يومياً) (منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، 1994، ص. 42)، كما حقّقت حصة أمريكا اللاتينية من الاستهلاك العالمي من النفط (5.7 ملايين برميل يومياً) معدلاً مساوياً لمجموع معدل استهلاك دول المحيط الهادي (6.6 ملايين برميل يومياً) في عام 1994، وتشير التقديرات بأن الصين سوف تتصدر قائمة المستوردين للنفط الخام وخصوصاً من منطقة الخليج، وقد أعلن ذلك بصراحة وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين الذي كتب في صحيفة الهيرالدتريبيون ما مفاده بأن تحول الصين من دولة مصدرة للنفط عام 1994 إلى دولة مستوردة له يعد مؤشراً على اعتمادها المستقبلي على النفط الخليجي (السياسة، 19/5/1997)، ومن التداعيات السريعة المؤكدة لهذا التوجه الجديد الصفقة النفطية بين بكين وطهران والخاصة بمضاعفة استيراد الصين من النفط الإيراني من (20) ألف إلى (60) ألف برميل يومياً فوراً، ولمثل هذه المعلومات الأولية دلالات سياسية واضحة ليس فقط على صعيد انعكاسات العلاقات الصينية ـ الغربية على الوضع السياسي والإستراتيجي في الخليج، وإنما على مستوى التوسع الكبير الذي سوف تشهده أسواق النفط الخليجي خلال العقد القادم سيّما في ظل النمو الاقتصادي المرتقب لدول شرق أسيا والهند والصين بعد عودة هونغ كونغ إلى سيادة الدولة الأم (Teitelbaum، 1995، ص. 88-104)، ففي دراسة حديثة لمؤسسة راند RAND الأمريكية فأنه من المتوقع أن يتعادل الاقتصاد الصيني مع مثيله الأمريكي وضعف الاقتصاد الياباني في عام 2015 (الطليعة، 7/5/1997).
وبالتأكيد، وكما أسلفنا آنفاً، فسوف يفرض الاستقرار السياسي في دول أوربا الشرقية وجمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق وتحولها إلى نظام السوق زيادة إضافية في معدلات الاستهلاك العالمي من النفط، حيث أن متوسط استهلاك هذه الدول المتحولة من النفط قد بلغ (10) ملايين برميل يومياً عشية انهيار المنظومة الشيوعية في مطلع التسعينيات (أنظر الجدول 1).
ويعتبر عامل الأسعار من أهم وأبرز دواعي استمرار النفط كبديل ومنافس قوي للغاية حتى في ظل انتشار بدائل الطاقة الأخرى مستقبلاً، فبالإضافة إلى تكاليف الإنتاج وسهولة اكتشاف الاحتياطيات الجديدة وتقدم التكنولوجيا النفطية مقارنة مع بدائل الطاقة المنافسة، تلقي الأسعار الجارية وحتى التوقعات المستقبلية لأسعار هذا المورد بظلالها على سوق الطاقة العالمي حتى الربع الأول من القرن القادم، فقد بلغ متوسط سعر البرميل الخام (22.3) دولاراً عام 1990، واستمر هذا المعدل في الهبوط ليبلغ (15.5) دولاراً للبرميل عام 1994 (أنظر الجدول 3)، وتعادل مثل هذه القيم (5.6) دولارات للبرميل الواحد تبعاً للأسعار الثابتة لعام 1973 (منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، 1994، ص. 12) حيث سجلت الأسعار ثورتها العالمية الأولى، وتتوقع مصادر وكالة الطاقة الدولية أن تتراوح أسعار النفط الخام ما بين (25) إلى (35) دولاراً للبرميل الواحد كحد أقصى حتى نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين (Energy Information Administration، 1994، ص. 11) مع الأخذ بعين الاعتبار الزيادة الطبيعية للأسعار ومعدلات التضخم وزيادة الطلب العالمي على المادة الخام، وتعتبر هذه المعدلات السعرية أرقاماً مدهشة ومتتالية خصوصاً إذا ما قورنت بأسعار الثورة النفطية الثانية في بداية عقد الثمانينيات، وكذلك قياساً مع تنبؤات كثيرة في السابق قدّرت سعر البرميل الواحد من النفط بحوالي (90-100) دولار في مطلع القرن الجديد (Mullings، 1986، ص. 509-523).
وإزاء هذه الحقائق المتعلقة بمستقبل النفط كمصدر رئيسي للطاقة لا يمكن تجاهل الدور الاقتصادي المتعاظم لهذه الثروة والمركز المالي الذي سوف تتبوأه ليس فقط على صعيد السياسات المحلية للدول المستهلكة من إيجاد فرص العمل والإنتاج الصناعي والمساهمة في معدلات النمو الاقتصادي وتحديد مؤشرات التضخم، بل وعلى صعيد الاقتصاد السياسي العالمي من خلال التجارة الدولية والتنافس الصناعي على الأسواق الخارجية وقيام التكتلات الاقتصادية وغير ذلك من مختلف قطاعات ومستويات العلاقات الدولية (Teitelbaum، 1995، ص. 88-104)، فعلى سبيل المثال، يبلغ حجم التجارة العالمية اليومية بين الدول المصدرة والمستوردة للنفط الخام فقط ما يقارب المليار دولار (في حالة اعتبار سعر البرميل 15 دولاراً) ناهيك عن الأنشطة والعوائد المالية الناتجة من مختلف أوجه استخدامات هذه المادة ومشتقاتها الصناعية والاستخراجية والاستهلاكية الكثيرة جداً.
- أهمية النفط الخليجي
وفي قبال هذه الحقائق تتأكد وتتعاظم مكانة النفط الخليجي وكذلك مستقبل هذه الثروة في المنطقة، وبالتالي الاهتمام العالمي بهذا الجزء الجغرافي المهم من العالم، وتتمثّل أهمية نفط الخليج في بعدين بارزين هما الثقل الذي يحتله نفط المنطقة في السوق العالمية من حيث القدرة الإنتاجية والأسعار التنافسية وتكلفة الإنتاج، والاحتياطيات الضخمة من النفط الخام التي تتمتع بها المنطقة وبشكل يضمن استمرار تدفق هذه المادة الحيوية لعقود طويلة قادمة ولربما لقرون إلى الأمام، وأن مثل هذه المميزات تجعل من منطقة الخليج محوراً ارتكازياً مهماً في الاعتماد العالمي على الطاقة المستوردة واستمرار تضاعف هذا الاعتماد مع مرور الزمن.
ففي الوقت الراهن، تبلغ حصة الأقطار المصدرة للنفط OPEC من الطلب العالمي على النفط (24.8) مليون برميل يومياً (أي ما يعادل 36.5% من إجمالي الطلب العالمي) حسب إحصائيات 1994، وتسجل هذه النسبة زيادة وقدرها (2.5) مليون برميل يومياً بالمقارنة مع الطلب العالمي على نفط الأوبك عام 1990، وتتمتع منطقة الخليج بالسهم الأكبر من صادرات الأوبك، إذ تبلغ حصص كل من المملكة العربية السعودية والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر بالإضافة إلى إيران والعراق حوالي (17) مليون برميل يومياً (أي ما يقارب 70%) من مجموع إنتاج هذه المنظمة الدولية يومياً (الوطن، 31/3/1995؛ الوطن، 16/4/1994).
ويتزامن هذا المركز المتقدم لدول الخليج في السوق العالمية مع الاعتماد الكبير للدول الصناعية في المعسكر الغربي على النفط الخليجي، فخلال الأعوام من 1990 وحتى 1995 استوردت الولايات المتحدة (24%) من مجموع احتياجاتها الخارجية من النفط من منطقة الخليج، بينما بلغت معدلات الاعتماد الخارجي على النفط الخليجي حوالي (46%) من مجموع احتياجات دول المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والتنمية OECD و(67%) من مجموع احتياجات اليابان من الطاقة المستوردة خلال النصف الأول من هذا العقد (أنظر الجدول 4).
وتحمل السنوات القادمة مستقبلاً أكثر إشراقاً وأهمية لإقليم الخليج في السوق العالمية للطاقة حيث تعتبر هذه المنطقة من المناطق القليلة في العالم التي تشهد تزايداً ملحوظاً في حجم احتياطاتها المؤكدة من النفط وسط تراجعات حادة في المخزون النفطي للدول الصناعية الكبرى المنتجة للنفط مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا الاتحادية إضافة إلى عدد كبير من دول الأوبك غير الخليجية، وتبعاً لهذه المؤشرات فأنه من المتوقع أن تتحكم دول الأوبك ذات الغالبية الخليجية بأكثر من نصف الإمدادات النفطية في العالم مع مطلع القرن القادم (53-58% من الإنتاج العالمي) (International Energy Agency، 1995)، بل وقد تزيد هذه النسبة إلى أكثر من ذلك خلال الربع الأول من القرن الجديد، ومن المؤكد أيضاً أن يتزايد حجم الاعتماد الخارجي، خصوصاً للدول الصناعية، على دول الخليج لتأمين احتياجاتها من النفط في ظل الاحتياطات المستقبلية لهذا المصدر، ويتّضح من الجدول (5) أن المخزون النفطي للخليج يمثل نحو ثلثي احتياطات العالم من النفط (65.8%) في مقابل (5%) فقط من إجمالي مخزون الدول الصناعية في شمال أمريكا وأوربا الغربية، ولا يوجد أدنى شك بأن نفط منطقة الخليج الذي يقدر بحوالي (585) مليار برميل سوف يستمر بالتدفق في حالة جفاف منابع النفط في جميع أنحاء الكون لسنوات طويلة وأن معظم دول العالم سوف تستمر بالاستيراد من الخليج لأكثر من (100) سنة من الآن، الأمر الذي يعني تحقّق السيطرة الكاملة والمؤثرة لدول هذه المنطقة ليس فقط على السوق العالمية للطاقة بل على مستوى الاقتصاد العالمي ككل (أحمدي، 1996، ص. 38-39).
انطلاقاً من العرض السابق يمكن القول، وبثقة تامة، بأن النفط يمثل دوراً رئيسياً ومهماً في التعاملات الدولية بشقيها الاقتصادي ـ المالي والسياسي ـ الإستراتيجي، وسوف يتعاظم هذا الدور العالمي بالتأكيد في ظل استمرار الاعتماد الدولي على الطاقة النفطية كعصب رئيسي في الصناعة العالمية، وسوف تبقى منطقة الخليج من أهم مناطق العالم الغنية بالنفط حيث تتزايد أهمية هذا الإقليم بسبب استمرار الطلب العالمي على الطاقة من جهة وانحسار المخزون النفطي في معظم أرجاء الكون، باستثناء الخليج، من جهة أخرى، بالنتيجة، يمكن القول بأن التعامل مع دول الخليج مع زيادة أهمية هذه المنطقة في منظومة العلاقات الدولية الجديدة، وهي منظومة قائمة وفق معطيات المعايير الاقتصادية والتنافس الاقتصاد العالمي خصوصاً بين الدول الصناعية الكبرى المعتمدة على النفط والنفط الخليجي بشكل خاص (عبد الله، 1994، ص 8-10).
- نفط الخليج ومفهوم النظام العالمي الجديد
لا تكمن أهمية النفط، وبصفة خاصة في منطقة الخليج، في التأثير على المسرح الدولي من خلال العلاقات الثنائية بين الأطراف المتعاملة بهذا المورد الاقتصادي فحسب، بل تتعدى هذا الإطار الضيّق، رغم أهميته القصوى، لتشمل الهيكل التنظيمي للعالم وما تحتويه هذه المنظومة من مخرجات ونتائج تتحدد على ضوئها معالم السياسة العالمية في حقب تاريخية مختلفة.
فمنذ أن وضعت الحرب الكونية الثانية أوزارها، لعب النفط والسياسات المرتبطة به دوراً بارزاً على مستوى العلاقات الثنائية والمتعددة بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط، وكذلك على مستوى العلاقات السياسية الدولية، ففي بداية الخمسينيات لم تتردد الدول المستهلكة في التورط بانقلابات عسكرية وإدارة التغيير السياسي في الدول النفطية كرد فعل على محاولات التأميم التي نادت بها القوى الوطنية من أجل فرض السيادة المحلية على هذه الثروة، وفي طليعة الأمثلة على ذلك الانقلاب العسكري المبرمج بواسطة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA للإطاحة بحكومة الدكتور محمد مصدق في إيران، والتغييرات السياسية المتعاقبة التي أشرفت عليها بريطانيا في العراق حتى عام 1968 عندما وصل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة (Khavari، 1991، ص. 10-12، 25-27).
وسجّل النفط الخليجي نقطة انعطاف رئيسية في تاريخ العلاقات الدولية عندما استخدم هذا المرد كسلاح سياسي في وجه الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين إثر اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، كما أربكت الثورة النفطية الثانية عشية قيام الثورة الإسلامية في إيران وقيام الحرب العراقية الإيرانية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وما صاحب تلك الأحداث من انقطاع جزئي لإمدادات النفط وتصاعد أسعار النفط إلى معدلات خيالية بلغت (40) دولاراً للبرميل، اقتصاديات الغرب وسياساتها المالية وبيّنت الانكشاف الاقتصادي والإستراتيجي للدول الصناعية الكبرى أمام هذه المادة الحياتية.
وطوال الحرب الباردة التي امتدّت زهاء النصف قرن من الزمان، كانت منطقة الخليج بمخزونها النفطي الهائل من بين أهم مرتكزات الهيكلية العالمية القائمة على صراع الأضداد بين الكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوفيتي السابق على الصعيدين الإستراتيجي والاقتصادي، (لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع: حتى، 1987؛ بالمر، 1995 وكذلك: Litwak & Wells, Jr.، 1988؛ Ismael، 1986).
واستمر النفط الخليجي كمحور محرك للإستراتيجيات الكونية بدءً مع انهيار المنظومة الدولية ثنائية القطبية ودخول العالم حقبة جديدة من الترتيبات السياسية الجديدة، فمن أهم الأسباب التي قادت صدام حسين إلى غزو الكويت واحتلالها، فرض هيمنة العراق على منطقة الخليج والتحكم بأكبر مخزونات الطاقة في العالم، وكانت ردة الفعل الغربية، والولايات المتحدة تحديداً، موازية لحجم التهديدات الكامنة وراء الوصاية العراقية على الخليج، وكان إصرار الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، على منع صدام حسين من امتلاك ربع مخزون العالم من النفط في حالة احتفاظه بدولة الكويت وسيطرته السياسية على 40% من الإنتاج العالمي من النفط من خلال منظمة الأقطار المصدرة للنفط، أوبيك، كفيلاً بحشد أكبر جيش يشهده تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية ومدجج بقمة التكنولوجيا الحربية ومطعّم بتحالف دولي قوامه 33 دولة لوقف صدام حسين عند حده الطبيعي الذي يتناسب ودوره لتأمين المصالح الغربية في المنطقة.
ومع سقوط الإتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الشيوعية العالمية دخل العالم حقبة جديدة من الترتيبات الدولية تغيّرت إثرها موازين القوة ومعايير توزيعها وأنماط التعامل الدولي ومحاور الصراع والتعاون بين أقطاب العالم وجميع أشكال النسق الدولية المرتبطة بهيكلية القطبية الثنائية لنظام الحرب الباردة تقريباً، وعلى الرغم من عدم استقرار النظام الكوني على أسس جديدة ثابتة وقادرة على فرض اتجاهات عالمية واضحة المعالم وقابلة للاستقراء المستقبلي، إلاّ أن مؤشرات العلاقات الدولية الجديدة توحي بانحسار هاجس الحروب الإستراتيجية الشاملة من جهة، وبروز الدور الاقتصادي بمختلف أدواته وسياساته واستخداماته من جهة أخرى، ومن جملة ما قد تسفر عنه معطيات التحولات الجديدة في هذا المنتظم التلاطم والمعقد تحوّل الأصدقاء إلى خصوم وقيام تحالفات جديدة واندثار أخرى قديمة وتغير وسائل التأثير والنفوذ العالميين (لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع: جيرتون، 1993؛ ثرو، 1995؛ أتالي، 1991).
ولكن ورغم جميع التكهنات والاحتمالات التي قد تتحقّق أو لا تتحقّق في ظل السنوات القادمة سوف يبقى لعامل النفط وبالتالي لمنطقة الخليج دوراً محورياً وأساسياً في أية معادلات أو موازين عالمية مرتقبة، ويخطئ الكثيرون ممن يعتبرون انحسار النظام العالمي ثنائي القطبية مقدمة لفتح آفاق السلام والاستقرار الدوليين، أو بداية النهاية لمحاولات الاستقطاب العالمي للنفط كما كان عليه الحال في ظل موازين الصراع الإستراتيجي بين الكتلتين المتعاديتين إبان الحرب الباردة، بل على العكس من ذلك حيث أن تطورات السياسة العالمية الراهنة تحتّم التعامل مع النفط كعامل جوهري في توجيه وربما تحديد الملامح الهيكلية للمنظومة الدولية وأقطابها الرئيسية وتوجيه نظم العلاقات المتبادلة بين الوحدات السياسية التابعة لها، وأخيراً تحديد معايير القوة والنفوذ الدوليين في كنف ذلك المنتظم المرتقب.
وليس من باب الصدفة أن يشهد العالم أحد أهم التحولات الانتقالية من عهد النظام الدولي البائد إلى وضع عالمي جديد من خلال حرب كبرى من حروب السيطرة على نفط الخليج، تمثّلت في عاصفة الصحراء، تلك المواجهة التي ألقت بظلالها بقوة على المسرح العالمي عسكرياً وسياسياً واقتصادياً (سيرل، 1992، ص. 177-189).
وعلى الرغم من عدم تبلور مفهوم النظام العالمي وعدم استقرار هيكليته القطبية أو حتى الأسس المعيارية لمثل هذا البناء الهيكلي، وعلى الرغم من احتمالات غربلة التحالفات الإقليمية والعالمية وقيام تحالفات مضادة جديدة، وبغض النظر عن تغيير المراكز القيادية للقوى التقليدية أو ظهور قوى عالمية فعالة جديدة، سوف تحافظ الطاقة وخصوصاً النفط، على دور عالمي أقل ما يمكن وصفه بأنه دور محوري في ظل كافة الاحتمالات والنتائج التي سوف يؤول إليها النظام العالمي الجديد، ويعود السبب في ذلك إلى حقيقتين أساسيتين هما استمرار الأهمية النفطية على المستوى العالمي كما أوضحنا سابقاً، وتزعّم القوى الصناعية الكبرى المستهلكة للنفط بشكل كبير لحركة النظام الدولي القادم الذي تتفاقم فيه أهمية المفاهيم الاقتصادية في تحقيق الزعامة الدولية، وبالتالي، تبقى أهمية النفط قائمة في ظل أية حوارات عالمية مرتقبة سواءً تمثّلت تلك الحوارات بتحول حلفاء المس الغربيين إلى خصوم أو أنهم استمروا في تكتلات وترتيبات اقتصادية مشتركة حديثة، وفي كل الأحوال تبقى سمة الصراع والتنافس العالمي هي السائدة في الرحلة الدولية القادمة.
فالمصالح القومية الضيقة في عالم السياسة القائم على أسس الصراع والأنانية هي المحرك الأساسي والطبيعي لسلوكيات الدول الخارجية، وهذا السلوك تحددّه بطبيعة الحال عوامل ومعطيات وظروف تفرضها توزيعات القوة والنفوذ في ضوء شبكة العلاقات الدولية المعقدة والشائكة كما تراها المدرسة الواقعية سواءً في نموذجها التقليدي أم بثوبها الجديد، وكما هو الحال كذلك بالنسبة للمدارس السياسية الفكرية الأخرى (Cox & Sinclair، 1996، ص. 502-505)، ومن المؤكد أن تدخل الثروة النفطية ـ وطرق تعظيم المصالح القومية من خلال الاستفادة من استخداماتها المتعددة بدءً من الصناعة الاستكشافية والاستخراجية مروراً بصناعتها التحويلية وانتهاءً بتسويقها واستخدامها في إنتاج الكم الهائل من السلع والمنتوجات ـ كعامل أساسي ومحوري في اهتمامات الدول خصوصاً الصناعية الكبرى منها، وقد لا يكون النفط بمثابة العامل الوحيد أو الأكبر في تحديد سلوكيات هذه الدول ورسم سياساتها الخارجية، ولكنه بلا شك من بين العوامل الأكثر أهمية لدى صنّاع القرار في تحديد أهداف الدول المنتجة والمستهلكة على حدٍ سواء في إعداد استراتيجياتها الشاملة، ذلك كونه يتعلق أساساً بالبنى التحتية للاقتصاديات الدولية في كافة الدول الصناعية وغير الصناعية على حد السواء.
وبمعنى أدق، يمكن القول بأن النفط سوف يشغل حيزاً مهماً في إستراتيجيات النظام العالمي الجديد، وخصوصاً فيما يختص بالابتكارات والجهود الرامية إلى بلورة نماذج مستحدثة ومعقدة من أجل فرض التحكم والاستفادة القصوى من منافع هذه الثروة الكبيرة، فقد وضعت نهاية الحرب الباردة حداً للكثير من الإستراتيجيات الدولية المتعلقة باستخدامات النفط، خصوصاً في منطقة الخليج، في مواصلة قواعد اللعبة العالمية في ظل تنافس المعسكرين الشرقي والغربي، ومن أهم تلك السياسات كانت محاولات القوتين العظمتين في التوغل والانتشار السياسي في إقليم الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، فمن جهة، ارتكزت السياسة الخارجية للولايات المتحدة وحلفائها في غرب أوربا واليابان على احتواء المد الأحمر في الإقليم لضمان استمرار الإمدادات النفطية بأسعار مناسبة ومستقرة ومنع أية تغييرات سياسية في أنظمة الحكم في هذه المنطقة لصالح التوجهات السوفيتية (بالمر، 1995)، وفي المقابل، سعت القيادة الشيوعية في المعسكر المعارض إلى تحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية بغية السيطرة على أهم مصادر الطاقة الحيوية للغرب.
ورغم حساسية الظروف التي ألمّت بالمنطقة خلال العقود الخمسة الماضية، إلا أن التحالف الإستراتيجي القوي في المعسكر الغربي استطاع أن يحقّق نجاحات أكبر في ذلك التنافس العالمي، وإن تخلّلت هذه الحقبة بعض الاضطرابات ذات التأثيرات السلبية على الدول الغربية مثل إفرازات الصراع العربي الإسرائيلي ونتائج الثورة الإسلامية في إيران واندلاع الحرب العراقية الإيرانية وانتهاءً بحرب الخليج الثانية، ولكن الحصيلة النهائية كانت تصب في آخر المطاف لصالح الدول الغربية بسبب الانسجام الكبير بين السياسات الخارجية في هذا الحلف والارتباط التاريخي والإستراتيجي بينة وبين الحكومات التقليدية في المنطقة، وكانت البدائل الإستراتيجية المتاحة للدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة من أهم العوامل المساعدة على الاحتفاظ بالهيمنة الغربية على المنطقة خلال تلك الفترة التي شهدت عدة نماذج إستراتيجية مثل استخدام شاه إيران كشرطي للخليج وتطبيق مبدأ العمودين المتساندين في كل من طهران والرياض وإتّباع سياسة الانتشار السريع وأخيراً الاعتماد على دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى التواجد العسكري المباشر وخوض الحروب القتالية بواسطة قوات حلف شمال الأطلسي كما حدث خلال حرب تحرير الكويت، وخلاصة القول، فإن النفط سوف يحظى بحيّزٍ كبير ومهم في تفاعلات النظام الدولي الجديد ومكوناته الأساسية بغضّ النظر عن تعريف هذا النظام أو هيكليته.
- النفط والهيكلية المتطورة للنظام العالمي الجديد
يمكن تعريف النظام العالمي بأنه مجموعة التفاعلات الدولية القائمة على مصالح الدول القومية الضيقة في بيئة كبيرة تفتقر إلى القانون الموحد الصارم والتنظيم الهرمي المحكم (البدوي، 1976، ص. 47-50)، وبغضّ النظر عن مدى تطور القانون الدولي ومؤسسات التعاون الدولي، يمكن القول بأن ظاهرة الفوضى الدولية ونماذج المباريات الصفرية أو ذات الربحية النسبية هي السمة الأساسية في هذا النظام والمحرك الرئيسي لسلوك الدول تجاه العالم الخارجي، وعلى الرغم من النماذج الهيكلية التي شهدها تاريخ العلاقات الدولية، والتي كانت تفرض على أقل التقديرات، أنماطاً سلوكية محددة وقابلة للتنبؤ تبعاً لتوزيعات القوة ذات الخصائص المميزة خصوصاً العسكرية منها، إلاّ أن ذلك لم يمنع وقوع اضطرابات وتقلبات سياسية مستمرة كانت في النهاية تصب في هدم معالم تلك الهياكل واستبدالها بنظم ومعايير جديدة (المكاوي، 1994، ص. 131-167؛ السيد سليم، 1994، ص. 93-127).
وليس من المبالغة القول بأن المرحلة الراهنة من تاريخ العلاقات الدولية هي الأعقد والأصعب على التنبؤ بإفرازاتها المستقبلية أو حتى استقراء المعالم التنظيمية الخاصة بها بوضوح، الأمر الذي يعني بطبيعة الحال تعسّر التوقعات المرتبطة بسياسات الدول الخارجية الثابتة في الوقت الراهن، وتكمن صعوبة الإقرار بوجود أو ولادة نظام عالمي جديد في بعدين مهمين، فمن جهة، لم يتم إرساء المعالم التفصيلية والدقيقة للهيكلية القطبية للكون بالمقارنة مع قواعد النظام العالمي في ظل الحرب الباردة، وعلى الرغم من اقتناع بعض علماء السياسة الدولية وزعماء العالم بأن النظام العالمي يسير في اتجاه القطبية الأحادية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية، إلاّ أن مثل هذا الإدعاء يظل مقيداً بجملة من الاعتبارات الموضوعية والإجرائية (المشاط، 1992، ص. 38-42).
ومن جهة أخرى، لا يزال الاختلاف الشديد قائماً حول تحديد معايير القوى العالمية وتوزيعاتها في ظل المرحلة الراهنة لعالم السياسة، وتتفاوت الآراء في هذا الخصوص بين اعتبار القوة العسكرية وخصوصاً ببعدها النووي كمعيار مطلق لتحديد زعامات العالم، وبين اختيار العامل الاقتصادي والرصيد المالي كأساس لإعادة هيكلية العالم، وبين الاعتماد على الثقافة الحضارية كمركز للقوة العالمية (بدران، 1994، ص. 23-59؛ Waltz، 1979، ص. 102-104؛ Gilpin، 1981، ص. 159-168)، ومن المؤكد أن تتعدّد نماذج النظم العالمية في حالة التركيز على أحد هذه المعايير.
وبالإضافة إلى هذين البعدين المركزيين، هناك جملة من الاعتبارات والأسباب التي تساهم في زيادة تعقيد النظام الدولي الراهن، وتتمثّل أولى هذه الاعتبارات في التحولات السريعة والمتلاحقة، وفي نفس الوقت، غير المتوقعة على المسرح العالمي، فالمعسكر الشيوعي المنهار لا يزال عرضة لتقلبات سياسية حادة رغم نجاح الغرب في غزو الجزء الشرقي من أوربا فكرياً واقتصادياً وتحطيم مؤسساته العسكرية والاقتصادية التكاملية، وبعد قرابة نصف عقد من موجة التغيير التي عصفت بتلك المنطقة بدت علامات الردة ضد المبادئ الليبرالية الغربية تظهر في الأفق بعدما اتخمت أوربا الشرقية وجمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق بمشاكل التضخم والبطالة وشتى أنواع الفوضى السياسية، وهذا ما حدا إلى إعادة بروز رموز الفكر الاشتراكي وتحقيقهم لنجاحات سياسية باهرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية مؤخراً مما يوحي ببعث جديد للاشتراكية وإن كانت متلبدة بجلباب الديمقراطية.
ثانياً، تشهد المرحلة الراهنة من تاريخ البشرية عصراً يمتاز بالسرعة والازدهار والتقنية وغزو الفضاء الخارجي وتشابك المصالح بصورة معقدة في وقت يشهد فيه العالم أكبر عدد من الدول القومية، وخصوصاً ذات الولادة الحديثة المتخمة بمشاكل التخلف والتنمية، الأمر الذي ساهم في تفاقم الهوة العميقة بين ما يعرف بدول الشمال والجنوب، ومن الطبيعي أن تخلق المشاكل المتأصلة في هذه الدول العديدة حالات من عدم الاستقرار السياسي وربما المواجهة بين الدول المالكة والأخرى المحرومة، كما أن عدداً من هذه الدول كما هو الحال في جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق يمتلك التكنولوجيا ولربما الأسلحة الإستراتيجية ذات الدمار الشامل، وقد تضطر مثل هذه الدول إلى بيع مثل هذه الأسلحة لحكومات قد لا تتردّد في استعمالها ناهيك عن احتمال، ولو كان ضعيفاً، قيام نفس الدول المالكة لهذه الأسلحة باستخدامها بنفسها لحسم خلافاتها الموروثة مع جيرانها.
ثالثاً، دبّ التصادم بين دول الشمال ذاتها وبشكل سريع بعد انهيار الخطر الجماعي الذي جمع هذه الدول في تحالفات إقليمية ودولية مشتركة، ويعتبر التنافس الحالي بين أصدقاء الأمس القريب وخصوصاً الولايات المتحدة وأوربا الغربية واليابان من أبرز ملامح عالم السياسة الدولية الراهنة (جيرتون، 1993، ص. 59-90، 131-157، 195-224)، وهذا الصراع الذي بدأ يتجسّد في شكل تكتلات اقتصادية عملاقة ومتناطحة من شأنه أن يفرض مدلولات جديدة خاصة بالهيكلية القطبية للنظام الكوني ومعايير القوة والنفوذ في كنفه، فظاهرة الحروب الاقتصادية وحروب أسعار صرف العملات وبورصات الأسهم العالمية باتت تخيم على المسرح الدولي بشكل سافر.
رابعاً، في وسط الاضطرابات الدولية القائمة تطل دولٌ جديدة برأسها لتمثّل تحدياً جديداً لهيمنة النظام الرأسمالي عبر الأطلسي وتحاول عرقلة اتجاهات النظام العالمي المسيّرة من قبل القوى التقليدية، فمجموعة النمور الأسيوية وإندونيسيا وماليزيا والأرجنتين والبرازيل وإيران والعراق ومصر إضافة إلى روسيا الجريحة تتطلع جميعاً إلى إحراز مواقع عالمية تليق بقدراتها وكثافاتها البشرية، وربما لا يمكن أن تقف معها مكبلة الأيدي أمام الزعامة المهيمنة للغرب (Beinefeld، 1994، ص. 45-47).
خامساً، في ظل استمرار تلاطم أمواج النظام العالمي الجديد، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الدور الصيني المتعملق خصوصاً بعد رجوع جزيرة هونغ كونغ وما قد تفرز عنه احتمالات انضمام تايوان إلى الصين بصورة أو بأخرى، فقد حقّق الاقتصاد الصيني نمواً تصاعدياً منذ عام 1979 حتى سجل أعلى نسبة له في العالم بلغت (13%) عام 1995، إضافة إلى ذلك، فقد ارتفعت الصادرات الصينية إلى دول العالم من (60) مليار دولار عام 1980 إلى (1484) مليار دولار عام 1995، وبناءً عليه، فلا غرابة بأن تشهد الصين أيضاً منافسةً دوليةً للاستثمار الأجنبي فيها والذي بلغ ذروته في عام 1995 بقيمة (130) مليار دولار (أحمد، 1997، ص. 12-15، 38).
بالإضافة إلى ما سبق فأن الصين التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي للعملة الصعبة في العالم يبلغ قيمته (121) مليار دولار (الرأي العام، 22/7/1997) سوف تدخل كمتحدٍ اقتصادي معتدٌ به عالمياً وقادر على مناطحة مصالح مجموعة الدول الصناعية الكبرى على مختلف الأصعدة، وهذا ما يعزّز فرص تضارب المعادلات الكبرى للتنافس الإستراتيجي وما سوف يتمخض عنها من إسقاطات مهمة على هيكل النظام العالمي الجديد.
وإزاء جميع هذه الاعتبارات المستمرة في التفاعل، قد يكون من الصعوبة بمكان القول بأن نظاماً عالمياً جديداً قد وضع أوزاره فعلاً، أو حتى القول بأن ملامح هذا النظام بادية في الأفق، فقيام النظم العالمية خلال السنن التاريخية كانت ترتبط إلى حدٍ كبير بعمليات عسكرية كبرى تنتهي باضمحلال قوى رئيسية ومهمة وظهور أخرى بديلة وقوية قادرة على فرض إرادتها الدولية في الحال، وعلى الرغم من أن البعض يعتبر عملية عاصفة الصحراء نموذجاً لمثل هذا العمل العسكري الضخم ومقدمة لنظام كوني جديد في وقت تزامن مع سقوط الإتحاد السوفيتي من الداخل، إلاّ أن الجزم بمثل هذا الرأي يكتنفه الكثير من الغموض والشكوك.
فالنظام العالمي لا تتوقف نهاياته على تحقيق انتصار كبير فحسب، بل يتطلّب أيضاً قيام مؤسسات وترتيبات دولية قادرة على ترجمة ذلك الانتصار، ومن ثمَّ استخدام تلك المؤسسات للمحافظة على ذلك الانتصار بشكل دائم، وهذا ما قد يستغرق فترة من الزمن قد تسقط خلالها محاولة فرض هيكلية دولية معينة، وحتى النظام العالمي السابق الذي هيمن على الكون بقطبيه الثنائيين لقرابة نصف قرن لم يولد بالسرعة التي يتصورها البعض، فلم تكتمل معالم ذلك النظام إلاّ بعد سنوات قاربت العقد من الزمن واستمرت خلالها الاتجاهات العالمية في طريق واحد، وبعبارة أخرى، رغم انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، لم تتحدّد هوية نظام الحرب الباردة إلاّ في النصف الأول من عقد الخمسينيات وبعد أن شطر حائط برلين طرفي النظام العالمي ودشّن كل منهما مؤسساته الاقتصادية والسياسية والعسكرية مثل نظام الكوكوم في مواجهة نظام البريتون وودز، وحلف الناتو في مقابل تكتل وارسو، وبعدما أكمل الإتحاد السوفيتي تجاربه الذرية بنجاح، وأخيراً بعد تقاسم النفوذ السياسي من قبل العملاقين ليس فقط على مستوى القارة الأوربية بل على الخريطة العالمية ككل.
يتبيّن من العرض السابق، إذاً، أنه من الصعب جداً الجزم بداية بوجود نظام كلي جديد بالمعنى التقليدي لهذا المفهوم، وكذلك عدم وضوح الاتجاهات العامة لملامح هذا النظام من حيث تركيبه الهيكلي وتوزيعات القوة وفق معايير ثابتة في ظله، وهذا لا يعني بالضرورة جمود حركة العلاقات الدولية التي تشهد بالفعل مرحلة إرهاصات انتقالية حادة ومتشبعة.
وللوقوف على أهم ما قد تؤول إليه المرحلة الانتقالية في عالم السياسة الدولية كمقدمة لنشأة نظام عالمي جديد، يجب التركيز على عدة اعتبارات، وتنصب أولى هذه الاعتبارات في حقيقة انكماش العالم وتحوله إلى قرية صغيرة متشابكة ومتداخلة بشكل معقد من زوايا كثيرة جداً سواءً على مستوى خطوط الاتصال والمواصلات، أو على صعيد الاعتماد المتبادل بين الدول في تأمين مختلف احتياجاتها الضرورية منها أو الكمالية، أو من حيث الارتباط المتين بين مختلف المؤسسات الاقتصادية والمالية، أو فيما يتعلق ببروز ظواهر التهديد الجماعي للإنسان والبيئة، وهذا ما يجعل مهمة دولة واحدة في قيادة العالم برمته عملية شاقة وباهظة الثمن لا تستوعبها مقدرات أية قوة منفردة (كندي، 1994، ص. 71-94)، كما أن مثل هذا التشابك المعقد من شأنه أن يلغي احتمال تكرار الكثير من نظريات السياسة الدولية والنماذج التاريخية التي شهدتها الهياكل التنظيمية العالمية من قبيل نظريات الجغرافيا السياسية كنموذج قلب الأرض، ونظريات الاستعمار التقليدي، والتقسيمات المحورية لدول العالم وفق اعتبارات جغرافية أو أيديولوجية، أو نظريات توازن القوى وغيرها من الأدبيات والتطبيقات السياسية الغابرة.
إضافة إلى ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار معايير القوة المختلفة اقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً، وعسكرياً كبدائل لاحتساب نقاط القوة والضعف لدول العالم وإمكانيات استغلال مثل هذه البدائل وفق أقصى مستويات الفائدة، كما يمكن إضافة دور المؤسسات الإقليمية والعالمية والترتيبات المستحدثة في المنظومة العالمية وأثرها على توجيه حركة العلاقات الدولية خصوصاً بعد الانتشار الواسع والمستمر لهذه المنظمات الحكومية وغير الحكومية والتي تجاوز عددها واختصاصاتها المتنوعة عشرات الآلاف مؤسسة وتنظيم (Rourke، 1991، ص. 551-578).
وأخيراً، لابد من الاهتمام بمراكز القوى الحالية في عالم السياسية الدولية حيث استفردت الدول الصناعية الكبرى بمعظم مقدرات القوة والنفوذ ودرجات التكنولوجيا والتعليم، وتخطت الكثير من دول العالم المتخلف بمعدلات خارقة، وكنتيجة طبيعية، تجد هذه الدول المتقدمة نفسها متمحورة حول قوائم شتى من المصالح المشتركة في مقابل دول العالم الأخرى، وفي نفس دائرة الدول المتقدمة هذه تحتل الولايات المتحدة مركز الصدارة وتتفوّق على حلفائها تبعاً للكثير من مقومات القوة ولو في المرحلة الراهنة، ولا تبدو هذه الدائرة الضيقة بحالة مستقرة من الانسجام والتفاهم الكاملين، بل تتخللها مشاكل وصراعات وتنافس بدأت ملامحها تبرز للعيان خصوصاً في البعد الاقتصادي، الأمر الذي قاد الكثير من علماء السياسة الدولية من مختلف الجنسيات إلى الاعتقاد بحتمية انفجار دائرة المنافسة بين الشركاء الكبار في العالم عاجلاً أم آجلاً، وبالتأكيد فسوف تلقي حالة انفجار هذا السلام البارد بين قوى الغرب بظلالها على أبعاد عالم السياسة الدولية المختلفة متى ما تحقّق ذلك.
وبناءً على ما تقدم، فأن أقرب اتجاه في مسيرة العلاقات الدولية القادمة يكمن في الدور الرئيسي للدول الصناعية الكبرى، كما أن أقرب نموذج للنظام العالمي الواقعي قد يتمثل في مفهوم “نظام الشراكة بين الكبار” (أبو طالب، النجار، وثابت، 1994، ص. 83-84)، بمعنى محاولة هذه الدول السيطرة على “إدارة” العالم المعقد والمتشابك بشكل يضمن لهم تحقيق مصالحهم المشتركة على المدى الطويل وبشكل ثابت، وبمعنى أدق، سوف يكون النظام العالمي الجديد أو المراحل الأولى منه، على أقل التقادير، قائماً على أساس مفاهيم الهيمنة الدولية والأطروحات النظرية والتطبيقات العملية النابعة من مفهوم الهيمنة أو القيادة العالمية للشركاء الكبار، ويتجسّد المعنى الإجمالي لمفهوم الهيمنة العالمية للغرب في محاولة ربط العالم بأقواس النظام الرأسمالي الليبرالي الغربي مع تهميش دور النظم الفرعية الأخرى في العالم أو إعادة دمج هذه النظم الفرعية من خلال نسق جديدة مركبة بشكل معقد بالأقواس الكبيرة للنظام الرأسمالي العالمي بغية السيطرة عليها بشكل تام (أبو طالب، النجار، وثابت، 1994، ص. 84).
ومن أوائل علماء السياسة الدولية المعاصرة استخداماً لمفهوم الهيمنة Hegemony، روبرت غيلبين (Robert Gilpin، 1981، ص. 29) الذي اعتبر الهيمنة (أو السيطرة) كمرادف للقوة الاستعمارية Imperialism، وتبعاً لرأي غيلبين، فأنه في ظل منظومة الهيمنة Hegemon Order تقوم دولة مفردة قوية بالتحكّم المطلق بالدول الأصغر منها في ذلك النظام، أما بول كندي (Paul Kenndy، 1989) فيعتبر المهيمن Hegemon بمثابة القائد Leader المتفوق على الآخرين في مقومات القوة وبالتحديد، المصادر الاقتصادية منها، ويعطي جاشوا غولد شتاين (Joshua Goldstein، 1988) معنى أشمل للهيمنة حيث يعرّف القوى المهيمنة Hegemon بأنها القوى القادرة على فرض أحكام العلاقات الدولية، وتتّسم الهيمنة في رأي غولد شتاين بظاهرتين هما الهيمنة السياسية Political Hegemony بمعنى القدرة على السيطرة Domination وذلك من خلال القوة العسكرية، والهيمنة الاقتصادية Economic Hegemony وتعني السيطرة على الدول الأخرى باستخدام الوسائل والمصادر الاقتصادية.
فالهيمنة إذاً وفق ما تقدّم، تتمثّل في قدرة قوة ما أو مجموعة قوى في حفظ الاستقرار في نظام عالمي معيّن، كما أنه ليس بالضرورة أن تكون للهيمنة آثار سلبية بل على العكس تماماً، فقد يكون لسقوط المهيمن نتائج سلبية في النظام، وكما يقول غيلبين في هذا الصدد بأن انهيار المهيمن في النظم الدولية يتبعه في العادة نشوب حرب عنيفة أو تغيير ثوري يسفر في النهاية عن ظهور مهيمن جديد، وعندئذٍ يعود الاستقرار إلى النظام الدولي مرة أخرى (Gilpin، 1981).
وبالمثل، يربط بول كندي (Paul Kenndy، 1989) بين انهيار المهيمن الاقتصادي وزعزعة الاستقرار الدولي، وتبعاً لهذا الرأي، فأن الانهيار الاقتصادي يحدث في الغالب عندما تتجاوز إنفاقات الدولة المسيطرة على النظام قدرتها على تأمين استثماراتها في ذلك النظام بسبب بروز منافسين جدد، عندها تلجأ القوى المهيمنة إلى النزاع العسكري لحماية مصالحها المهددة.
وفي مقابل هذه الرؤية الواقعية Realist Perspective لمفهوم الهيمنة العالمية، ظهرت المدرسة الليبرالية ـ المؤسسية Liberal Institutionalism التي تحاول ربط هذا المفهوم بمنظور التعاون الدولي القسري، وذلك من خلال استخدام نموذج القرار الرشيد Rational Choice كوسيلة لتحقيق أهداف سلمية حتى في حالة انهيار القوة المهيمنة داخل النظام الدولي، وعلى عكس المذهب الواقعي، يقول روبرت كوهين (Robert Keohane، 1984)، أحد منظري المدرسة الليبرالية ـ المؤسسية، بأن مبدأ الاستقرار الهيمني Hegemonic Stability قد تحقّق واستمر في المعسكر الغربي وعلى صعيد العالم حتى بعد انحسار القوة الأمريكية المهيمنة عالمياً محرزاً نتائج تعاونية إيجابية حتى بين الدول المتعادية، خصوصاً دول المعسكرين الشرقي والغربي قبل انتهاء الحرب الباردة، ويرجع كوهين السبب في ذلك إلى وجود المؤسسات الدولية التي تكفل في ظل استمرارها فرض قيود والتزامات على الدول وتمنعها من الدخول في نزاعات مسلحة، وتسهل لهم في نفس الوقت تحقيق مصالحهم الذاتية بنسب متفاوتة من خلال التعاون مع الآخرين وإن كانوا خصومهم.
ومن جانبهما، يعتقد ليندا كورنيت وجيمس كابوراسو Linda Cornett & James Caproraso بأن المؤسسات الدولية وما تحمل من قواعد إجرائية ونسق مشتركة تركّز على توفير الوسائل والطرق التي يتم من خلالها تحقيق مصالح الدول القومية (Mohammad، 1993، ص 5-6)، ففي ظل هذه المؤسسات تتحدّد قوة الدول من خلال قدرتها على العمل وليس ضد العديد من القوى المنافسة للتأثير في عالم السياسة.
ومن جانبه، قدّم أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci نموذجاً آخر لمفهوم الهيمنة من المنظور الماركسي، وتعتمد نظرية غرامشي على البعد الثقافي لمفهوم الهيمنة Cultural Hegemony والذي انكّب علي شروحاته بالتفصيل فيما بعد روبرت كوكس (Robert Cox، 1993، ص. 51-52) وقدمه في إطار العلاقات الدولية، ويعتبر كوكس المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني المرتبطة بها مصدراً للهيمنة الثقافية حيث تمارس نفوذها وانتشارها العالميين من خلال قنوات عديدة منها تبني هذه المؤسسات لأحكام وقواعد إجرائية تسهل انتشار نظام الهيمنة العالمية، وإصباغ الشرعية الدولية لقواعد النظام العالمي World Order، واختيار أعضاء جدد من الدول المرتبطة بفلك هذه المؤسسات، والتي عادةً ما تتكوّن من الدول الرأسمالية، مما تجعلها بالنهاية ممتصة لأفكار النظرية الرأسمالية والليبرالية بالشكل الذي اعتاده الغرب.
وبما أن هذه المنظمات بنفسها هي نتاج نظام الهيمنة العالمية، وتعمل بالتالي على فرض الأفكار والمصالح الخاصة بالطرف أو الأطراف المهيمنة، فأن مفهوم الهيمنة الثقافية قد يعني وفق هذا التصور جمع أكبر عدد ممكن من الدول حول مفهوم سياسي عالمي تتبناه وتعمل على الترويج له القوة المهيمنة في النظام الدولي، ويمكن الحديث في هذا السياق التنظيري عن مفهوم الصراع الحضاري وانعكاساته على تفاعلات النظام العالمي القادم كما يشير إليه صموئيل هانتغتون Samuel Huntington في دراسته المشهورة صدام الحضارات (مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1995، ص 17-41).
ويضيف جارود واينر (Jarrod Wiener، يونيو 1995، ص. 220-221) بعداً جديداً ومهماً للهيمنة العالمية تتمثّل في انتزاع الشرعية الدولية International Legitmacy، وتكمن الشرعية هنا في قدرة الدولة القائدة (المهيمنة) على إقناع الدول الأخرى في النظام بسياساتها وذلك عن طريق التحكم بالموارد المتاحة لإدارة المؤسسات والسياسات الدولية المرتبطة بها، ويشارك واينر روبرت كوهين الرأي في هذا الصدد بأن ميزة هذه السياسة العالمية تكمن في قدرة الطرف المهيمن، أو كما يسميه القائد، على توجيه العمل داخل هذه المؤسسات حتى بعد انحسار قوته ودوره القيادي، وذلك من خلال تأثيراته السابقة التي تتحول إلى قواعد وأحكام سلوكية دولية في تلك المؤسسات بالأنساق الدولية International Regimes، وعبّر جارود واينر Jarrod Wiener عن هذا المفهوم بالاستقرار بعد الهيمنة Stability After Hegemony.
ويختلف نمط الزعامة المتحكمة في ظل الهيمنة على أشكال القيادة القهرية Coercionary Leadership القائمة على فرض الدولة القوية قواعد سلطوية Authoritative Structure تهدف إلى تحقيق فوائد عامة Public-goods للجميع، وفي ظل هذه القيادة فأن الدول الخاضعة للنظام المهيمن سرعان ما تعمل على التحرر من سيطرة القوة الرئيسية فور انهيار قدرة هذا القائد والتوجه نحو تحقيق مصالحها الخاصة، تماماً مثل ما حدث من تفكك للمؤسسات الشيوعية في أوربا الشرقية عندما خارت قوى الإتحاد السوفيتي مباشرة، وانطلاقاً من هذا المعنى فأن الهيمنة تتطلب قوة رئيسية إضافة إلى موارد ضخمة ومؤسسات لها القدرة على خلق أنماط سلوكية توجهها تلك القوة الكبرى في النظام، ولابد من ترسيخ هذه القواعد السلوكية حتى تستمر في تحريك سلوكيات عناصر المنتظم حتى بعد تراجع قوة الدول المهيمنة عليه في المستقل.
وفي الحقيقة، يبدو المنظور النظري لمفهوم الهيمنة من أهم وابرز المداخل العلمية المعاصرة لتحليل التطورات العالمية الراهنة، وبالتالي التنبؤ ببعض ملامح واتجاهات النظام العالمي الجديد، ومن خلال هذا المنظور يمكن التركيز على مجموعة دول الشراكة العالمية وهي الولايات المتحدة وحلفائها السابقين ـ رغم الاختلافات التي بدت تتفشى في صفوفها ـ بالاعتبار أن هذه المجموعة هي التي تملك أكبر رصيد من القوة والتأثير الدوليين تبعاً لمعايير القوة المختلفة، كما تحتل الولايات المتحدة في الفترة الحالية مركز الصدارة في إطار هذه المجموعة، والأهم من ذلك، فأن قوة الولايات المتحدة كزعيم عالمي، التي قد بدأت بالتراجع لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية في بداية السبعينيات، مستمرة في الانهيار البطيء، الأمر الذي يوحي للكثير من منظري العلاقات الدولية بدء العد التنازلي لانهيار قوة واشنطن على غرار لما حدث لقوة موسكو في بداية التسعينيات (فيجي وسوانسون، 1995، ص. 74-93).
ومن هنا فقد يكون المخرج الوحيد للولايات المتحدة من أجل المحافظة على مصالحها الإستراتيجية والمتنوعة عبر أقاليم العالم على المدى البعيد متمثلاً في فرض نظام هيمنة عالمية يضمن لها تحقيق تلك المصالح حتى بعد تقهقر قواها العسكرية والاقتصادية مستقبلاً.
وتعتبر المرحلة الانتقالية الحالية التي تعصف بالعالم بمثابة الفرصة الذهبية للولايات المتحدة لخلق منظومة الهيمنة العالمية بأبعادها العسكرية والاقتصادية الإستراتيجية، فالولايات المتحدة، برزت كقوة عسكرية عملاقة بعد سقوط وانحلال الإتحاد السوفيتي وما زالت رغم مشاكلها الاقتصادية قوة عظمى مقارنة مع حلفائها في أوربا واليابان، وقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل الانخراط بقوة في المؤسسات الإقليمية والعالمية كزعيم وموجه لهذه المنظمات مع محاولة إحياء المبادئ العامة والمفاهيم المرتبطة بها أو خلق أهداف أخرى تتمشى مع مصالحها القومية، فعلى الرغم من القطعية الطويلة للأمم المتحدة، أعادت واشنطن مصداقية هذه المنظمة الدولية واستخدمتها كمظلة شرعية لدخول الحرب ضد العراق بعد غزوه للكويت ومن بعد ذلك دخولها في الصومال تحت شعار إعادة الأمل، وكذلك وساطتها في حل أزمة البلقان من خلال اتفاقية دايتون للسلام.
ومن جهة أخرى، نجحت الولايات المتحدة في الاحتفاظ بمؤسساتها العسكرية والاقتصادية التي يعود إنشاؤها على عهد الحرب الباردة مع غربلة أهدافها وتعديل أنشطتها، ويأتي على رأس هذه التنظيمات حلف شمال الأطلسي (الناتو NATO) الذي وسّع نطاق عضويته بإرادة أمريكية وعدّل ميثاقه لتشمل نشاطاته العسكرية ما بعد الحدود الأوربية، والاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية GATT بعد تعديل مسماها لتصبح منظمة التجارة العالمية والتي نقّحت أحكامها بجولات أورغواي بما يتمشى مع متطلبات الاقتصاد الأمريكي في مقابل الحلفاء الغربيين، وبالإضافة إلى ذلك، فقد بادرت الحكومة الأمريكية إلى خلق عدد من الترتيبات التكاملية الجديدة مثل منطقة التجارة الحرة في شمال أمريكا NAFTA والدخول في مشاريع الإستراتيجيات الأمنية عبر العالم مثل ترتيب الشراكة من أجل السلام مع دول تكتّل وارسو السابق، والترتيبات الأمنية الثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي GCC، وتقديم اقتراح منطقة التجارة الحرة عبر الأطلسي كمعبر للانفتاح التجاري على دول جنوب البحر المتوسط على ضوء مؤتمر برشلونة 1995، ودعم مشروع إنشاء السوق أوسطية، انتهاءً بالترتيبات الجماعية والإقليمية الخاصة بمكافحة الإرهاب والمخدرات ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع قارات العالم، وبما بتناسب مع رؤيتها البنيوية للعالم والتي تنسجم ومصالحها القومية.
وأن مثل هذا التوجه العالمي للولايات المتحدة يخدم هدف خلق نظام الهيمنة العالمية لواشنطن وأنظمة الهيمنة الأمريكية الإقليمية المرتبطة بذلك النظام الأم من جهتين، فمن جهة تستطيع الولايات المتحدة الإنفراد في التحكم وإدارة هذه النظم المهيمنة أو إملاء القواعد والأحكام القانونية والإجرائية والسلوكية فيها على الأقل في المرحلة الراهنة التي تتمتع خلالها بالهيبة والقوة العالمية، ومن جهة أخرى تستطيع الولايات المتحدة إقحام حلفائها الغربيين كشركاء تابعين في إدارة هذه المؤسسات بشكل يضمن لها مصادر التمويل النقدي لتحمّل أعباء هذه المشاريع الضخمة ويحقّق لها احتواء هؤلاء الشركاء الذين قد يتحولون إلى خصوم عالميين لها في المستقبل.
وعلى ضوء إمكاناتها الحالية المتاحة لتحقيق هذه الأهداف تسعى الولايات المتحدة من أجل استمرار هذه المؤسسات وقدرتها على مواجهة أية مستجدات عالمية طارئة من شأنها تقويض المصالح الأمريكية في العالم، وبما أن التحكّم أو السيطرة على الموارد يعتبر من أهم نقاط الارتكاز في خلق نظام الهيمنة العالمية، فأن أهمية النفط تأتي في طليعة المقدمات التمهيدية لتحقيق هذا الغرض، وقد عرض زعيم الأغلبية السابق للحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي ومرشحه في الانتخابات الرئاسية لعام 1996، بوب دُول Bob Dahl، أهمية النفط عالمياً بوضوح عندما نادى بضرورة حماية الولايات المتحدة لطرق الوصول إلى الموارد الطبيعية وخصوصاً المحافظة على مخزون الطاقة في دول الخليج، وضرورة أن تكون هذه الطاقة في أيدي شعوب مؤمنة بالديمقراطية وتحافظ على حقوق الإنسان وتحترم العلاقات الدولية ولا تشعر بالعداء لغيرها من الدول التي تملك التكنولوجيا ولا تملك الطاقة، وبالإضافة إلى هذه المعايير التي يشترطها دُول Dahl حسب الوصفة الفكرية للولايات المتحدة، فأنه يدعو كذلك إلى ضرورة ربط هذه الثروة بالمؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، يقول دُول Dahl في هذا الصدد:
“(يجب) أن تخرج هذه الدول (النفطية) عن النظرة المتغطرسة وحب التملّك للمال والأنانية المغرضة وذلك عن طريق مساهمتها في المؤسسات الدولية التي تحافظ على استقرار العالم وأن تدرك أنها دول تملك خزانا للنفط ولكنها لا تستطيع بمفردها الاستفادة منها دون تعاون دولي تكنولوجي ودون غطاء عسكري واقتصادي عالمي لتطوير هذه الطاقة” (الطليعة، 15/11/1995).
ويمكن القول في هذا الخصوص بأن السيطرة على موارد النفط في منطقة الخليج تكتسب أهمية محورية في محاولات فرض الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، وخصوصاً في ظل وجود وتنامي القوة الاقتصادية لحلفائها (مثل أوربا الغربية واليابان) وأندادها (مثل الصين وروسيا الاتحادية)، فالتحكم الإستراتيجي في هذه المنطقة الغنية لا يخدم فقط ربط دول أوربا الغربية واليابان بفلك الولايات المتحدة في إطار إستراتيجية شراكة بقيادة الأخيرة، بل يمنح لها القدرة على استخدام النفط كسلاح لكبح جماح هؤلاء الحلفاء إذا ما تحولوا إلى خصوم مستقبليين، وقد جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكية السابق، جيمس بيكر James Baker، بعد حرب الخليج الثانية مباشرة دقيقاً في التعبير عن هذه الإستراتيجية الأمريكية، ففي حديث أمام معهد بروكنغز Brookings Institute في مايو 1991، حدّد بيكر Baker، الرؤية الأمريكية تجاه التطورات الدولية بأربعة محاور رئيسية هي: (1) انتهاء الحرب الباردة (2) زوال القلق الأمريكي من احتمالات التوسع السوفيتي في المنطقة العربية (3) استخدام أزمة الخليج كأداة لتطوير نظام عالمي لمرحلة ما بعد الحرب الباردة (4) ظهور أطراف جديدة تمثّل خطراً شديداً في المدى المتوسط والبعيد على المصالح الاقتصادية الأمريكية وعلى رأسها أوربا الغربية واليابان، وضرورة السيطرة على نفط الخليج لصون هذه المصالح الأمريكية (الوطن، 17/12/1992).
وبعبارة أخرى، يمكن القول بأن السيطرة الأمريكية على نفط منطقة الخليج تمكّن هذه الدولة من مواصلة هيمنتها على حلفائها السابقين، ناهيك بالطبع عن استمرارها في قطع الطريق عن خصومها التقليديين وربما القادمين، من تحقيق درجات تنافسية تضر بمصالحها على المدى القريب أو البعيد، فمن ناحية، يمكن ربط النفط بشبكات دولية ذات الشراكة الغربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ليجد حلفاء واشنطن أنفسهم منخرطن معها بقوة كما هو الحال بالنسبة لمشروع ضريبة الكربون والطاقة، والاستثمارات البترولية، والعمل المشترك من أجل المحافظة على أسعار معتدلة من النفط الخام، وتأمين تدفق النفط عبر المظلة الأمنية للولايات المتحدة ومكافحة الإرهاب الدولي وفق المنظور الأمريكي (الوطن، 14/3/1993).
ومن جهة أخرى، وعلى المدى البعيد، يمكن للولايات المتحدة استغلال النفط كسلاح اقتصادي وسياسي في المؤسسات الغربية ذات الشراكة الغربية أيضاً عندما تتحول إلى مسارح للمعركة بدلاً من كونها أطراً لحل المشكلات بسبب ما قد تصبو إليه المصالح والضغوط المتباينة بين القوى العملاقة الكبرى كالولايات المتحدة وأوربا الغربية واليابان والصين مثل اتفاقية التجارة الدولية (الغات) وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في فرض هيمنتها على إقليم الشرق الأوسط ومنطقة الخليج تحديداً، وتهميش الدور الياباني والأوربي والصيني بالتدريج، من خلال خلق نظام إقليمي مرتبط بشكل معقّد تجارياً ونقدياً واقتصادياً بالنظام الرأسمالي العالمي في البداية ومن ثمَّ إزاحة الدور المنافس لها في تلك المنظومة واستبدالها بالنموذج الأمريكي (برتس، 1997، ص. 87-112)، وقد يتطلب تحقيق مثل هذا الهدف متّسعاً من الوقت وخاصة بسبب عراقة التجربة الأوربية في هذا الإقليم وتأصّل الوجود الاستعماري الأوربي فيه، إلاّ أن ذلك لا يمنع استمرار تحقّق المصالح القومية للولايات المتحدة في المنطقة طالما بقي نظام الشراكة الغربية الموجه أمريكياً قائماً.
وعلى الرغم من تركيز السياسة الخارجية الأمريكية على منطقة الخليج والشرق الأوسط خلال عهد ما بعد الحرب العالمية الثانية وفعالية الدور الأمريكي في هذه المنطقة، إلاّ أن الإستراتيجيات المتبعة كانت تنفّذ دون الانخراط المباشر للولايات المتحدة نفسها، وكانت السياسة الأمريكية تمارس من خلال وسطاء وشركاء محليين وإقليميين كإسرائيل وشاه إيران وأخيراً مجلس التعاون الخليجي والعراق في عهد صدام حسين قبل حرب تحرير دولة الكويت، وحالت موانع الحرب الباردة وكذلك إرهاصات المد الإسلامي ومن قبله موجة القومية دون وجود أمريكي سافر في المنطقة.
ولم تتغيّر هذه السياسة غير المباشرة للولايات المتحدة بشكل واضح سوى في أواخر عقد الثمانينيات عندما دخلت القوات الأمريكية المياه الإقليمية لدول الخليج عبر رفع العلم الأمريكي على بواخر النفط الكويتية والخليجية الأخرى لما اشتدّت حرب الناقلات في أواخر الحرب العراقية الإيرانية، وحتى في تلك الأثناء لم يكن التواجد الأمريكي المباشر مقبولاً أو حتى مستساغاً إلاّ بعد الترويج الإعلامي المكثّف للخطر الإيراني وتصوير القوات الأمريكية لمشاهد تعكس حالة العداء الإيراني مثل إدّعاءات زرع الألغام في مياه الخليج وجر قدم الإيرانيين إلى مواجهات صدامية مع الأسطول الأمريكي مع نهايات حرب الخليج الأولى.
وتجلى الدور المباشر والكبير للولايات المتحدة في الخليج بعد الغزو للكويت وبطلب رسمي من حكومات دول مجلس التعاون، ومن بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي بدأت ملامح الهيمنة الغربية، والأمريكية تحديداً، تظهر بوضوح في هذا الإقليم، وبالفعل، كانت عاصفة الصحراء المدخل الرئيسي لإعادة ترتيب النظام الشرق أوسطي وفق معايير السياسة الأمريكية الجديدة لعهد ما بعد الحرب الباردة، ويمكن تحديد ملامح السياسة الأمريكية الجديدة في هذا الإقليم وفق ثلاثة نظم هيمنة هي: الهيمنة السياسية، والهيمنة الثقافية، والهيمنة الأمنية التي تصب جميعاً في نهاية المطاف في تحقيق الهيمنة على النفط.
أولاً: الهيمنة السياسية:
تتمثّل الهيمنة السياسية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الوسط والخليج بالسيطرة على توازنات القوة المناهضة لمصالح الغرب والسيطرة على الاستقرار بشكل يحفظ تدفق إمدادات النفط إلى العالم الخارجي ويحول دون تكرار استخدام النفط كسلاح من قبل دول المنطقة، وتتطلب الهيمنة السياسية أيضاً تهميش الدور الإقليمي الفعال للقوى الرئيسية في المنطقة، وإعاقة هذه الدول عن إحداث أية تغييرات سياسية أو ممارسة نفوذ إقليمي في توجيه السوق النفطية من حيث الإنتاج والتسعير، ولعل الأهم من ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى احتواء محاولات حلفائها الخاصة بإقامة شبكة علاقات قوية مع الدول غير المرغوب فيها في منطقة الخليج، مثل علاقة إيران بالدول الأوربية أو بين إيران ودول آسيا الصناعية، حيث قد تتطور هذه العلاقات إلى صداقات سياسية واقتصادية أو ربما تحالفات إستراتيجية في المستقبل، ومن السياسات العملية التي اتخذتها واشنطن بهذا الصد الضغط على دول أوربا في تقليص علاقاتها التجارية مع إيران عن طريق تدويل قانون “داماتو” الذي يحظر على الشركات العالمية التي لها مصالح في أمريكا بأن تقوم بعمليات تجارية مع إيران تفوق (40) مليون دولار سنوياً (Gerges، 1996-97، ص. 7-9)، وتتزامن تطبيقات هذه الهيمنة السياسية مع عدة ترتيبات تكميلية منها المحافظة على حماية وبقاء إسرائيل في ظل تطويق أسباب قيام صراعات عسكرية جديدة في المنطقة وذلك من خلال اتفاقيات السلام بين إسرائيل وخصومها من دول المواجهة العربية من جهة، وتطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وسائر الدول العربية من جهة أخرى (بيريس، 1994)، كما تسعى الولايات المتحدة، في الوقت الذي تضغط فيه بقوة على الأطراف العربية للهرولة نحو السلام، إلى الاحتفاظ بالتفوق العسكري الإقليمي لصالح إسرائيل وخصوصاً في البعد الإستراتيجي مع تشديد الرقابة التسليحية على أطراف الشرق الأوسط الأخرى سيّما العراق وإيران (Moller، 1997، ص. 20-24، 30).
وبالإضافة إلى ذلك، تسعى الحكومة الأمريكية إلى تفكيك السلاح العراقي وخاصة أنظمة الدمار الشامل الجرثومية والكيماوية والنووية مع المحافظة على النظام العراقي في الوقت نفسه وذلك للتلويح بخطورته بين الفينة والأخرى لأجل تبرير وجودها العسكري وضمان هيمنتها السياسية في المنطقة، كما تعزّز هذه السياسة أيضاً تقليص احتمالات تكرار الغزو العراقي للكويت وتهديد دول مجلس التعاون الأخرى، أو تضمن على أقل تقدير، الدخول في مواجهات عسكرية مستقبلية مع القوات العراقية دون تعريض القوات الأمريكية لأخطار الأسلحة الفتاحة إذا ما تكرّرت تلك التجربة،
وفي أثناء الرقابة على العراق، تركّز الإدارة الأمريكية عينها الأخرى على إيران في إطار سياسة الاحتواء المزدوج Daul Containment في محاولة جادة لإضعاف الدولتين الخليجيتين القويتين وعزلهما عن المنطقة بل وعن العالم الخارجي في آنٍ واحد (Siakal، 1993-94، ص. 646-649)، وفي تصعيد واضح لزيادة مستوى هذا الاحتواء الثنائي أحبطت واشنطن جميع المحاولات الأوربية، والفرنسية تحديداً، لرفع العقوبات الدولية عن العراق (فيما عدا القرار الأخير الخاص بالنفط مقابل الغذاء والدواء)، كما قامت بإعلان المقاطعة الشاملة لإيران والضغط على حلفائها لإتباع نفس النهج، ومن الواضح جداً أن هدف الولايات المتحدة من تضييق الحصار الاقتصادي على إيران لا يرمي إلى إضعاف هذه الدولة وحسب، بل عدم إتاحة الفرصة لأوربا واليابان والصين لملأ منطقة الفراغ التي تركتها السياسة الأمريكية في هذا الإقليم.
وعلى صعيد آخر، انصبّت السياسة الأمريكية منذ تحرير الكويت عام 1991 على ربط دول مجلس التعاون الخليجي بدوائر سياستها الخارجية وبخاصة فيما يتعلق بالسلام مع إسرائيل ومحاربة المد الإسلامي ودمج هذين الموضوعين في ملف محاربة “الإرهاب” (Drake، 1997)، فعلى صعيد الصراع العربي الإسرائيلي، أرغمت دول الخليج على المساهمة في إنشاء الميزانية المالية الخاصة بإقامة السلطة الفلسطينية المحدودة رغم مواقف حكومات مجلس التعاون الرسمية من منظمة التحرير الفلسطينية بسبب موقفها العدائي من دول الخليج إبّان الاحتلال العراقي لدولة الكويت من جهة وإرغام سلطة ياسر عرفات في تحطيم البنية التحتية للجماعات الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة أخرى، كما نجحت الضغوط الأمريكية في تطبيع جميع دول الخليج، عدا الكويت، لعلاقاتها الدبلوماسية مع الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، رغم كونهما من أشد المؤيدين لصدام حسين في أزمة الخليج الثانية، فور توقيعهما اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وعلى نفس هذا المحور، فقد ألغت جميع دول مجلس التعاون المقاطعات التجارية غير المباشرة مع إسرائيل، في حين دخل بعض أعضاء المجلس الخليجي في حوار مباشر مع تل أبيب وتبادلوا الزيارات الخاصة وشبه الرسمية مع المسؤولين الإسرائيليين، كما أبدت كل من سلطنة عمان وقطر استعدادها للتفاوض مع الدول العبرية بشأن صفقات تجارية كبرى خصوصاً في قطاع النفط والغاز، وأخيراً، أرغمت الدوحة على استضافة المؤتمر الاقتصادي الرابع للسوق الشرق أوسطية في نوفمبر عام 1997 رغم المقاطعة العربية الواسعة لهذا الملتقى وتوقيته وما آلت إليه العلاقات العربية من انقسام وتوتر بسببه.
وفيما يتعلق بمقاومة المد الإسلامي، فقد شهدت دول الخليج تضييقاً رسمياً واضحاً ضد النشطاء الإسلاميين شمل اعتقالات واسعة النطاق ومحاكمات ومضايقات ونفي في كل من سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والبحرين (هاردي، 1994، ص. 29-43)، وفي الكويت، الدولة الخليجية الديمقراطية الوحيدة، بادرت الحكومة إلى ما يمكن وصفه بتقليم أظافر الجماعات الإسلامية خاصة تلك التي تعارض سياسات واشنطن في الشرق الأوسط، واشتملت إجراءات الحكومة في هذا الصدد على عزل ممثلي التيارات الإسلامية من التشكيل الحكومي في عام 1994 وقيامها بمنع عدد كبير من نواب هذه الجماعات الدينية في البرلمان الكويتي من الدخول في لجان مجلس الأمة المهمة مثل اللجنة المالية ولجنة الداخلية والدفاع، حيث يملك الوزراء الذين يشكلون ثلث أعضاء مجلس الأمة حق التصويت في مختلف نشاطات المجلس ومنها اختيار أعضاء اللجان الدائمة فيه، وبإيعاز مباشر من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أقدمت حكومات دول الخليج على منع أو تحجيم مشاريع جمع التبرعات والأنشطة الثقافية والاجتماعية الممولة بواسطتها من قبل اللجان الخيرية الدينية، وأخضعت جميع هذه الأنشطة للرقابة والإدارة المباشرة لوزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارات الشؤون الاجتماعية في هذه الدول.
ثانياً: الهيمنة الفكرية:
تتمثّل الهيمنة الفكرية أو الثقافية، وكما أشرنا آنفاً، في قدرة الدولة الكبرى في أي نظام على تجميع بقية أعضاء النظام حول مفاهيم سياسية موحدة ومحددة بما يخدم مصلحة تلك الدولة الكبيرة، وتسعى الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين إلى حدٍ ما، إلى بسط الهيمنة الثقافية الغربية في منطقة الخليج عبر مسليكن مهمين، يتمثّل المسلك الأول في محاربة أو تطويق أيديولوجية الإسلام السياسي ومحاولة إلصاقها بالأصولية والتطرف والإرهاب ومعاداة الديمقراطية والتخلف، وفي نفس الوقت تحاول أدبيات السياسة الغربية تسفيه فكرة الوحدة العربية في الصف أو في الكلمة (إسماعيل، 1995، ص. 4-26)، ومن المؤكد أن هاتين العقيدتين، العروبة والإسلام، هما أساس تكامل واتحاد دول المنطقة وتشكلان في الوقت نفسه أكبر الأخطار الموجهة للمصالح الغربية، وقد شهدت تجربة المنطقة مثل هذه التهديدات سواءً في عهد المد القومي الناصري أو في عهد المد الديني التعبوي الذي يشهده العالم الإسلامي منذ بداية عقد الثمانينيات.
أما المسلك الآخر لفرض الهيمنة الثقافية الغربية فيتمثّل في ترويج بعض الأفكار ذات المحتوى الحشوي أو أحادي المعنى بما يتناغم مع الرؤية الغربية ـ الأمريكية، وتتجسد أمثلة هذه المفاهيم في أطروحات العالمية والليبرالية والثقافة العلمانية التي بدأت تغزو بالفعل صفوف المجتمعات العربية والإسلامية، وتسعى الهيمنة الثقافية الجديدة إلى تحديد دور المفاهيم العلمانية والمتحررة في إطار السلوك الفردي والمتبنيات الفكرية النظرية دون انتشار هذه الأيديولوجية في نسيج الحياة الاجتماعية والسياسية لهذه المجتمعات، فتوغّل مثل هذه الأفكار على نطاق واسع يتطلب قيام مجتمعات مدنية وأنظمة ديمقراطية قادرة على تنظيمها وترجمتها إلى واقع يومي معاش، وهذا ما لا ترتضيه الدول الغربية في الوقت الحاضر رغم دعمها لمسيرة الديمقراطية في العالم، فالديمقراطية في دول الشرق الأوسط ومجتمعات الخليج تعني مزيداً من التنظيم والنجاح للقوى الإسلامية والقومية المعارضة للتوجهات الرسمية في هذه البلدان، وللخروج من هذا المأزق تحاول الحكومات الغربية تبرير منع الديمقراطية في مجتمعات الشرق الأوسط بحجة أن لهذه المجتمعات “خصوصيات ثقافية” تتطلّب عدم الإضرار باستمرار الأنظمة السياسية فيها في السلطة، ولهذا نجد التأييد المطلق من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات الغربية لإنشاء مجالس شورى صورية فارغة من آليات الاختصاص الرقابي أو التشريعي في معظم دول الخليج (Bahgat، 1997، ص. 18-28)، وفي نفس السياق ومن أجل احتواء المد الديني في المجتمعات الإسلامية، تعمد الدول الغربية وبتنسيق مع الحكومات المحلية إلى خلق خطوط إسلامية أخرى موالية لهذه الحكومات تعمل على تبرير سياساتها وتوجهاتها سيّما تلك الخاصة بفصل الدين عن السياسة، وإبعاد الدين عن مقاومة الانتشار الغربي بكافة صورة في المجتمعات المسلمة.
وقد سعت جميع الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط وغيرها من دول العالم الإسلامي إلى خلق نموذجها الإسلامي الخاص والذي يرتبط في الغالب باسم الحكام الرسميين ويسقط بسقوطهم، ومن الأمثلة العديدة على هذا النوع من الإسلام الرسمي أو الحكومي كما يعبّر عنه جيمس بيل (James Bill، 1984) إسلام ضياء الحق في الباكستان وإسلام أنور السادات في مصر، وإسلام جعفر النميري في السودان، وإسلام الحبيب بورقيبة في تونس، وإسلام صدام حسين في العراق، مروراً بمعظم الحكومات الأخرى في الخليج والشرق الوسط، الأمر الذي حدا بالزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني تسمية جميع هذه النماذج من الإسلام الحكومي “بالإسلام الأمريكي” نسبة إلى العلاقة الوثيقة بين هذه الأنظمة والولايات المتحدة وسعيها من أجل تبرير السياسات الغربية في المنطقة، ومن الطبيعي، إذاً، أن يساهم هذا التحكم الفكري الثقافي في فرض الأرضية المناسبة لتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة في أهم مناطق العالم حيوية، وهي منطقة الخليج، خصوصاً بعد الاستحقاق السياسي والفضل الجميل الذي أسدته واشنطن لهذه الدول في هزيمة ودحر الخطر العراقي عن المنطقة وشعوبها والذي لابد وأن يبرز إعلامياً وسياسياً عند كل ملتقى فكري أو أي حادثة سياسية حتى تترسخ جذور ما يسمى بسياسة رد العرفان Politics of Obligation.
ثالثاً: الهيمنة الأمنية:
تتمثّل الهيمنة الأمنية للقوى الغربية في الخليج في قدرة هذه الدول على تحديد مفهوم الأمن في المنطقة والتحكم في اختيار الترتيبات والسياسات اللازمة لتحقيق هذا الأمن، وهذا ما يعني بدوره أن القوة المهيمنة هي التي تقيّم مستويات الخطر وتتحكم بمصادره وطرق مواجهته، وتقوم كذلك باختيار الوقت المناسب للتدخّل وتحديد موعد وقف العمليات بما يتمشى مع مصالحها وإن تعارضت تلك المصالح مع أولويات دول المنطقة المعنية نفسها، ومثال حرب عاصفة الصحراء خير دليل على مثل هذه الهيمنة الأمنية، ففي حين كانت مجاميع الشعوب الخليجية، بما في ذلك الشعب العراقي، تتطلّع إلى قيام دول التحالف باقتحام العاصمة بغداد وإسقاط نظام صدام حسين، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش وقف العمليات العسكرية، الأمر الذي كان يعني بكل وضوح المحافظة على السلطة البعثية التكريتية في العراق وعودة تهديداتها لعرب الخليج بين حين وآخر، الأمر الذي أكّدته الأزمات المتلاحقة خلال السنوات السبع الماضية وكان النظام العراقي هو الطرف الأساسي في افتعالها، وكذلك الحال بالنسبة لإيران التي طالما هولت واشنطن من خطورة ترسانتها العسكرية والنووية ونواياها الثورية على الرغم من التغيّر النوعي الحادث في إيران بعد انتخاب الرئيس محمد خاتمي وبوادر الانفراج السريع على مختلف الأصعدة بين ضفتي الخليج خلال الأسابيع الأولى من العهد الإيراني الجديد.
وقد لا تتحقّق الهيمنة الأمنية إلاّ من خلال قيام الدولة المهيمنة بربط مصير الدول الضعيفة في النظام الدولي بمصالحها الخاصة، ولا شك بأن مثل هذا الارتباط الوثيق هو الكفيل بإخضاع الدول الصغيرة لشروط الدولة المهيمنة ليس فقط في البعد الأمني بل في جميع الأبعاد السياسية والاقتصادية الأخرى، ولهذا دأبت الولايات المتحدة على ربط كل هذه الأبعاد بشبكة متداخلة يتجسّد كينونها بمقولة الأمن، ذلك الأمن الذي ترتبط وشائجه بالمحصلة النهائية للمنظور الأمريكي تجاه النظام الدولي الجديد (Cordesman، 1997، ص. 1-3) ، ويعكس هذا المنظور بدوره مخرجات السوق السياسي الداخلي في الشارع الأمريكي الذي يهيمن عليه سماسرة الأفكار وجماعات الضغط المتضامنة مع إسرائيل، الأمر الذي يجعل مفهوم الأمن الإقليمي العالمي مرتبط بأمن إسرائيل بشكل أو بآخر.
يتضح من العرض السابق أن دوائر الهيمنة الغربية، والأمريكية تحديداً، قد اكتملت إلى حدٍ كبير بعد أزمة الاحتلال العراقي للكويت، وقد ساهمت التغييرات العالمية في بداية التسعينيات على نجاح هذه المهمة، كما يتضح من نفس العرض بأن المراحل الأولى والأساسية لأشكال الهيمنة المتعددة في منطقة الخليج، وربما على مستوى الشرق الأوسط عموماً، تتطلّب شراكة غربية وأن لم تتمتّع مثل هذه الشراكة بالانسجام التام أو المتكافئ بين أعضائها، ويتبيّن أيضاً التفوق الأمريكي في إطار هذه الشراكة ومحاولة واشنطن تزعّم نظام الهيمنة العالمية وتطبيقاتها الإقليمية في منطقة الخليج الغنية بالنفط، وأخيراً يمكن القول بأن أشكال الهيمنة السياسية والثقافية والأمنية تمثل المثلث الإستراتيجي الذي يحتوي الهيمنة الغربية على النفط في المنطقة، وبما أن النفط يمثّل العنصر الأساسي للطاقة التي تدير عجلة العمال والصناعة العالمية فأن الهيمنة النفطية هي الغاية التي تتطلع الولايات المتحدة وحلفائها إلى تحقيقها خصوصاً في ظل تنامي الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية لهذا المورد في المستقبل كما أشرنا في الجزء الأول من هذه الدراسة.
- السياسة الخارجية الأمريكية ومؤشرات الهيمنة النفطية
يتبيّن من الاستعراض السابق أن الهيمنة النفطية، وخاصة في منطقة الخليج، سوف تشغل حيّزاً كبيراً في سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه هذا الإقليم، وتتطلع السياسة الأمريكية إلى الاستفراد في التحكّم بشؤون الكون حتى بعد انحسار قوتها العالمية أو ظهور قوى منافسة لها من بين حلفائها على الأرجح، ومن أجل استمرار سيطرتها على هؤلاء الحلفاء أو حتى إلحاق الضرر الاقتصادي بهم في حالة الضرورة، عمدت الولايات المتحدة إلى التحكّم بالمخزون النفطي الذي يشكّل العصب الرئيسي لاقتصاديات العالم والدول الصناعية فيه على وجه التحديد، وهذا ما يعني ربط منطقة الخليج استراتيجياً واقتصادياً كمركز إقليمي في شبكة المصالح القومية للولايات المتحدة، ونظراً لأهمية المنطقة القصوى لحلفاء الولايات المتحدة كسوق استهلاكية ضخمة ومخزن كبير لجمع السلاح ومصدر مالي مهم للاستثمارات الخارجية، وأخيراً، ولعل الأهم، فبما أن نفط الخليج يعتبر منبعاً رئيسياً لإمدادات الطاقة، فلن تجازف واشنطن في الدخول في مواجهة مكشوفة وسريعة مع أصدقائها الكبار للاستحواذ أو الاستفراد بالمنطقة، بل تحتاج الولايات المتحدة إلى دعم وتأييد حلفائها سياسياً ومالياً وحتى عسكرياً لتحقيق مصالحها في هذا الإقليم بجميع الوسائل الممكنة، ولهذا فمن المتوقع أن تعتمد واشنطن على إستراتيجية “الشراكة بين الكبار” في المدى القصير لترسيخ مبادئ سياستها الخارجية طويلة الأجل، وفي نفس الوقت العمل على إزاحة التواجد الأوربي والياباني تدريجياً من منطقة الخليج وذلك في إطار لعبة الأدوار المتداخلة Nested Games كما يسميها جورد سيبلس George Tsebelis.
تعتمد نظرية الأدوار المتداخلة على إمكانية إيجاد علاقة واضحة بين علاقات الصراع والتعاون من خلال توضيح مدى اعتماد الأخير على الأول، ويقتضي منطق الأدوار المتداخلة لفهم سلوك طرف ما في منظومة معينة من العلاقات الدولية ضرورة النظر إلى المحيط الذي يتم فيه أداء هذا الدور ككل، وبعبارة أدق، يجب الاهتمام بالتأثير المحتمل للأطراف الموجودة خارج إطار نشاط معين على الأطراف الذين يقومون بممارسة هذا النشاط أو الدور في الداخل (Tsebelis، 1990، ص. 239-240)، وفي حالة تطبيق هذا النموذج النظري على “لعبة الكبار” في منطقة الخليج، يمكن القول بأن الولايات المتحدة سوف تسمح في الوقت الحاضر لحلفائها الغربيين تحقيق بعض المنافع المرتبطة بالنفط إلى أن يتم لها تطويق المنطقة بالكامل على المدى البعيد من خلال منظومة إستراتيجية قد تختلجها بعض التناقضات الظاهرية ولكنها تفرز في النهاية مصفوفة مصلحية موحدة لمبدأ الشراكة بين الكبار بقيادة واشنطن، فالسياسة الأمريكية إزاء منطقة الخليج يجب أن تأخذ بعين الاعتبار موقف الدول الإقليمية الكبيرة مثل إيران والعراق التي لا يمكن احتوائها سياسياً على الأقل دون دعم وتأييد من جانب الحلفاء، كما قد تراهن الإستراتيجية الأمريكية على الانتشار في الجزء العربي من الخليج من خلال مجموعة الحلفاء حتى تتمكن من التفرّد بالهيمنة على هذا الجزء في حالة تحول السياسة الأوربية واليابانية نحو الانفتاح أو التحالف مع إيران والعراق في المستقبل.
وحتى في حالة حدوث مثل هذا الاستقطاب الدولي للمنطقة تكون الولايات المتحدة في موقف أقوى لاستغلال الموارد النفطية لدول مجلس التعاون في حرب الأسعار ومعدلات الإنتاج بسبب الوفرة النفطية والاقتصاديات المالية القوية لهذه الدول بالمقارنة مع إيران والعراق اللتان يجب تطويقهما أمريكياً عبر دول الخليج جنوباً وإسرائيل غرباً وتركيا وآسيا الوسطى من الشمال، فالشراكة الغربية المؤقتة ليست سوى إحدى أقواس الهيمنة التي تسعى الولايات المتحدة تحقيقها إقليمياً وعالمياً، كما أنها أحد البدائل الكثيرة والمتنوعة التي تحاول الولايات المتحدة استغلالها كآلية لتنفيذ سياستها الخارجية في هذا الجزء من العالم، ويشير المستشار الأمريكي السابق للأمن القومي ومخترع نظرية الاحتواء المزدوج الذي عيّن مؤخراً مساعداً لوزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، مارتن أنديك Martin Andyk، إلى ضرورة اعتماد الولايات المتحدة على منظومة إقليمية ودولية واسعة النطاق ومتعددة الأطراف لتأمين مصالحها في المنطقة، ويحذّر أنديك من خطورة الرهان على دولة إقليمية كبرى مثل العراق وإيران لمواجهة الدولة الأخرى للولايات المتحدة خوفاً من سقوط هذه الدول المفاجئ مثلما حدث لشاه إيران، أو تمردها غير المتوقع كما هو الحال بالنسبة للعراق، أو حتى قيام تحالف إستراتيجي بينهما لمواجهة سياسة الاحتواء المزدوج، وبالمقابل، يدعو أنديك إلى الاعتماد على مجموعة من الدول في وقت واحد مثل مصر وتركيا وإسرائيل ودول مجلس التعاون إضافة إلى الأصدقاء في حلف الناتو، وفي مثل هذه الحالة، تؤمن الولايات المتحدة احتواء الخليج من خلال دول الجوار، كما تضمن وجود بدائل متنوعة ومتاحة تحت كافة الظروف والاحتمالات، والأهم من ذلك، فأن التفوق الأمريكي يضمن لها الإشراف المباشر والتحكّم بسهولة في إدارة مثل هذا النظام الإقليمي (Indyk، 1993).
وتلعب السياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة الخليج دوراً مهماً وأساسياً في فرض سيطرتها بالكامل على القطاع النفطي وعوائده المالية كخطوة إستراتيجية في استغلال هذه الثروة بالأساليب الاقتصادية التي يتزايد دورها في إدارة عالم ما بعد الحرب الباردة.
وتقضي الهيمنة النفطية على منطقة الخليج تحقيق هدفين إستراتيجيين للولايات المتحدة على المدى الإستراتيجي، يكمن الهدف الأول في استنزاف قدرة المنطقة وإعاقتها عن القيام بأي دور عالمي بسبب تعاظم الأهمية العالمية للنفط في المستقبل من خلال التحكّم في الإنتاج وتحديد الأسعار، وتتجسّد الأمثلة التطبيقية لهذه الإستراتيجية في إغراق المنطقة بالسلاح وربط تجارتها الخارجية بالمراكز الرأسمالية الغربية والحد من الفوائض المالية الناجمة عن ارتفاع الأسعار حتى لا تستمر دول المنطقة في أنشطة ومشاريع اقتصادية ومالية في الغرب (السعدون، يوليو 1992، ص. 14-18).
ويتمثّل الهدف الآخر من الهيمنة النفطية في استمرار التفوق الاقتصادي للمعسكر الغربي في ظل النظام العالمي الجديد القائم على معايير القوة الاقتصادية، التي تستمد قوتها بدورها من استمرار التدفق النفطي دون اضطراب وبأسعار معتدلة، وقد بدأت مؤشرات هذه الهيمنة تلوح في الأفق بشكل واضح خلال السنوات القليلة التي تلت أزمة الخليج الثانية، ومن الأهمية بمكان تسليط الضوء على البعض منها سيّما في قطاع التسلح والتجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي في المنطقة.
أولاً: مؤشرات العلاقات التسليحية:
من الناحية الأمنية يمكن القول بأن المنطقة أخذت تسير باتجاه السيطرة الأمريكية الواضحة، وعلى الرغم من عدم استكمال الأرقام الرسمية لعقود التسلّح، إلاّ أن التقارير الصادرة عن مؤسسات رصد التجارة العالمية للسلاح تؤكد هذا الاتجاه، فمثلاً، وعلى الرغم من انحسار تجارة السلاح في العالم بعد انهيار النظام العالمي القائم على التنافس الأمريكي ـ السوفيتي، فقد استعادت الولايات المتحدة مركز الصدارة في حجم صادرات العالم من السلاح، وبلغت الصادرات الأمريكية ما نسبته (50%) من مجمل صادرات العالم من المعدات الحربية طوال سنوات ما بعد الحرب الباردة، ويقدّر إجمالي مبيعات الأسلحة الأمريكية للعالم خلال الأعوام من 1992 إلى 1996 حوالي (61.7) مليار دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مبيعاتها للفترة من 1988 إلى 1992 والتي بلغت (20) مليار دولار (أنظر الجدولين 6، 7)، ويفوق هذا الرقم مجموع مبيعات رواد تجارة السلاح في العالم بما في ذلك روسيا الاتحادية وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والصين خلال النصف الأول من هذا العقد، ومن جهتها تعتبر منطقة الخليج أكبر سوق عالمية للسلاح منذ بداية التسعينيات وحتى الآن، حيث بلغت الموازنات العسكرية لدول مجلس التعاون وحدها ما قيمته (24.4) مليار دولار في عام 1994 فقط، في حين بلغ مجموع ما أنفقته هذه الدول على الشؤون العسكرية خلال السنوات من 1990-1994 أكثر من (181) مليار دولار (أنظر الجدول 8)، وهذا بالطبع رقم خيالي من شأنه أن يستنزف القدرات المالية لهذه الدول الغنية والضئيلة من ناحية الكثافة السكانية، وقد بدأت انعكاسات هذا الإنفاق الضخم على العسكرة تلوح بشكل سافر حيث بلغت عجوزات الموازنة الحقيقية لدول مجلس التعاون مشتركة (40) مليار دولار في سنة 1994 وحدها (الأنباء، 6/4/1995)، وتمثل هذه الظاهرة مشكلة عامة لجميع دول المجلس تقريباً.
ففي عام 1995 وصل عجز الموازنة في دولة البحرين إلى (122) مليون دينار بحريني (325 مليون دولار) مسجلاً زيادة واضحة عن العجز المقدّر عام 1993 والبالغ (72) مليون دينار (192 مليون دولار)، وفي دولة قطر بلغ عجز الموازنة للسنة المالية 94/1995 حوالي (3.5) مليار ريال قطري (960 مليون دولار) أي بزيادة وقدرها (28%) عن عجز السنة السابقة (صبحي، 1995، ص. 334)، وتعتبر البحرين وقطر من أصغر دول الخليج التي يربو عدد سكان كل منها نحو نصف مليون نسمة، وفي سلطنة عمان قدّرت إيرادات الدولة لعام 1995 بحوالي (1847) مليون ريال عماني في مقابل مجموع ما تمَّ إنفاقه (2195) مليون ريال وهو مجموع ما تم صرفه في نفس السنة، أي بعجز وقدره (348) مليون ريال عماني (الدولار= 0.38 ريال عماني).
أما دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشهد نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً مقارنة بدول المجلس الأخرى فقد عانت بدورها عجزاً كبيراً في موازنة عام 1994 بلغ (1.4) مليار درهم (الدولار= 3.67 درهم) (صبحي، 1995، ص. 334)، وتعتبر الكويت والمملكة العربية السعودية من أكثر الدول الخليجية معاناة في هذا الخصوص، ففي الكويت سجل العجز في موازنة الدولة رقماً قياسياً في السنة المالية 94/1995 بلغ (6.2) مليار دولار بزيادة وقدرها (2.1) مليار دولار عن عجز السنة السابقة 93/1994 (صبحي، 1995، ص. 336)، أما عجز الموازنة في المملكة العربية السعودية فهو الأكبر على الإطلاق، فعلى الرغم من انخفاض نسبة العجز إلى النصف تقريباً في عام 1995، إلاّ أن قيمة العجز (5 مليار دولار) لا تزال تشكّل هاجساً مهماً للمملكة، وكان عجز الموازنة لعام 1994 أكثر من (10) مليار دولار (صبحي، 1995، ص. 331).
وكان من تداعيات هذه العجوزات المالية توصية صندوق النقد الدولي لدول الخليج بضرورة تخفيض المصروفات الحكومية تحت مسمى “ترشيد الإنفاق” (الطليعة، 13/10/1993)، كما أجبرت هذه الدول على اتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية لتعويض النقص في الموازنة من خلال تقليص الإنفاق في بعض القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم، وفرض رسوم إضافية وأخرى جديدة على الخدمات العامة كالكهرباء والوقود واستخراج الوثائق الرسمية (الوطن، 9/1/1995)، والأكثر من ذلك، فقد فقدت هذه الدول الجزء الكبر من استثماراتها الخارجية التي كانت تقدر بحوالي (400) مليار دولار وأصبحت دولاً مدينة للبنوك الأجنبية (السيد سعيد، 1991، ص. 23).
وفي المقابل، حرصت دول مجلس التعاون على عدم المساس بمصروفاتها العسكرية أو حتى ترشيدها تبعاً لظروفها الاقتصادية، الأمر الذي يؤكد خضوع برامج التسلح والإنفاق الحربي لمعايير سياسية صرفة ناشئة عن ضغوطات خارجية سيّما من قبل الولايات المتحدة، ففي سلطنة عمان مثلاً، كما يشير مجدي صبحي (1995)، أحتل الإنفاق العسكري المرتبة الأولى في موازنة الدولة العام 1992 عند نسبة (34.7%)، وزادت هذه النسبة لتصل إلى حد (41%) (885 مليون ريال عماني) في عام 1995 (ص. 335)، وشهدت المملكة العربية السعودية زيادة كبيرة في نفقاتها العسكرية بلغت في عام 1995 فقط (49.5) مليار ريال سعودي (13.2 مليار دولار) وبنسبة (33%) من إجمالي الإنفاق الحكومي لتلك السنة، وكان مجموع ما صرفته المملكة على الشؤون العسكرية في السنة السابقة (53.5) مليار ريال سعودي (صبحي، 1995، ص. 331-332)، وفي دولة الكويت رصدت الحكومة ميزانية إضافية خاصة لتعزيز القوات المسلحة بلغت (3.3) مليار دينار (10 مليار دولار)، ولا شك بأن الدول الغربية هي المستفيدة الأكبر من تجارة السلاح التي لاقت رواجاً واستمراراً بعد انهيار الحرب الباردة بسبب أحداث الخليج، وظهور المؤشرات على إفلاس شركات التصنيع الحربي في هذه الدول وتحوّل موظفيها إلى عاطلين عن العمل، فتبعاً لإحصائيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي SIPRI، شهدت السوق العالمية للسلاح تراجعاً واضحاً في مبيعاتها لدول العالم الثالث منذ عام 1988 وحتى منتصف هذا العقد (أنظر الجدول 6)، ففي عام 1988 بلغت مشتريات دول العالم الثالث من السلاح نحو (24) مليار دولار، ثم بدأ هذا المؤشر في الانخفاض المستمر حتى وصل إلى (9) مليارات دولار في عام 1992، وكما يبيّن الجدول (6) فأن دول أوربا الغربية مجتمعة هي الخاسر الأول في السوق الدولية للسلاح حيث تراجعت مبيعاتها من (4) مليارات دولار عام 1988 إلى (1.4) مليار دولار عام 1992، وتعاني الولايات المتحدة من نفس المشكلة حيث انخفضت مبيعاتها الحربية من (4.5) مليار دولار إلى (3.1) مليار دولار بين عامي 1988 و1992 على التوالي.
وقد أدّت هذه التطورات السلبية للسوق الاستهلاكية من السلاح في العالم الثالث إلى زيادة دائرة المنافسة الغربية على منطقة الخليج في عهد ما بعد الحرب الباردة، ويعتبر قطاع التسلح من أقوى وأبرز المؤشرات على وجود تحوّل واضح في منحنيات التبعية الخليجية ليس فقط نحو المعسكر الغربي بل باتجاه الدائرة الأمريكية تحديداً، فقد شهدت جميع دول مجلس التعاون، باستثناء قطر، تحولاً مهماً في درجة الاعتماد على الولايات المتحدة في مجال التسلح، ففي دولة البحرين قفزت واردات السلاح الأمريكي من (2) مليون دولار خلال عقد السبعينيات إلى (895) مليون دولار في النصف الأول من هذا العقد، وخلال نفس الفترة تضاعفت واردات السلاح الأمريكية لدولة الكويت ثلاثة مرات من (798) مليون دولار في عقد السبعينيات إلى (2398) مليون دولار في الفترة من عام 1990 إلى عام 1995، كما شهدت الصادرات الأمريكية لدولة الإمارات العربية المتحدة زيادة كبيرة وبنسبة (400%) بين الفترتين المذكورتين وبقيمة إجمالية من (75) إلى (296) مليون دولار على التوالي، وتضاعفت قيمة المعدات الأمريكية لكل من سلطنة عمان (من 33 إلى 59 مليون دولار) والمملكة العربية السعودية (من 3233 إلى 6084 مليون دولار) خلال الفترتين السابقتين (أنظر جدول 9).
كما يلاحظ من الجدول (9) أن مجموع مبيعات الولايات المتحدة لدول المنطقة قد تضاعف من (4141) مليون دولار خلال الفترة ما بين عامي 1970 و1979 إلى (9732) مليون دولار خلال السنوات الخمسة الأولى من العقد الحالي، ومن المحتمل أن يتضاعف هذا الرقم مع نهاية هذا القرن، وبالإضافة إلى الزيادة الملحوظة في حجم المبيعات التسليحية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون فإن ثمة مؤشرات واضحة توحي بتنامي التبعية الخليجية للسوق الأمريكية، الأمر الذي يعني المزيد من النفوذ الأمريكي في سياسات المنطقة واستراتيجياتها الأمنية، فقد بلغت قيمة التدفقات التسليحية لكل من الولايات المتحدة وأوربا الغربية على دول مجلس التعاون الخليجي نحو (15) مليار دولار خلال الفترة من عام 1990 حتى عام 1995، وتقدّر بعض المصادر المتخصصة أن يصل حجم الاستهلاك التسليحي إلى حوالي (90) مليار دولار حتى عام 2000، ناهيك عن التكاليف الباهظة للمناورات الميدانية وأجور الصيانة والتدريب، وإذا كانت دول أوربا الغربية تشاطر الولايات المتحدة حتى عهد قريب في مجال التسلح الخليجي فأن معالم الهيمنة الأمريكية على هذا الإقليم بدأت تطفو نحو السطح بكل وضوح، ويعد هذا التوجه الجديد تحولاً سياسياً وإستراتيجياً خطيراً في المنطقة، فدول الخليج العربية كانت تحذّر دائماً من آثار الانفتاح العسكري على الولايات المتحدة حتى على صعيد مشتريات السلاح من واشنطن (Johar، 1989، ص. 294-295).
ولكن وفي أعقاب الغزو العراقي لدولة الكويت وحرب الخليج أصبح الانفتاح الأمريكي على المنطقة ومعالم التحالف العسكري سمة بارزة في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون، وتؤكد منحيات العلاقة التسليحية بين الجانبين هذه الحقيقة، فمن خلال تحليل البيانات الخاصة بالجدول (9)، يمكن ملاحظة التحوّل الجذري في درجة الاعتماد الخليجي على السلاح الأمريكي في العقد الحالي مقارنة مع عقدي السبعينيات والثمانينيات، فعلى سبيل المثال أصبحت البحرين وهي أصغر دول الخليج على الإطلاق معتمدة تماماً على السلاح الأمريكي منذ عام 1990، حيث بلغت نسبة وارداتها من السوق الأمريكية (98.6%) مقارنة مع (7.4%) في حقبة السبعينيات و (30.7%) في حقبة الثمانينيات، وشهدت دولة الكويت تحولاً مشابهاً ومثيراً نحو السوق الأمريكية في أعقاب تحريرها من الاحتلال العراقي، فبينما كانت هذه الدولة تستورد أكثر من نصف مخزونها الحربي من أوربا الغربية منذ عام 1970 وحتى عام 1989، أصبح السلاح الأمريكي يشكّل (65.8%) من مجموع مشترياتها الحربية خلال النصف الأول من هذا العقد، وتجدر الإشارة إلى أن نسبة السلاح الأمريكي في الترسانة الكويتية لم تتجاوز نسبة (19%) طوال فترة التأزّم السياسي والعسكري في الخليج (1980-1989)، وفي حين حافظت المملكة العربية السعودية على مستوى اعتمادها الكبير على السلاح الأمريكي منذ بداية السبعينيات، إلا أن نسبة وارداتها من السوق الأمريكية شهدت زيادة ملحوظة من (53%) خلال الفترة من 1980-1989 إلى (65%) في النصف الأول من عقد التسعينيات، ويعكس الاعتماد الكبير للثالوث البحريني ـ الكويت ـ السعودي على السلاح الأمريكي مدى التقارب السياسي والأمني لهذا التكتل داخل المنظومة الخليجية وانحسار علاقاتها الإستراتيجية التقليدية عن أوربا بشكل ملفت للنظر لم يسبق له مثيل.
وتعتبر سلطنة عمان من أكثر الدول الخليجية حيادية وتحرراً وأقربها من المعسكر الأوربي، وعلى الرغم من عدم تركيز السلطنة على السلاح الأمريكي منذ استقلالها إلا أن حصة الواردات الحربية من الولايات المتحدة قد وصلت إلى نسبة (15%) في التسعينيات مقارنة مع ما نسبته (3.4%) في حقبة السبعينيات، ومن الملاحظ أن زيادة حصة السلاح الأمريكي في الجيش العماني كان مصاحباً لانخفاض الاعتماد على السوق الأوربية الغربية من أكثر من (80%) في عقدي السبعينيات والثمانينيات إلى (66%) خلال هذا العقد، ولعل دولة الإمارات العربية المتحدة هي العضو الوحيد في مجلس التعاون الذي سجل اعتماده التسليحي على الولايات المتحدة انخفاضاً ملحوظاً في عقد التسعينيات بلغ (11%) من مجموع وارداتها الحربية مقارنة مع (21%) خلال عقد الثمانينيات، ولكن تظل هذه النسبة عالية إذا ما قورنت بالحجم المتواضع لمبيعات السلاح الأمريكي لدولة الإمارات العربية خلال فترة السبعينيات، كما أنه من المرجح أن ترتفع حصة المبيعات الأمريكية لهذه الدولة خلال النصف الثاني من هذا العقد أسوة ببقية دول الخليج.
ومن جانب آخر، تؤكد بيانات الجدول (9) وجود توجه عام في منحنيات التجارة العسكرية لدول الخليج مع الولايات المتحدة الزيادة المفرطة في قيم الصادرات الأمريكية من السلاح لدول مجلس التعاون مشتركة من (4141) مليون دولار للفترة الممتدة من 1970-1979 إلى (11972) مليون دولار في الفترة من 1980-1989 وأخيراً إلى (9732) مليون دولار خلال النصف الأول فقط من هذا العقد، كما زادت نسبة اعتماد دول مجلس التعاون مجتمعة على السلاح الأمريكي من (45.8%) و (42.3%) خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات على التوالي إلى (56.7%) خلال العقد الحالي، وللتأكّد من مصداقية هذا التوجه الفعلي وبعيداً عن تأثير الأرقام العالية لبيانات المملكة العربية السعودية فقد تمَّ حساب متوسط نسب اعتماد دول الخليج الستة على السلاح الأمريكي، ويبيّن التحليل الإحصائي في هذه الحالة تضاعف متوسط نسبة الاعتماد الخليجي على السوق الأمريكية خلال النصف الأول من عقد التسعينيات (42.6%) بالمقارنة مع ما نسبته (21.5%) و (23.1%) في حقبتي السبعينيات والثمانينيات على التوالي.
أن أي تقارب أمريكي ـ خليجي في قطاع التسلح وما قد يتبع ذلك من إسقاطات سياسية وتبعات إقليمية ودولية لا شك أنه سوف يكون على حساب المصالح السياسية والاقتصادية ليس فقط للخصوم التقليديين لهذين الطرفين بل حتى أصدقائهما، وبالتحديد دول أوربا الغربية، وهذا الرأي تعكسه مؤشرات التدفق التسليحي على المنطقة قبل وبعد أحداث الغزو العراقي للكويت، ويبيّن الجدول (9) أيضاً وبوضوح تراجع حصة السوق الأوربية بقيادة أكبر مصدري السلاح في هذه القارة (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وإيطاليا) في منظومة مجلس التعاون، فقد انعدمت تقريباً نسبة السلاح الأوربي من مجمل مشتريات دولة البحرين من (92.6%) في الفترة من 1970-1979 إلى (0.5%) خلال السنوات الأولى من هذا العقد، وتراجعت حصة الدول الأوربية مجتمعة في الترسانة الحربية الكويتية من (53.6%) و (61.4%) في السبعينيات والثمانينيات على التوالي إلى (9.4%) في الوقت الحاضر، وسجلت حصيلة السلاح الأوربي لكل من دولة الإمارات العربية وسلطنة عمان أدنى مستوى لها (62% و66% على التوالي) خلال العقد الحالي، وأخيراً، أنخفض اعتماد المملكة العربية السعودية وقطر على السلاح الأوربي في التسعينيات بمعدل (10%) و(25%) على التوالي عن العقدين الماضيين.
كما يعكس التوجه العام لدول مجلس التعاون تقهقر الاعتماد الخليجي على أوربا الغربية في القطاع التسليحي، فقد بلغ مجموع واردات دول المنطقة من السلاح الأوربي ما نسبته (50%) من مجمل الواردات، خلال الفترة من عام 1970 حتى 1979، وحافظت هذه النسبة على معدلها بقيمة (48%) خلال عقد الثمانينيات، إلاّ أنها تراجعت بقوة عند نسبة (30%) خلال العقد الحالي، وتتأكد هذه النتيجة عند تحليل متوسط نسب اعتماد كل دولة خليجية على حدة، فقد أنحسر متوسط نسب اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على السلاح الأوربي من (74%) و(70%) في عقد السبعينيات والثمانينيات على التوالي إلى (40%) خلال النصف الأول من عقدنا الحالي، ومن الطبيعي أن يقابل هذا الانحسار الأوربي زيادة في الميزان الأمريكي، فبمقارنة سريعة نجد أن المتوسط السنوي لحجم الصادرات الأوربية لجميع دول مجلس التعاون كان يفوق قيمة مبيعات الولايات المتحدة لنفس الدول خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، ففي الفترة من عام 1970 وحتى عام 1979 كان متوسط مشتريات الخليج من السلاح الأوربي والأمريكي يعادل (454) و(414) مليون دولار سنوياً على التوالي، وفي حقبة الثمانينيات بلغ المتوسط السنوي لمبيعات أوربا الغربية من السلاح لدول الخليج حوالي (1.4) مليار دولار مقابل (1.2) مليار دولار للولايات المتحدة، ولكن المعادلة تغيّرت كلية في عقد التسعينيات حيث أخذت الصادرات الأمريكية لدول الخليج العربية (1.6 مليار دولار) تسجل متوسطاً سنوياً مضاعفاً لمثيلاتها الأوربية الغربية (850 مليون دولار).
ثانياً: مؤشرات العلاقات التجارية والاستثمارية:
وفي قطاع التجارة البينية والاستثمارات الخارجية، تشير معدلات الصادرات والواردات بين دول الخليج ودول المعسكر الغربي إلى تنامي التبعية الاقتصادية للغرب أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل هذه التبعية، يشهد هذا القطاع تنافساً دولياً بين دول المعسكر الغربي نفسه، الأمر الذي يترجم بوضوح محاولات الولايات المتحدة للاستفراد بالمنطقة على حساب حلفائها، والجداول (10، 11، 12) تبيّن معدلات التجارة الدولية في الصادرات والواردات بين دول الخليج والدول الصناعية الغربية، فقد زادت نسبة التجارة المتبادلة بين الجانبين من مجموع تجارة الخليج من العالم، كما بدأت حصة الولايات المتحدة ترتفع على حساب حلفائها في حجم التجارة الخارجية لدول الخليج وخصوصاً الدول الأكثر غنىً في المنطقة كالمملكة العربية السعودية والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبدأت الحكومة الأمريكية وبشكل سافر الضغط على دول المنطقة للحصول على المشاريع الاقتصادية فيها، ومنذ حرب الخليج، استطاعت الولايات المتحدة أن تستفرد بأكبر المشاريع الاقتصادية والاستثمارية في المنطقة إلى حدٍ لم تخف خصومها في أوربا واليابان تذمرها من هذا التدخل السياسي (الوطن، 28/2/1995)، ووصلت حصة الولايات المتحدة إلى (43%) من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في العربية السعودية، الأمر الذي يوفر (250) ألف وظيفة في الاقتصاد الأمريكي المحلي كما عبّر وزير التجارة السعودي (الوطن، 30/10/1995)، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، كسبت شركة شيفرون الأمريكية أكبر مشروع في القطاع الخاص لإنتاج المشتقات البتروكيماوية بمبلغ (550) مليون دولار، كما حصلت الشركة نفسها على نحو (660) مشروعاً استثمارياً آخر في مختلف الأنشطة والقطاعات الإنتاجية (الوطن، 30/10/1995)، وبلغ عدد الشركات الأمريكية في دولة الإمارات العربية المتحدة حوالي (300) شركة حتى عام 1994، تعمل معظمها في قطاع الاستثمار والتصنيع (الوطن، 28/2/1995)، وفي الكويت، حصلت الشركات الأمريكية على حصة الأسد من عقود أعمار البنية الأساسية للدولة بعد الاحتلال والتي تقدّر تكاليفها بنحو (100) مليار دولار.
ومن أجل فرض المزيد من السيطرة على القطاعات الاقتصادية من خلال الاستثمار الأجنبي، تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً كبيرة على دول المنطقة لإلغاء سياساتها الحمائية مثل لزوم الشريك المحلي أو الوكيل المحلي لأي مشروع أجنبي، وحجز نسبة معينة من تكلفة المشاريع لضمان التنفيذ، كما تدفع هذه الحكومات دول المنطقة باتجاه سياسة الخصخصة، رغم عدم كونها البديل الأمثل للنهوض باقتصاديات دول الخليج المعتمدة على مورد واحد في ظل وجود اقتصاديات قومية مركزية، وذلك لتزايد فرص الشركات الغربية للاستحواذ على هذه المشاريع التي يتم تحويلها إلى القطاع الخاص (Bahgat، 1993، ص. 435-438)، وفي هذا الإطار فإن الحديث عن الحوار الأمريكي ـ الخليجي لا يكاد يخرج عن كونه آلية تصبو في نهاية المطاف إلى تقنين الاستثمار الأمريكي في منطقة الخليج تحت مسميات عدة من قبيل نقل التكنولوجيا ونظام الأوفست وغير ذلك من الإجراءات العملية الممهدة لتكريس التبعية السياسية ومن ثم الهيمنة الإستراتيجية على الإقليم برمته.
وترتيباً على ما سبق فإن أخطر صور الهيمنة النفطية على منطقة الخليج تتمثّل في المحاولات الجارية، من قبل الشركات الأمريكية خصوصاً، في الدخول في مشاركات نفطية الأمر الذي يعني المشاركة المستقبلية في تملّك جزء من هذه الثروة وهي في باطن الأرض الخليجية (الوطن، 14/3/1993)، وتعتمد هذه المشاريع بالدرجة الأولى على مشاركة هذه الشركات في التنقيب عن آبار جديدة والعمل على زيادة القدرة الإنتاجية من النفط الخام، فقد رصدت بعض الإحصائيات الأمريكية حجم استثمارات بلادها المتوقعة في برامج النفط الخليجي بمبلغ وقدرة (8) مليارات دولار إضافة إلى (2) مليار دولار ما بين معدات ومنشآت وقواعد وسكنات لموظفين أمريكيين في مجال صناعة البتروكيماويات، وسوف تكون هذه الاستثمارات في مقابل تزويد الولايات المتحدة بنحو (7) ملايين برميل من النفط يومياً، أي أن هذه الاستثمارات ليست مقابل نقل تكنولوجيا متقدمة أو إنشاء مصانع لتطوير المواد النفطية في المنطقة ولكنها فقط للمساهمة في نقل وارداتها النفطية وضمان إمداداتها من الخليج (الوطن، 12/8/1993)، وهذا ما يوحي بوجود نظرة إستراتيجية أمريكية بإدارة القطاع النفطي عالمياً وقدرتها على استخدام هذا المورد كسلاح ضد خصومها المحتملين حتى من بين حلفائها الحاليين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أقوى مؤشرات التقارب بين دول الخليج والولايات المتحدة في أعقاب حرب الخليج الثانية تكمن في معدلات التجارة البينية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار بيانات الجداول (10، 11، 12) نجد أن هذا التقارب لا ينعكس فقط على المستوى الإقليمي بل أيضاً على مستوى العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وكل دولة خليجية على حدة.
فقد بلغ متوسط صادرات دولة الكويت إلى الولايات المتحدة خلال حقبة الثمانينيات (433) مليون دولار في السنة وتضاعف هذا المعدل إلى حوالي (900) مليون دولار في النصف الأول من عقد التسعينيات، ومما يؤكد وجود تقارب حقيقي قد يلغي أسباب الزيادة الطبيعية أو ارتباط هذه الزيادة بتقلبات أسعار النفط تقدّم مركز الولايات المتحدة كشريك تجاري مع دول الكويت، فبينما كانت صادرات الكويت للولايات المتحدة تمثّل (9%) من مجموع صادراتها للعالم الصناعي وحوالي (4.5%) من مجموع صادراتها للعالم في الثمانينيات، ارتفعت هذه النسب إلى نحو (22%) و (12%) على التوالي، بل ووصلت هذه النسبة إلى أرقام قياسية خلال هذا العقد مثل (35%) من مجموع صادرات هذا البلد في عام 1993 و(29%) في عام 1994 (أنظر الجدول 10).
وبالمثل، فقد شهدت الواردات الكويتية من السوق الأمريكية بدورها تطوراً ملحوظاً في أعقاب تحرير البلاد من الاحتلال حيث تضاعفت مشتريات الكويت من البضائع الأمريكية في التسعينيات مقارنة بعقد الثمانينات من (675) مليون دولار سنوياً في المتوسط إلى (1231) مليون دولار منذ بداية التسعينيات، كما تقدمت الولايات المتحدة على جميع الدول في كونها الشريك التجاري الأول للكويت وبنسبة (28.5%) من مجمل وارداتها من العالم الصناعي في التسعينيات ومحافظتها على المركز الأول أيضاً كشريك تجاري على مستوى العالم بنسبة (22%) (أنظر الجدول 11).
وفي مجمل التجارة البينية أصبحت الولايات المتحدة الشريك الأول للكويت في عقد التسعينيات، حيث بلغ متوسط حصتها من مجموع التجارة الكويتية مع العالم الصناعي (29%) أي بمعدل ضعفين ونصف عن حصتها في العقد السابق (12%)، واحتلّت الولايات المتحدة بذلك الترتيب الأول كشريك تجاري لدولة الكويت بعد تحرير البلاد بعدما كانت في المركز الثالث بعد اليابان وبريطانيا في حقبة الثمانينيات، وعلى الرغم من الزيادة الملحوظة في ميزان التجارة الكويتية مع العالم الصناعي خلال النصف الأول من هذا العقد، (69% من مجمل تجارتها مع العالم مقارنة مع 56% في الثمانينيات)، فقد سجّل معظم هذه الزيادة لصالح الولايات المتحدة بينما انخفضت حصص الدول الغربية الأخرى خصوصاً اليابان من (31%) إلى (24%)، وإيطاليا من (12%) إلى (4%) مع زيادة طفيفة لصالح فرنسا من (5%) إلى (7%)، وبريطانيا من (6%) إلى (9%)، وتكشف هذه الأرقام حقيقة أساسية تفيد بأن انعكاسات المشاركة الدولية في تحرير الكويت أخذت طريقها إلى الواقع على شكل حقائق غير قابلة للتغيير (أنظر الجدول 12).
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية فقد بلغ متوسط صادرات أكبر دول الخليج إلى الولايات المتحدة سنوياً نحو (4856) مليون دولار في المتوسط خلال عقد الثمانينيات، وتضاعفت هذه الصادرات تقريباً في النصف الأول من التسعينيات لتبلغ في المتوسط (9147) مليون دولار في السنة الواحدة، كما أن حصة الولايات المتحدة من الصادرات الأمريكية كنسبة من إجمالي الصادرات السعودية إلى العالم الصناعي قد ارتفعت بدورها من (25%) تقريباً في الثمانينيات إلى (32%) في التسعينيات، وبالمثل، زادت حصة الولايات المتحدة من إجمالي الصادرات السعودية إلى العالم بشكل طفيف من (16%) إلى (19%) خلال الحقبتين المشار إليهما، الأمر الذي يعكس مدى تأثير هذا التقارب التجاري على حساب حلفاء واشنطن في العالم الصناعي، فقد انخفضت نسبة الصادرات السعودية لليابان من حوالي (37%) من إجمالي التجارة مع العالم الصناعي في الثمانينيات إلى (27%) في التسعينيات، ومن (23%) من مجموع صادرات السعودية للعالم إلى (16%)، وفي نفس السياق تقهقرت الصادرات السعودية لكل من فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا بدرجات متفاوتة (أنظر الجدول 10).
وفي المقابل، زادت الصادرات الأمريكية إلى السعودية في المتوسط من (4427) مليون دولار سنوياً خلال الثمانينيات إلى (6038) مليون دولار في التسعينيات، وبينما تراجعت نسب واردات كل من اليابان ودول أوربا الغربية إلى السعودية فإن حصة الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للسعودية قد ارتفعت سواءً على مستوى العالم من (17%) إلى (21%)، أو على مستوى العالم الصناعي من (22%) إلى (28%) في الحقبتين الزمنيتين المشار إليهما على التوالي (أنظر الجدول 11).
أما عن مجمل التجارة البينية بين المملكة ودول العالم الصناعي فقد انخفضت معدّلات هذا النشاط أو أنها بقيت ثابتة عند حدود ضئيلة بين السعودية وجميع دول أوربا الغربية واليابان وذلك على الرغم من انتعاش التجارة الخارجية للسعودية من (9283) مليون دولار سنوياً في الثمانينات إلى (15185) مليون دولار منذ بداية العقد الحالي، إلاّ أن المستفيد الأكبر من هذا الانتعاش كان الولايات المتحدة التي أصبحت الشريك التجاري الأول للمملكة حالياً، إذ بلغ متوسط حصتها من التجارة السعودية مع العالم الصناعي (30%) في التسعينيات مقارنة مع (23%) لليابان، (7%) لفرنسا، (5%) لألمانيا، (8%) لبريطانيا، و(7%) لإيطاليا، ومما يعزّز القول بأن الولايات المتحدة هي أكثر الدول الغربية المستفيدة من إجمالي التجارة البينية مع المملكة انخفاض متوسط حصة التجارة السعودية مع العالم الصناعي من (70%) في الثمانينيات إلى (66%) في التسعينيات (أنظر الجدول 12).
وبالنسبة لسلطنة عمان، فقد بلغ متوسط صادرات هذه الدولة إلى الولايات المتحدة إبّان حقبة الثمانينيات حوالي (202) مليون دولار سنوياً مقابل (258) مليون دولار في التسعينيات أي ما نسبته (14%) من مجموع متوسط صادرات السلطنة للدول الصناعية، وقد تراجعت هذه النسبة في التسعينيات إلى (12%)، ولكن عمان حافظت على صادراتها إلى العالم الصناعي في كلتا الحقبتين عند مستوى (43%) و(44%) على التوالي، كما إنها تكاد تكون الدولة الخليجية الوحيدة التي شهدت تطوراً تجارياً مهماً مع اليابان التي لم تحافظ على موقعها كأول دولة مستوردة من السلطنة في الثمانينيات وبنسبة (34%) من مجموع صادراتها إلى العالم الصناعي، بل زادت هذه النسبة إلى (79%) في التسعينيات، ولكن هذه الزيادة لم تكن على حساب الولايات المتحدة بل على دول أوربا الغربية وخاصة بريطانيا والتي تراجعت حصتها من الصادرات العمانية من (13%) في الثمانينيات إلى (5.5%) في التسعينيات، وكذلك الحال بالنسبة إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا التي تراجعت حصصها مجتمعة إلى (1%) فقد بعدما كانت (15%) في الثمانينيات (أنظر الجدول 10).
وفي الوقت الراهن، أصبحت الولايات المتحدة الشريك التجاري الثاني لسلطنة عمان، ومن المتوقع أن ترتقي إلى المرتبة الأولى إذا ما سارت الأمور على نفس هذا المنوال المبرمج، ولا تختلف حركة الواردات العمانية من البضائع الأجنبية عن مؤشرات صادرات الدولة للخارج حيث أن صادرات الولايات المتحدة إلى السلطنة قد ارتفعت في المتوسط إلى (269) مليون دولار سنوياً أي بزيادة وقدرها (68) مليون دولار في السنة الواحدة عن الحقبة السابقة، بينما بقيت نسبتها من مجموع الصادرات الصناعية إلى عمان ثابتة خلال العقدين المذكورين عند معدل (12%)، في حين حافظت اليابان على مركزها كشريك أول للسلطنة وبزيادة ملحوظة لحصتها التي بلغت (24%)، ورغم تنامي متوسطات الصادرات الأوربية إلى عمان في التسعينيات ألاّ أن حصص معظم هذه الدول الصناعية كنسب مئوية قد تراجعت (أنظر الجدول 11).
وعلى صعيد إجمالي التبادل التجاري في النصف الأول من هذا العقد، حقّقت الولايات المتحدة المرتبة الثانية كشريك تجاري مع سلطنة عمان على حساب دول أوروبا الغربية وذلك لاستحواذها على (12%) من مجموع التجارة البينية بين عمان والعالم الصناعي، وتأتي اليابان في المركز الأول (56%) مع تراجع ملحوظ لحصص دول أوروبا الغربية الكبرى في هذا الميزان (أنظر الجدول 12).
ولا تخرج عن نفس السياق دولة الإمارات العربية المتحدة التي بقيت قيم صادراتها للمعسكر الصناعي ثابتة في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات عند مستوى (52%) من مجمل صادراتها للعالم (أنظر الجدول 10)، بينما تراجعت وارداتها بشكل طفيف من (67%) في الثمانينات إلى (59%) في التسعينيات (أنظر الجدول 11)، ولكن التجارة البينية مع الولايات المتحدة تحديداً تضاعفت كسوق استهلاكية للبضاعة الأمريكية من (823) مليون دولار سنوياً في الثمانينيات إلى (1610) مليون دولار في المتوسط خلال عقد التسعينيات، وبقيت حصة الولايات المتحدة في التجارة البينية مع دولة الإمارات العربية المتحدة عند مستوى (10%) من مجموع التجارة مع العالم الصناعي وبفارق كبير عن جميع دول أوروبا الغربية (2%)، وأصبحت بذلك الشريك الثاني بعد اليابان التي حافظت على موقعها المتميز المحتكر لأكثر من نصف حجم التجارة البينية لدولة الإمارات مع العالم الصناعي منذ بداية الثمانينيات (أنظر الجدول 12).
كما شهدت التجارة الأمريكية ـ القطرية تحسناً ملحوظاً في مجال الصادرات والواردات معاً، فقد تضاعف حجم الصادرات القطرية ثلاث مرات تقريباً من (25) مليون دولار إلى (61) مليون دولار في الثمانينيات والتسعينيات على التوالي، وأصبحت الولايات المتحدة الشريك الثاني لها بعد اليابان التي حافظت على موقعها المتميّز (أنظر الجدول 10)، أما في مجال الواردات فظلت الولايات المتحدة في المركز الثالث (15%) وبفارق بسيط عن بريطانيا (16%) ولكن على حساب اليابان التي حافظت على المركز الأول رغم تراجع حصتها من مجمل صادرات العالم الصناعي إلى دولة قطر من (25%) في الثمانينيات إلى (19%) في العقد الحالي (أنظر الجدول 11).
وفي مجمل التجارة البينية ارتقت الولايات المتحدة كشريك تجاري مع قطر إلى المرتبة الثانية في التسعينيات بعد اليابان وذلك على حساب كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا أيضاً، حيث تراجعت نسبة تجارة العالم الصناعي مع دولة قطر من (70%) في الثمانينيات إلى (68%) في التسعينيات (أنظر الجدول 12).
وأما بالنسبة للبحرين، الدولة الأقل غنىً بين أعضاء مجلس التعاون، فقد شهدت تجارتها الخارجية انحساراً واضحاً مع المعسكر الصناعي في التسعينيات (24% من مجموع تبادلاتها التجارية مع العالم) مقارنة مع حقبة الثمانينيات (31%)، ولكن الولايات المتحدة أصبحت شريكها التجاري الأول بعدما كانت في المرتبة الثالثة بعد كل من اليابان وإيطاليا في العقد السابق (أنظر الجدول 10)، وتركّز معظم الزيادة في مجمل واردات البحرين من العالم الصناعي (1277) مليون دولار سنوياً في المتوسط خلال فترة الثمانينيات إلى (1883) مليون دولار في التسعينيات لصالح الولايات المتحدة التي تضاعف حجم مبيعاتها لهذه الدولة الخليجية الصغيرة خلال نفس العقدين من (233) مليون دولار سنوياً إلى (574) مليون دولار على التتابع (أنظر الجدول 11).
وإذا أخذنا مجلس التعاون الخليجي كمنظومة إقليمية واحدة نجد أن مؤشرات تجارتها الخارجية تصب لصالح الولايات المتحدة التي تعتبر المستفيد الأكبر من تحولات عقدي الثمانينيات والتسعينيات، فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تضاعفت معدلات تجارتها البينية مع دول الخليج مجتمعة من (13) مليار دولار سنوياً في المتوسط في الثمانينيات إلى (21) مليار دولار في التسعينيات، واحتلت بذلك المركز الثاني بعد اليابان، ومن الطبيعي أن يكون هذا التحول على حساب الدول الصناعية الأخرى، فقد انحسرت حصة التجارة الخليجية مع العالم الصناعي بشكل طفيف من (62%) إلى (60%) خلال فترتي الدراسة، الأمر الذي يجعل نتيجة التحولات داخل هذه الكتلة لصالح الولايات المتحدة في مقابل جمود حصص كل من اليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا (أنظر الجدول 10)، وبذلك أصبحت السلع والخدمات الأمريكية هي الأكثر رواجاً في منظومة مجلس التعاون، فقد احتلت الواردات الأمريكية في الخليج أكبر نسبة من مجموع واردات الدول الصناعية (23%) في التسعينيات بعدما كانت تشكّل (19%) في الثمانينيات، مقابل انحسار حصة اليابان من (25%) إلى (20%) مع بقاء نسب الدول الأخرى ثابتة تقريباً خلال هاتين الفترتين (أنظر الجدول 11).
ومن الدلالات المهمة في هذا الصدد أن منظومة مجلس التعاون قد عوّضت الخسائر الناجمة عن سياسة الاحتواء المزدوج والحصار الاقتصادي المفروض من قبل الولايات المتحدة على العراق وإيران خصوصاً بعد حرب الخليج الثانية التي تركت تراجعاً واضحاً على منحنيات التجارة البينية (بفرعيها الصادرات والواردات) بين العالم الصناعي مع إيران والعراق بمقدار نصف مليار دولار سنوياً تقريباً، بل إن خسائر السوق العراقية وحدها تجاوزت (10) مليار خلال التسعينيات، وبسبب الحصار الأمريكي على إيران والحصار الدولي على العراق استفادت دول العالم الصناعي خصوصاً أوروبا الغربية من إيران تحديداً بينما كانت الولايات المتحدة هي الخاسر الكبر في هذه المعادلة باعتبارها الشريك الثاني بعد اليابان للعراق وإيران مجتمعين في الثمانينيات، وهذا ما حدا بواشنطن السعي إلى تعويض خسائرها التجارية مع إيران والعراق عبر دول الخليج العربية الأخرى (أنظر الجدول 12).
وتتبيّن إستراتيجية التعويض هذه في حالة اعتبار إقليم الخليج (الذي يضم كل من مجلس التعاون والعراق وإيران) كوحدة واحدة للتحليل، ففي هذه الحالة نجد أن معدلات التجارة بين دول هذا الإقليم والعالم الصناعي شهدت زيادة كبيرة بمقدار مليار ونصف المليار دولار سنوياً خلال العقد الحالي (113 مليار دولار في المتوسط) مقابل (98) مليار دولار سنوياً في الثمانينيات.
وإذا رصدنا تحولات منحنى التجارة المتبادلة بين الخليج ودول العالم الصناعي نجد أن الولايات المتحدة ليس فقط لم تتضرر من التحولات السياسية والعسكرية في المنطقة بل إنها خرجت منتصرة اقتصادياً على شركائها الغربيين بمن فيهم اليابان وخاصة في كسب منطقة الخليج كسوق استهلاكية كبرى، فقد شهدت مبيعات الولايات المتحدة لدول الخليج مجتمعة زيادة مهمة بلغت (3.3) مليار دولار سنوياً مقابل زيادات أقل بكثير لبقية شركائها الغربيين، وهذه الزيادة جعلت من الولايات المتحدة المصدر التجاري الأول وبلا منازع للمنطقة في عقد التسعينيات (19% من مجموع الصادرات الصناعية) مقابل (18%) لليابان، (15%) لألمانيا، (12%) لبريطانيا، (8%) لإيطاليا و(7%) لفرنسا (أنظر الجدول 11)، كما أصبحت الولايات المتحدة الشريك الثاني للمنطقة على صعيد التجارة البينية في التسعينيات وبثقل تجاري واضح (20%) بعدما كانت حصتها من مجموع تجارة منطقة الخليج من العالم الصناعي لا تتجاوز (16%) خلال عقد الثمانينيات، في حين تراجعت حصص معظم الدول الصناعية الأخرى (أنظر الجدول 12)، وهذه النتائج تنسجم تماماً مع عرضنا السابق بالتوجهات الأمريكية الرامية إلى تحقيق هيمنتها في هذه المنطقة الحيوية من العالم من خلال مبدأ الشراكة مع الكبار.
ثالثاً: مؤشرات العلاقات النفطيـة:
يتزامن نمو العلاقات التسليحية والتجارية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية مع زيادة اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد من هذه المنطقة، فقد بلغ متوسط الواردات الأمريكية من النفط الخام خلال عقد الثمانينيات حوالي (5.5) مليون برميل يومياً، ووصل متوسط ما استوردته الولايات المتحدة من منطقة الخليج (940) ألف برميل يومياً، أي ما نسبته (16%) من مجموع وارداتها من النفط، وفي النصف الأول من هذا العقد تضاعف متوسط الواردات الأمريكية من النفط الخليجي لتصل إلى حقبة (1.8) مليون برميل يومياً وزادت نسبة الاعتماد على هذه المنطقة إلى حوالي (24%) (أنظر الجدول 4).
وهذا الموقف هو الوحيد تقريباً على مستوى الدول الغربية المستهلكة للنفط حيث بقيت قيمة ونسبة الاعتماد الأوربي على النفط الخليجي ثابتاً خلال العقدين قيد الدراسة دون وجدود أية تغييرات تذكر على مؤشرات التجارة النفطية عالمياً، وعلى الرغم من الاعتماد الكبير لأوربا الغربية على النفط الخليجي إلاّ أن هذه النسبة أو معدلات التجارة النفطية بين الجانبين لم تتغيّر بشكل ملفت، فقد بلغ متوسط واردات الدول الأوربية OECD من النفط الخليجي (3.2) مليون برميل يومياً أي ما نسبته (42%) تقريباً خلال عقد الثمانينيات، وعلى الرغم من تذبذب أسعار النفط الخام فيما بعد (أنظر الجدول 3) لم تزد أوربا من وارداتها النفطية الخليجية كما هو متوقع ضمن معادلات العرض والطلب، فخلال النصف الأول من عقد التسعينيات بقي هذا المتوسط يتراوح عند مستوى (3.7) مليون برميل يومياً وبنسبة اعتماد تبلغ (46%)، وأما بالنسبة لليابان، فعلى الرغم من تنامي الوردات النفطية لهذه الدولة من منطقة الخليج بمقدار مليون برميل يومياً خلال سنوات العقد الحالي، إلاّ أن نسبة الاعتماد الياباني على النفط الخليجي قد ارتفعت قليلاً (6%) عن العقد السابق (أنظر الجدول 4).
وبناء عليه، فأن النتيجة التي يمكن أن نخلص إليها في هذا المقام توحي بوجود ميلٌ واضح في العلاقات الخليجية باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وأن مثل هذا الميلان سوف ينسحب بالتأكيد على جملة المصالح والعلاقات الخليجية مع الدول الغربية بالإضافة إلى الدول الآسيوية الكبرى.
- الخلاصة
مما تقدم، يبدو جلياً ازدياد أهمية منطقة الخليج في عالم اليوم، كما سيكون عليه الحال في ظل النظام العالمي الجديد، وكما أسلفنا الحديث خلال هذه الدراسة فأن صراع القوى العظمى سوف تتفاعل إسقاطاته بدرجة كبيرة في هذا الإقليم الحيوي، ولهذا، فأن الولايات المتحدة الأمريكية، تحديداً، سوف لن تدّخر جهداً في محاولاتها الرامية إلى احتواء دول المنطقة برمتها بشكل إستراتيجي منظّم حتى يتسنى لها تكملة مشوار الدولة العظمى في نظام عالمي “وحيد القطبية”، وعلى هذا النحو دأبت واشنطن على إدخال دول المنطقة بشبكة من العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية المتداخلة من شأنها تعزيز وتمويل بقاء الولايات المتحدة على دفة القيادة الكونية.
وللتدليل على عزم الولايات المتحدة على أخذ زمام المبادرة القيادية المهيمنة تم التعرّض بالتحليل إلى مؤشرات العلاقات الاعتمادية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة والمتمثلة في تنامي معدلات التجارة البينية بين الجانبين، وبخاصة خلال فترة التسعينات، بالإضافة إلى ازدياد العلاقات التسليحية التي أحكمت واشنطن السيطرة عليها بالمقارنة مع شركائها من الدول المصدرة للسلاح إلى دول المنطقة.
أن مثل هذه المؤشرات تدعو إلى الوقوف بعناية على تداعياتها ونتائجها المحتملة وخاصةً فيما يتعلق بولوج المجتمعات الخليجية، وليس فقط حكوماتها، في متاهات التبعية الثقافية، فهناك دلائل تشير إلى تكريس تبعية دول الخليج العربية بنطاقيها الحكومي والشعبي مما يعني أن مفهوم الأمركة لم يعد محصوراً في الأدبيات المعارضة للسياسة الأمريكية في المنطقة، ولكنه أصبح ذو دلالة حقيقية جديرة بالدراسة من قبل الباحثين والمهتمين بالشأن الخليجي، فمع مطلع عقد التسعينيات، نجد توسعاً ملحوظاً لحركة السياحة الأمريكية عند أهل الخليج حيث أصبح “سوق السفر” للولايات المتحدة رائجاً بشكل لم يسبق له مثيل، وتقول شركة “سي، تي، أن، تورز” السياحية الكبرى أن شعوب دول مجلس التعاون الخليجي أصبحوا ثاني أكبر مصدر للسياحة في الولايات المتحدة بعد ألمانيا (القبس، 10/2/1997)، ويعني هذا الانتقال النوعي أن النموذج الأمريكي أصبح أكثر قبولاً أو بالأحرى أكثر اقتباساً من النموذج الأوربي في ذهنية المواطن الخليجي، دع عنك الانتشار السريع والمفاجئ للنماذج التصورية الأخرى في منطقة الخليج بين صفوف أبناء شباب المنطقة مثل أغاني الراب والماكدونالد وغيرها من معبّرات الحلم الأمريكي The American Dream (Baraber، 1996، ص. 9-61)، وأن كان الموضوع قيد البحث لم يتعرض لمثل هذه الشواهد والظواهر إلاّ أن نتائج هذا البحث كفيلة بفتح آفاق جديدة لمتخصصين آخرين للخوض في غمار مفهوم الهيمنة الأمريكية وتداعياتها الثقافية في منطقة الخليج العربية.
وتؤكد هذه الدراسة من جهة أخرى على مقولة “من يسيطر على النفط سوف يسيطر على العالم” نظراً لأهمية هذا المصدر في الوقت الحاضر وتعاظمها المستمر، خصوصاً في الوقت الذي يشهد العالم مرحلة انتقالية مهمة لتوزيع مراكز القوة وتحديد معاييرها حيث يبرز النفط كأحد أهم مقومات تدشين معالم هذا النظام الكوني الجديد.
وأن ما يدعو للأسف هو بدء الحرب الصامتة والخفية على الاستيلاء على أكبر مخزون عالمي من الطاقة في منطقة الخليج في وقت تمر به دول هذه المنطقة بأشد الأزمات الأمنية والاقتصادية، وعلى الرغم من قدرة دول المنطقة على التحوّل إلى قوة عظمى عالمياً، إذا ما استغلت إمكانيات نفطها الوفير وربطها بسياسة نقدية وصناعية، إلاّ أنها تحوّلت مع ثروتها الطبيعية إلى قطاع خاص تسعى الولايات المتحدة إلى تدوير رحاه كمحور ارتكازي لاقتصاديات الغرب، ومازالت عجلات التبعية تدور في تلك اللعبة الدولية دون أن تجني منها الدول الغنية بالنفط أية ثمار تذكر، ولكن الوقت ليس متأخراً بعد سيّما في ظل التنافس العالمي المرتقب بين أصدقاء الأمس من الدول الصناعية حيث يبدو بصيص الأمل للدول النفطية بإعادة حساباتها وترتيب علاقاتها مع العالم الخارجي.
وتجدر الإشارة في خاتمة هذه الدراسة إلى أن دول الخليج يجب ألاّ تدع مؤشرات الهيمنة الأمريكية تتصاعد على النحو الذي تمت الإشارة إليه وذلك لسبب رئيسي يتعلق بمصالحها القومية، فالدول الأوروبية، وكما تعبّر صحيفة الواشنطن بوست، تتحسّس بل وتتوجس خيفة من هذه المؤشرات الخطرة مما حدا بها إلى التفكير في التوجه إلى أقاليم أخرى لتزويدها بالنفط، خصوصاً حول منطقة بحر قزوين (القبس، 28/11/1997)، فقد انخرطت دول الإتحاد الأوربي إضافة إلى روسيا الاتحادية في عدد من الاتفاقيات الإستراتيجية المتعلقة بالنفط والغاز الطبيعي من أجل كسر الطوق الأمريكي لهذا السوق، وخاصة أن روسيا وبعض الأطراف الأوربية يراودها التوقع بأن منطقة بحر قزوين تتمتع بمخزون هائل من النفط والغاز الطبيعي قد يفوق احتياطيات بعض دول الخليج، الأمر الذي قد يمكنها من تطوير أعمالها المشتركة للتخلص من ورطة الاعتماد على النفط الخليجي (القبس، 5/10/1995)، وعلى الرغم من ضعف احتمالات تحول الاهتمام الأوربي بالنفط الخليجي على المدى القريب، إلاّ أن توجهات دول المنطقة التي تطلق العنان ليد الولايات المتحدة في بسط هيمنتها على اقتصادياتها المحلية سوف لن تصب في مصلحة هذه المنطقة على المدى البعيد، فلو سارت معدلات القوة العالمية على ما هي عليه الآن فأن دول الخليج لن تخسر اقتصادياً فحسب ولن تبقى مشكلتها محصورة في إضعاف قدرتها على دفع عمليات التنمية الآخذة في الصعوبة والتعقيد، بل قد يصل بها الأمر إلى حد شل حركتها الدبلوماسية مستقبلاً.
أن فقدان التوازن المصلحي بين الدول الكبرى والفاعلة في النظام الدولي المرتقب سوف يولد معضلة دبلوماسية كبيرة لدول الخليج تتمثّل في محدودية إن لم يكن تلاشي أوراقها السياسية على موائد المفاوضات، مما قد تبرز معه ظاهرة الاختناق الدبلوماسي حيث لا يكون بمقدور المفاوض الخليجي الحركة إلاّ من خلال استنشاق ما يقدمه له نظيره الأمريكي على شكل جرعات تأمنه فقط الحد الأدنى من الحياة، ولذلك فأنه من الأهمية بمكان أن تتبنى الدبلوماسية الخليجية قواعد جديدة وأن تستشرق آفاقاً مستقبلية مؤهلة للتعامل الدولي بصورة أكثر اتّزاناً تجعلها مرنة وقادرة على المناورة السياسية حين يستدعي الأمر ذلك خاصةً على طاولة المساومات السياسية وبما يكفل تحقيق المصلحة المشتركة للجميع في النظام الدولي الجديد، وعليه، فأن التأكيد على مقولة ضرورة إعادة حسابات دول المنطقة لسياساتها النفطية وهياكلها الاقتصادية ومعادلاتها الإستراتيجية جدير بالتكرار ثانيةً في نهاية مطاف هذا البحث.
مراجع البحث
أولاً: المراجع العربية:
أبو طالب، حسن، السيد النجار، أحمد وثابت، أحمد (1995). “الاتجاهات الرئيسية في النظام الدولي”. التقرير الإستراتيجي العربي 1994، (ص. 83-88). القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام.
أتالي، جاك. (1991). آفاق المستقبل: أحدث وأدق استشراف للسياسات المتصارعة على الساحة الدولية في مستهل القرن الحادي والعشرين (ترجمة: محمد زكريا إسماعيل). بيروت: دار العلم للملايين.
أحمد، جعفر كرار. (1997، يونيو). “الصين بعد رحيل دينج شياو بنج: دراسة حول الوضع الراهن واحتمالات المستقبل”. السياسة الدولية، (33) 128، ص. 7-38.
أحمدي، هوشانج أمير. (1996). النفط في مطلع القرن الحادي والعشرين: تفاعل بين قوى السوق والسياسة (دراسات إستراتيجية، عدد 4). أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
إسماعيل، محمد زكريا. (1995، يونيو). “النظام العربي والنظام الشرقي أوسطي”. المستقبل العربي، 196، ص. 4-26.
بالمر، مايكل. (1995). حراس الخليج: تاريخ توسّع الدور الأمريكي في الخليج العربي 1833-1992 (ترجمة نبيل زكي). القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر.
بدران، ودودة. (1994). “الرؤى المختلفة للنظام العالمي الجديد”. في محمد السيد سليم (محرر)، النظام العالمي الجديد. (ص. 23-59). القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة.
البدوي، محمد طه. (1976). مدخل إلى علم العلاقات الدولية. القاهرة: المكتب المصري الحديث.
برتس، فولكر. (1997). نظام الصراع في الشرق الأوسط: المخاطر الملازمة لعملية التسوية. بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق.
بيريس، شمعون. (1994). الشرق الأوسط الجديد (ترجمة: محمد حلمي عبدالحافظ). عمّان: الأهلية للنشر والتوزيع.
ثرو، لستر. (1995). المتناطحون: المعركة الاقتصادية القادمة بين اليابان وأوربا وأمريكا (ترجمة: محمد فريد). أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
جيرتون، جيفري. (1993). السلام البارد: أمريكا واليابان والمانيا والنضال من أجل البقاء (ترجمة: حسن صبري). القاهرة: مدبولي الصغير.
حتي، ناصيف. (1987). القوى الخمس الكبرى والوطن العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
راضي، أشرف. (1995). “التفاعلات العربية والتحولات الإقليمية: التفاعلات في إطار التجمعات العربية: أزمة المجلس الخليجي والإتحاد المغاربي”. التقرير الإستراتيجي العربي 1994، ص. 203-214. القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام.
السعدون، جاسم. (1992، يوليو). “المستقبل الاقتصادي في الخليج العربي”. المستقبل العربي، 161، ص. 14-28.
السيد سعيد، محمد. (1991، يناير). “نحو نظام عربي جديد بعد أزمة الخليج”. كراسات إستراتيجية (عدد 4). القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام.
السيد سليم، محمد. (1994). “الأشكال التاريخية للقطبية الواحدية”. في محمد السيد سليم (محرر)، النظام العالمي الجديد. (ص. 93-127). القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة.
سيرل، مارسيل. (1992). أزمة الخليج والنظام العالمي الجديد (ترجمة: حسن نافعة). القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية.
صبحي، مجدي. (1995). “تعديل السياسات المالية لدول مجلس التعاون”. التقرير الإستراتيجي العربي 1994، ص. 331-336. القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام.
فيجي، هاري وسوانسون، جيرالد. (1993). الإفلاس 1995: الإنهيار القادم لأمريكا (ترجمة محمد محمود دبور). عمّان: الأهلية للنشر والتوزيع.
عبدالله، عبد الخالق. (1994، مارس). “النفط والنظام الإقليمي الخليجي”. المستقبل العربي، 181، ص. 4-38.
كنيدي، بول. (1994). الاستعداد للقرن الواحد والعشرين (ترجمة: مجدي نصيف). القاهرة: مكتبة مدبولي.
كوياما، كن. (1997). “زيادة الطلب على الطاقة في الدول الآسيوية: الفرص والقيوم أمام دول الخليج المصدرة للنفط”. في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الطاقة في الخليج: تحديات وتهديدات (ترجمة: خليل حمّاد). (ص. 73-101). أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
لنش، مايكل. (1997). “اقتصاديات النفط في الإتحاد السوفيتي السابق”. في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الطاقة في الخليج: تحديات وتهديدات (ترجمة: خليل حمّاد). (ص. 135-188). أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق (شؤون الأوسط). (1995). صدام الحضارات. بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق.
مركز دراسات العالم الإسلامي. (1992). حرب الخليج الثانية: النتائج والآثار. مالطا: مركز دراسات العالم الإسلامي.
المشاط، عبد المنعم. (1992). “أثر حرب الخليج على مفهوم الأمن القومي”. في مركز دراسات العالم الإسلامي، حرب الخليج: النتائج والآثار. (ص. 37-87). مالطا: مركز العالم الإسلامي.
المكاوي، نهى. (1994). “الدور الأمريكي في النظام العالمي الجديد”. في محمد السيد سليم (محرر)، النظام العالمي الجديد. (ص. 131-167). القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة.
منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول. (1994). تقرير الأمين العام السنوي الحادث والعشرون. الكويت: منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول.
منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول. (1995). تقرير الأمين العام السنوي الثاني والعشرون. الكويت: منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول.
هاردي، روجر. (1994). الجزيرة العربية بعد العاصفة: الاستقرار الداخلي لدول الخليج (ترجمة: حسين موسى). بيروت: دار الكنوز الأدبية.
ثانياً: المراجع الأجنبية:
Bahgat, Gawdat. (1993, Winter). “Privatization and Democratization in the Arab world: is there a Connection?” The Journal of Social, Political & Economic Studies, (4) 18, pp. 427-444.
Bahgat, Gawdat. (1997). The Future of the Gulf. Washington, DC: Scott-Townsend Publishers.
Barber, Benjamin. (1996). Jihad vs. Mc World. New York: Ballantine Books.
Bienefeld, Manfred. (1994). “The New World Order: Echoes of a New Imperialism”. Third World Quarterly, 15 (1), pp. 31-48.
Bill, James. (1984, Fall). “Resurgent Islam in the Persian Gulf”. Foreign Affairs, 63 (1). pp.
Bromley, Simon. (1991). American Hegemony and World Oil. University Park, PA: The Pennsylvania State University Press.
Cordesman, Anthony. (1997). US Forces in the Middle East: Resources and Capabilities. Boulder, CO: Westview.
Cox, Robert. (1993). “Gramsci, Hegemony and International Relations: An Essay in Method”. In Stephen Gill (Ed.) Gramsci, Historical Materialism and International Relations (pp. 259-289). Cambridge, England: University of Cambridge Press.
Cox, Robert & Sinclair, Timothy. (1996). Approaches to World Order. Cambridge: Cambridge University Press.
Doran, Charles F. & Buck, Stephen W. (Eds.). (1991). The Gulf, Oil, & Global Security: Political & Economic Issues. Boulder & London: Lynne Rienner Publishers.
Drake, Laura. (1997, March). Hegemony and its Discontents: United States Policy Toward Iraq, Iran, Hamas, the Hezbollah and their Response. Toronto, Canada: Paper Presented at the 38 th Annual Meeting of the International Studies Association, March 18-23, 1997.
Energy Information Administration (1994). International Energy Outlook. Pittsburgh, PA: U.S. Government Printing Office.
Energy Information Administration (1995). International Energy Outlook. Pittsburgh, PA: U.S. Government Printing Office.
Energy Information Administration, US Department of Energy. (1996, May). International Petroleum Statistics Report. Washington, DC: US Government Printing Office.
Gerges, Fawaz. (1996-97, Winter). “Washington’s Misguided Iran Policy”. Survival, 38 (4), pp. 5-15.
Gilpin, Robert. (1981). War & Change in world Politics. Cambridge, MA: Cambridge University Press.
Goldstein, Joshua. (1988). Long Cycles: Prosperity and War in the Modern Age. New Haven, CN: Yale University Press.
Indyk, Martin. (1993, May 18). Address to the Soref Symposium. Washington, DC: Washington Institute for Near East Policy.
International Energy Agency. (1995). World Energy Outlook, 1995. Paris: Organization for Economic Cooperation and Development (OECD).
International Monetary Fund. (1990). Direction of Trade Statistics, Yearbook 1990. Washington, DC: Auther.
International Monetary Fund. (1995). Direction of Trade Statistics, Yearbook 1995. Washington, DC: Auther.
Ismael, T. (1986). International Relations of the Contemporary Middle East: A Study in World Politics. Syracuse, New York: Syracuse University Press.
Johar, Hasan A. (1989). West European Foreign Policy in the Arabian Gulf, 1971-1987: An Interdependency View. Tallahassee, FL: PhD Disserdation at The Florida State University.
Kennedy, Paul. (1989). The Rise and Fall of Great Powers. New York: Vintage Books.
Keohane, Robert. (1984). After Hegemony. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Khavari, Farid A. (1990). Oil & Islam: The Ticking Bomb. Malibu, CA: Roundtable Publishing, Inc.
Lake, Anthony. (1994, March/April). “Confronting Backlash States”. Foreign Affairs, 73 (2), pp. 45-55.
Litwak, R. & Wells, Jr., S. (Eds.). (1988). Superpower Competition and Security in the Third World. Cambridge, MA: Ballinger Publishing Company.
Mohammad, Abdullah. (1993, October). Hegemony and the Islamic World. Montgomry AL: Paper Presented at the 1993 Annual Meeting of the International Studies Association-South, October 15-17, 1993.
Moller, Bjorn. (1997). Resolving the Security Dilemma in the Gulf Region. (The Emirates Occasional Papers No. 9). Abu Dhabi: The Emirates Center for Strategic Studies and Research.
Mullings, Thomas. (1986, November/December). “The Security of Oil Supplies”. Survival, 26 (8), pp. 509-523.
Rourke, John T. (1991). International Politics on the World Stage. Guilford, CN: The Dushkin Publishing Group, Inc.
Saikal, Amin. (1993-94, Fall/Winter). The U.S. Approach to the Security of the Persian Gulf”. The Iranian Journal of International Affairs, 5 (3/4), pp. 640-671.
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (1993). World Armaments and Disarmament: SIPRI Yearbook 1993. Oxford: Oxford University Press.
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (1997). World Armaments and Disarmament: SIPRI Yearbook 1997. Oxford: Oxford University Press.
Teitelbaum, Richard. (1995). “Your Last Big Pay in Oil”. Fortune, 132 (9), pp. 88-104.
Tsebelis, George. (1990). Nasted Games: Rational Choice in Comparative Politics. Berkeley, CA: University of California Press.
Waltz, Kenneth. (1979). Theory of International Politics. New York: McGraw-Hill Publishing Company.
Wiener, Jarrod. (1995, June). “Hegemonic Leadership: Naked Emperor of the Worship of False Gods” European Journal of International Relations, (2) 1, pp.
ثالثاً: الصحف والمجلات:
صحيفة الأنباء، يومية، دولة الكويت.
صحيفة الرأي العام، يومية، دولة الكويت.
صحيفة السياسة، يومية، دولة الكويت.
صحيفة القبس، يومية، دولة الكويت.
صحيفة الوطن، يومية، دولة الكويت.
مجلة الطليعة، أسبوعية، دولة الكويت.
جدول (1)
الطلب العالمي على النفط وفق المجموعات الدولية (1990-1995 و 2000)
(مليون برميل يومياً)
1990 | 1991 | 1992 | 1993 | 1994 | 1995 | 2000* | |
الدول الصناعية | 38.0 | 38.2 | 38.8 | 39.1 | 40.0 | 40.4 | 42.0 |
الدول المتحولة** | 10.2 | 9.7 | 8.2 | 6.1 | 6.2 | 6.0 | 6.9 |
الدول النامية | 18.4 | 19.2 | 20.2 | 21.3 | 22.3 | 23.2 | 27.7 |
إجمالي العالم | 66.5 | 67.2 | 67.3 | 67.3 | 68.5 | 69.6 | 76.6 |
نمو الطلب على النفط | —- | 0.6% | 0.1% | 0.1% | 1.8% | 1.6% | 2.0% |
* بيانات عام 2000 تمثل توقعات الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول.
** الدول المتحولة هي دول المعسكر الاشتراكي السابق في أوربا الشرقية.
المصدر: منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، تقرير الأمين العام السنوي الثاني والعشرون 1995 (الكويت: منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول) ص 54.
جدول (2)
أسعار النفط الخام الاسمية والحقيقية (1970-1995)
(دولار/ برميل)
السنوات | السعر الاسمي | السعر القياسي* 100=1995 | السعر الحقيقي بأسعار 1995 | السنوات | السعر الاسمي | السعر القياسي* 100=1995 | السعر الحقيقي بأسعار 1995 |
1970 | 2.10 | 23 | 9.13 | 1983 | 30.05 | 65 | 46.23 |
1971 | 2.57 | 25 | 10.28 | 1984 | 28.06 | 63 | 44.54 |
1972 | 2.80 | 37 | 10.37 | 1985 | 27.52 | 62 | 44.39 |
1973 | 3.14 | 33 | 9.52 | 1986 | 13.97 | 73 | 18.01 |
1974 | 10.41 | 40 | 26.03 | 1987 | 17.73 | 80 | 22.16 |
1975 | 10.43 | 45 | 23.18 | 1988 | 14.24 | 86 | 16.56 |
1976 | 11.63 | 45 | 25.84 | 1989 | 17.31 | 86 | 20.13 |
1977 | 13.60 | 49 | 25.71 | 1990 | 22.26 | 93 | 23.94 |
1978 | 13.91 | 55 | 23.47 | 1991 | 18.62 | 93 | 20.02 |
1979 | 29.19 | 63 | 46.33 | 1992 | 18.44 | 95 | 19.41 |
1980 | 36.01 | 72 | 50.01 | 1993 | 16.33 | 90 | 18.14 |
1981 | 34.17 | 69 | 49.52 | 1994 | 15.54 | 93 | 16.71 |
1982 | 31.71 | 66 | 48.05 | 1995 | 16.86 | 100 | 16.86 |
* الرقم القياسي يمثل قيمة وحدة من صادرات الدول الصناعية معبراً عنها بالدولار، كما يقرها صندوق النقد الدولي.
المصدر: منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، تقرير الأمين العام السنوي الثاني والعشرون 1995 (الكويت: منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول) ص. 70.
جدول (3)
واردات الدول الصناعية من النفط ونسب اعتمادها على نفط الخليج (1983-1995)
(مليون برميل يومياً)
الولايات المتحدة | اليابان | منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوربية (OECD) | المجموع | |||||
السنوات | الواردات | الخليج (النسبة) | الواردات | الخليج (النسبة) | الواردات | الخليج (النسبة) | الواردات | الخليج (النسبة) |
1983 | 4.312 | 0.436 (10%) | 4.384 | 2.638 (60%) | 7.781 | 3.165 (41%) | 16.477 | 6.239 (38%) |
1984 | 4.715 | 0.502 (11%) | 4.531 | 2.772 (61%) | 7.675 | 2.968 (39%) | 16.921 | 6.243 (37%) |
1985 | 4.286 | 0.304 (07%) | 4.308 | 2.533 (59%) | 7.381 | 3.560 (35%) | 15.945 | 5.397 (34%) |
1986 | 5.439 | 0.909 (17%) | 4.392 | 2.557 (58%) | 7.893 | 3.513 (45%) | 17.724 | 6.979 (39%) |
1987 | 5.914 | 1.072 (18%) | 4.418 | 2.637 (60%) | 7.742 | 3.330 (43%) | 18.074 | 7.039 (39%) |
1988 | 6.587 | 1.526 (23%) | 4.680 | 2.691 (58%) | 7.774 | 3.428 (44%) | 19.041 | 7.645 (40%) |
1989 | 7.202 | 1.857 (26%) | 5.035 | 2.173 (63%) | 7.994 | 3.754 (47%) | 20.231 | 8.784 (43%) |
المتوسط | 5.494 | 0.943 (16%) | 4.535 | 3.715 (60%) | 7.749 | 3.245 (42%) | 17.778 | 6.904 (39%) |
1990 | 7.161 | 1.961 (27%) | 5.239 | 3.394 (65%) | 8.210 | 3.908 (48%) | 20.610 | 9.263 (45%) |
1991 | 6.626 | 1.835 (28%) | 5.286 | 3.370 (66%) | 8.588 | 3.660 (43%) | 20.500 | 8.865 (43%) |
1992 | 6.938 | 1.774 (26%) | 5.467 | 3.586 (68%) | 4.459 | 3.666 (43%) | 20.861 | 9.026 (43%) |
1993 | 7.618 | 1.775 (23%) | 5.766 | 3.721 (68%) | 8.127 | 4.048 (50%) | 21.212 | 9.544 (45%) |
1994 | 7.986 | 1.722 (22%) | 5.709 | 3.946 (70%) | 7.355 | 3.506 (48%) | 20.107 | 9.174 (43%) |
1995 | 8.033 | 1.562 (19%) | 3.980 (60%) | 7.246 | 3.357 (46%) | 20.988 | 8.899 (42%) | |
المتوسط | 7.394 | 1.772 (24%) | 5.489 | 3.666 (67%) | 7.998 | 3.691 (46%) | 20.880 | 9.139 (44%) |
المصدر:
Energy Information Administration, US Department of Energy. (1996, May). International Petroleum Statistics Report. Washington, DC: US Government Printing Office.
جدول (4)
الاحتياطيات التقديرية من النفط الخام في العالم حسب المناطق الجغرافية لعام 1993
(مليارات البراميل)
منطقة الخليج | 585.4 | أمريكا الشمالية | 28.8 | الهند | 5.9 |
العربية السعودية | 261.2 | الولايات المتحدة | 23.7 | اندونيسيا | 5.8 |
العراق* | 100.0 | كندا | 5.1 | ماليزيا | 4.3 |
إيران** | 63.0 | % من الاحتياطي العالمي (3.2) | اليمن | 4.0 | |
الكويت | 96.5 | أوربا الغربية | 13.9 | أستراليا | 1.6 |
الإمارات العربية | 56.2 | النرويج | 9.3 | بروناي | 1.4 |
سلطنة عمان | 4.7 | إنجلترا | 4.6 | % من الاحتياطي العالمي (5.3) | |
قطر | 3.8 | % من الاحتياطي العالمي (1.6) | أفريقيا | 59.4 | |
% من الاحتياطي العالمي (65.8) | أمريكا الجنوبية والوسطى | 98.2 | ليبيا | 22.4 | |
الكتلة الشرقية | 57.0 | فنزويلا | 63.3 | نيجيريا | 17.4 |
روسيا الاتحادية | 49.0 | المكسيك | 27.4 | الجزائر | 9.4 |
كازاخستان | 3.3 | البرازيل | 3.6 | مصر | 6.4 |
أذربيجان | 1.3 | الأكوادور | 2.0 | تونس | 1.4 |
تركمنستان | 1.5 | كولومبيا | 1.9 | أنجولا | 1.4 |
أوزبكستان | 0.3 | % من الاحتياطي العالمي (11.0) | % من الاحتياطي العالمي (6.7) | ||
رومانيا | 1.6 | آسيا والباسفيك | 47.0 | المجموع العام | 890.2 |
% من الاحتياطي العالمي (6.4) | الصين | 24.0 |
* إنتاج النفط العراقي يخضع لحظر الأمم المتحدة.
** تضع وزارة النفط الإيرانية هذا الرقم عند ثلاثة وتسعين مليار برميل.
المصدر: أحمدي، هوشانغ أميرز (1996). النفط في مطلع القرن الحادي والعشرين: تفاعل بين قوى السوق والسياسة (دراسات إستراتيجية، عدد 4). أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية. ص. 73.
جدول (5)
مبيعات الدول الغربية من الأسلحة التقليدية لدول العالم الثالث (1988-1992)
(ملايين الدولارات بالأسعار الثابتة لسنة 1990)
السنوات | 1988 | 1989 | 1990 | 1991 | 1992 | 88-1992 |
الولايات المتحدة | 4494 | 3662 | 4622 | 4147 | 3075 | 20000 |
فرنسا | 1668 | 2051 | 1794 | 724 | 351 | 6588 |
بريطانيا | 1505 | 1993 | 1163 | 697 | 658 | 6016 |
ألمانيا | 284 | 208 | 857 | 425 | 296 | 2070 |
إيطاليا | 550 | 139 | 162 | 49 | 47 | 947 |
م. أوربا الغربية | 4007 | 4391 | 3976 | 1895 | 1352 | 15621 |
إجمالي العالم | 23688 | 21323 | 17682 | 13240 | 9320 | 85553 |
المصدر:
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (1993). World Armament, Disarmaments and International Security. SIPRI Yearbook 1993. Oxford: Oxford University Press.
جدول (6)
مبيعات أكبر الدول المصدرة للأسلحة التقليدية إلى العالم الثالث (1992-1996)
(ملايين الدولارات بالأسعار الثابتة لسنة 1990)
السنوات | 1992 | 1993 | 1994 | 1995 | 1996 | 92-1996 |
الولايات المتحدة | 14187 | 14270 | 12029 | 10972 | 10228 | 61686 |
روسيا الاتحادية | 2918 | 3773 | 763 | 3505 | 4512 | 15471 |
ألمانيا | 1527 | 1727 | 2448 | 1549 | 1464 | 8715 |
بريطانيا | 1315 | 1300 | 1346 | 1568 | 1773 | 7302 |
فرنسا | 1302 | 1308 | 971 | 785 | 2101 | 6467 |
الصين | 883 | 1234 | 718 | 949 | 573 | 4357 |
إيطاليا | 434 | 447 | 330 | 377 | 158 | 1746 |
إجمالي العالم | 24840 | 26444 | 21820 | 23189 | 22980 | 119273 |
المصدر:
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (1997). World Armament, Disarmaments and International Security. SIPRI Yearbook 1997. Oxford: Oxford University Press.
جدول (7)
الإنفاق العسكري لدول مجلس التعاون وإيران والعراق (1981-1994)
1981 | 1983 | 1984 | 1985 | 1986 | 1987 | 1989 | 1990 | 1991 | 1992 | 1993 | 1994 |
البحرين | |||||||||||
الإنفاق (مليون دولار) | |||||||||||
215 | 232 | 319 | 151 | 135 | 143 | 93 | 101 | 223 | 238 | 251 | 246 |
متوسط الفرد الواحد | |||||||||||
897 | 875 | 596 | 362 | 468 | 481 | 198 | 307 | 452 | 466 | 475 | 439 |
% الناتج القومي الإجمالي | |||||||||||
5.2 | 6.3 | 2.5 | 3.5 | 9.3 | 9.6 | 4.6 | 5.1 | 5.4 | 5.6 | 5.5 | 5.5 |
الكويت | |||||||||||
الإنفاق (مليون دولار) | |||||||||||
1594 | 1366 | 1638 | 1796 | 1381 | 1400 | 1326 | 11848 | 12815 | 10185 | 3110 | 3009 |
متوسط الفرد الواحد | |||||||||||
1084 | 828 | 963 | 1050 | 1995 | 1950 | 673 | 5816 | 6500 | 5000 | 2032 | 3019 |
% الناتج القومي الإجمالي | |||||||||||
6.6 | 7.6 | 12.4 | 9.1 | 9.1 | 11.6 | 6.3 | 51.7 | 149.7 | 62.4 | 13.1 | 12.2 |
عمان | |||||||||||
الإنفاق (مليون دولار) | |||||||||||
1685 | 1960 | 2131 | 2157 | 1731 | 1508 | 1325 | 1221 | 1798 | 1328 | 1920 | 1854 |
متوسط الفرد الواحد | |||||||||||
1636 | 1735 | 1837 | 1737 | 1919 | 1596 | 926 | 885 | 943 | 874 | 951 | 991 |
% الناتج القومي الإجمالي | |||||||||||
23.2 | 24.2 | 14.5 | 20.8 | 35.6 | 36.0 | 16.3 | 15.2 | 17.5 | 16.3 | 16.7 | 15.9 |
قطر | |||||||||||
الإنفاق (مليون دولار) | |||||||||||
896 | 166 | غ م | غ م | غ م | غ م | غ م | غ م | 781 | غ م | 330 | 294 |
متوسط الفرد الواحد | |||||||||||
3445 | 626 | غ م | غ م | غ م | غ م | غ م | غ م | 1830 | غ م | 685 | 559 |
% الناتج القومي الإجمالي | |||||||||||
13.1 | غ م | 9.7 | غ م | غ م | غ م | غ م | غ م | 14.0 | غ م | 4.3 | 3.8 |
المصدر:
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (1993). World Armament, Disarmaments and International Security. SIPRI Yearbook 1993. Oxford: Oxford University Press.
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (1997). World Armament, Disarmaments and International Security. SIPRI Yearbook 1997. Oxford: Oxford University Press.
تابع جدول (7)
الإنفاق العسكري لدول مجلس التعاون وإيران والعراق (1981-1994)
1981 | 1983 | 1984 | 1985 | 1986 | 1987 | 1989 | 1990 | 1991 | 1992 | 1993 | 1994 |
العربية السعودية | |||||||||||
الإنفاق (مليون دولار) | |||||||||||
24400 | 21921 | 22674 | 17693 | 17306 | 16235 | 13495 | 33545 | 35438 | 14535 | 16473 | 13917 |
متوسط الفرد الواحد | |||||||||||
2534 | 2104 | 2096 | 1533 | 2599 | 3637 | 995 | 2386 | 3285 | 1371 | 1339 | 1109 |
% الناتج القومي الإجمالي | |||||||||||
15.9 | 20.9 | 51.7 | 19.6 | 46.9 | 35.8 | 15.4 | 36.2 | 32.5 | 11.8 | 13.2 | 11.2 |
الإمارات العربية | |||||||||||
الإنفاق (مليون دولار) | |||||||||||
2270 | 2422 | 2343 | 2043 | 1880 | 1580 | 1301 | 2121 | 3291 | 4249 | 2110 | 5055 |
متوسط الفرد الواحد | |||||||||||
2142 | 1938 | 1802 | 1487 | 1446 | 1215 | 812 | 1278 | 1363 | 2418 | 1241 | 1149 |
% الناتج القومي الإجمالي | |||||||||||
7.1 | 8.3 | 42.5 | 7.6 | 49.2 | 64.4 | 5.4 | 7.7 | 7.7 | 14.6 | 5.9 | 5.7 |
إيران | |||||||||||
الإنفاق (مليون دولار) | |||||||||||
8043 | 14903 | 20162 | 14223 | 5904 | 8956 | 4215 | 3810 | 4270 | غ م | 1977 | 2237 |
متوسط الفرد الواحد | |||||||||||
203 | 347 | 463 | 319 | 124 | 179 | 83 | 73 | 80 | غ م | 34 | 37 |
% الناتج القومي الإجمالي | |||||||||||
7.6 | 12.3 | 195.0 | 8.6 | 11.9 | 15.8 | 3.3 | 2.6 | 7.1 | غ م | 3.4 | 3.8 |
العراق | |||||||||||
الإنفاق (مليون دولار) | |||||||||||
7958 | 13992 | 13831 | 12868 | 11583 | 13996 | غ م | 4799 | 7490 | غ م | 2600 | 2628 |
متوسط الفرد الواحد | |||||||||||
582 | 965 | 928 | 809 | 752 | 880 | غ م | 791 | 381 | غ م | 141 | 132 |
% الناتج القومي الإجمالي | |||||||||||
40.1 | 51.1 | 252.3 | 25.9 | غ م | غ م | غ م | 13.0 | 21.1 | غ م | 14.4 | 14.6 |
المصدر:
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (1993). World Armament, Disarmaments and International Security. SIPRI Yearbook 1993. Oxford: Oxford University Press.
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (1997). World Armament, Disarmaments and International Security. SIPRI Yearbook 1997. Oxford: Oxford University Press.
جدول (8)
توزيعات واردات دول مجلس التعاون من السلاح بحسب المناطق (1970-1995)
(ملايين الدولارات بالأسعار الثابتة لسنة 1990)
1970-1979 | 1980-1989 | 1990-1995 | |
الكويت | |||
أوربا الغربية | 1053 (53.6%) | 1201 (61.4%) | 341 (09.4%) |
الولايات المتحدة | 798 (40.6%) | 372 (19.0%) | 2398 (65.8%) |
الدول الأخرى | 113 (05.8%) | 384 (19.6%) | 902 (24.7%) |
المجموع | 1964 | 1957 | 3647 |
البحرين | |||
أوربا الغربية | 25 (92.6%) | 644 (64.9%) | 5 (00.6%) |
الولايات المتحدة | 2 (07.4%) | 305 (30.7%) | 895 (98.6%) |
الدول الأخرى | 0 (00.0%) | 44 (04.4%) | 8 (00.9%) |
المجموع | 27 | 993 | 908 |
سلطنة عمان | |||
أوربا الغربية | 825 (85.1%) | 1021 (83.2%) | 259 (66.1%) |
الولايات المتحدة | 33 (03.4%) | 178 (14.5%) | 59 (15.1%) |
الدول الأخرى | 112 (11.5%) | 28 (02.3%) | 74 (18.8%) |
المجموع | 970 | 127 | 392 |
قطر | |||
أوربا الغربية | 1053 (53.6%) | 1201 (61.4%) | 341 (09.4%) |
الولايات المتحدة | 798 (40.6%) | 372 (19.0%) | 2398 (65.8%) |
الدول الأخرى | 113 (05.8%) | 384 (19.6%) | 902 (24.7%) |
المجموع | 1964 | 1957 | 3647 |
المصدر:
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Data Base, 1996.
تابع جدول (8)
توزيعات واردات دول مجلس التعاون من السلاح بحسب المناطق (1970-1995)
(ملايين الدولارات بالأسعار الثابتة لسنة 1990)
1970-1979 | 1980-1989 | 1990-1995 | |
العربية السعودية | |||
أوربا الغربية | 1199 (26.7%) | 7238 (36.3%) | 2666 (28.5%) |
الولايات المتحدة | 3233 (72.0%) | 10536 (53.3%) | 6084 (65.1%) |
الدول الأخرى | 60 (01.3%) | 1993 (10.1%) | 601 (06.4%) |
المجموع | 4492 | 19767 | 9351 |
الإمارات العربية | |||
أوربا الغربية | 1220 (90.2%) | 1966 (71.6%) | 1686 (62.0%) |
الولايات المتحدة | 75 (05.5%) | 581 (21.2%) | 296 (10.9%) |
الدول الأخرى | 57 (04.4%) | 197 (07.2%) | 735 (27.1%) |
المجموع | 1352 | 2744 | 2717 |
سلطنة عمان | |||
أوربا الغربية | 7238 (36.3%) | 7238 (36.3%) | 7238 (36.3%) |
الولايات المتحدة | 10536 (53.3%) | 10536 (53.3%) | 10536 (53.3%) |
الدول الأخرى | 1993 (10.1%) | 1993 (10.1%) | 1993 (10.1%) |
المجموع | 19767 | 19767 | 19767 |
إجمالي مجلس التعاون | |||
أوربا الغربية | (73.8%) | (69.6%) | (40.1%) |
الولايات المتحدة | (21.5%) | (23.1%) | (42.6%) |
الدول الأخرى | (04.7%) | (07.3%) | (17.3%) |
المصدر:
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Data Base, 1996.
جدول (9)
المتوسطات السنوية لصادرات دول مجلس التعاون وإيران والعراق (1983-1994)
(ملايين الدولارات بالأسعار الجارية)
الولايات المتحدة | اليابان | فرنسا | ألمانيا | إيطاليا | بريطانيا | العالم الصناعي* | |
دولة الكويت | |||||||
83-1989 | 443 (09%) | 1627 (34%) | 173 (04%) | 156 (03%) | 762 (16%) | 142 (03%) | 9899 (49%) |
90-1994 | 899 (22%) | 1144 (23%) | 111 (08%) | 59 (01%) | 55 (06%) | 318 (09%) | 3177 (53%) |
العربية السعودية | |||||||
83-1989 | 4856 (35%) | 7496 (37%) | 1518 (07%) | 540 (03%) | 1405 (07%) | 559 (03%) | 19892 (64%) |
90-1994 | 9147 (33%) | 7655 (27%) | 2187 (08%) | 538 (02%) | 1890 (07%) | 1066 (04%) | 38019 (60%) |
سلطنة عمان | |||||||
83-1989 | 202 (14%) | 793 (34%) | 98 (06%) | 99 (05%) | 34 (03%) | 111 (13%) | 1674 (43%) |
90-1994 | 258 (12%) | 1715 (79%) | 11 (00%) | 11 (00%) | 3 (00%) | 118 (06%) | 2167 (44%) |
دولة الإمارات | |||||||
83-1989 | 601 (08%) | 5492 (69%) | 410 (05%) | 158 (03%) | 312 (04%) | 227 (03%) | 7952 (53%) |
90-1994 | 658 (06%) | 8975 (80%) | 238 (02%) | 144 (01%) | 119 (01%) | 389 (03%) | 11323 (52%) |
دولة قطر | |||||||
83-1989 | 25 (01%) | 1328 (67%) | 224 (07%) | 30 (01%) | 179 (07%) | 12 (01%) | 2254 (69%) |
90-1994 | 61 (02%) | 1916 (91%) | 13 (01%) | 10 (01%) | 13 (01%) | 16 (01%) | 2108 (67%) |
دولة البحرين | |||||||
83-1989 | 217 (37%) | 274 (45%) | 05 (01%) | 2 (00%) | 3 (01%) | 13 (03%) | 572 (21%) |
90-1994 | 101 (16%) | 339 (53%) | 13 (03%) | 23 (04%) | 16 (03%) | 63 (10%) | 636 (11%) |
إجمالي مجلس التعاون | |||||||
83-1989 | 1233 (17%) | 17020 (45%) | 2427 (06%) | 985 (03%) | 2695 (07%) | 1063 (03%) | 37166 (56%) |
90-1994 | 11122 (23%) | 21744 (46%) | 2572 (05%) | 785 (02%) | 2096 (04%) | 1870 (04%) | 47430 (54%) |
إيران والعراق | |||||||
83-1989 | 1678 (13%) | 2928 (20%) | 1278 (09%) | 1120 (08%) | 2044 (15%) | 675 (04%) | 14289 (60%) |
90-1994 | 968 (08%) | 2462 (25%) | 809 (09%) | 925 (09%) | 1037 (10%) | 834 (07%) | 10206 (52%) |
إجمالي منطقة الخليج | |||||||
83-1989 | 8011 (16%) | 19948 (38%) | 3705 (07%) | 2105 (04%) | 4739 (09%) | 1738 (03%) | 51455 (57%) |
90-1994 | 12091 (21%) | 24206 (42%) | 3380 (06%) | 179 (03%) | 3133 (05%) | 2704 (05%) | 57637 (54%) |
* حصة العالم الصناعي من إجمالي الصادرات لدول العالم.
المصدر:
International Monetary Fund. (1990). Direction of Trade Statistics. Yearbook 1990. Washington, Dc: Author.
International Monetary Fund. (1995). Direction of Trade Statistics. Yearbook 1995. Washington, Dc: Author.
جدول (10)
المتوسطات السنوية لواردات دول مجلس التعاون وإيران والعراق (1983-1994)
(ملايين الدولارات بالأسعار الجارية)
الولايات المتحدة | اليابان | فرنسا | ألمانيا | إيطاليا | بريطانيا | العالم الصناعي* | |
دولة الكويت | |||||||
83-1989 | 675 (16%) | 1219 (27%) | 300 (07%) | 529 (13%) | 364 (09%) | 430 (10%) | 4271 (69%) |
90-1994 | 1231 (29%) | 975 (17%) | 468 (10%) | 512 (11%) | 301 (06%) | 456 (10%) | 4479 (76%) |
العربية السعودية | |||||||
83-1989 | 4856 (35%) | 7496 (37%) | 1518 (07%) | 540 (03%) | 1405 (07%) | 559 (03%) | 19892 (64%) |
90-1994 | 9147 (33%) | 7655 (27%) | 2187 (08%) | 538 (02%) | 1890 (07%) | 1066 (04%) | 38019 (60%) |
سلطنة عمان | |||||||
83-1989 | 190 (12%) | 446 (27%) | 84 (05%) | 178 (11%) | 64 (04%) | 377 (23%) | 1627 (65%) |
90-1994 | 269 (12%) | 790 (24%) | 253 (10%) | 190 (09%) | 68 (03%) | 399 (17%) | 2344 (59%) |
دولة الإمارات | |||||||
83-1989 | 823 (15%) | 1711 (31%) | 345 (06%) | 616 (11%) | 403 (07%) | 826 (15%) | 5384 (67%) |
90-1994 | 1610 (15%) | 2585 (24%) | 829 (08%) | 1379 (13%) | 1012 (09%) | 1492 (14%) | 10883 (59%) |
دولة قطر | |||||||
83-1989 | 114 (12%) | 230 (25%) | 65 (07%) | 102 (11%) | 77 (08%) | 192 (21%) | 923 (27%) |
90-1994 | 198 (15%) | 259 (19%) | 146 (10%) | 180 (13%) | 106 (08%) | 220 (16%) | 1353 (71%) |
دولة البحرين | |||||||
83-1989 | 233 (18%) | 253 (19%) | 54 (04%) | 109 (08%) | 122 (09%) | 253 (20%) | 1277 (41%) |
90-1994 | 574 (30%) | 215 (11%) | 139 (07%) | 179 (09%) | 92 (05%) | 278 (15%) | 1883 (44%) |
إجمالي مجلس التعاون | |||||||
83-1989 | 6466 (19%) | 8292 (25%) | 2229 (07%) | 3594 (11%) | 2748 (08%) | 2984 (12%) | 22246 (71%) |
90-1994 | 9920 (23%) | 8281 (20%) | 2061 (07%) | 4606 (11%) | 2960 (07%) | 5831 (14%) | 42825 (68%) |
إيران والعراق | |||||||
83-1989 | 909 (16%) | 2308 (16%) | 884 (06%) | 3158 (22%) | 1323 (01%) | 1387 (10%) | 19323 (65%) |
90-1994 | 612 (05%) | 2064 (16%) | 890 (08%) | 3652 (12%) | 1900 (12%) | 881 (08%) | 12893 (68%) |
إجمالي منطقة الخليج | |||||||
83-1989 | 7370 (16%) | 10607 (22%) | 3113 (07%) | 6752 (09%) | 4072 (09%) | 5371 (12%) | 47169 (69%) |
90-1994 | 10532 (19%) | 10452 (18%) | 2951 (07%) | 8258 (15%) | 4559 (08%) | 6712 (12%) | 55718 (68%) |
* حصة العالم الصناعي من إجمالي الصادرات لدول العالم.
المصدر:
International Monetary Fund. (1990). Direction of Trade Statistics. Yearbook 1990. Washington, Dc: Author.
International Monetary Fund. (1995). Direction of Trade Statistics. Yearbook 1995. Washington, Dc: Author.
جدول (11)
المتوسطات السنوية لمجمل التجارة البينية دول مجلس التعاون وإيران والعراق (1983-1994)
(ملايين الدولارات بالأسعار الجارية)
الولايات المتحدة | اليابان | فرنسا | ألمانيا | إيطاليا | بريطانيا | العالم الصناعي* | |
دولة الكويت | |||||||
83-1989 | 1108 (13%) | 2846 (31%) | 472 (05%) | 686 (07%) | 1127 (07%) | 573 (04%) | 9093 (56%) |
90-1994 | 2129 (39%) | 1939 (34%) | 579 (07%) | 573 (08%) | 356 (04%) | 674 (09%) | 7656 (69%) |
العربية السعودية | |||||||
83-1989 | 9283 (24%) | 11928 (29%) | 2900 (07%) | 2601 (06%) | 3124 (08%) | 2465 (06%) | 39654 (70%) |
90-1994 | 15186 (20%) | 11400 (23%) | 3423 (07%) | 2703 (05%) | 3270 (07%) | 4052 (08%) | 49902 (66%) |
سلطنة عمان | |||||||
83-1989 | 392 (12%) | 1239 (32%) | 182 (06%) | 277 (05%) | 98 (02%) | 488 (06%) | 3302 (51%) |
90-1994 | 527 (12%) | 2505 (56%) | 264 (05%) | 201 (04%) | 71 (02%) | 517 (11%) | 4511 (50%) |
دولة الإمارات | |||||||
83-1989 | 1423 (11%) | 7211 (54%) | 755 (06%) | 773 (06%) | 765 (05%) | 1052 (08%) | 13326 (58%) |
90-1994 | 2298 (10%) | 11560 (53%) | 1067 (05%) | 1523 (07%) | 1131 (05%) | 1881 (08%) | 23206 (55%) |
دولة قطر | |||||||
83-1989 | 138 (05%) | 1568 (52%) | 289 (08%) | 132 (04%) | 256 (08%) | 204 (07%) | 3187 (70%) |
90-1994 | 259 (07%) | 2175 (62%) | 149 (04%) | 190 (05%) | 119 (04%) | 236 (07%) | 3461 (68%) |
دولة البحرين | |||||||
83-1989 | 450 (24%) | 527 (27%) | 58 (03%) | 111 (06%) | 121 (07%) | 266 (15%) | 1849 (21%) |
90-1994 | 675 (27%) | 555 (22%) | 152 (06%) | 202 (08%) | 108 (04%) | 341 (14%) | 2520 (24%) |
إجمالي مجلس التعاون | |||||||
83-1989 | 12794 (18%) | 25319 (36%) | 4656 (06%) | 4579 (06%) | 5444 (08%) | 5047 (07%) | 70412 (62%) |
90-1994 | 21042 (23%) | 21033 (33%) | 5391 (06%) | 5391 (06%) | 5055 (07%) | 7700 (09%) | 90256 (60%) |
إيران والعراق | |||||||
83-1989 | 2587 (09%) | 5236 (18%) | 2113 (08%) | 4278 (15%) | 3368 (12%) | 2061 (07%) | 28212 (62%) |
90-1994 | 1580 (06%) | 4526 (20%) | 1698 (08%) | 4576 (19%) | 2637 (12%) | 1715 (07%) | 23099 (60%) |
إجمالي منطقة الخليج | |||||||
83-1989 | 15381 (16%) | 30544 (31%) | 6818 (07%) | 8857 (09%) | 8811 (09%) | 7109 (07%) | 98624 (62%) |
90-1994 | 12623 (20%) | 34659 (31%) | 7331 (07%) | 9967 (09%) | 7693 (07%) | 9416 (08%) | 113355 (60%) |
* حصة العالم الصناعي من إجمالي الصادرات لدول العالم.
المصدر:
International Monetary Fund. (1990). Direction of Trade Statistics. Yearbook 1990. Washington, Dc: Author.
International Monetary Fund. (1995). Direction of Trade Statistics. Yearbook 1995. Washington, Dc: Author.